|
-العصفورية-. ملحمة العرب المعاصرة
هيثم بن محمد شطورو
الحوار المتمدن-العدد: 5182 - 2016 / 6 / 3 - 09:17
المحور:
الادب والفن
" برهان سرور، يمد ذراعيه و كأنه، شخصيا، يحتضن كل القادمين الى عربستان 49. التمثال بحجم تمثال رمسيس الذي يطل على باب الحديد في القاهرة. المفاجأة الثانية كانت في الشوارع. الجداريات، لأول مرة في شوارع عربستان 49. الجدارية، يا حكيم، هي صورة عملاقة تغـطي الجدار بأكمله..ماذا حدث للرجل؟ ماذا حدث للبلاد؟ ماذا حدث للناس؟...حُلت الجمعية التأسيسية الدستورية. شُكل مجلس قيادة كل اعضائه من حزب الانطلاقة. اصبح برهان سرور رئيس الدولة و وزير الدفاع و وزير الخارجية، و تحول الحزب الى نسخة من الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي ايام عنفوانه. نسخة اكثر نهما و شراسة و تحكما. حُظر العمل السياسي خارج حزب الانطلاقة، و اكتـظت السجون.. أُعـدم الآلاف. ساد الرعب.. يا الله. هل هذا معقول؟ الشاب الوديع يأمر بالإعـدامات الجماعية؟" أعـتـقـد ان هذه الفقرة هي المحورية في رواية "العصفورية" للروائي السعودي "غازي عبد الرحمان القصيـبي. هذه الرواية التي قالت عنها الكاتبة "غادة السمان": " قطعة من الادب الساخر الذكي المثـقـف اللماح الهازل الجاد، و القصيـبي فيها رومنسي و سياسي، منادم و موسوعي و متوحد، مكتـظ بالوطن، مزدحم بالألم و الامل في آن." كما علق عليها الكاتب السوداني "الطيب صالح" قائلا: " غازي القصيبي صنع رسالة غفران، على غرار رسالة الغفران لأبي العلاء المعري". انها قطعة سردية ضخمة في متاهاتها و تعرجاتها و انسيابيتها و تطلعها الى الاحاطة بالعالم اليوم من زاوية مثـقـف عربي واسع الاطلاع اضافة الى اتخاذه موقف المسيطر على النظريات الحديثة و الواقع المعاصر شرقا و غـربا، و الارادة الواضحة في تجاوزها برمتها. فبسهولة تامة تجد انها تأسيس للمفكر الواثق من نفـسه و القادر على انتاج النقد و التجاوز و الإبداع عبر دورة تهديمية للعالم المهدم اصلا و الذي يقف على جماجمه "البروفـسر" المتحدث لعشرين ساعة مع طبيب نفسي باجر مئة دولار عن كل دقيقة، ليس لكونه مريضا نفـسيا، و لكن لكونه يريد ان يفرغ ما بجعبته دفعة واحدة. هذه الصورة في ذاتها ساخرة من الطبيب النفسي بما هو مجرد مستمع من نوع خاص، او ان وظيفـته الاساسية هي الاستماع، و في متن الرواية نجد سخرية واضحة من "فرويد" و العـقد الجنسية في الطفولة، و العلاج بالصدمات الكهربائية، او بالعقاقير التي قال عنها انها قد جعلت مخه يتصل بالكائنات الفضائية، و انه لا يقـتصر على النقد و انما يقـدم البديل لطب نـفـسي يهتم بالحاضر و لا يعود الى الماضي الطفولي لإيجاد اشياء غير موجودة سوى لكون "فرويد" قد ذكرها، مثل عقدة اوديب و التـنافـس بين الاخوة و اشتهاء الام او العلاقات الجنسية المحرمة.. و تجد هذا البديل في شخص طبيـبة نـفـسية لا تعالج في المكتب او العيادة و انما علاقة بين المطاعم و البحر و الى غير ذلك من المشاوير التي ينساب فيها الحديث حرا.. فالإنسان بحاجة الى من يسمعه اساسا. بحاجة الى افراغ صخب الكلمات المتلاطم في ذهنه. انه في حاجة الى حرية التعبير. هنا نلتـقي بالإشكالية العربستانية الكبرى و هي انعدام حرية التعبير. و ينتهي الراوي ان البديل الثوري الحقيقي ليس إلا الديمقراطية و حكم المثـقـفين و لكن ليس المفكر المثالي جدا و انما الواقعي ذو التـفكير السياسي العلمي في اطار الحوار الحر و النـقد و المجتمع الحر المتخلص من الكآبة.. " الكآبة النفـسية ليست سببا للانـتحار. شعوب عربستان مصابون بالكآبة النفـسية و مع ذلك لا ينتحرون.. أغنياء عربستان مصابون بالكآبة و سبب كآبتهم فقراء عربستان، و الفقراء سبب كآبتهم الأغنياء. سبب كآبة الحكام المحكومون و سبب كآبة المحكومين الحكام..". و الخروج من الكآبة يكون بحرية التعبير و الفضفضة. فنحتاج مثلا الى ان يشتم الاغنياء الفقراء و الفقراء يبزقون على وجوه الاغنياء. اما الحكام فيحتاجون الى مصارحة شعوبهم بتخلفهم و جهلهم و ليس النفخ فيهم دوما بالشعب العظيم و الذي يبث فيه الرعب بالإعدامات الصادرة عن محكمة الثورة او السجون لأتـفه الأسباب، كما ان الشعوب بحاجة الى سب الحكام جهارا نهارا و دون خوف و بحاجة الى الصياح احيانا و الى انزال الحكام دوما من مغبة الدائرة الربانية الوهمية التي يوسوسها في صدورهم شيطان السلطة الماكر. هذا الشيطان الذي يجعل الحاكم يعتـقد في نفـسه إلاها حتى يسـقـطه فيما بعد الى الذل و الهوان في دائرة عبثية اسمها الوجود بغير معنى للحاكم و المحكوم. وجود الرعب و الخوف المتبادل بين الشعب الموصوف بالعظيم و الحاكم المؤله الموصوف بالملهم الخالد الى الابد... انها ليست رواية جديرة بالقراءة فقط، و انما قراءتها واجبة على كل مثـقـف. من المفترض ان تكون مشهورة و محط اهتمام النـقاد و الصحفيـين و الكتاب. رواية "العصفورية" ملحمة حقيقية جد رائعة في ثناياها التائهة. الغريب حقا ان لا يتم الاحتـفاء بها و اعطائها ما تستحق من حبر يسيل على جوانبها كجدول. انها ملحمة عربية بامتياز.. و الكاتب نـفـسه مرر شكواه عبر ثـنايا هذه السردية العابرة للمحيطات حين قال:" مؤامرة الصمت؟ شيء من الغيرة؟ قليل من الحسد؟".. بل كثير من الحسد.. العربستاني كائن حسود جاهله و مثـقـفه في ذلك يستويان..و الشاعر المفضل لدى البروفسر هو "ابا حسيد"..
#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أقانيم الجهالة بين القديم و الجديد
-
الإحتفال المأتم لحركة النهضة التونسية
-
أشبال العراق ينتفضون
-
هل بالامكان ايجاد اسلام جديد؟
-
السلطة الوضيعة
-
المفقدود سياسيا في تونس
-
النوايا السياسية السيئة
-
-القصة الخفية للثورة التونسية-
-
كيف نكون الله؟
-
البعث العراقي الى اين؟
-
يسارية الاحرف الاربع
-
رد على مقال يتهافت على الرسول محمد
-
هل مازالت فلسطين القضية المركزية؟
-
للأرض أنثى الأنوار
-
النفاق الاوربي في التعاطي مع الارهاب
-
الشعور الديني بين الإغتراب و الإنسجام
-
عبثية إرادة قتل الله
-
سقوط البعث
-
سوريا الى اين ؟
-
المرأة التونسية تقدم الجديد لليوم العالمي للمرأة
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|