عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5184 - 2016 / 6 / 5 - 04:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حتى في أكثر القوانين والنظريات التنظيمية التي وصل لها العقل الإنساني لا نجد تساوي في المطلق بين الذكر والأنثى، صحيح أن هناك محاولات على طريق المساواة ولكنها محاولات جادة وحقيقية لكنها تعتمد على محددين، أولا الأعتراف بأن هناك ذكر وهناك أنثى مختلفة لكنهما يتساويان بالفرصة بالتمتع بالحق بالقدرة على إثبات الوجود، لكن بكل الأحوال لا يعني ذلك إنكار الطبيعية في التكوين، مثلا يعد مساواة المرأة بالرجل في العمل العسكري والمشاركة في العمليات القتالية يعتمد على خيار الأنثى وأعتبار ذلك مكسب لها وفضالة ذكورية، وليس كقانون طبيعي لأن الطبيعي في المرأة أن التركيب الكيفي لها لا يلائم من حيث الأصل طبيعة المهمة التي تسعى لها.
ثانيا هذا التساوي ليس في معناه الحقيق إمكانية التبادل في أداء الدور المخصص لكل منهم، نظرية التساوي في الرياضيات تساوي كمي وقيمي أي أننا يمكن أن نستبدل شيء بدل مساويه في القيمة أو الحال الكمي دون أن تتأثر المعادلة بالنتيجة، وهذا يقودنا إلى سؤال هل يقود الفهم الحداثي للمساواة إلى تبدل في الوظيفة البيولوجية للذكر والأنثى؟، وإمكانية أن يقوم الرجل بدور المرأة والمرأة بدور الرجل، الجواب بالتأكيد لا يمكن ذلك ولا على سبيل الأفتراض كخيال خصب، إذا التساوي يعتمد على الرجوع فيه إلى المشترك الإنساني فقط فكلاهما إنسان يتمتع بنفس الحقوق والواجبات ضمن الاطار العام مع ملاحظة الخصيصة الخاصة لكل منهم.
نعود لمسألة التفضيل في النص الخاص في الإطار العام وتعميمه من قبل الفهم الكهنوتي على أنه مبدأ كلي تتساوى فيه النساء كوحدة واحدة ومن ثم البناء على هذه الفكرة لتفضل الذكورة على الأنوثة ومنحها درجة تشريفية خاصة، أولا لكل حالة تعليل أظن أن العقلية الدينية لم تنجح في أكتشافه بالرغم من أنه واضح وبين في قصديات النصوص أو من خلال ملاحظة المرأة والرجل ككائن طبيعي ممكن دراسته بتجرد وتبيان الخصائص الفردية لكل منهما على حدة.
أولا هناك مبدأ متفق عليه نصيا وهو الذي يؤسس إلى نظرة الدين للمرأة وهو مبدأ التماثل في الواجب والحق (ولهن مثل الذي عليهن) هذا المبدأ هو القاعدة العامة الأصل وما عداه حالة الاستثناء بشرطها المبرر بعلة، لكل أنثى حق يتناسب مع الواجب كما للذكر تطبيق مساوي لهذه القاعدة، عليه ليس من المسوغ إفراد توصيف محدد لحالة لا تقبل التوصيف العمومي ولا تعظيم الاستثناء وتحويله أو تبديله، عندما يقول النص في بيان التفضيل الذي يتمسك به الكهنوت الفكري على أنه تفضيل مقام {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ....وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم} البقرة 228، هذا التوصيف ليس عاما ولا مرتبط بكونية المرأة من حيث هي كذلك، بل مرتبط بحق الرجل أولا في مطلقته لأنه يسبقها في درجة أنه من سعى لها أولا وثانيا للرابط الذي ذكرته الآية بخوص ما بينهما من نتاج يتمثل في الحمل.
فحوى التفضيل هنا مرتبط بالتزام الرجل الذي يجب أن يكون هو البادئ في الإرجاع لطبيعة العلاقة الزوجية ذاتها والتي تتمثل عادة وبالمنطق الطبيعي وحتى في عالم الحيوان نجد أن الذكر وهنا في المثال الرجل هو صاحب درجة على (الأنثى) المرأة حين يبادر ويسعى لتلك العلاقة وينشئها، هذه ليست درجة تفضيلية للرجل بقدر ما هي تفضيل للمرأة وتحميل الرجل مسئولية أضافية تتمثل في عبء الإرجاع، وإلا لماذا جاء هذا الحكم المخصوص ملحق في حالة تخصصية محصورة في وضع إنساني ولم يأت حكم مفصل خاصة وأنه جاء بعد القاعدة التي أشرنا لها سابقا (ولهن مثل الذي عليهن).
من هذا لا يمكننا أن نطلق هذا التخصيص على الواقع ونفترض به أن الرب أراد ذلك وجعله القاعدة وما يخرج عنها هو متخرج من باب المفضول على الفاضل، الحقيقية التي يخشاها الكهنوت تتمثل دائما بانتهاك المسلمات التي أسسها وبنى عليها فكره الذكوري وعمم كل ما يتصل بالله من خصائص ومسميات على أنها للرب الذكر الله الواحد الي يخاطبنا على أنه الذكر المسيطر على الوجود، ونسي أن الرب قال مؤكدا وجازما أنه ليس كمثله شيء، فهو حيادي في التوصيف ولا يمكن إدخاله تحت عنوان شيئي محدد.
عندما تتصفح النصوص الدينية تجد أشكال متعددة من صور التفضيل وتحديدا بدلالة الصيغة الواضحة الصريحة التي لا تحتاج لا تأويل ولا تفسير، في النص هنا لا نحتاج لفهيم ليوضح لنا معنى التفضيل {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمينْ} ولم يقل جعلت لكم درجة أو لكم درجة على العالمين، في نص أخر نجد التفضيل تأويلا وليس حقيقة حينما جعل الوصف قائم على التفرق والتفريق بعلة {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ}، النص لم يذكر التفضيل بل طرح مسألة عقلية ومنطقية وبعلتها أن المجتمع الإنساني لا يمكن أن يكون على درجة واحدة ومتساوية في كل شيء، السبب يعود للفروق الطبيعية والواقعية التي تمنح الوجود وجوبية الحركة والتخصص المتنوع.
في نص أخر يستبان منه علية التفضيل ونتيجته الحالية والبعيدة وبكل وضوح دون تأويل، يورد النص القضية بكامل هيئتها الدالة {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا}، هنا التفضيل واقعي وحقيقي ومبني على تسبيب ولكن التفضيل المعنوي والذي يرتبط به مؤجل لكنه تفضيل منصوص ومخصوص وليس رفع درجة، الجميع في الأخرة على درجة واحدة حين تتم المفاضلة، المفاضلة تكون بعد الحساب وليس بسط طبيعي على عالم كتساو لا فرق بع بين مؤمن ولا غير مؤمن، {يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون (*) خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون (*).
بالعودة لموضوع المرأة أو الأنثى الإنسانية نجد الاقتران المتساوي في حالات الإشارة إليهما حاضرة في التكليف والمسائلة مع لحاظ الفوارق الجوهرية التكوينية لكليهما، قد يتهمنا البعض بالانحياز للنص أكثر من المعنى خاصة وأن المتعارف والمسلم به أن النساء ناقصات أشياء جوهرية تسبب في عدم المساواة في الجزاء أو على الأقل عدم منطقية التساوي في العمل والنتيجة والجزاء، بالعودة للنص الديني نجد أن هذا المتسالم والواقع الذي يتحدثون عنه في مخالفة صريحة للواقع النصي، واقع الحكم الرباني كما يريد الرب، {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ-;- ...}، لا تفضيل ولا تقصير بناء على قاعدة العمل والكسب.
المسالم به أو الواقع الذي صنعه الكهنوت بالحقيقة نجد متعديا على فكرة وإرادة وحكم الله المنزل في النص، هذا الحكم الذي لا يرى أجسامكم ولا صوركم في التقييم إنما يستند كما قلنا إلى فقاعدة العمل، يبدو بالحقيقة أنه حياديا بين المرأة والرجل، الذكر والأنثى الإنسانين {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ(واحد) أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ(أثنان) مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ-;- ۖ-;- بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ (ثالثا)ۖ-;- فَالَّذِينَ(رابعا) هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ(خامسا) ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ۗ-;- وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ(سادسا).
الذي يرسم هذه الصورة المثالية وينفي في الانحياز لكائن على حساب نظيره أو مثيله في الجنس والنوع لا يمكن أن يصنف هذا الجزء أو ذاك بالناقص في الجوهرية التي تنتج نقصانا في الإيمان وبالتالي التفريق في المحاسبة والترتيب النهائي، الكهنوت عندما يمارس فوضويته وذاتيته المحرفة والمنحرفة لا يعير للنص والقصد المثالي الكامل أهمية بقدر ما يحتاج لتبرير فكرته هو، فكرته الخاصة أو المتلقاة من الغير سواء أكان ذلك يعارض إيمانه المزعوم أو حتى يشتت ويمزق تلك الصورة الهزيلة من الإيمان، الله الذي يأمر الناس بالعدل والإحسان لا يعتدي بالفعل والقول على ما صنع هو بيده كما يقول النص الديني وإلا أصبحنا أمام تعارض وتضاد في الأفكار تقود للإعتقاد أما بجهل الرب أو فوضويته في طرح الفكرة.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟