|
عن آثار الحرب الأفغانية تعديل قانون جرائم الشرف في الأردن
حتر ناهض
الحوار المتمدن-العدد: 12 - 2001 / 12 / 20 - 09:10
المحور:
ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف
استفادت الحكومة الاردنية من اجواء الهزيمة النفسية التي احاقت بالاسلاميين في اعقاب انهيار حركة طالبان الافغانية، او انه اشتد عزمها بالمناسبة، فأصدرت، الاسبوع الماضي، تعديلات ((ثورية)) على قانوني ((العقوبات)) و((الاحوال المدنية))، من شأنها ان تمنح الاردنيات المتمتعات، اصلا، بالمساواة القانونية في مجالات عديدة حقوقا جديدة في مجال المساواة الجنسية. وقد عدّل القانون الاول (العقوبات) بحيث شطب منه حق الاستفادة من ((العذر المحل)) بالنسبة لمرتكب ((جريمة الشرف)) فلم يعد يمكنه النجاة من عقوبة مؤكدة. وبالرغم من ان التعديل لم يسر حتى نهاية الشوط، فاعتبر تلك الجريمة، ((جنحة)) خاضعة ((للعذر المخفف))، لا جناية عادية، فهو ساوى، لاول مرة، بين الرجل والمرأة التي اصبح لها، ايضا، حق الاستفادة من العذر نفسه، في حالة اقدامها على قتل زوجها المتلبس بالزنا. وهكذا يكون ((التعديل)) الذي هدف الى الحد من ارتكاب الرجال ل ((جرائم الشرف))، قد شجع النساء على ارتكابها! الا ان هذه المساواة في حق القتل بالعقوبة المخففة، ربما كانت اكثر ما تستطيع الحكومة الاردنية انجازه، في مواجهة ما يمكن ان تصادفه من مصاعب جمة، لو انها ألغت، بالنسبة لمرتكبي ((جرائم الشرف))، ((العذر المحل)) و((العذر المخفف)) معا. كذلك، عُدّل القانون الثاني (الاحوال المدنية) بحيث (أ) اعطى للزوجة حق ((المخالعة)) اي حقها في الانفصال البسيط عن زوجها، اذا ما اصبحت حياتها معه ((متعذرة)) و(ب) الزم المحكمة الشرعية باعلام الزوجة، رسميا، باقدام زوجها على الاقتران بأخرى. وبالنظر الى التعقيدات العديدة التي تعترض سبيل طلب الزوجة للطلاق، فان حق ((المخالعة)) يمثل مكسبا نسائيا هاما جدا. كذلك، فإن تعذر اخفاء الزواج الشرعي الثاني من شأنه ان يحد، نسبيا، من تعدد الزوجات. ولا يخفى ان هذه التعديلات مصاغة، على كل حال، من وجهة نظر بورجوازيات، الا ان هاته النسوة القليلات العدد ولكن المتربعات على صدر الحركة النسائية، لا يستطعن الادعاء بأن الخطوة الحكومية الاخيرة كانت نتاج النضال النسوي. بل ان حكومة المهندس علي ابو الراغب التي تستفيد من غيبة الحياة النيابية لاصدار حزمة من التشريعات ((التحديثية)) في المجالات الاقتصادية والاجتماعية لا تستطيع، هي الاخرى، الادعاء بأن هذا الفيض من الليبرالية ازاء المساواة الجنسية، هو من بنات افكارها او صميم عزمها؛ بل انها، على الارجح، خشيت من ذلك الفيض، فعمدت الى لجمه جزئيا، مثلما رأينا في حالة التعديل الاعرج على قانون ((العقوبات)). واذا كان لا بد من ان نرد الفضل لأهله، فان الجهات الدولية المانحة هي، في الحقيقة، القوة الدافعة الرئيسية وراء تعديلات المساواة الجنسية. بل ان رفض المجلس النيابي، في دورة 1999 2000، لهذه التعديلات، كان قد كلف البلاد حسب تصريحات صحافية لمصدر مطلع مساعدات وتسهيلات بعشرات ملايين الدولارات. وكانت حكومة عبد الرؤوف الروابدة، قد حاولت، ابان تلك الدورة النيابية، انجاز التعديل المطلوب على قانون ((العقوبات)) باتجاه شطب ((العذر المحل)) في حالات ((جرائم الشرف))، الا ان تلك المحاولة صدت من قبل البرلمان الذي لم يلتفت الى الضغوط الشديدة التي مورست عليه، بما في ذلك قيام امراء من العائلة المالكة بتنظيم تظاهرة مؤلفة من قيادات نسائية وشيوخ عشائريين، لاجبار النواب على الموافقة على ذلك التعديل. ولم تكن الاستجابة البرلمانية لهذه الضغوط ممكنة، طالما ان القسم الاكبر من النواب، سيكون في ما لو وافق على التعديل المطلوب مهددا بخسارة قواعده، بل وربما مكانته الاجتماعية. وبالنظر الى ان الغاء كل اشكال التمييز القانوني ضد المرأة، هو، مثل الغاء كل اشكال ((التمييز)) ضد القطاع الخاص المحلي والاجنبي، مطلب ((عولمي))، التزمت الحكومات الاردنية بتنفيذه في سلة من القوانين التي عرقلتها او كانت ستعرقلها الاغلبية النيابية التقليدية، فقد توصلت حكومة ابو الراغب الى حل بسيط يكمن في تجاهل الدعوة الى انتخابات عامة جديدة، وقتا كافيا يتيح لها اصدار ما هو مطلوب، عولميا، من قوانين اقتصادية واجتماعية. وهو ما تفعله الآن، بالرغم مما يشوب مجمل نشاطها من ثغرات دستورية. واذا كان وجود مجلس نيابي في البلاد هو، ايضا، مطلب ((عولمي))، ناهيك عن انه مطلب دستوري، فان الحكومة الاردنية ستكون امام خيارين، الاول اجراء انتخابات عامة حرة ونزيهة ستعود بالتقليديين، مرة اخرى، الى المجلس النيابي، المتوقع، عندها، ان يرد تعديلات المساواة الجنسية من بين ما سيرده من خمسين قانونا مؤقتا اصدرتها الحكومة او تعتزم اصدارها، والثاني ((تفصيل)) نتائج تلك الانتخابات على مقاس قوانين العولمة! على النساء الاردنيات، اذاً، ان يتوجهن بالشكر، اولا، الى الجهات الدولية المانحة، الحريصة على حقوقهن حتى آخر دولار من المساعدات المشروطة، وعليهن، ثانيا، ان يقدمن ولاءهن الى حكومة ابو الراغب الليبرالية الشجاعة، الحريصة بدورها على ((تحديث)) البلد، اقتصاديا وإلى حد ما اجتماعيا، وبدقة: ((عولمته))، ولو بوسائل اصطناعية واستبدادية. فقد تبين انه لا يمكن للمشروع ((التحديثي)) ان ينجح بدون لجم وتهميش القوى التقليدية التي تتشبث ببيرقراطية الدولة، وبالقطاع العام، وبالحق في قتل النساء ((دفاعا عن الشرف))! بيد ان هاته النساء باستثناء البورجوازيات منهن سيجدن انهن لم يحصلن سوى على قبض الريح. فالقوانين الليبرالية التي تتيح لهن المساواة مع ازواجهن في ارتكاب ((جرائم الشرف))، هي نفسها التي تتيح لرجال الاعمال الجشعين، امتصاصهن حتى آخر قطرة عرق، لقاء اجرة لا تزيد عن مئة دولار شهريا، فحرية القطاع الخاص هي امضى اسنانا من ((حرية النساء)) وتستطيع الاولى، ببساطة، التهام الثانية في سوق عمل متوحش ومكتظ بالبطالة، ويخضع المرأة الكادحة لاستغلال مضاعف، يلجئها، اكثر فأكثر، الى ((العائلة)) و((قوانينها)) الخاصة. وربما كان صحيحا القول ان كل تعديل باتجاه المساواة الجنسية، هو، بلا ريب، مكسب تقدمي. غير ان تلك المساواة، في ظل انهيار كل اشكال المساواة الاجتماعية، تضع المرأة الكادحة امام خيارين هما: التخلي طوعا عن كل حقوقها النسوية للحصول على حماية العائلة، او التمترس، وراء تلك الحقوق، للانتظام في سلك الخدمات السياحية. واريد ان ألاحظ، هنا، ان تمسك ((التقليديين)) بالمادة 340/((عقوبات))، التي تنص على ((العذر المحل)) لمرتكب ((جريمة الشرف))، لا يعني، ابدا، ان هذا النوع من الجرائم هو جزء من التقاليد الاردنية، بل ان المجتمع الاردني التقليدي، للمفارقة، لا يعرف ((جرائم الشرف)) بوصفها ظاهرة تستحق الالتفات او العناية. وأذكّر، في هذا الصدد، بالتسامح العشائري المعروف في مجال العلاقات بين الرجال والنساء، وكذلك بتلك الشبكة المعقدة من ((المواضعات)) والاعراف و((القوانين)) العشائرية المصممة، بكفاءة مدهشة، لتلافي القتل بدوافع الشرف او بغيرها من الدوافع ولايجاد حلول واقعية مرضية للمشكلات التي تطرحها الحياة، بيد ان ((التقليديين)) يعتبرون ان إلغاء المادة 340/((عقوبات)) هو اعتداء على ((مواضعات)) المجتمع العشائري، ويرون الى هذا ((الاعتداء)) مشتبكا مع جملة ((اعتداءات)) قانونية اخرى تمس صميم مصالح هذا المجتمع ومصالحه ونظرته الى الحياة. ونحن، بالطبع، لا نعترض على تعديلات المساواة الجنسية، بل اننا نجدها عرجاء ولا بد من تطويرها بصورة حازمة، خصوصا باتجاه اعتبار جريمة الشرف، جناية كاملة. وهو ما يمثل احد وليس كل اشكال المعالجة المطلوبة لتفشي هذا النوع من الجرائم في احزمة الفقر المدينية وخصوصا بين اللاجئين والنازحين الا ان ذلك لا يمنعنا من الدهشة من ان الجهات الدولية المانحة، تستطيع ان ترى ظاهرة جرائم الشرف، ولا تستطيع ان ترى، في البلد نفسه، ظاهرة فقر الدم! مع ان عديد النساء الاردنيات اللواتي يقتلهن فقر الدم، يزيد، مئات المرات، عن عديد هاتيك اللواتي يقتلهن الشرف! كاتب اردني
#حتر_ناهض (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وزيرة الخارجية الألمانية: روسيا جزء من الأسرة الأوروبية لكنه
...
-
الوكالة الوطنية توضح حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في المن
...
-
ما حقيقة اعتقال 5 متهمين باغتصاب موظف تعداد في بابل؟
-
مركز حقوقي: نسبة العنف الاسري على الفتيات 73% والذكور 27%
-
بعد أكثر من عام على قبلة روبياليس -المسيئة-.. الآثار السلبية
...
-
استشهاد الصحافية الفلسطينية فاطمة الكريري بعد منعها من العلا
...
-
الطفولة في لبنان تحت رعب العدوان
-
ما هي شروط التقديم على منحة المرأة الماكثة في البيت + كيفية
...
-
الوكالة الوطنية تكشف حقيقة زيادة منحة المرأة الماكثة في البي
...
-
تحديد عيب وراثي رئيسي مرتبط بالعقم عند النساء
المزيد.....
-
العنف الموجه ضد النساء جريمة الشرف نموذجا
/ وسام جلاحج
-
المعالجة القانونية والإعلامية لجرائم قتل النساء على خلفية ما
...
/ محمد كريزم
-
العنف الاسري ، العنف ضد الاطفال ، امراءة من الشرق – المرأة ا
...
/ فاطمة الفلاحي
-
نموذج قاتل الطفلة نايا.. من هو السبب ..؟
/ مصطفى حقي
المزيد.....
|