|
تخلَّ عن الأمل: 1
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 5188 - 2016 / 6 / 9 - 09:42
المحور:
الادب والفن
بطلنا، ولأقل منذ البدء أنّ اسمه " فرهاد "، أعرفُهُ كما يعرف المرءُ نفسَهُ. كيفَ وُجِدَ في هذه المدينة المومس، التي تكرهُ كلّ غريبٍ، وفي آن واحدٍ، تتملّقه نشداناً لفلوسه؛ كيفَ حدثَ ذلك؟ فلأقُلْ أيضاً، أنني أعرفُ جوابَ هذا السؤال. ولكن أمهلوني بعضاً من الوقت، أقلّه إلى حين مرور نسمة واحدة. فالليلة هذه أكثر حرارة من تلك الخريفية، الشاهدة على بداية حلول بطلنا في مراكش الحمراء. وإنها لليلةٌ أقلّ اعتدالاً بكثير من ليلةٍ سبقت هذه الأخيرة، كان قد قضاها الشابّ في مطار ستوكهولم الدوليّ؛ في إحدى الغرف الصغيرة، المنذورة للأجانب المرحَّلين. قدَرُ الرحيل، يبدو أنه متجذّرٌ في جينات سلالة بطلنا. " لِمَ تحدّقينَ طويلاً في صفحة القمر؟ " سألَ بطلُنا شقيقتَهُ " شيرين "، فيما كانَ يُغيّر من وضعيّة استلقائه على أرضية الرصيف. لم تُجبه، طالما أنه ما لبثَ بدَوره أن أتجه بوجهه إلى ناحية القمر. لقد عثرا على هذا المكان اتفاقاً، فيما كانا يمضيان بلا هُدى، أو أمل، نحوَ المجهول. وقد فضلا المكوث هنا حتى منبلج الصباح، بما أن المكان يشهد حركة مواصلات مستمرة. المكان، كان شبيهاً بلوحة حُلم: أسوارٌ ملتفة حول رئة خضراء للمدينة القديمة، تفصلها عن حيّ " غيليز " الراقي. هذه الأسوارُ الضخمة، الأنيقة، مفتوحة على مدخلٍ غايةً في الإتساع، لكي يمرّ خِلَله شارعٌ ذو اسم ملكيّ مهيب يُعدّ شريان مراكش. شارعٌ آخر، أضيق من الأول، يتفيأ ظلالَ الأسوار. وكان الشارعان يتصالبان عند الساحة الفسيحة، المشكّلة عَرَصَة من كروم النخيل والصبّار وغيرها من الأشجار المثمرة. شجيرات البرتقال، كانت تهيمن على جانبيّ الشارع ذي الاسم الملكيّ وعلى نسقٍ واحد كأنما هيَ حَرَسُهُ. الأضواء والظلال، كانا يهيمنان على مشهد الحلم بأسره. ما كان ليخطر ببال الشقيقين، بطبيعة الحال، أنهما على مقربة أمتارٍ قليلة من المنزل الرؤوم، الذي سيَفتح بعد قليل بوابة قلبه لهما. آنذاك، كان كلّ منهما يطوي أعضاء بدنه على المعدة المتطلّبة، مُتلهياً عنها بمرأى المركبات والمارين. لدهشتهما، والساعة متأخرة نوعاً، فلم ينقطعَ تدفقُ الناس، وبالأخص السياح، غدواً ورواحاً. بعضُ هؤلاء العابرين، من مواطني المدينة، كان يرمي نظراتٍ فضولية على الشقيقين الغريبين معتقداً أنهما يفترشان الأرضَ على طريقة " الهيبيز ". في واقع الحال، فإنّ هيئة كلّ من الشقيقين كانت توحي بأنها تمتّ للأوروبيين ( الكَاوري ). ما لم يكن ليعلمه أيّ من أولئك العابرين، أنه يمرّ من أمام كيانين منسلخين عن أسرةٍ سورية، عاثرة الحظ؛ معدتين خاويتين تتضوّران جوعاً. " شيرين "، وإن كانت تصغر شقيقها بعامٍ واحد، إلا أنّ لها دالّة عليه وكما لو كانت هيَ من تكبره. فهيَ في خريف عام 1990ـ أي في مبتدأ روايتنا ـ كانت قد أضافت أربعة أشهر إلى سنوات عُمرها الإثنتين والعشرين. ذلك غيرَ ذي أهميّة، الآن على الأقل. علينا، قبل كلّ شيء، أن نفيدَ من ضوء المصباح الكهربائيّ، المتشامخ على ناصيّة الشارع الملكيّ، لمحاولة تقديم ما يُشبه صورة عن هذه الشقيقة. وقبلَ أن يتساءل أيّ قارئ حصيف، عما لو كان ثمة مغزى لوصف الفتاة قبلَ شقيقها، المفترض أنه بطل الرواية؛ فإنني للحقّ لا أملكُ جواباً هذه المرة. ربما هوَ تسرّعٌ في الإحتفاء بفتنة الفتاة ( مع أنّ شقيقها لا يقلّ وسامةً )، أو هوَ نوعٌ من تقديم الأنثى بحَسَب تأثرنا بالتقاليد الغربية، العتيدة. ولكن كفى استطراداً. " شيرين "، كانت نسخة من والدتها ـ إذا صحَّ التعبير ـ حينما كانت هذه الأخيرة في أوان ربيعها. إذ تميّزت فتاتنا بسحنة ملاك ( رأيتم ولا شك ملائكة كُثُر في حياتكم! )؛ قسمات دقيقة، ناصعة كالفضة، مزدانة بشامةٍ عند غمازة الجانب الأيسر من الفم. وما كان يزيد هذا الوجهُ الجميلُ بهاءً، هما العينان العميقتا السواد، والجبين الوضّاء المرتفع مَقْدِساً شامخاً، المتهدّل على جوانبه خُصَلُ الشَعر الفاحم، المتموّج كليل بحرِ ملكٍ ضليل. بيْدَ أنّ " شيرين " وإن تفوّقت على أمها بالجمال ـ كما يزعمُ معارفنا المخضرمون ـ فلم تأخذ قامتها الفارعة ورشاقتها الدائبة. ثمة صورة للأم، من أيام شبابها، مؤطرة في بروازٍ من لحاء الشجر المدبوغ بالغراء، كانت ما تفتأ معلقة على جدار صالة منزل " روشن خانم ". قلائل من زوّار منزل هذه الأميرة الكردية، الكائن في مدينة صغيرة على الساحل السوريّ، كانوا بعلمون أنّ الصورة تخصّ ربيبتها. ولا بدّ أن أحدَ أولئك الزوار، كما يُرجّح، كان قد نقلَ وصفاً للصورة إلى من سيُضحي لاحقاً زوجَ صاحبتها: مأساةُ الشقيقين، ابنيّ المرأة الجميلة، ربما كان سببها تلك الصورة. ولكن كفى استطراداً، كفى استطراداً!
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرواية: استهلال
-
سيرَة أُخرى 34
-
احتضار الرواية
-
فاتن حمامة والزمن الجميل
-
أقوال غير مأثورة 6
-
سيرَة أُخرى 33
-
الهلفوت والأهبل
-
سيرَة أُخرى 32
-
بسمة مسمومة
-
الغموض والوضوح
-
عَرَبة العُمْر
-
اتفاقية سايكس بيكو وشعوب المشرق
-
أحلى من الشرف مفيش !
-
سيرَة أُخرى 31
-
سيرَة أُخرى 30
-
أقوال غير مأثورة 5
-
دعها تحترق !
-
الحمار والدب
-
الأبله؛ الرواية العظيمة كفيلم تافه
-
سيرَة أُخرى 29
المزيد.....
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|