|
التناسق والانسجام في مسرحية -وجهة سفر-
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 5178 - 2016 / 5 / 30 - 00:53
المحور:
الادب والفن
التناسق والانسجام في مسرحية "وجهة سفر" أن يقدم مجموعة من الشباب عملا مسرحيا متألقا، وبجهود ذاته ليس بالأمر الهين، فهو يحتاج إلى توحد وتركيز الجهود لإخراجه بشكل يرضي القائمين عليه قبل أن يرضى المجهور، في هذه المسرحية الممثلين ثلاث شخصيات، زوجة الشهيد "ليلى" وقامت به الفنانة "رنا برقان"، وابن الشهيد "وليد" وقام به "إبراهيم زاهد" وأخ الشهيد "توفيق" وقام به "غسان نداف" والإخراج جماعي، وهناك يكمن سر التألق، بهذه الكلمة الأخيرة "جماعي" فتوحيد كافة الطاقات والأفكار كان لا بد له أن يعطي نتائج مثمرة ترضي كافة القائمين على العمل، وفي ذات الوقت تلبي طموح المجهور، الذي لا يكتمل العمل المسرحي إلا به. أول ما يلفت الانتباه تواضع حجم وامكانيات مكان العرض، "ملتقى نبض الشابي" في رام الله، فهو قاعة لا يزيد عرضها عن خمسة أمتار وطولها عن العشرة، المؤثرات الضوئية مجرد أربع كشافات ليس إلا، الصوتيات مسجل مع سماعتين، الديكور خلفية سوداء، وثمانية صناديق من الخشب مربعة الشكل، ومفتوحة من جهة واحدة، تستخدم كمقاعد ورفوف وخزانة كتب، والحذاء العسكري للشهيد، وهناك إطار صورة فارغة تمثل الشهيد "وديع" يتوسط صدر المسرح، ثم تم إضافة صورة الابن "وليد" إلى يسار الإطار الفارغ "صورة الأب الشهيد "وديع". أما الجمهور فهو مجموعة من الشباب والشابات لا يتجاوز عددهم الخمسين مشاهد، جلهم يتمتع بالثقافة مسرحية، حيث كانوا منسجمين ومتابعين ومتأثرين بالعرض المسرحي. بهذه العناصر مجتمعة يكون الأعداد المسرحي، وعدد الممثلين، والجمهور، وقاعة العرض منسجمين فيما بينهم، ويضاف إلى هذه العناصر بوستر المسرحية، الذي يصور حركتان متعاكستان، الأولى على اليسار طيف رجل ينسحب/متحرك يحمل بندقية، والثانية على يمينها طيف رجل يحمل حقيبة سفر، فوضع طريف الرجلين، المقاتل على اليسار يرمز إلى حالة الثورة والتمرد والتمسك بالمثل والمبدأ، والطيف الذي يحمل حقيبة السفر على اليمين يرمز إلى الهروب والهزيمة ومجاراة الواقع والتسليم به. أول مسألة تثير الجمهور الإطار الفارغ الذي يرمز لصورة الشهيد "وديع" فهذا الإطار جعل الجمهور يشعر بأن الشهيد يمكن أن يكون أي شخص قد استشهد، فهو شهيد بلا ملامح، بلا وجهة، شهيد مجهول، لكنه يعطي دلاله بأنه معروف للكل، ويمكن أن يكون أي شهيد يعرفه المشاهد، وهذه أحدى عناصر الابداع في مسرحية "وجهة سفر". فالحدث الأبرز في المسرحية هو عن عائلة الشهيد "وديع" الزوجة "ليلى" وأبنها "وليد" وأخ الشهيد "توفيق" الذي يقدم نفسه بطريقة الانتهازي الوصولي. تبدأ المسرحية بالعتمة، انقطاع التيار الكهربائي، ثم يدخل "توفيق" مع عودة الانارة (الكهرباء) إلى المكان، يبدأ "توفيق" في إظهار خباثته وانتهازيته أمام "ليلي" من خلال تلميحه في انتهاء صفة الأرملة عن ليلى، وقولة: "الحي أبقى من الميت" لكن "ليلى" لا تقبل بأن تفارق ذكرى زوجها الشهيد، وتصر على استمرار دورها كأم ترعي ابنها "وليد" الذي يعاني أيضا من ضائقة مالية ووضع اقتصادي صعب، حيث يتم فصله من العمل، رغم أن هذا العمل لم يكن يلبي احتياجاته الشخصية. وهنا تأخذ فكرة السفر عند "وليد" في التشكل، والذي يطمح ليتخلص مما هو فيه، وتبدأ حالة صراع بين "وليد" من جهة وأمه "ليلى" التي تصر على الاحتفاظ بوالدها إلى جانبها، فتطرح فكرة تزويجه من أبنه "زياد" صديق العائلة والرفيق السابق للشهيد و"ليلى"، لكنه يرفض هذه الفكرة ويستمر في العمل على اجراء متطلبات السفر. هذه الاحداث غير بعيدة عن تدخل عمه "توفيق" الذي يعمل على تهيج هذه الفكرة عنده، حيث يطمح بعد سفر "وليد" إلى الانفراد بزوجة الأخ "ليلى" والضغط عليها للقبول به كزوج لها. وهنا تظهر فكرة الصراع بين الماضي الذي تمثله الأم "ليلى" المتمسكة بماضها، وبين فكرة الابن "وليد" الذي يصر على أنه "وليد"، "وليس ابن الشهيد"، وكأنه بهذه الجملة يريد أن يكون ذاته، بعيد عن هيمنة الأب، الذي يطارده في كلمة تقولها الأم "ليلى" "أنت ابن الشهيد"، وهذه أحدى أهم الأفكار الأساسية في المسرحية، ضرورة ا، يعطى الأبناء الاستقلالية عن هيمنة الاباء وسطوتهم، حتى وأن كانوا شهداء.
يعمل "توفيق" على تأمين الرصيد البنكي "لوليد" والبالغ قيمته ثلاثون ألف دينار، كإحدى شروط الحصول على الفيزا مقابل رهن البيت باسم "توفيق" دون أن تعلم "ليلى"، لكن حضور شخصية "زياد" الرفيق السابق للشهيد، جعلت "توفيق" يثار ويبدأ بالانفعال من هذه العلاقة، ويبدأ العمل على انهائها من خلال مفاتحة "وليد" بعدم براءة هذه العلاقة مع أمه "ليلى" التي كان يهيم بها أيام الحزب في الماضي ـ حسب قول "توفيق" ـ لكن هذه الفكرة يتم تجاوزها من الأم وتطرح لابنها ما يخطط له عمه "توفيق" وتفضح نواياه، من خلال توضيح مساعدة الابن على السفر، وبأنه يسعى للانفراد بها وتزوجها بعد سفره، وهنا تتوضح الأمور للأبن ويتخلص من الفكرة ويقف إلى جانب الأم. بهذا الحدث الايجابي تنتهي المسرحية، انتصار الأم/المرأة/الفكرة النبيلة على الانتهازي "توفيق"، الذي يمثل الجانب السبي في المجتمع، فالفكرة النبيلة لا بد لها أن تنتصر وأن كان في موضع/ظرف ضعف، والانتهازية تنهزم، وأن كانت تمتلك كافة عناصر القوة والهيمنة. والأم لا بد أن تحترم وتقدر على عطاءها، فرغم وحدتها، وما تمر به من ضيق اقتصادي ومادي، وضغط نفسي كانت تتغذى على ذكرى زوجها "وديع" وعلى البذرة التي تركها لها فاستمرت في تغذيتها والحفاظ عليها من العواصف إلى أن كبرت ونضجت، وأخذت مكانها في تظليل الأم وحمايتها من العواصف.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السخط في ديوان - الساعة الناقصة- فايز مقدسي
-
المرأة والرجل في رواية -امرأة للفصول الخمسة- ليلى الأطرش
-
الارهاب والفساد في رواية -ذاكرة الماء- واسيني الأعرج
-
انتصار المرأة في رواية -الحضارة أمي- إدريس الشرايبي
-
التجربة في رواية -المرآة مسيرة شمس- هديل الحساوي
-
تعدد القراءات في ديوان -عشق- حمودة الشايجي
-
السيرة المحفزة للمعرفة -رام الله التي هناك- محمود شقير
-
الكويت تنقذ جمهور القراء
-
-في اللغة والأدب وعلاقتهما بالقومية- ساطع الحصري
-
المعرفة بالشعر في ديوان -وسائد حجرية- مازن دويكات
-
البداية المتسرعة في مجموعة -خارج الصورة- محمد المقادمة
-
العنوان مفتاح المضمون في ديوان -ضجر الذئب- يوسف أبو لوز
-
تأثير النت
-
التراث الديني والشعبي في رواية -ملاك القرصة الأخيرة- سعيد نو
...
-
توضيح حول كتاب -الحرب الأهلية في صدر الإسلام- عمر أبو النصر
-
فرح
-
تجاوز المألوف في ديوان -أحلام السنونوة- علاء الدين كاتبة
-
عبث الفعل في ديوان -مقفى بالرماة- محمد لافي
-
لعادية في ديوان -أوراق من ذاكرة المسفر- أمجد محمد سعيد
-
نقد النقد في كتاب -ملامح السرد المعاصر- فراس حج محمد
المزيد.....
-
رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل
...
-
-هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ
...
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|