|
ثلاثيات رمضان هيت
قحطان محمد صالح الهيتي
الحوار المتمدن-العدد: 5188 - 2016 / 6 / 9 - 20:48
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
تميّز رمضان هيت بثلاث خصائص خالف بها الماء. فله لون، وطعم، ورائحة. لون ابيض نقي كقلـوب اَهلها . وطعـم امتزجت به كل انواع ( الطُعْمَه ) التي تتجمع على الموائد مما يقدمه الجار لجاره . ورائحة خبز تنور الحطب و(العروگ)و(حنيني) تمر الخستاوي. - وكان رمضان هيت: (سليقه) و( گيشه) و(شقيق).الأولى لإنتاج البرغل والثانية لحفظ تمر(الخستاوي) والثالثة تجفيف بعض الخضر التي لا تتوفر في رمضان قبل أن تغزوا الدورَ المجمدات. ولا تسألوا (كوكل) عنها؛ فلن تجدوا الجواب الا عند من عاش ذلك الزمن الجميل. - وكان رمضان هيت: صبحٌ، وعصرٌ، وليلٌ. صبحه لا يختلف عن صباحات الأيام . العاملــون في عملهم والطلبة في مدارسهم، والنسوة في بيوتهن، الكل مستبشرون فرحون بوجوه لا عبوس فيها ولا حزن، وعيون لم يتعبها السهر ولا متابعة المسلسلات، ولا مسجات الهواتف. - وعصرُه مثل صبحِه ؛ فالكل خلية نحل تعمل لتأكل، ولكنهم يعملون لينتجون لا ليأكلون . ويطبخون ليُطعمون بعضهم بعضا، فترسل الجارة (الطُعْمَه) الى بيت جارتها لأن (أبو البيت) يحبها.ولم ينسَ الأهلُ العُزابَ من الموظفين الغرباء، وطلبة القرى الذين كانوا يدرسون في الثانوية؛ فكان لهؤلاء نصيب مما يطبخون. - وليلُه أجمل من نهاره، ففيه تبدأ طقوس الشهر، كل كما يحلو له . فمنهم من يقضيه في جامع الفاروق ، ومنهم من يقضيه في إحدى المقاهي، ومنهم من يقضيه في أحد دواوين الوجهاء. وحديث الجميع في طقوسهم ومقاهيهم ودواوينهم يدور حول هموم المدينة وأهلها وما يجب على كل واحد منهم أن يقوم به للنهوض بها، وكثيرا ما كانوا يتفقون على تكليف أحدهم لمقابلة مدير الناحية أو الذهاب الى المتصرف أو الوزير للمطالبة بتنفيذ عمل لصالح المدينة. - وكان رمضان هيت: أب، وأم، وأبناء. أب يكدح ويعمل ليرعى. وأم تسهر وتتحمل لتربي. وأبناء ينفذون ما يأمرون به من الوالدين؛ فيتعلمون ويقرأون ويدرسون، ويكبرون دون أن يقولوا (أفٍ ) محبين لأهلهـم ولمدينتهـم ، عارفيـن أن الديـن النصيحة، وأنْ لا فضل لعربي على أعجمي الا بالتقوى، وأن الجدال بالتي هي أحسن، رافعين شعار اطلب العلم ولو كان في الصين. - وكان رمضان هيت: مئذنة، ومقبرة، ومقام. المئذنة هي مئذنة جامع الفاروق وهي واحدة من أقدم المآذن. وكان الصبية في رمضان يقفون على أبواب بيوتهم منتظرين صوت المؤذن ليصرخوا بصوت واحد (الصايم يفطر). وكثيرا ما كان لاتجاه الريح وشدتها تأثير على وصول صوت المؤذن لذلك يُشعلُ المصابيح التي في أعلى المئذنة عند البدء بالآذان ليكون دلالة لمن لا يسمع الآذان. - ومقبرة لأن هيت تميزت بكثرة مقابرها فلكل بيت من بيوتاتها المعروفة مقبرة خاصة بها، حتى الغرباء خصصت لهم مقبرة سميت بمقبرة (تل الغُرب) وأول من دفن بها هو الشهيد الغريب (وجيه)، وما زالت هذه المقابر تتوسط المدينة كونها وقفا عاما لا يجوز التصرف به. لقد كانت المقابر قبل تسيجيها ملاعبا نلعب بها لعبتي (الفرار) و (الغُبيه). - ومقام ففي هيت من أضرحة الصالحين ومقاماتهم الكثير، ونظرا لكثرة زوارها من هيت ومن خارجها فقد عرفت عند الهيتين بالمزارات، وقد كانت الزيارات اليها تكثر في شهر رمضان وكان لنا نحن الصبية نصيب مما تجود به أيادي الزائرين. - وفي رمضان هيت من الرجال ثلاثة: عبد عوينة، ودَلّي ، وبنَّان . عبد عوينه (المسحراتي) الضرير الذي كان يطوف داربين المدينة حاملا دفّه وبرفقته بعض الصبية ليوقظ النائمين لإعداد السحور. - ودلّي، سقاء المدينة قبل أن تزور أنابيب شبكة المياه دروبها؛ فكان يحمل (تنكتيه) ليروي بهما عطش أبناء المدينة، مثلما كان يسقيهم الودَّ بلطفه ومشاكساته ، فأحبوه وهزجوا معه ( بعدك يا دلي منو يشيل التنكه). - وبنَّان الراعي الذي كان اغلب أبناء المدينة ينتظرون عودته بعد صلاة العصر ليأخذ كل منهم نعجته أو عنزته لينتفعوا بما ستجود به عليهم من حليب تنتظره (أم البيت) لتعمل منه المحلبي من طحين التمن الذي أعدته لرمضان قبل أن يحل (النشا) محله. - هكذا كان رمضان هيت: محبة،ومودة، وطيبا. الكل يحب الكل، والكل يود الكل، والكل يُكرمُ الكل. لا اقول انه كان مجتمع المدينة الفاضلة، بل كان مجتمعا فاضلا يعرف كيف يتفق وعلى ماذا يختلف. لقد كان مجتمعا يغسل فيه الواحد منهم قلبه قبل جسده، ولسانه قبل يديه. - لقد كان الهيتي في رمضان: بسمة، وصمت، وخاتمة، سعى لأن يجعل بسمته سعادة، وصمته عباده، وخاتمته شهادة.وما احوجنا اليوم الى رمضان يعيد لنا السعادة والعبادة وحسن الشهادة.
#قحطان_محمد_صالح_الهيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أسمع مني يا محافظ
-
إنهم شهداء هيت
-
نريد الشجاعة
-
أين أنتم؟!
-
إمّا أو
-
هيت أولا ويد بيد لنبنيها
-
مجلس القضاء وشرعية الأداء
-
رسائلٌ وصلتْ واُخرى لم تَصِلْ
-
وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ
-
أُريدُ أنْ أَعيش
-
حكم من زوج داعشيا ابنته
-
انسوا ولا تَنْسُوا
-
الى من يهمه الأمر
-
الناس خرْبَتْ والملح شالْ ايده
-
هنا وهناك
-
أنا في المَعْمَعَة
-
الأهم من النصر المحافظة عليه
-
لكِ اللهُ يا هيت
-
عليمن يا گلب تعتب عليمن
-
لى الذين يكتبون ويعلقون
المزيد.....
-
-ليس سؤالًا ذكيًا-.. شاهد كيف رد ترامب عندما ضغطت عليه مراسل
...
-
دعوى قضائية بقيمة 20 مليون دولار ضد شرطية في ألاباما صعقت رج
...
-
10 أضعاف حجم البنتاغون.. الصين تشيد أكبر مركز قيادة عسكري في
...
-
مراسلة RT: العثور على صاروخ غير منفجر في شمال لبنان
-
طهران تؤيد استقرار سوريا ووحدة أراضيها وتدعم أي حكومة يوافق
...
-
أورتيغا وزوجته يحكمان نيكاراغوا بسلطة مطلقة بعد تعديل دستوري
...
-
نائب عن -حزب الله-: الغارات الإسرائيلية على البقاع عدوان فاض
...
-
مباحثات روسية أمريكية حول نقل جثث ضحايا كارثة مطار ريغان الر
...
-
كتائب القسام تنعى قائدها محمد الضيف و-ثلة من القادة الكبار-
...
-
مراسلة فرانس24: ما يدور داخل الأروقة الداخلية الإسرائيلية أص
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|