عزيز عمرو
الحوار المتمدن-العدد: 1396 - 2005 / 12 / 11 - 10:09
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
بعد انهيار المنظومة الاشتراكية و خاصة الاتحاد السوفيتي , ازدادت شراسة الهجمة الفكرية على الفكر الماركسي من بعض المفكرين الرأسماليين و البعض من المرتدين عن الفكر الماركسي – اللينيني . و كما قال لينين:( ما من أحد يستطيع الإساءة إلى الاشتراكية بقدر ما يستطيع الاشتراكيون أنفسهم ). لأن البعض تعود عن قصد أو غير قصد اعتبار نجاح كل تجربة أو فشلها المعيار النهائي و الوحيد لصحة النظرية التي قامت التجربة على أساسها أو لبطلان تلك النظرية, و من هنا جاء المثل المعروف – من جرّب المجرب حلّت به الندامة –
ولكن حتى النظرية العلمية يمكن أن تصاب تجربتها بالفشل في التطبيق , و ذلك إذا كانت الممارسة أو طريقة العمل خاطئة , أو تخلفت عن التطور و تركتها الحياة وراءها , فالتمحيص و النقد يجب أن يتناول كل شئ بعد كل كارثة تاريخية , و إلا ضاعت التجربة , و كما قال أحد الحكماء " الهزيمة أفضل معلم للمهزوم " .
فالبعض يعتبر الآن الماركسية ليست نظرية , بل منهج معرفي فقط كباقي المناهج الأخرى , و يعارضون بين المنهج و النظرية , و حسب اعتقادهم هذا ما أدى بالفكر الماركسي إلى الجمود و التحجر و من ثم إلى انهيار المنظومة الاشتراكية . و من المعلوم إن ماركس و انجلز توصلا بدراستهم للتاريخ البشري بمنهج مادي ديالكتيكي
إلى نظرية الصراع الطبقي التي تقضي بان الصراع قد غدا بعد زوال المجتمع البدائي القوة المحركة للتاريخ
وسوف يؤدي إلى زوال انقسام الناس إلى طبقات . و هذا مثال واضح على اندماج المنهج بالنظرية فالمنهج بلا
نظرية ليس اقل شرا من نظرية بلا منهج فالخطأ ليس في دمج المنهج بالنظرية بل بالفصل بينهما , يقــــــــــول
انجلز ( إن نظريتنا ليست عقيدة جامدة بل توضيحا لعملية التطور التي تنطوي على جملة من الأطوار المتلاحقة )
فالسبب الرئيسي للجمود هو الجهل و العجز عن تطوير النظرية و عدم فهم النظرية كمرشد للعمل قابلة للحياة
و التطبيق و التطوير .
و يطرح البعض الآن مقولة أن اللينينية هي روسية الطابع و مجرد تراث للاطلاع متناسين إن لينين طــــــوّر
الماركسية في جميع مجالاتها , ففي عام 1908 ألّـف عمله الفلسفي الأساسي – المادية و النقد التجريبي- وأعطى
تحليلا شاملا للمسألة الأساسية في الفلسفة المادية كما عرف أهم مقولات الفلسفة الماركسية ( كالمادة و الحركـــة
و الزمان و المكان و السببية و الضرورة ...) و في ميدان الاقتصاد السياسي اكتشف القوانين الاقتصاديــــــــــة
و السياسية المتحكمة في تطوير الماركسية في المرحلة الامبريالية , و ذلك في كتابه الهام – الامبريالية أعلى
مراحل الرأسمالية – و فضح و عزل و حذر من خطر التطرف الذي كان ولا يزال يؤدي بالحركة إلى الإجهاض
و الهلاك و ذلك في كتابه مرض الطفولة و كتاب الدولة و الثورة الذي يحدد فيه الطبيعة الطبقية للحكومات و إنها
لا يمكن أن تمثل مصالح كل المجتمع بل فقط مصالح طبقة أو فئة معينة – كالعولمة اليوم التي تمثل مصالح الاحتكارات الأمريكية _ و أيضا نضاله ضد الانتهازية في الأممية الثانية و تشكيل الأممية الثالثة , و مناهضته
لمحرفي الماركسية وايلائه الأهمية الكبيرة لدور النقابات في الدفاع عن مطالب الكادحين و كذلك كتابه – حـــق
الأمم في تقرير المصير _ الذي كان ردا صارخا على تلك التيارات داخل الحزب التي كانت تتجاهل حق الشعوب
في تقرير المصير حتى الانفصال , و كان لينين يميز بين قومية الأمة الظالمة و قومية الأمة المظلومة , بيـــــــن
قومية الأمة العظمى و قومية الأمة الصغيرة , و كان لينين ضد التعصب القومي و ضد شوفونية القومية الحاكمة
كما كان ضد التصرفات الفردية و عبادة الفرد وحذر من أخطاء ستالين حين قال: " أن ستالين مفرط في الفظاظة
و هذا أمر غير محتمل في منصب الأمين العام و اقترح على قيادة الحزب نقل ستالين من منصب الأمين العــــام
و تعيين شخص أخر يكون أكثر تسامحا و أكثر ولاء , و أوفر لطفا , و اشد انتباها للرفاق , و اقل تقلبا فـــــــــي
الأهواء ." و كان يؤكد على أهمية القيادة الجماعية و العمل الجماعي , ففي خلال ستة سنوات من 1918-1923
و في ظروف خارقة المشقة – ظروف الحرب الأهلية – عقد لينين /6/ مؤتمرات للحزب و/5/ كونفرنســــــات
و/79/ دورة للجنة المركزية . بينما في أيام ستالين فخلال عشرين سنة من 1934-1953 لم يعقد ســـــــــــوى
ثلاث مؤتمرات و كونفرانس واحد ولكن هذا لا يعني أبدا إن ستالين لم يساهم في تحقيق الكثير من المكاسب والمنجزات لاتحاد السوفييتي. و حذر أكثر من مرة من خطر الروتين على النظام الاشتراكي حيث قال :
شر ما عندنا العدو الداخلي – البيروقراطية . و كان صريحا عندما قال : نعم خرقنا قوانين الثورة التي تحـــدث
عنها ماركس_ تهيئة العامل الموضوعي و العامل الذاتي , و لكن بدل أن ننتظر تحقيق العامل الموضوعي سنقوم بتحقيقها بعد الثورة , و هذا كان الهدف من – النيب – أي تحقيق العامل الموضوعي . و أعار لينين اهتمامــــا
كبيرا لبناء الحزب و ضرورة الاهتمام بالتركيب الطبقي للحزب و خاصة القيادية . و السؤال : هل يمكـــــــــن
تسمية كل هذه المواقف و الجهد و الأبحاث و النظريات و الكتب بأن اللينينية ظاهرة روسية و تراث للاطلاع
فقط ؟ و هل سبب الانتكاسات التي حدثت و التراجع الذي حدث سببه النظرية و الايدولوجيا الماركسية – لأنهـا
تؤدي على حد زعمهم إلى الجمود و الانعزالية ...؟ وهل التخلي عن الاشتراكية و الاكتفاء بالتقدم الاجتماعي
و التخلي عن سلطة تساعـــــــــــــد الحركة على التطور و التقدم و كسب الجماهير ...
إنني أرى العكس تماما فأسباب التراجع هو الهجوم والابتعاد عن النظرية و الايدولوجيا و التخلي عن الاشتراكية و اللينينية
و الابتعاد شيئا فشيئا حتى عن الصراع الطبقي الذي يؤدي إلى سلطة الكادحين , و عدم الاهتمام بالنقابــــــــــــات
و المنظمات الجماهيرية الأخرى و عدم الاهتمام بالقوميات و الأقليات الموجودة و بالتركيب الطبقي للحزب و الهيئات القيادية و الاهتمام بالمصالح الشخصية
أكثر من قضايا الحزب و الوطن و الابتعاد عن القيادة الجماعية و تقديس الفرد و تقديم الكوادر على أساس الو لاءات و ليس على أساس الكفاءات و أبدية القيادات و غيرها من المواقف التي تتنافى كليا مع مبادئ الماركسية-اللينينية فكرا وتنظيما . فالتراجع سببه كل ما سبق من مواقف و العلاج ليس
أبدا في الابتعاد عن الماركسية-اللينينية باسم التجديد و التطوير . فالخطر الرئيسي الذي يهدد الماركسية هو خطر
تصفيتها إيديولوجيا و نظريا و بالتالي سياسيا و تنظيميا . إما الجمود و رفض التجديد فيضطلع بدور مساعد للخطر التصفوي . و النظرية بالنسبة للشيوعيين اليوم و خاصة في هذه الأيام التي تشبه إلى حد كبيـــــــــــــر
أعوام /1905-1907/ بعد انهيار الثورة الروسية الأولى و كذلك أيام خيانة قادة الأممية الثانية تشكل منارة تهديهم في
نضالهم الطويل من أجل الديمقراطية و العدالة الاجتماعية ة الاشتراكية .
فلنعمل على مكافحة التفسخ و الارتداد و تحويل الحركة من حركة ثورية للتغيير إلى حركة إصلاحية سياسيـا
و فكريا و تنظيميا , مهتدين بدعوة لينين ل:"النضال دفاعا عن مبادئ الماركسية ضد التحريفية و تصفيتهــــــا
كنظرية مرشدة للعمل ."و العمل الجاد و الصادق من اجل التنسيق بين الشيوعيين و صولاً ‘لى تحقيق وحدة الشوعيين السوريين , و الدفاع عن الوطن ضد الأخطار الخارجية .
#عزيز_عمرو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟