أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الذهبي - مدن الموت














المزيد.....

مدن الموت


محمد الذهبي

الحوار المتمدن-العدد: 5179 - 2016 / 5 / 31 - 15:44
المحور: الادب والفن
    


مدن الموت
محمد الذهبي
لم يكد الغروب يمتزج بظلام الليل وفي هدأة الركون الى الصلاة، وهذا الوقت بالذات يلقي بظلال الخوف والوجل والترقب، وبمجرد ان تنتهي ساعة او اثنتين حتى يخف الجميع الى تبادل الزيارات والجلوس في الطرقات، يتجمع الرجال امام ابواب منازلهم ويتداولون الاحاديث بمختلف الشؤون، لم تعد الطرقات والشوارع ممكنة للخروج خارج الزقاق او المدينة، الزحام قضى على كل شيء، والاكتظاظ السكاني وصل الى نسب رهيبة، جعلت من البيوت مقابر للاحياء، في هذه الاثناء دوت صرخة مرعبة من بيت الحاج هادي، وتعال الصراخ والصياح، هرول ابنه ليتصل بالعشيرة ، اقبلت البيارق والرجال، افترشوا الزقاق باكمله، البيت المقابل وهو جيران العمر، جلب لهم الماء واقداح الشاي، بدأت الاحاديث تأخذ طابعا آخر، طرحت اثناء الجلسة العديد من القضايا، اتصلوا بمحل لتأجير الخيم المقوسة، نصبوا السرادق، سمع من لم يسمع بالامر، فخف مسرعا، النساء تنوح وتلطم خدودها واكتافها، ابنه اخرج بندقية وراح يشعل الجو باصوات الاطلاقات، وضعوا صبات كونكريتية في بداية الزقاق مع اثنين من المسلحين لتفتيش المارة، لئلا يستغفلهم احد الارهابيين ويقوم بتفجير العزاء، عرضوا سيارات البيكب الحديثة، واقفلوا الشارع الرئيس.
بدأت احاديث السمر مع اقداح الشاي تتوالى على الجالسين، اقسم اكثرهم انه سيبيت هذه الليلة في (الجادر)، فالحاج هادي غالٍ عليه ، ( يابويه اشلون اعوف عِزيزي) بكسر العين لافتحها بلغة جنوبية اصيلة، مع دموع ربما كانت كاذبة اغلب الاحيان، اقبل احدهم يصرخ من بعيد: ( ياخويه يا ابو حسن ياخويه) وهو يضرب رأسه بيديه، ومن ثم يعاود الضرب على جبهته، استقبله الرجال ليخففوا عنه الم المصاب: الحمد لله ابو احمد، الولد كلهم زلم والخلّف مامات، سحبه اثنان من ابناء عمومته، ووضعوا امامه قنينة الماء وقدح الشاي، وراح يخوط بالاستكان، وهو يردد: ( ولكم اشلون بعد ما اشوف ابو حسن)، وبعد لحظات اندمج مع الجالس قربه، واخذ يبادله الحديث والضحكات: (تره المرحوم جبير، خوما ناخذ اعمارنه واعمار الورانه)، فضحك الاثنان واسدل الستار على الفصل الاول، ليبدأ الفصل الثاني باصوات تتعالي من غرفة الميت، وزغاريد تصك اسماع الكون، وانسحاب منظم للمسلحين الذين قطعوا الطريق العام لتبدأ حركة المارة والسيارات من جديد، وضحكات تتعالى من هنا وهناك، وحسرات تخرج من افواه الرجال الذين تحسروا انهم لن يقضوا الليلة معا بعد المفاجأة، للتو قد بدأ السمر، ورأى احدنا الآخر، النساء المفجوعات لم يستطعن تفريغ شحنات الحزن الجاثم على صدورهن بهذه السرعة، فخرجن خائبات يكفكفن دموعهن، ويتحسرن على ثلاثة ايام من الندب والبكاء وشفاء الصدور قد صودرت منهن، هناك في مدينتي عشق للدموع والبكاء وضرب الصدور، لم تعد مناسبات الفرح تجمع الرجال او النساء، الفجائع فقط هي سيدة الموقف هناك، والعشيرة لاتجتمع الا بمجلس للعزاء او فصل عشائري، وهما متشابهان حيث تنصب السرادق في كلا الحالين، لقد نهض ابو حسن بقدرة قادر، ترك الموت ونهض ليسأل عن العشاء، وهو يصيح بصوت عالٍ: ( وينجن جوعان، وين العشه) ، انتهت اليه زوجته وهي تريد ان تسبر غور المجهول: ( ابو حسن اشفت بهاي الساعة، فقال: كفيلج الله كلشي ماشفت)، خرج ابنه للرجال وهو حائر ماذا يقول، لكنه حاول ان يعتذر ويلقي اللوم على ابيه: (هاي مو اول مرة يسويها)، انه يفعلها بنا للمرة الرابعة.



#محمد_الذهبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الموت في الوطن المنفى
- تالي العمر محطات
- انا وليلى ولتفتحوا جراحكم
- لم يشترك في تحرير الفلوجة
- ماجدوى الدخول الى الخضراء
- من جيبك نوفي الديّانه
- شهادة الاوراق الصفراء في سوق اعريبهْ
- حين دفنت الشمس
- حين تتكلم المقابر وتفضح الاحياء
- لعل البحر محتاج الى البلح
- الديك الذي ملأ الارض صياحا
- لم اكن هنا
- ماذا تكتب عني
- قائمة الشعراء الموتى
- السومرية الجميلة
- حياة بين صفعتين
- عيون
- الوطن... وعوراتنا
- القصيدة
- بطل في الظل


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الذهبي - مدن الموت