|
رجل أقوال: (أنام كالشعراء وألتقط الوقت)!؟
منذر مصري
الحوار المتمدن-العدد: 1395 - 2005 / 12 / 10 - 11:39
المحور:
الادب والفن
قليلاً ما جلست لأكتب شعراً دون أن يكون حاضراً في رأسي بعض الأفكار، وأغلبها في حالة جمل جاهزة للأستخدام، كانت قد خطرت لي خلال قيامي بعمل ما، أو قراءتي لكتاب ما، أو ربما خلال وقوفي الطويل على نافذة بيتي من الجهة الغربية حيث أستطيع أن أرقب طرفاً ضيقاً من البحر، أو استلقائي على السرير وعدم قيامي بأي شيء! دون أن أنسى تسكعي بدون هدف لساعات في أسواق وشوارع مدينتي، في صباح اليوم الثاني في عملي، أعمد إلى تدوين ما علق منها برأسي في مفكرتي السنوية التي يوزعونها علينا، نحن موظفي الفئة الأولى، مجاناً أول كلِّ سنة. هذه الأفكار وهذه الجمل هي ما أطلقت عليه يوماً: (الإحضارات). وهي ما كنت أقصده بإجابتي: (عندما يتوفر لدي ما يكفي من الإحضارات) كلما حدث وسألني أحدهم: (متى تكتب الشعر؟ أو كيف تكتب الشعر؟). حياتي كلها أنفقتها، أقرأ وأرسم وأكتب وأستمع إلى الموسيقى وأشاهد أفلاماً وأكثر من أيَّ شيء ألاحق النساء اللواتي أحببت، أو خيل لي أني أحببت. فعلت كل هذا لسبب واحد هو أني وجدت به تهرباً من تلك العظة الفظَّة: (الواجب أولاً ثم المتعة) أولاً: لأني، لا أكره شيئاً قدر تأدية الواحبات، وثانياً، لأني أومن أن الانسان، مثله مثل أخيه الحيوان، لم يخلق ليعمل. أو على الأقل أنا، الذي كان همي طوال حياتي أن أثبت صدق حيوانيتي، لم أخلق لأجله، والدليل على ذلك أنه يتعبني ويهد حيلي. فعلت كل هذا، أقول، لأنه لا وقت عندي ولا طاقة لدي إلا على اللهو. حقيقة كهذه، ما عاد اليوم يهمني أن أخفيها. يوماً لم أضع رأسي على الوسادة قبل خلودي إلى النوم في ساعة متأخرة مساءً، أو بعد استيقاظي من النوم في ساعة متأخرة صباحاً، وأفكر بأن أقوم بأي عمل يحقق لي ربحاً أو دخلاً أكثر، يوماً لم أبالي بهذا أدنى مبالاة، رغم حاجتي الدائمة لمزيد من النقود لأشتري الأشياء وأفعل الأشياء التي أحبها، أو، لماذا الإنكار، رغم حبي للنقود ذاتها مثلي مثل الجميع! الوظيفة التي أعمل بها منذ تسعة وعشرين عاماً، إذا لم أضم مدة الأربع سنوات وشهرين التي قضيتها في خدمتي العسكرية، الإجبارية منها والاحتياطية، والتي ارتفعت مرتبتي بها إلى أن وصل راتبي الشهري لسقفه الأعلى وهو المئتان والخمسون دولاراً، صدق أو لا تصدق يا عزيزي عباس! لا تحتاج مني سوى لوقت لا يزيد عن نصف ساعة أو ساعة يومياً. أما الوقت الباقي فاستغله للقضاء على الوقت بتلك الأشياء التي لا يرجى منها نفع، لا بل بالعكس، لا يرجى منها سوى الضرر، كما تقول زوجتي لمجرد سماعها، مراراً وتكراراً، أن بعض رجال المخابرات يسألون السمَّان وصاحب المصبغة تحت بيتي، ما إذا كنت أطيل لحيتي أم لا! أو إذا كنت من المحاربين في معركة حطين أم تشرين، عفواً أقصد مشجعي نادي حطين أم تشرين!! وتزيد زوجتي العيار، فتقول، يا أخي إذا كنت لا يهمك نفسك، فكر بي وبأولادك، حين يطلبني أحد فروع المخابرات لنتسلى، في قلت هذا ولم أقل هذا وفي قال هذا ولم يقل هذا، ثم في تعبئة، لا أدري للمرة كم؟ الاستمارة الأمنية ذات الألف سؤال عني وعن أبي واخوتي واصهاري وأعمامي وأخوالي وأبنائهم وووو... وفي النهاية أصدقائي، فأنتقي فقط ذوي السمعة الطيبة منهم، فيذكروني بأصدقاء آخرين سيئي السمعة كنت فعلاً قد نسيتهم رغم أنه لا يمر يوم أو يومان، إلا وأكون مع إثنين أو ثلاثة منهم، وأغلب رفاق السوء هؤلاء شعراء، فماذا أفعل، إذا كنت لا شيء أكثر من شاعر. من هنا جاءت إعجابي ببلاغة بتلك الآيات الثلاث في القرآن الكريم. ومن هنا جاء إيماني بأنها حكم سماوي عميق وصائب بما يخص بي وبأمثالي من العمال في حقل أو مصنع الأقوال، وأنتم لا ريب تعلمون أية أيات أقصد: }والشعراء يتبعهم الغاوون (224) ألم تر أنهم في كلِّ وادٍ يهيمون (225) وأنهم يقولون ما لايفعلون (226) سورة الشعراء { ففي قوله سبحانه وتعالى: ألم تر أنهم في كلِّ وادٍ يهيمون، إشارة إلى رسوله الكريم للانتباه لمقدار جهدهم وتفانيهم وهم يهيمون على وجوههم من واد إلى آخر. والوديان، جغرافياً ومجازياً، وعرة وكثيرة. أما قوله تعالى: والشعراء يتبعهم الغاوون، فلطالما ملأ قلبي سعادة، عندما، صدفة، أو عندما أسمع وقع أقدام، أو مجرد خشخشة، كنت ألتفت ورائي، فأجد غاوياً أو غاويين يتبعاني، أ ليس هذا دليل على أني حقاً شاعر! نعم، يكفي غاو أو غاويان أو ثلاثة غاوين، فالشعراء لا يحتاجون أكثر، ذلك أن أعجاب هذه القلة من الناس يأتيهم مركزاً وكثيفاً، كما أن بعضنا يخشى على الغاوين اتباعه المشقة التي سيتكبدنوها وهم يمضون خلفهم في تلك الوديان الجرداء والقصية. ثم يأتي ثالثاً إقراره، بأنهم يقولون ما لا يفعلون، أي إقراره بأن فعلهم اساساً هو أن يقولوا، أي أن أقوالهم وحدها هي أعمالهم، وعلى الآخرينأن لا يطلبوا منهم اكثر وأن لا يلموهم بعد اليوم على أي شيء قالوه، وأي شيءٍ لم يفعلوه. الله نفسه قد عذرهم. أمامي الآن، كراس (رجل أقوال) وهو ما يشبه حقاً مخطوطة قديمة، رزمة سميكة من الأوراق المصفرة والمهترئة الأطراف، ثقبتها من جانبها الأيمن ثلاثة ثقوب، مررت خلالها بخيط قنب غليظ. وذلك بعد أن بحثت عنها جزعاً لأكثر من ساعة، فوجدتها في حقيبة بلاستيكية كبيرة، كانت مريم التركمانية، سيدة الثلاثاء، بإيحاءٍ من زوجتي لا ريب، قد حشتها لآخرها بكل ماله علاقة بي من أوراق ومصنفات وجرائد ومجلات، لآخذها كلها، دفعة واحدة، إلى القبو، فهذا ما تسمي به مرسمي معتبرة إياه لا أكثر من مرمى نفايات، قلت جزعاً، ذلك أني أضعت كراسي هذا، كغيره من الأشياء الخاصة بي، مرات لا تحصى، ومرات لا تحصى فقدت الأمل من أحتمال ايجاده. ولكن صدفة وأنا أبحث عن شيءٍ آخر ولا أجده، في مكتبة البيت أو خزانة الثياب أو طوان الحمام، أو في أحد أدراج مكتبي في مقر عملي التي تحتوي ما هب ودب من الأشياء، أو على أحد رفوف مرسمي حيث تتكدس الكتب والأسطوانات وعشرات التحف الرخيصة التي جمعتها، أو في مكان ما، الجان أنفسهم لا يعلمونه، أجده. من هذا الكراس سأنتقي في كل حلقة عدداً من الأسطر دون مراعاة لوحدة في الموضوع أو في الأسلوب، فهي في الأصل لم تكتب هكذا. ولكن بتقيد نسبي بتسلسلها الزمني، فما سأبدأ به اليوم، يعود معظمه لأول السبعينات. لذا كل ما أرجوه بعد هذه المقدمة الطويلة، أن يجد بها قارئي ما يستحق بعض هذا العناء: ـــــــــــ • أنتِ في المنام خيرٌ من أربع على السرير. • حفظ العشب ذكرى جسدكِ، حين استلقيت عليه قليلاً، للإثارة. • يهطل المطر مدراراً على خدِّ النافذة. • الخفيف يذهب بعيداً ولا تتعب قدماه. • قلبي الذي يهدر الموج فيه، كقوقعة بحرية فارغة. • لعبتكِ المفضلة معي، تلك التي أفتح عيني بها طوال الوقت، ولا أراكِ. • عطرك يتبعك ككلب. • آه... لو كنت تجيدين استخدام شفتيك كعينيك. • عندما قبلتها، تعرف الشيطان الذي يحيا في فمي على الملاك الذي يحيا في فمها. • لأني لا أعرف الوطن الذي أحنُّ إليه كثيراً، لذا أكتفي بالشواطئ والكلمات. • كل ما لدي من أمور رضيت له بحلول البين بين، ما عدا حريتي فما زالت معلقة كالمشنوق، والعشق القائم على طرف واحد. • صارت أحلامي توزيع المنشورات السرية، والخوف من الشرطة • البندقية للصور التذكارية، والبوط للنزهات. • البارحة، رأيت قدم الله بين السحاب. • هرول نيسان، قليل العقل، مبتهجاً صوب الثكنة. • قلت لي الأرض: حجرٌ وبرد، وشوكٌ في اليد. • أشد ما أكرهه في اليأس، سهولته. • الأرض طفلة، احضرها أبوها لتعمل عندنا، خادمة. • خرجت للبرية للبرية، عاري الوسط كأخي النهر. • جميع من بي يزدحم على فمكِ. • فمكِ ذو الشفاه الوعرة. • نادوه إلى حيث يطبلون ويذمرون، ففتح عينيه قليلاً، ثم عاد إلى النوم. • جلست الشمس في حضنك، وكأنها كتاب مفتوح. • أعيدي لي كلَّ قبلي. • أنظري، سمكة في كوب الشاي، سمكة صغيرة طبعاً. • آمال شاقة. • نجوم هذه الليلة بيضاء، وحياة الكلاب قاسية. • عندما صاح: يا اللَّه أرى عالماً من النور! كان يحشر إحدى عينيه في فوّهة مصباحه الكهربائي. • البطة الكلسية تفرد جناحيها على الجدار وتطير. • أقسم، لقد رأيت الآن ذبابة، حومت قليلاً في الدخان، ثم اخترقت زجاج الواجهة. • ذاهبٌ إلى الشمال سأمرُّ على الجنوب. • ساقاه طويلتان طويلتان لأسباب كثيرة. • وقعتْ على كتف عالمٍ هزاز، ليس له أمان. • قال: ذقنه شابت في الحرب. • المجنون يردد بصوته الفالت، مابوده، أن يقوله همساً أمامكِ، حين يحمل نفسه ويصادفك. • سمّوه: الكنار المزعج. • قالت لي فاطمة روشن: اضحك لما يضحك له الناس، وابكِ على ما يبكي عليه الناس. • وتعلمون، من ذاق مرَّ الزمان، ولم يزق حلاوته، ليس شريراً دائماً، فلقد قال لنا شكراً، وبال على الأعمدة، ورطب الجو. • في عالم مثقلٍ بالحسابات، لا أحد يستطيع أن يعلم ماذا تحاولين إثباته بأخطائكِ الرائعة. • تعطي العالم دروساً عامةً بالسعادة، وتأخذ لنفسكَ دروساً خاصةً بالحزن. • أعلم أن هناك سفينة بثلاثة صوارٍ وتسعة أشرعة، ألقت مرساتها في حضنكِ. • لستُ لكِ، لكنكِ، لا أدري كيف، رميتني. • أنام كالشعراء وألتقط الوقت. ــــــــــــــــــــــــــــــ اللاذقية:1/12/2005
#منذر_مصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محمد دريوس:( عندما يكون الشاعر حقيقة لا تحتاج لبرهان)؟
-
سوريا في خطر ( 2 من 2) بمشاركة نخبة من المثقفين والسياسيين ا
...
-
ملف : سوريا في خطر ( 1 من 2)!؟
-
السؤال الأعمى : لماذا لم يساعدوه!؟
-
آتية من المرارات : هالا محمد من ( ليس للروح ذاكرة ) إلى ( هذ
...
-
كمطعون يكتب اسم قاتله بدمه
-
السيناريوهات الثلاثة المتخيلة لنهاية ( الأبدية ) !!!ـ
-
بيت البلِّة ( 3 من 3 ) ـ
-
بالإذن من أخي اللبناني: مزارع شبعا سورية
-
بيت البلِّة ( 2 من 3 ) ـ
-
بيت البلِّة ( 1 من 2 ) ـ
-
أنا منذر مصري لأنَّي لستُ شخصاً آخر
-
الفنان سعد يكن : ما يشكل علينا هو طبيعة لعبته :2 من 2
-
الفنان سعد يكن : ما يشكل علينا هو طبيعة لعبته : 1 من 2
-
ممدوح عدوان... عندما أصابه الموت لم يضع يده على جرحه.
-
مزهرية على هيئة قبضة يد ) في قبضة شاعر مصري شاب )
-
هل /13000/ أو/ 17000/ جندي سوري يكفي لاحتلال لبنان .... علام
...
-
ـ ( الشاي ليس بطيئاً ): 8 والأخير - أَجري خَلفَ كُلِّ شَيءٍ
...
-
ـ ( الشاي ليس بطيئاً ) -7 : خرائط للعميان
-
ـ( الشاي ليس بطيئاً ) 5- تَحتَ لِحافِ صَمتي
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|