ذياب فهد الطائي
الحوار المتمدن-العدد: 5188 - 2016 / 6 / 9 - 23:39
المحور:
الادب والفن
نوافذ دائرة الطباشير
رواية
الحلقة السابعة
ذياب فهد الطائي
لم يكن ( الكلي المعرفة ) قد ذهب بعد، حيث يراقب النمل ألأبيض الذي ينتسب في اصوله التاريخية الى فريق النمل الذي كلمه النبي (سليمان ) عليه السلام , كان مشغولا بالحديث عن طعم الرمان على شفتي زوجته الجديدة التي رآها مصادفة عصر يوم ربيعي رائق وتزوجها مساء ذات اليوم، وفي غرفة تبديل الملابس للمسرح الوطني، لأنه كان غاية في ألإستعجال فقد كان عليه ان يحضر مقابلة خاصة مع فريق أجنبي لمحطة فضائية كانت مولعة بعرض ألأساليب المبتكرة للرقص الشرقي في الجزر الواقعة شرقي المحيط الهادي والتي يسكنها في الغالب شيوخ نفط وامراء غاز واثرياء آخرون .
قال الناقد الأدبي ذو الوجه الطفولي والنمش على وجنتيه والمولع بالنكات الجديدة
: لقد استدعى الخبير في الطرق المناسبة في اطلاق ضحكة تلائم ذوق سكان الجزر وتكون مؤثرة في قرارهم السياسي.
تلفت ليتأكد انه مع صديقية العزيزين وان لا وجود لجهاز تسجيل فقد اقسم لهم انه لن يعود للحديث عن اي شأن من شؤون ( الكلي المعرفة ) ولكن الطبع غلاب
: لقد كتبت مقالا نقديا وسأنشره في مجلة لبنانية وبأسم مستعار
قال الصديق الثاني وهو مدرس الفلسفة في كلية الآداب : لكن ماهو الموضوع؟
: انه عن التفسير الرمزي للغابة كمثال للوحدة،وعن رحيل الغزالة الى الصحراء والذي هو تعبير عن سنوات ستأتي شديدة القسوة
قال الصديق الثالث والذي يعمل مراقبا للبلدية وكاتبا سياسيا في صحيفة الجيش والذي كان يثرثر دائما عن ألأصول القومية لسكان شمال الجزيرة العربيه
: ولكن لم تقل ماهو شكل الضحكة التي سيمارسها .
: حسنا لقد سمعت الخبير يقول ان سكان تلك الجزر يفضلون أن تأتي الضحكة من أسفل البطن وان تصعد ببطئ الى الشفتين على ان لا تمتد الى العينين لأنهم ومن تجاربهم الشخصية كحكام أو كتجار يفضلون أن تبقى العينان متيقظتان ، ترقبان ردة الفعل في عيون الجالسين في المكان أو الذين يشاهدون الشريط المسجل في بيوتهم !
قال مدرس الفلسفة : ولكن ما سأنشره مختلف
: كيف ؟
: إنه عن وحدة الوجود في جدلية اختلاف الواقع الأفتراضي في الرواية الجديدة التي كتبها (الكلي المعرفة ) . لقد استدعيت امس لأستلام نسخة من الرواية وقالوا بأنهم يريدون المقال هذه الليلة ليلحق الصفحة ألأدبية بالجريدة.
قال محرر الصفحة الأدبية : برغم اني لم افهم شيئا من النص إلا اني أرى انه متماسك .
قال مدرس الفلسفة : ليس المهم أن يكون متماسكا أو مباشرا ،لأني كنت حريصا على ان يلائم الهدف أكثر من النص الروائي الذي كتب بروح بنيوية جديدة , كنت ولساعات طويلة (( أواصل طراد نمر آخر ، حيوان لايوجد في النثر ))
قال المحرر : ماذا تعني ؟!
قال مدرس الفلسفة : أنا ! ، لا أعني شيئا , هذه مقولة للروائي( بورخيس ) في (النمر ألآخر ) ربما ترمز الى المعاناة في البحث عن المعنى الذي يختفي خلف الكلمات .
قال رئيس قسم الترجمة , والذي كان قادما للتو من الغرفة ألأنيقة التي تشغلها اربع مترجمات ، وقد اصبح بحكم العادة زائرا للغرفة قبل ان يبدأ عمله اليومي.
: منذ ان التحقت مترجمة اللّغة الفرنسية ، والتي كان وجهها باستدارة القمر الذي كان يعشقه وهو يتلألأ فوق قريته الساحلية المطلة بترف على البحر ألأبيض المتوسط ثم يهبط بخيلاء الى ألأعماق الزرقاء الباردة متلذذا بنعومة المنزلق وطراوة المياه
ولكنه لم يكمل !
و قال في سره , انه نهار ربيعي رائق يمكن معه العبور الى فراغ الكسل المرهق في غرفته وهو يتطلع الى الصورة الكبيرة أمامه ل (الكلي المعرفة ) بوجهه الصارم وعينيه المتفحصتين .
وتابع بصوت مخاتل : أن مطاردة النمر ، ليس بالتعبير الملائم ، الرواية واضحة وهي مكتوبة اصلا للجماهير وليس للنخبة ! يمكن القول انك تطارد فراشة ملونة أو حتى قبّرة تتلهى في ثنايا النثر بأساليب انثى مخادعة .
قال مدرس الفلسفة : كل بحسب خبرته في الصيد !
: ولكن وعلى اية حال هل اصطدت النمر ؟!
: كلا ، انه يختبئ في الدور السفلي للمنطقة المغناطيسية في نهدي فتاة الترجمة الجديدة !
شعر رئيس قسم الترجمه , القادم من قريته التي تظل ليال طويلة تحلم بالقمر يصعد فوق صفحة البحر ولكنها تستجيب لخدر النعاس الرخو وتغفو على الرصيف ، انه يتعرض لتحرش مهين عن طريق التعريض بعلاقته السرية بالمترجمة الجديدة ذات الوجه الربيعي الدافئ والعينين العسليتين اللتين تنضحان بدعوة شهية متخفية يجب ألأنتباه لها .
حين خرج مدرس الفلسفة قال رئيس قسم الترجمة بلهجة خطيرة وكأنه يكشف عن حالة هجوم مباشر على ( الكلي المعرفة )
: يجب التوقف عند حديثه عن صيد النمر وأرى أن ترسل مقاله ل ( ألكلي المعرفة ).
كان( الكلي المعرفة) في احسن حالاته يتكئ على وسادة ذات غطاء من الستان الأزرق يتطلع نحو زوجته الثالثة والتي طعم شفاهها كحبات الرمان البالغ النضج بفصوص ياقوتية لامعة ، من الممكن عدّ حباتها المتراصة بأناقة مدهشة ، وكانت هي في الساحة الترابية تضع على رأسها قبعة حمراء مزينة بشريط أبيض وتجدل شعرها الأسود على مودة (ذيل الحصان ) وترتدي بنطالا من الجينز الناعم ، عريض عند الورك ويلتصق بالساقين اللتين ترتفع الى وسطهما قبة الحذاء الجلدي ، كما كانت ترتدي كنزة هي خليط من الحرير الطبيعي والقطن ، مفتوحة عند الصدر بحيث يبدو المجرى الذي يشكله نهداها النافران عميقا ، داكنا , يستثير امواج غبش الفجر بعد ليلة ماطرة .
كانت في الساحة الترابية تحاول ان تتهيئ لتركب مهرا بنيا بغرة بيضاء وبذيل طويل مرفوع ، اسود يلتمع شعره بتموج يستجيب لنور الشمس الذي يصل متقطعا بسبب غيمات بيضاء عالية تتدافع متلاحقة ، كانت رقبته طويلة مقوسة وقوائمه محجلة وكانت حوافره صغيرة مصقولة الجدران وصلبة ، أما صدره فقد كان واسعا وكتفاه متينا التكوين ومدفوعان للأمام .
كانت مدهوشة كونها زوجة وفارسة وكلا ألأمرين جاء صدفة، بحيث قدرت ان عليها ان تحافظ على توازنها تماما مثل بهلوان يمشي على حبل
كان الحصان ، هديته لها بمناسبة عيد( ميلاده) , تنازل لها عنه اكراما لطعم الرمان على شفتيها المزهوتين اللتين تشعان كنور الشمس الدافئ الذي يغرق في كروم العنب آخر الموسم
: يمكنك ان تتدربي عليه ولكن حاذري فهو لم يدجن بعد .
كان هدية له ،من الرجل الأسمر بلحية تستدير حول ذقنه وبعينين يسكنهما بضعة شياطين من دون ان يبدر منهم ما يشيرالى اي ملل يدفعهم للخصام .
قال : هذا المهر من اصول عربية ،رغم انه جاء من فرنسا ،فهو أحد سلالة الحصان ألأبيض الذي اخذه نابليون بونابرت معه من مصر بعد معركة الأهرام وركبه في معركة (مارنغو زايسلنغ ).
ولكنها لم تكن تصغي اليه كانت مأخوذة بالجمال الجامح للحصان الفتي الحرون وكان اهتمامها ينصب على :هل تستطيع أن تروضه ؟!
ولكن ماجدوى ان تمتطيه وراء هذه ألأسوار العالية من دون ان يراها أحد !
ابتسم وهو يداعب المجرى الذي ينحدر باندفاع بين اليمامتين المدهوشتين وقال لها
: يمكنك بعد ساعات ان تكوني فارسة حقيقية !
كان يتشهى هذه القرنفلة البرية المنفلتة ، حتى وهي وراء هذه الأسوار كلها ولهذا وضع الحرس في كل الزوايا كما أمر أن لا تكون سرعة السيارات المنطلقة في الشارع المحاذي، والذي يبعد اكثر من ثلاثة كيلو متر، أقل من مائة وعشرين كيلو مترا في الساعة .
كانت زوجته ألأولى فلاحة وقد بذل مساع جدية في أن يجعلها تبدو كأمرأة متحضرة ، ولكنه يؤكد بأسف انه قد فشل ويردد مع نفسه ( المسألة لها علاقة بالذوق ), ولكن الأمر المؤلم انها بدأت تستقبله بابتسامة مليئة بكراهية عميقة حتى ليبدو وجهها المصفر ينضح حقدا وبشاعة لاسيما عندما تصر على صبغة الشعر الذهبية التي تضيف الى ملامحها خبثا بذيئا ، ولهذا قرر ان يتركها لأولادها .
أما امرأته الثانيه فقد كانت( بروتوكولية) اكثر مما يجب وهي تتصرف وكأنها أميرة من القرن الثامن عشر ، كثيرة الثرثرة عن امجادها وشديدة التزمت في البيت ، وتتصرف أحيانا بشيء من الغموض المترفع وكأنها في طقس ماسوني شديد التزمت. كانت تبحث لنفسها وهي تتحدث اليه عن طريق مواز محتفظة بسخرية ارستقراطية مهذبة في تعابير وجهها وفي نظرتها الكسولة والساحرة .
كان في البدء، مأخوذا بجمالها ولكنه اكتشف انه بحاجة الى امرأة من نوع آخر وفكّر ،ان الرجل بعد الخمسين يبحث عن امرأة تسد خفايا العشق بشهوانية وبصخب فاحش . ولهذا فوجئ (المحافظ ) ،(( هذا بالطبع قبل تحوله الى خادم لضريح الولي )).
برّد (الكلي المعرفة ) حين كان يشرح له الوضع العام منوّها أن هناك ظاهرة أزدياد عدد العاهرات وذلك بناء على الجداول ألأحصائية للسنوات الثلاث المنصرمة .
أجابه بصوت حاد
: ثم ماذا , هل يمكن ان تدلني على مكان في العالم يخلو من هذه الظاهرة , فضلا عن مسألة غاية في ألأهمية اذ في حالة انعدام هذه الظاهره كيف سيتأكد الشباب الذين نضجوا انهم رجال !.
تقدم رجل بملابس رسمية وانحنى بأحترام مبالغ به وهو يقدم ملف البريد ، لم يكن وجهه الجاف تماما يعبر عن اية مشاعر، ربما تنحبس في دخيلته ، حتى ان يديه تتحركان بآلية ميكانيكية وكأنه يقسم أنه لايخفي سلاحا تحت سترته المكوية بعناية كموظف استلم راتب أول شهر له في العمل , وانه بريء ( ولو من باب ألاحتياط ) فيما اذا وقع خطأ ما على نحو غير مقصود .
كان (هو) في مزاج رائق ولم يرغب أن ينشغل كثيرا عن (قرنفلته ) , قلب ألأوراق بسرعة وأشر على التقرير المقدم عن توجهات مدرس الفلسفة الذي يحاول ان يعطي تفسيرات تتميز برفض الواقع عن مسارات تؤيد ألأهمية ألأستثنائية لتعميم الفكرةالمدهشة عن ( المرافق العامة) في زمن الحرب ,
(( يعين مستشارا ثقافيا لنا ))
قال رئيس قسم الترجمة وهو يودع المترجمة الجديدة : لقد وجدت وظيفة في مدينة ساحلية طالما كنت أحن اليها وقد وافقت الجريدة على سفري .
قام محرر الصفحة ألأدبية برفع تقريره من ألارشيف من باب ألاحتياط
قال مدرس الفلسفة : يبدو ان سوء فهم قد حصل , سأغادر في أول فرصة !
قال الرجل : لم يبق من العاصفة الا الغصن الكبير الذي أسقطته الرياح أما الكلب فقد رحل شرقا ولكن الغزالة فضلت الصحراء أخيرا
قالت المرأة : هل رأيت الشمعة ؟!
قال الرجل : نعم ، وكانت ماتزال تعطي نورا كابيا في ضوء الشمس الشتوي المتقطع ولكني لم أر الولي على شجرة الصفصاف ولم ألحظ صوره على ألأوراق الندية وقد بحثت في ظل النهر فوجدت خيالا باهتا حيث كان يغفو ليلا .
قالت المرأة : ولكن هناك امر آخر .
قال الرجل : ماهو ؟!
قالت المرأة : وتدفع البشارة !
قال الرجل :نحن نحتاج الى البشائر والا سيأخذنا اليأس أو الجنون . وتابع:
ولكن ألا تعتقدين ان اليأس في نهاية ألأمر هو جنون على نحو ما ، على اية حال هل عاد ( الكلي المعرفة) ؟!
قالت المرأة : كلا ، ولكنه لن يعدّ النمل الأبيض بعد ألآن ولن يشغل تفكيره تحديد درجة الخصوبة لدى ألأناث!.
قال الرجل : ماذا إذا !
قالت المرأة وهي تلقي بعلبة حبوب منع الحمل في حاوية القمامه : احزر !
قال الرجل : لقد حصلت المعجزة , وأخيرا سيكون لنا ولد !
قالت المرأة : ربما اثنين ، قالت الطبيبة ان لدي توأمين !!
#ذياب_فهد_الطائي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟