أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاهر أحمد نصر - في تحولات وآفاق بنية الدولة















المزيد.....



في تحولات وآفاق بنية الدولة


شاهر أحمد نصر

الحوار المتمدن-العدد: 5178 - 2016 / 5 / 30 - 00:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا يمكن تجاهل الطاقة الإيجابية التي بثها حضور صديقات نبيلات وأصدقاء نبلاء والتفاعل المتنوع من الملاحظات والأسئلة والمداخلات الأكاديمية التي أغنت موضوع محاضرة "في تحولات وآفاق بنية الدولة"... وأكد ذلك الحضور النوعي الجميل والمميز لصديقات نبيلات وأصدقاء نبلاء، وقدم لها رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب بطرطوس الشاعر والناقد المتميز بلغته الأدبية الرفيعة محي الدين محمد وأغنتها مداخلات الناقد والباحث العلم علم عبد اللطيف، والشاعر الجميل سمير حماد، والدكتور المهندس سليمان ريا، والشاعر علي الجندي، والسيد المهندس عماد علي، والسيد المهندس عماد سليمان والأستاذ محمد القاضي، والشاعر محمد سلمان ، فضلاً على سيدات وسادة آخرين مشكورين... أشكر الحضور الكريم، وأتمنى من الأصدقاء نشر مداخلاتهم التي أغنت المحاضرة التي ألقيت بتاريخ 29/5/2016، وهذا نصها:
في تحولات وآفاق بنية الدولة
شاهر أحمد نصر
يُعدّ موضوع "الدولة" من أهم الموضوعات التي تعالجها البحوث السياسية والقانونية المعاصرة. وتزداد أهمية البحث في تحولات بنية الدولة في بداية الألفية الثالثة مع انتشار وطغيان نتائج الثورة المعلوماتية وهيمنة تكنولوجيا الانترنت في مختلف بلدان العالم وما يترك ذلك من آثار على بنية الإنتاج والإنسان والمجتمعات والدول والعلاقات فيما بينها...
مفهوم الدولة في الأدبيات الغربية والعربية
لم تدخل كلمة الدولة في اﻟﻠﻐـﺔ السياسية الأوربية حتى القرن السابع عشر للميلاد عندما أدخلها المفكر الألماني صموئيل بوفندروف (1632-1664) في بحوثه الاجتماعية السياسية؛ في حين عالج ابن خلدون(1332 – 1406) مسألة الدولة منذ القرن الرابع عشر.
ومعنى كلمة "دولة" ﻓــﻲ القواميس العربية لا يتطابق مع مفهومها اللغوي الشائع في الغرب؛ فكلمة "دوﻟــﺔ" في اللغة اللاتينية هي ترجمة لكلمة: "status" ، وهي تعني حالة أو طريقة العيش؛ أي "الثبات والاستقرار"، أما معنى كلمة "دولة" في لسان العرب فهو: "الفعل والانتقال من حال إلى حال"، وفي "القاموس المحيط": "انقلاب الزمان والدهر من حال إلى حال".
فالمعنى التقليدي للدولة عند الغربيين كان يتماهى مع رؤية تقديس الدولة وتمجيدها وثباتها، في حين أنها لا تأخذ الطابع المقدس عند غالبية المفكرين العرب، فالدولة في نظر ابن خلدون ليست دائمة؛ وهو يرى أنّ أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم ودولهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر (1).
والدولة تدول أي تذهب، ودالت دولة فلان أي سقطت، فالدولة تتحول... ويرى ابن خلدون أنّ للدولة أعماراً طبيعية كما للأشخاص، لا تعدو في الغالب أعمار ثلاثة أجيال(2): تولد وتنضج وتهرم، أي تخضع لعوامل النمو والفناء، ويصل التصور البيولوجي للدولة عند ابن خلدون إلى حد النظر إليها كما إلى شخص طبيعي حي يتمتع بسمات الكائن.
مفهوم الدولة عند ابن خلدون (1332 – 1406)
أبدع عبد الرحمن بن خلدون صاحب "المقدمة" في معالجة موضوع الدولة، ووضع أسس دراسة هذه المؤسسة، وامتازت معالجته لها بالواقعية انطلاقاً من تعرفه إلى رؤى من سبقه من الحكماء.(3) فضلاً على أنّ دراسة ابن خلدون للدولة بنيت على تأملاته وتجاربه الخاصة في إطار مجتمعه القبلي العربي المغربي في القرون الوسطى، وتستدعي الموضوعية من أي باحث في مسألة الدولة أن يتوقف عند دراسة ابن خلدون لهذه المؤسسة (4).
وقد خص ابن خلدون عصبية الحاكم بدور متميز يقتصر على ما يسميه بالطور الأول للدولة(5)...
كما حدد وظائف الدولة الخارجية بالدفاع عن شعبها، والداخلية بإدارة شؤون العباد والاقتصاد، وفصلّ في ذلك في ضرورة: ملاحقة الغش، وضرب النقود وفرض الضرائب وجبايتها، وأن لا تكون الضرائب مرهقة للمكلف بها حتى يصبح بإمكان الرعايا العمل بنشاط لزيادة الإنتاج وزيادة دخل الأمة. وتقوم الدولة بحماية أعضاء المجتمع نفسه في الداخل بتأمين الأمن والعدالة وذلك بدفع عدوان المدن على بعضها، وهي تضع الأسس التي تحمي الأفراد فهي تكفّ عدوانهم على بعض من أنفسهم بإمضاء الأحكام الوازعة فيهم، وهو ينادي بحماية المجتمع من ظلم وتجاوزات السلطان المحتملة على حقوق المجتمع، فالظلم مؤذن بخراب العمران، فإذا كان الملك قاهراً باطشاً بالعقوبات تفسد الدولة، والظلم والفساد والاستبداد يخرب البلدان ويجلب العدوان والاحتلال(6).
أساليب الحكم عند العرب والمسلمين
كان لظهور وانتصار الإسلام في المجتمع العربي، وفي البلدان التي ساد فيها الدين الإسلامي، أثر كبير على مسألة الحكم وعلاقة الرعية بالحاكم. فقد كان للثورة في العلاقات الاجتماعية الداعية إلى تحرير العبيد وإعادة توزيع الخيرات المادية وفق مبادئ الزكاة والأساس الفكري الجديد في الوعي الاجتماعي القائم على مبدأ أنّ الناس متساوون كأسنان المشط... كل ذلك أثر في البنيان الفوقي وآلية الحكم.
إلاّ أنّ بعض الباحثين لا يرون في الحياة الإسلامية إلاّ العنف(7)... وفي هذا ما يوضح لنا ضيق الفكر ومحدوديته في المجتمعات الإسلامية العربية..."(8) تتميز هذه النظرة بالقفز على الواقع وتجاهل حقيقة أنّ ذلك ينطبق على جميع المؤمنين بأي فكر بمن فيهم المؤمنين بالفكر العلماني، كما تتميز هذه النظرة بتجاهل دور البنية الاقتصادية الاجتماعية للمجتمعات العربية ودور أنظمة الحكم في وجود هذا العنف...
ويتجاهل هؤلاء المفكرون حقيقة أنّ الرسالة المحمدية أكدت على أهمية وضرورة الشورى، وأنّه وعلى الرغم من عدم وجود إدارات حكومية طوال عهد الرسول والخلفاء الراشدين، فإنّ الرسول كان يأخذ قراراته بالتشاور مع الصحابة، وأكدت الرسالة المحمدية على أهمية وضرورة الشورى، إذ ورد لفظ الشورى مرتين في القرآن: "وشاورهم في الأمر" (آل عمران:59)، و"...أمرهم شورى بينهم.." (الشورى:39)
إلاّ أنّ هذه الشورى لم تأخذ شكلاً واحداً في جميع مراحل تطور المجتمعات العربية والإسلامية... وظهرت عند المسلمين عدة نظريات في الحكم، يمكن التعرف إليها بالتفصيل في العديد من المراجع والمصادر التاريخية، من أهمها:
نظرية الخلافة (الإمامة) : يوصف الحاكم عند أصحاب هذه النظرية بالخليفة أو الإمام، ويرى الفقهاء أنّ هذين اللفظين مترادفان وللحاكم (الخليفة) فضلاً عن سلطانه السياسي سلطة دينية... ولقد وضع الفقهاء شروطاً يجب توفرها فيمن سيتولى الخلافة كالنسب: وهو أن ينتمي إلى قريش، فضلاً عن الصفات البدنية كسلامة الأعضاء والحواس، والعقلية كالملكة بالرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح والعدالة والشجاعة.
ولم يتفق الفقهاء على عدد المبايعين للخليفة، ولا على عدد المؤهلين لخلعه، وشهد التاريخ الإسلامي تبايناً كبيراً بين الآراء النظرية وتطبيقها على أرض الواقع... فالحكم منذ معاوية أصبح حكراً على الغلبة.(9)
ومع تطور المجتمعات الإسلامية واحتكاكها بالمجتمعات والشعوب الأخرى، نشأت تيارات فكرية تدعو للحداثة في الحكم الإسلامي بما ينسجم مع تطور المجتمعات(10).
نظريات الإمامة في الحكم (مع الاختلاف على تعريف الإمام):
يتلخص الخلاف السياسي الرئيس بين هذه النظريات في الإجابة عن سؤال حول كيفية تنصيب الإمام بالاختيار أم بالنص... يقول أهل الجماعة بالاختيار لأن النبي حسب معتقدهم لم يستخلف ولعدم وجود نص، ويرى تيار إسلامي آخر أن إمام المسلمين (الحاكم) بعد النبي قد جرى تعيينه بالنص؛ إذ استخلف النبي ـ حسب معتقدهم ـ علياً... والأئمة اللاحقون من ذريته...
وتشعبت هذه التيارات إلى عدة مذاهب، حسب نظرتها السياسية، أهمها:
أ ـ الإثنا عشرية: النظرة السياسية الإثنا عشرية نظرة ثيوقراطية، وتعدّ الحكم عقداً ثيوقراطياً بين أطراف ثلاثة هي: الله، والإمام الذي عليه الامتثال لأوامر الله، والرعية التي يجب عليها انتظار الإمام المهدي الثاني عشر ليقودها ويخلصها...(11)
ب ـ الزيدية: خلال مراحل الصراع السياسي والأيديولوجي بين أهل السنة وأهل الشيعة حول الحكم ظهر اختلاف في صفوف أهل الشيعة بين الإمامة والزيدية بدا في ظاهره أنّه خلاف بين الأخوين محمد الباقر وزيد بن علي، إلاّ أنّه في حقيقته كان خلافاً حول أمور محددة كالموقف من الشيخين، والدعوة بالتقية، أم بالخروج؟
فوفقاً لمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يصح إلا الخروج، فليس من إمام من جلس في بيته وارخى سترته وثبط عن الجهاد؛ ذلك أنّ النهي عن المنكر واجب كله...
هكذا ظهرت نظرة المذهب الزيدي في الحكم والتي تقوم على أسس ثلاثة: ـ قصر الإمامة على ذرية النبي، الدعوة هي سبيل الأمة إلى الحكم، الخروج أو الثورة.(12) مع الاعتراف بمكانة الشيخين.
جـ ـ الإسماعيلية: ظهرت الحاجة على تغيير أسلوب المعارضة فكان انشقاق التيار الإسماعيلي عن التشيع الإمامي العام، ويمكن القول عن التيار الإسماعيلي أنّه امتلك منهجاً للوصول إلى الحكم، يتمثل في الإمامة الباطنية عقائدياً ـ لكل ظاهر باطن ولكل تنزيل تأويل ـ والحركات السرية سياسياً، وقد يكونون أول من ابتدع التنظيمات السرية والأسماء الحركية والانقلابات العسكرية وعرفوا الحرب النفسية على أسس علمية وأيديولوجية... إنّه أسلوب في التقية والاستتار والخروج وعدم السكوت...(13)
د ـ الخوارج: ومن آرائهم:
ـ لا حكم إلا لله. ـ الإمامة تستحق بالشورى من قريش ومن غيرهم من العرب. ـ الإمامة للأفضل، ولا يجوز تجاوز الفضل وتقديم الشجاعة على العلم، والحدة في الاعتراض ولو على الرسول. ـ تكفير الحكام الجائرين.
قد تبدو بعض طروحاتهم قريبة من الديمقراطية، إلاّ أنّهم بعد استلامهم للسلطة انتهى الأمر على أن تتحول الإمامة إلى وراثة، واتخاذ الألقاب كالعباسيين: المعتز والمنتصر... وكما فعل بنو رستم في دولتهم الإباضية في تاهرت عام 987 في شمال أفريقيا.(14)
رأي: تحتاج النظريات الإسلامية في الحكم إلى تطوير لتتلائم مع متطلبات المجتمع التعددي والدولة التداولية العصرية، ويمكن القول إنّها تلتقي في التطبيق العملي في شكل الحكم الديني الذي عرف في مراحل تاريخية سابقة من تطور المجتمعات البشرية، بغض النظر عن الشكل الذي أخذه.
وأسلوب الحكم الديني لا يلبي متطلبات بناء الدولة العصرية التعددية التداولية المتحضرة.
الدولة في الأدبيات الغربية
تعدّ الدراسات الماركسية وخاصة بحوث انجلس في كتاب "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة" من أهم المصادر للتعريف بنشأة الدولة، ومن الضروري التنويه إلى أهمية المنهج الماركسي عند البحث في هذه المسألة، والذي ينطلق من المقولة التي تؤكد على أنّ "إنتاج الخيرات المادية وتجديد إنتاج الحياة المباشرة هو العامل الحاسم في التاريخ".(15)(16).
يرى انجلس أنّه مع تطور التنظيم القبلي (العشائري) أخذ الحق الأبوي بتوريث الملكية للأولاد ييسر تراكم الثروات، وقاد تراكم الثروة إلى ظهور النقود، وجعل العائلة مالكة النقود تتناقض مع أعراف القبيلة، وأخذت تظهر الفوارق في الملكية مما خلق أجنة الارستقراطية الوراثية والسلطة الملكية والعبودية...(17)
استدعى تطور العملية الإنتاجية وجود مؤسسة لحماية الثروات التي اكتسبها الأفراد، وحل النزاعات بين الجماعة البشرية، (استدعى) وجود مؤسسة يُعترف بها من قبل المجتمع على العموم، وقد ظهرت هذه المؤسسة وعُرفت باسم الدولة.(18)
وأخذت الدولة تتطور؛ فأنشأت الجماعات الجديدة التي تشكلت بفضل تقسيم العمل أولاً بين المدينة والريف، ثم بين مختلف فروع العمل المدينية (أنشأت) هيئات جديدة لأجل الدفاع عن مصالحها وأسست الوظائف من كل نوع وشكل، وكانت الدولة الفتية في حاجة إلى قوات مسلحة لخوض غمار الحروب لحماية مصالحها وحماية القوافل التجارية بمختلف أشكالها...(19)
ويرى الفلاسفة الماركسيون أنّ الدولة قد نشأت من الحاجة إلى لجم تضاد الطبقات الاجتماعية، وبما أنّها قد نشأت في الوقت نفسه ضمن الاصطدامات بين هذه الطبقات، فهي كقاعدة عامة دولة الطبقة الأقوى السائدة اقتصادياً والتي تصبح عن طريق الدولة الطبقة السائدة سياسياً أيضاً وتكسب على هذه الصورة وسائل جديدة لقمع الطبقة المظلومة واستثمارها. فالدولة القديمة كانت دولة مالكي العبيد لقمع العبيد، والدولة الإقطاعية هيئة النبلاء لقمع الفلاحين التابعين والأقنان، كذلك الدولة البرلمانية التمثيلية الحديثة هي أداة استثمار العمل المأجور من قبل رأس المال. ومع ذلك فثمة كحالات استثنائية مراحل تبلغ فيها الطبقات المتصارعة درجة من توازن القوى تنال معها سلطة الدولة لفترة معينة نوعاً من الاستقلال حيال الطبقتين، مظهر وسيط بينهما...(20)
مسيرة أوروبا من دولة الكنيسة إلى الدولة العلمانية
في حوالي عام 1120م "أعلنت السلطة البابوية في الكنيسة تحررها من سيطرة السلطة الدنيوية وتخلصها من التدخل في تعيين رجال الدين وإدارة شؤونهم. كسبت الثورة البابوية الصراع... كانت معركة فكرية وقانونية. اعتمد أول نظام قانوني شمولي هو القانون الكنسي (قوانين الكنيسة لغريشن 1140م)، وكبحت البابوية من جماح التدخلات في الكنيسة من خارجها... وقيدت في الواقع امتيازات السلطات الدنيوية، بوضعها نظام قانوني جديد... وخلقت بذلك "أول نظام قانوني غربي حديث". كما أدى هذا التعديل الثوري "إلى مولد سلطة قريبة في الشكل من سلطة الدولة الغربية ـ وكان المثال الأول عليها هو الكنيسة نفسها (وليس الدولة العلمانية) ـ مع ما في ذلك من مفارقة مارست الكنيسة منذ ذلك التاريخ كل الوظائف القانونية لسلطة تشبه سلطة الدولة، طبقت لنفسها قوانينها ونظامها الهرمي وحكم البابا من خلال ممثليه.
وأقامت الكنيسة مثالاً تحتذي به الحكومات الدنيوية لتنظيم أمورها وتأسيس محاكمها واختيار موظفيها وتنفيذ قوانينها من أجل أن تحكم في حقولها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وقد مهد انفصال البابوية عن السلطة الدنيوية لتطور البنى القانونية الدنيوية المماثلة وشجع عليها. وبينما كانت السلطة البابوية تميل إلى توسيع مجال عملها والتأكيد على سيطرتها على مساحات واسعة من الأمور المدنية والعائلية كالزواج والعائلة والإرث والطلاق وما إلى ذلك، فإنّ السلطة المسيطرة على هذه الأمور كانت تستند إلى العرف والقانون الروماني أكثر من استنادها إلى الأوامر الكتابية (نسبة إلى الكتاب المقدس). وهذا أحد الأسباب التي جعلت السلطة البابوية مضطرة فيما بعد للتنازل عنها للسلطات الدنيوية. ويتضمن القانون الكنسي أموراً دينية دنيوية، تتضمن عناصر من القانون الشعبي الألماني والقانون الروماني.(21)
خلقت الترتيبات المؤسسية الجديدة في أوربا في القرنين الثاني عشر والثالث عشر مناخاً لم يكن بالإمكان تصوره في الشرق الأوسط مناخاً اقتصادياً علمياً واجتماعياً تجري فيه الدراسة الطليقة والنقاش العلني للفلسفة والعلوم الطبيعية في مؤسسات معترف بها قانونياً. وسواء أكان الأوربيون القروسطيون على دراية تامة بمعنى ما عملوه أم لا فإنّهم أوجدوا مؤسسات مستقلة للمجتمع تدير نفسها بنفسها...
كانت دولة الحق والقانون في أوربا نتيجة مخاض تاريخي كبير عرفته المجتمعات الأوربية في عصر نهضتها الاقتصادية والثقافية التي تميزت بصراع العقل والعلم مع الأفكار الغيبية التي كانت تغذيها الكنيسة، والتي انتهت بالقطيعة المعرفية مع ما يعيق التطور والحداثة، بما في ذلك التصور الديني للعالم والحياة، مع ظهور وتجذر طبقات ثورية صاعدة في المجتمع هي البرجوازية والطبقة العاملة ومفكروهما...
وفي المجال النظري لعبت نظرية القانون الطبيعي ـ هذه النظرية التي تقابل حالة الطبيعة بحالة المجتمع وتدعو لإعطاء الإنسان الحرية كحق من حقوقه الطبيعية، والتي تبناها طليعة المفكرين الغربيين كـ هوبز (1588-1679) ـ لعبت دوراً رئيساً في إرساء الأساس النظري لحقوق الإنسان والعقد الاجتماعي عند جان جاك روسو.
تطور أساليب الحكم الديمقراطي في أوربا
لم تصل الشعوب بما فيها الأوربية إلى الأنظمة الديمقراطية بسهولة، بل عبر صراع شاق لم يخل من إراقة الدماء، وتركز الصراع الفكري حول أنظمة الحكم بين مذهبين أساسيين:
ـ مذهب الحكم المطلق: الذي يرى في الحاكم استمراراً لسلطة الله على الأرض، ويستند في إيديولوجيته إلى العهد القديم من الكتاب المقدس، الذي يعدّ النظام الأبوي (البطريارخي) هو النظام الطبيعي للمجتمع وهذه هي الأيديولوجيا المفضلة للملوك لتبرير سلطانهم بزعم أنّهم يستمدونه من الله مباشرة، وأنّهم ظلّ الله على الأرض، أو يحكمون باسمه وهو من يحاسبهم على أفعالهم وليست الشعوب...
ـ مذهب "العقد الاجتماعي": الذي يفسر نشأة الدولة على أساس التعاقد بين الأفراد كجماعة، أو بينهم وبين الحكام، كان لهذا المذهب آثار فائقة الأهمية على صعيد تطور أنظمة الحكم والمجتمعات البشرية. وأصبحت نظرية "العقد الاجتماعي" سلاحاً فعّالاً في وجه مزاعم المذهب البطر يرخي، ووسيلة لتفنيد وإنكار الصيغة الدينية وغير الدينية التي ابتدعها الحكام لإضفاء القداسة على الحاكم انطلاقاً من أنّ الناس ولدوا أحراراً ومتساوين أمام الله وأمام القانون الطبيعي، بالتالي فسلطة الحاكم بصفة عامة، تنبع من إرادة وموافقة الشعب في إطار تحقيق وحماية اهتماماته، وفي الوقت نفسه يؤسس الشعب المجتمع المدني كوسيلة لحماية هذه الاهتمامات وصيانتها من طغيان الحاكم والإرادات الأنانية، وبما أنّ المجتمع المدني هو من صنع الإنسان وليس مجرد نمو طبيعي كخلايا الكائنات الحية، فالحكام كغيرهم من البشر يجب أن يخضعوا لبنود العقد الذي تخطه الشعوب ومفكروها. فالسلطة يجب أن تكون مقننة وليست مطلقة. ويمثل ذلك نقلة نوعية باتجاه الحكم الديمقراطي؛ حكم الشعب الحر. فالحرية بمثابة الروح في النظام الاجتماعي القابل للتطور والتقدم.
تجسيد المفهوم الماركسي للدولة في الواقع العملي
بيّن لينين أنّ "أشكال سيطرة الدولة قد تكون مختلفة. فرأس المال يُظهر سلطته على صورة ما حيث يوجد شكل ما، وعلى صورة أخرى حيث يوجد شكل آخر، لكن من حيث الجوهر تبقى السلطة في يد رأس المال(23).
وقد حدد لينين وجسّد نموذج الدولة الديمقراطية الجديد التي تنشأ في الثورة الاشتراكية بالسوفيتات... في السوفيتات يصيغ العديد من الملايين من أبناء الشعب قوانينهم ويصنعون مستقبلهم بصورة عفوية وعلى طريقتهم ولا ينتظرون السادة الأساتذة ممثلي البرجوازية حتى يدبجوا لهم مشاريع قوانين لجمهورية برلمانية برجوازية".(24)
وقادت نظرة الماركسيين إلى الدولة إلى تجسيد سلطتها في نموذج عرف بدكتاتورية البروليتاريا، وآخر عرف بالدولة الديمقراطية الشعبية في بعض دول آسيا وأوربا الشرقية وبعض البلدان العربية والإفريقية، تلك النماذج التي لم تحمل ميزات وصفات الدولة العصرية القائمة على التعدد، والتداول، والرضا، والقبول من قبل جميع أبناء المجتمع والقابلة للتجدد والبقاء، ولم تستطع الصمود أمام مسيرة التطور الاقتصادي الاجتماعي التاريخي.

التسميات الأيديولوجية للدولة
أخذت الدولة في أوربا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين أشكالاً وصيغاً وتسميات مختلفة ترتبط بالموقف والخط السياسي للقوى المهيمنة على السلطة فيها، وابتكر كل اتجاه سياسي اسماً جذاباً للدولة التي يشيدها ليعبر عن مدى عدالة وقوة ومشروعية السلطة التي يحكم بموجبها: فأطلقت على الدولة ألقاب مختلفة؛ منها الدولة التضامنية، والدولة الشعبية، ودولة الرفاهية، والدولة لكل الشعب...
ومن المعروف أنّ هذه التسميات والصيغ سقطت جميعها مع عملية التطور الاجتماعي التاريخي التي لا توقفها لا الألقاب اللامعة ولا الشخصيات أو الأفكار التي لا تعوض...
هل استكمل العرب بناء أسس الدولة(25)
إن التمعن الدقيق في حالة المجتمعات العربية يبين أنّ العناصر الأساسية اللازمة لوجود الدولة متوفرة مع بعض النقص الذي يختلف من بلد لآخر، فالسكان موجودون، وكذلك الأرض (وإن كان بعض أجزائها محتلة في بعض البلدان)، كما أنّ السلطة موجودة إلاّ أن السلطة في أغلبية البلدان العربية تفتقر إلى صفات الشرعية وسيادة القانون، والتداول، والتوافق، والرضا والقبول، وإمكانية الاستمرار والبقاء.
مشكلات تطبيق الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي والرد عليها:
يستند المفكرون الإسلاميون الذين يرون عدم إمكانية تطبيق الديمقراطية في المجتمعات الإسلامية على عدة حجج أهمها:
ـ الفكر الإسلامي لا يقر بفصل الدين عن الدولة، أو استقلال الهيئات والسلطة القضائية والتشريعية عن التنفيذية، وهذا الفصل من أهم أسس الديمقراطية، فهي نظام علماني غربي وغريب عن المجتمعات الإسلامية...
ـ الدين أساس التشريع في الفكر الإسلامي، أما في النظام الديمقراطي فالإنسان يصوغ النظام الذي يناسبه ويشرع لنفسه...
ـ الاجتهاد في الإسلام يعني أنّ الرأي للإمام المفتي وليس للأغلبية...
ومن حجج بعض المفكرين الغربيين:
ـ الديمقراطية خاصة ببعض المجتمعات الغربية المسيحية كما يقول مونتسكيو والمجتمعات الشرقية والمتخلفة غير مؤهلة لها.. ويرى برتراند رسل (1872-1970) استحالة ممارسة الديمقراطية في مجتمع تسوده الأمية قبل أن يتهيأ الناس.
ويركز البعض على مثالب الديمقراطية، ومنها:
ـ طغيان الأغلبية وضياع حقوق الأقلية وتهديد حرية الأقلية والمغالاة في قوة المؤسسات الديمقراطية وعدم وجود ضمانات ضد طغيانها.
ـ ميل السلطة إلى السقوط في أيدي مجموعة قليلة من الأفراد، أو عدد ضئيل من القادة بغض النظر عن تكوين التنظيم السياسي، فالسلطة تصبح أكثر تعقيداً وبيروقراطية، وتصبح متمركزة بأيدي النخبة من قمة التنظيم السياسي والحكومة، ويتعقد صنع القرار وتصبح المشاركة لجميع الأعضاء أكثر تعقيداً، لتنتهي الأمور بيد مجموعة من القادة المحافظين... وذلك لأنّ حجم التنظيمات السياسية وتعقدها يحتم وجود وظائف متخصصة، مما يجعل من المستحيل على الأعضاء العاديين متابعة المتخصصين.(26)
الرد على حجج ومزاعم عدم إمكانية تطبيق الديمقراطية: ثمة حجج كثيرة تفند الآراء أعلاه وتنطلق من أنّ حضارات الشعوب وثقافاتها متداخلة ولا توجد حضارة بمعزل عن الأخرى، وتستفيد جميعها من تجارب بعضها البعض، ولم يوجد الفكر والتنوير الغربي بمعزل عن تأثيرات المفكرين العرب والمسلمين كابن رشد وابن سينا والفارابي وغيرهم، والديمقراطية في تطورها العام وما دخل عليها من تأثيرات فكرية وعملية هي تجربة إنسانية عالمية عامة يفرضها العقل البشري، وتتطلبها الأخلاق وضرورات اجتماعية لتحافظ على كرامة الإنسان وقيمته، وهي ليست تجربة الآخرين "المختلفين عنا".
ـ بما أن جوهر الدين الإسلامي هو العدالة والمساواة وتحقيق إنسانية الإنسان، بالتالي لا يوجد في الدين الإسلامي ما يمنع مبدئياً من تطبيق الديمقراطية التي تعتمد على الحرية والعدالة والمساواة، هذه القيم التي نجد الدعوة إليها صريحة في القرآن الكريم.
أما فيما يخص القول إن الديمقراطية مستوردة، فمن المفيد والمهم التمعن في العديد من الوقائع في التاريخ الإسلامي ومنها الواقعة التالية: "قدم أبو هريرة وكان والياً على البحرين ـ على الخليفة عمر ومعه مال كثير، فقال له عمر: ماذا جئت به؟ قال خمسمائة ألف درهم... فصعد عمر المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيّها الناس قد جاءنا مال كثير، فإن شئتم كلناه كيلاً، وإن شئتم أن نعدّه عدّاً، فخشي بعض الصحابة ألا يكون للغائب عن القسمة نصيب، فقام رجل زار فارس فقال: يا أمير المؤمنين، قد رأيت هؤلاء الأعاجم يدوّنون لهم ديواناً، فقال عمر: دونوا الدواوين!"(27)
تدل هذه الواقعة على:
ـ إنّ أبسط شيء من شؤون الإدارة أو السياسة وهو أن يكون هناك دواوين (مصالح أو وزارات) لم يكن معروفاً في العهد الأول من الإسلام،
ـ لم يجد الخليفة العادل والمشهود له بالغيرة على الإسلام حرجاً أن يقتبس نظاماً من الأعاجم، ما دام لا نظير له ولا بديل فضلاً عن الحاجة الملحة له، ولم يستنكره عمر بدعوى أنّه "نظام مستورد".
ـ الديمقراطية ضرورية للأفراد وللمجتمعات كضرورة الحرية لها، فماهية الروح هي الحرية كما يقول هيغل، والناس جميعاً يسلمون بأنّ الروح تمتلك ضمن ما تمتلك من خواص خاصية الحرية. وتنازل الإنسان عن حريته للحاكم أو لأي شخص آخر، إنما يعني أنّه يتنازل عن إنسانيته، أي عن حقوقه وواجباته كإنسان كما يرى روسو.
ـ الديمقراطية ثقافة وممارسة تصحح نفسها في الممارسة...
ـ تتم معالجة خطر طغيان الأغلبية بالمزيد من وعي الأفراد ومزيد من الحرية فضلاً عن القوانين التي تكبح ذلك...
ومن المخاطر التي تهدد الديمقراطية خطر تحالف الاحتكارات الرأسمالية الليبرالية المتوحشة التي تدعي الديمقراطية، ومحاولة فرض مفهومها للديمقراطية على البشرية عن طريق الحروب تحت شعار الحرية والديمقراطية، مما يؤدي إلى تشويه مفاهيم الديمقراطية وفرض أخلاق وقيم لا إنسانية على الشعوب... إن الطغم الحاكمة الممثلة للاحتكارات الرأسمالية والصناعات العسكرية في بعض البلدان الرأسمالية المتحالفة مع بيوتات المال التي تشن الحروب بحجة نشر الديمقراطية توجه سهامها إلى الديمقراطية نفسها، وهي تحارب الأسس الحقوقية والفكرية الديمقراطية التي بنت مجتمعاتها عليها واستطاعت أن تجدد نفسها بواسطتها...
الدولة والثورة:
إحدى أهم مهام الدولة هي معالجة التناقضات في المجتمع، لكنّ المجتمعات البشرية شهدت بعد تدشين عصر الدولة عدة ثورات، وهذا يدلّ على عجز السلطة فيها على معالجة تلك التناقضات، ويعبّر عن قصور تلك السلطة عن تلبية متطلبات التطور الاقتصادي الاجتماعي السليم... وجاءت بعض الثورات الكبرى في مراحل معينة من التاريخ لتعبر ليس عن قصور السلطات في مجتمعاتها وحدها، وليس عن حاجة مجتمعاتها وحدها إلى سلطة أو صيغة حكم جديدة، فحسب، بل ولتعبر عن حاجة الكثير من المجتمعات البشرية لهذه الصيغة الجديدة المنسجمة مع المرحلة الجديدة من التطور الاقتصادي الاجتماعي...
وتبين دراسة التاريخ الحديث أن المجتمعات البشرية تحتاج كل فترة من تطورها (تقارب قرناً من الزمان) إلى صيغة جديدة من أسلوب الحكم (أو ما عرف بالسلطة) تتجاوز أساليب الحكم السابقة وتلبي متطلبات التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي بلغته البشرية...
في ملامح الدولة وصيغة الحكم المنشودة في الألفية الثالثة:
إنّ بناء دولة المواطنة العلمانية القانونية الدستورية الشرعية المتحضرة هو أساس معالجة المجتمعات لأزماتها... ولما كانت عناصر الدولة هي: الشعب، والإقليم (الأرض)، والسلطة، فإن حماية وحدة واستقلال وسيادة الدولة على كامل أراضيها هي حق وواجب الدولة وشعبها، وتبقى مهمة تحرير الأجزاء المحتلة من الدولة كالجولان المحتل مهمة ثابتة، فضلاً عن الوقوف إلى جانب الشعب العربي الفلسطيني الشقيق لنيل حقوقه كاملة...
ولمّا كانت أي سلطة وصيغة لأسلوب الحكم في كل مرحلة تاريخية لا تأتي من فراغ بل تستفيد من الصيغ السابقة وتتجاوزها؛ فمن المطلوب من المفكرين والسياسيين المعاصرين والعرب أن يبدعوا سلطة دولة جديدة تحافظ على مؤسسات الدولة القائمة لحماية وحدة وسيادة البلاد، وتستوعب وتتجاوز في الوقت نفسه ميزات السلطة العصرية التي بنيت في المجتمعات المتحضرة، والتي استطاعت بدرجات مختلفة تكريس مبدأ المواطنة، ومعالجة التناقضات التناحرية في مجتمعاتها، ببناء دولة مدنية على أسس علمانية دستورية وديمقراطية تعددية تداولية متحضرة، يتم فيها الفصل بين السلطات التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، وسيادة كل منها في نطاق عملها، ومن الضروري أن تتلاءم صيغة الحكم في القرن الواحد والعشرين مع أسلوب الحكم التعددي التداولي المرن وواسع الآفاق الذي يتطور ويتغير مع تغير الظروف وفق متطلبات الحياة ومتطلبات التطور الاقتصادي التقني والاجتماعي والثقافي، ليصبح قادراً على معالجة كافة التناقضات التي تعتمل في المجتمع باستمرار، وليسمح بتفتح طاقات الشعب الإبداعية، ويساهم في خلق الظروف الملائمة كي تلعب الشعوب دورها الطبيعي في تطور الدولة والمجتمع، وتجديد وتغيير السلطة في سياق التطور الحضاري التقدمي من غير الحاجة إلى الثورات؛ التي تنجم عن تفاقم التناقضات التناحرية في المجتمعات البشرية، وعن عدم ملائمة البنيان الفوقي لمتطلبات تطور البنيان التحتي...
إنّ أهمّ ميزات السلطة في الدولة العصرية المنشودة أن تحقق درجة من توازن القوى بين جميع طبقات ومكونات المجتمع المتعددة والمختلفة، وأن تلعب دور الوسيط بينها، وتعالج التناقضات في المجتمع كيلا تصل إلى الحالة التناحرية، وأن تساعد في بناء مؤسسات المجتمع الأهلي والمدني المستقلة التي تدير نفسها بنفسها، وتحقق متطلبات تطور المجتمع ومتطلبات العصر بإبداع ضوابط محددة للتحقق من انسجامها مع ميزات السلطة الشرعية العصرية، والتي يتلخص أهمها في: رضا وقبول أبناء المجتمع بها، والتداول السلمي لها، والمساواة القانونية، والحرية والكرامة والتنوير لجميع أبنائها.
أولاً: رضا أبناء المجتمع وقبولهم:
من وسائل رضا أبناء المجتمع أن يشعروا بأنهم يساهمون في الحكم وإدارة شؤونهم، وفي وضع دستور البلاد وقوانينها، وهذا يتطلب القيام بمجموعة من الإجراءات، منها:
ـ أن يتم إقرار الدستور وأي تعديلات تجرى عليه من قبل الشعب،
ـ أن تؤكد مواد الدستور على علمانية الدولة ـ نظراً لبنية المجتمع المتعددة دينياً ومذهبياً وقومياً، فالدولة العلمانية تضمن وحدة هذا التنوع ـ وأن تكون مواد الدستور ضامنة لسيادة واستقلال ووحدة البلاد ووحدة أبناء الوطن ومساواتهم جميعاً في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن الجنس والعرق والدين والمذهب، وعدم تضمنه لأي مادة تشي بأي نوع من التمييز بين أبناء الوطن كأن تحصر أي مسؤولية ـ بما فيها رئاسة البلاد ـ بدين، أو جنس، أو مذهب، أو قومية أو حزب محددة لحامل هذه المسؤولية.
ـ يعدّ الجيش والشرطة والمؤسسات التابعة لهما، والتي يحصر حمل السلاح بها، مكونات أساسية من مكونات سلطة ومؤسسات الدولة، والجيش الوطني هو أحد ضمانات وجود وبقاء الدولة العمود الفقري لوحدتها وحماية أمنها، وحمايتها من التفتت والعدوان الخارجي، ومن الضروري أن تكون هذه المؤسسات بعيدة أي انحياز لأي حزب سياسي، وأن تبقى على مسافة واحدة من جميع المواطنين... وفي هذه المناسبة نوجه تحية إلى الجيش الوطني والرحمة لشهداء الجيش والوطن من عسكريين ومدنيين، والتمنيات بالشفاء للجرحى.
ثانياً: المساواة القانونية والحرية والتنوير
إنّ مسائل الحرية، والتعليم، والثقافة، والتنوير والارتقاء بإنسانية الإنسان، مسائل متلازمة ومتفاعلة، مثلها مثل الضمان الصحي الاجتماعي؛ من الحقوق الأساسية لكل مواطن، ومن الضروري أن تبقى في أولوية مهام سلطة دولة المواطنة العصرية... وكما أنّ أي مشروع تنويري لا يترافق مع الحرية يبقى باهتاً أصفر ولن يحقق مهامّه، كذلك الحرية من غير ثقافة ووعي متنور وشعور بالآخر المختلف ومن غير معرفة أهمية التنوع والاختلاف، والشعور بالمسؤولية لن تكون حرية... فالحرية تجعل الإنسان إنساناً، ولا تكتمل إنسانية الإنسان من غير حرية. ومن الضروري أن تكون غاية أي مشروع تنويري بلوغ حالة معرفية تتجاوز كل وعي أو ثقافة لا تتلاءم مع متطلبات التقدم والحضارة وتعيق التطور والحداثة.
تضع دولة المواطنة الإنسان وكرامته والرقي بإنسانيته في جوهر خططها وسياستها، فالإنسان هو العنصر الأساسي في الدولة ومن الضروري أن يكون غايتها، وأن تضمن حمايته من أي نوع من أنواع ونوازع الانحراف بما في ذلك نزعات الإجرام والقتل...
وتتطلب الحرية عدم طغيان أي فكر ديني أو دنيوي علماني أو تنظيم على المجتمع، ولمعالجة مسألة طغيان الأغلبية في الأنظمة الديمقراطية على الحياة السياسية في الدولة من الضروري أن ينص الدستور على أسس ومبادئ لتحقيق المساواة والحرية لجميع أبناء الشعب، ومن هذه الأسس والمبادئ:
ـ التأكيد على حق المواطنين في ممارسة السياسة، وحرية تشكيل الأحزاب والتنظيمات السياسية، وحرية ممارسة نشاطها على قدم المساواة، ومنع حصول أي حزب أو تنظيم على مكاسب أو امتيازات خاصة فارقة عن سائر الأحزاب والتنظيمات، والتأكيد على حق وجود الأحزاب المعارضة، والتيارات المتنوعة داخل الحزب الواحد، على أن تتعهد جميع الأحزاب، والقوى، والتنظيمات السياسية والاجتماعية بممارسة النشاط السلمي وتحريم كافة أشكال العنف بما فيها المسلح ضد المواطنين أو الأحزاب الأخرى...
ـ أن تكون الحكومة ائتلافية من الأحزاب الداخلة إلى البرلمان التي تشكل الأغلبية في البرلمان، وتسهيل تشكيل حكومة ظل معارضة تراقب وتصوب عمل حكومة الأغلبية...
ـ كيلا تتكرر مآسي هيمنة الأحزاب الشمولية على الدولة وانقلابها على العملية الديمقراطية بعد فوزها في أول انتخابات، ولعدم طغيان أي أغلبية على البرلمان والحكومة من المفيد أن ينص الدستور، وقانون الانتخابات على عدم تجاوز نصيب أي حزب بنسبة محددة من عدد النواب في البرلمان، على أن يعاد انتخاب المقاعد التي تزيد على تلك النسبة التي يحوز عليها أي حزب لتتوزع على الأحزاب الأخرى... فكما هو متعارف على وجود عتبة دنيا (نسبة من الأصوات) لدخول البرلمان (مقدارها 3% او 5% في بعض الدول) من المفيد أن ينص الدستور وقانون الانتخابات على عتبة عليا (نسبة تصل إلى 33% كحد أقصى) لنصيب أي حزب من المقاعد في البرلمان. على أن يعاد انتخاب المقاعد التي تزيد على تلك النسبة التي يحوز عليها أي حزب لتتوزع على الأحزاب الأخرى...
ـ فصل السلطات، وحصر المناصب الحكومية الأساسية في الدولة وأعضاء المحكمة الدستورية والقضاة، ومناصب المدراء بمهنيين مستقلين (تكنوقراط)، وإبعاد الصفة الحزبية عنهم، وعدم احتكارها من قبل حزب الأغلبية...(28)
ثالثاً: التداول السلمي للسلطة:
لمسألة تداول السلطة ميزة هامة: تجعل من في الحكم يحترم القانون، ويخفف من طغيانه وغلوائه واستبداده؛ لأنّه يعلم أنّه سيُسأل دائماً عن تصرفاته وعن احترامه للقانون الذي يحرسه وهذا يساهم في بناء دولة الحق والقانون ويزيد الدولة قوة ومنعة.
رابعاً: السلطة والدولة لجميع المواطنين:
ـ من الضروري أن تؤكد مواد الدستور على أنّ الدولة لجميع المواطنين بغض النظر عن الدين والمذهب والطائفة والعرق أو الجنس، وعلى أنّ دولة المواطنة العادلة تعالج مسألة تحرير المرأة ونيلها حقوقها كاملة في العمل والحقوق والواجبات بالتساوي مع الرجل... ومن الضروري تطبيق ذلك في الحياة العملية اليومية وليس في التشريعات القانونية وحدها، بوضع آليات عملية للتأكد من سيادة العدالة وحسن تطبيق هذه التشريعات.
ـ العدالة الاقتصادية الاجتماعية هي أساس العدالة القانونية، وعلى سلطة الدولة أن تسعى باستمرار لتحقيق هذه العدالة، كي يحصل النساء والرجال على حقوقهم... وتتطور الدولة عندما تحصل المرأة على حقوقها بالتعادل والمساواة مع الرجل.
وتتجلى عدالة السلطة في الدور الاجتماعي الإيجابي للدولة، وفي التوزيع العادل للثروة وفي نموها المستمر، ويتطلب ذلك اعتماد سياسة اقتصادية تنموية حقيقية، ووضع الخطط العملية الفعّالة التي تضمن التنمية الاقتصادية المتواصلة، واعتماد سياسة ضريبية منصفة ومحفزة للإنتاج في الوقت نفسه تضع حداً للسياسات الليبرالية المتوحشة، وتعالج سلبيات ما يعرف باقتصاد السوق الاجتماعي... مع ضرورة وجود رقابة شعبية تساعدها وسائل إعلام حرة مسؤولة وموضوعية حقيقية على مختلف مفاصل ومراحل إنتاج وتوزيع الثروة... واعتماد أساليب تحفيز المنتجين والمبدعين، ومحاسبة الفاسدين والمستغلين. ومعالجة مسألة التحكم بالاقتصاد الذي تقوم به بعض الحكومات والمؤسسات الاقتصادية لصالح فئة، أو طبقة ما، والحد من إمكانية تلك المؤسسات وضع قوانين اقتصادية تجبر المواطنين على سلوك حياة اقتصادية مالية بنكية يومية بعيدة عن الاستقلال الذاتي الاقتصادي تخدم البنوك ورجال المال...
ـ وعند الحديث عن العدالة الاجتماعية من المفيد التذكير والاعتراف بأن تطبيق الإجراءات الاشتراكية الديمقراطية في مختلف البلدان المتطورة يساهم في تخفيف التناقضات الطبقية في مجتمعاتها؛ وتتطلب الإجراءات الاشتراكية الديمقراطية تنمية اقتصادية اجتماعية وتطوراً صناعياً واهتماماً جدياً بمعالجة مسألة التنمية الزراعية، وتطوير الإنتاج التقني الزراعي وإدخال الصناعة إلى الريف بإشادة معامل الصناعات الغذائية، وإدخال التكنولوجيا والتقنيات الحديثة إلى الزراعة، وشمل الريف بخطط التنوير الثقافي للارتقاء بمستوي حياة ووعي السكان في الريف، مما يساهم في فك الروابط الجامدة بين البنيان التحتي والبنان الفوقي؛ تلك الروابط التي تعيق تطور المجال السياسي وتحط من الوعي الاجتماعي وتبقيه أسيراً لمفاعيل روابط القرابات المتخلفة من طائفية، ومذهبية، وعشائرية، وحزبية منغلقة...
ـ يتطلب إعادة بناء ما خلفه الدمار الكبير، وتفاعل الدول الخارجية مع هذا الواقع، تنفيذ مشروع يضاهي مشروع مارشال الذي عرفته أوربا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، على أن تكون مهام التنمية الشاملة ومصلحة الوطن والشعب في أساس مهامّه.
في دور الدولة الاقتصادي
يمكن تلخيص دور الدولة الناجح في مجال التنمية الاقتصادية والبشرية فيما يلي:
ـ اعتماد مشروع وطني حقيقي فعّال للتنمية ومحاسبة السلطة الحاكمة بمدى تنفيذه، ووضع الأسس السليمة لمكافحة أسباب ظهور الفساد، واعتماد ضوابط فعّالة لعدم تهريب الأموال إلى الخارج...
ـ الاهتمام بمسائل تطور الإدارة والتقدم الإداري لبناء إدارة وطنية غيورة على صالح الوطن والمواطن بما ينسجم مع متطلبات التنمية والتقدم الاقتصادي الصناعي والبشري، وتشجيع المبدعين والمخترعين بإقامة مشاريع لاستثمار اختراعاتهم في مشاريع صغيرة ومتوسطة ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة عموماً
ـ اعتماد منهج التخطيط(29) مع تحديد أسس تنفيذ الخطط لبناء وتنمية صناعة الآلات والمعدات إلى جانب الصناعات الخفيفة للتقليل من الواردات وزيادة الصادرات. ومنح الحوافز التمويلية والضريبية على نحو انتقائي يخدم مشاريع الصناعات المتقدمة، وليس مشاريع صنع السلع الاستهلاكية البسيطة كالعلكة ومواد المكياج...
ـ اعتماد منهج التخطيط التأشيري المرن وإبداع الحوافز الضرورية للتنمية... واعتماد سبل القيادة التوجيهية للقطاع الخاص، ومعالجة حالة القطاع العام المترهل، و اعتماد الأسس والقوانين والشروط التي تحمي القطاع الخاص والتي تساعد في تحقيق الأرباح التي تساهم في بناء وتنمية صناعات جديدة متقدمة. واعتماد إجراءات تحفيز القطاع الخاص لاعتماد مشروع وطني يعزز الاستثمارات داخل الوطن، والابتعاد عن عقلية الربح السريع وتهريب الأموال إلى الخارج.
ـ وضع الخطط الحقيقية والفعالة لاستثمار المساعدات وعوائد العمالة في الخارج وفوائض التجارة الخارجية في المشاريع التنموية البشرية والصناعية المتقدمة، والابتعاد عن حصرها في دعم أسعار السلع الاستهلاكية وفي تضخيم الأعداد الفائضة من الموظفين في مختلف مؤسسات وأج ـ تعزيز ثقافة ورغبة واهتمام المواطنين بضرورة وأهمية الادخار للحالات الصعبة، في مواجهة ثقافة الاستهلاك لزيادة معدلات الادخار، والاستفادة منها في مجالات التنمية.
ـ وضع الخطط والأسس اللازمة لحسن الاستفادة من العلاقات مع الدول المجاورة، وأسس استثمار عوائد المارد الطبيعية بما في ذلك النفط والغاز.
ـ تطوير العلم والبحث العلمي وترسيخ المنهج العقلي والعقلانية في مواجهة التخلف، ووضع أسس استثمار البحث العلمي في الصناعة والاقتصاد... وكيفية مواجهة الثقافة المتخلفة التي يرد بعضها من الخارج، وأسس مواجهة المشاريع الخارجية المعادية.
ـ الاهتمام بالآثار والمعالم الثقافية، والتخطيط الأمثل لجعل الاستثمار السياحي حافزاً ومساعداً في مشاريع التنمية الشاملة.
في أساليب الحكم
من نماذج الدولة العصرية الملائمة للمجتمع متعدد الديانات والمذاهب والقوميات، المجتمع الذي يخطو بتؤدة على مسار تعلم فن السياسة، هو نموذج الجمهورية البرلمانية الرئاسية التعددية التداولية، العلمانية... وفي الدول متعددة القوميات والديانات والمذاهب والطوائف وللحفاظ على البلاد موحدة، من الضروري:
ـ أن تتوزع السلطة فيها بين إدارة مركزية موضوعية، وإدارات محلية ذات صلاحيات إدارية محلية واسعة، علماً أنّ السياسة الخارجية، والأمن، والدفاع، والاقتصاد هي من صلاحيات المركز الأساسية.
ـ وضع وتطبيق القوانين التي تحدد صلاحيات المركز وصلاحيات دوائر ومؤسسات الإدارة المحلية، وإيجاد السبل وعدم طغيان المركز أو أي أداة ومؤسسة من مؤسسات السلطة عليها.
ـ انتخاب رؤساء سلطات الإدارة المحلية من الشعب مباشرة.
ـ عدالة وحسن توزيع الثروة بين المركز والدوائر المحلية وتفعيل دور الرقابة الشعبية والإعلامية على عمل المركز والإدارات...
ـ على مؤسسات الدولة الموحدة أن تلبي متطلبات حرية وكرامة حقوق الإنسان لجميع القوميات والديانات والطوائف والمذاهب... الحرية أساس سليم مجرب لوحدة المجتمع والبلاد...
إنّ الاقتراحات الفيدرالية(30) التي يتم تقديمها في الظروف الحالية غير ناضجة وغير قابلة للتطبيق، وقد يؤدي فرضها إلى تقسيم البلاد... ومع التأكيد على وجوب أن يضمن دستور البلاد حقوق الإنسان ونيل جميع أبناء المجتمع حقوقهم المتساوية كاملة مهما كانت قوميتهم أو ديانتهم أو مذهبهم، أو طائفتهم، أو جنسهم، بما في ذلك حقوق الأخوة الأكراد الذين تعرضوا للإجحاف في العقود الماضية... ومن الضروري الاستفادة من التنوع والاختلاف وصراع الآراء لزيادة غنى الإنسان ثقافياً ومادياً وروحياً...
مع التأكيد على أنّّّّّ بناء دولة المواطنة العلمانية المتحضرة أساس الخروج من الأزمة؛ فالأسس السليمة لبناء الدولة القابلة للبقاء والتطور هي الأسس الديمقراطية القانونية التي تجعل الشعب يمارس السلطة ويشعر بأن الدولة لجميع أبنائها يتداولون الحكم فيها وفق آليات ديمقراطية يتفقون عليها... وأن يكون جوهر أسلوب الحكم المرن مفتوح الآفاق هو: الحرية، والكرامة، والتنمية والعدالة والتنوير ليشكل أساساً قانونياً يلبي تطلعات ومتطلبات أبناء المجتمع من جميع الشرائح وخاصة الشباب في ممارسة حقوقهم السياسية والاقتصادية...
وتبقى مسألة البحث عن شكل السلطة وأسلوب الحكم المناسب في القرن الواحد والعشرين مفتوحة للنقاش وتحتاج للبحث النقدي والإغناء من قبل جميع المفكرين والباحثين المهتمين بمستقبل الشعوب، وقد يكون مفيداً وضع مهمة إيجاد صيغ لأسلوب حكم عصرية متحضرة مرنة مفتوحة الآفاق تعالج التناقضات في المجتمعات البشرية من مهام مؤسسات الأمم المتحدة في إطار جهودها لمعالجة الأمراض الاجتماعية الناجمة عن أساليب الحكم والبنى السياسية الفاسدة بما فيها أساليب الحكم الليبرالية المتوحشة المهيمنة في العديد من البلدان والتي تقود إلى التطرف والإرهاب...
الصفصافة ـ طرطوس ـ نيسان (أبريل) 2015


الهوامش
(1) عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي ـ مقدمة ابن خلدون ـ دار القلم ـ بيروت ـ الطبعة الرابعة 1981. ص41
(2) المصدر السابق. ص170-175
(3) المصدر السابق. ص39
(4) السلطة: السَّلاطةُ في القواميس العربية: القَهْرُ، وقد سَلَّطَه اللّهُ فتَسَلَّطَ عليهم، والاسم سُلْطة، بالضم. والسُّلْطانُ الحُجَّةُ والبُرْهان. وسُلْطانُ كل شيء: شِدَّتُه وحِدَّتُه وسَطْوَتُه، قيل من اللسانِ السَّليطِ الحدِيدِ. قال الأَزهري: السَّلاطة بمعنى الحِدَّةِ.
والسلطة في الدولة، هي نطاق الصلاحيات المشروعة التي تتمتع بها مؤسسة عندما تتصرف بالنيابة عن الدولة. وتُمنح هذه الصلاحيات من خلال القنوات المعترف بها رسميًا داخل الدولة، وتمثل جزءًا من السلطة العامة للدولة. على سبيل المثال، قد تتمتع حكومة ما بسلطة لإعدام المجرمين. ويمكن للحكومة أن تقيم هيئة محلفين مخولة لتحديد ما إذا كان المواطن مجرمًا أو غير مجرم؛ وقاض مخول بالحكم على المجرمين بالإعدام؛ وجلاد مخول بقتل المجرمين الذين حكم عليهم بالإعدام. وفي المقابل، قد يتمتع حشد من المواطنين بالقوة اللازمة للقيام بكل ذلك، لكنّهم لا يتمتعون بالسلطة لأن الإجراءات لن تكون مشروعة. وتتعدد السلطات، منها الروحية والدينية والمعنوية...الخ
(5) عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي ـ مقدمة ابن خلدون ـ دار القلم ـ بيروت ـ الطبعة الرابعة 1981. ص303
(6) المصدر السابق. ص286-288
(7) أدونيس ـ محاضرات الاسكندرية ـ التكوين ـ دمشق 2008 ص24
(8) المصدر نفسه. ص26
(9) د. مصطفى أحمد تركي ـ عالم الفكر ـ العدد2 عام 1993 ـ الكويت. ص148
(10) المصدر السابق ص146ـ العقاد ـ الديمقراطية في الإسلام ـ محمد نجيب المطيعي: حقيقة الإسلام وأصول الحكم ـ مصطفى الشكعة: إسلام بلا مذاهب.
(11) د. مصطفى أحمد تركي ـ عالم الفكر ـ العدد2 عام 1993 ـ الكويت. ص156
(12) المصدر السابق ص159
(13) المصدر السابق ص165
(14) المصدر السابق ص170
(15) انجلس ـ أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة ـ مختارات ـ دار التقدم ـ موسكو ـص171
(16) المصدر السابق. ص193-201
(17) المصدر السابق. ص323
(18) المصدر السابق. ص319
(19) المصدر السابق. ص327
(20) المصدر السابق. ص409 -410
(21) فجر العلم الحديث ـ عالم المعرفة ـ الكويت عدد آب (أغسطس) 2000م ص137-154
(22) د. إمام عبد الفتاح إمام ـ عالم الفكر ـ العدد2 ـ 1996 ـ الكويت
(23) لينين ـ المختارات باللغة العربية ـ المجلد 9 ـ دار التقدم موسكو 1977. ص93
(24) المصدر السابق. ص380
(25) شاهر أحمد نصر ـ الدولة والمجتمع المدني ـ دار الرأي ـ دمشق 2005. ص35
(26) عالم الفكر ـ العدد2 عام 1993 ـ الكويت. ص36
(27) حدد الطبري سنة "15هـ / 636م" كتاريخ لوضع الديوان على يد عمر، فقال: "وفي هذه السنة فرض عمر للمسلمين، ودون الدواوين، وأعطى العطايا على السابقة"، في حين حدد البلاذري سنة "20هـ/ 641م"، فقد ذكر "لما أجمع عمر على تدوين الديوان، وذلك في المحرم سنة عشرين"، ولكن جميع الروايات تتفق حول نقطة جوهرية، وهي أن كثرة تدفق الأموال على المدينة المنورة من فتوح الأمصار، كانت السبب الذي دعا عمر إلى وضع الديوان. وتتكرر في المصادر رواية عن خمس البحرين الذي كان سببًا لتأسيس الديوان، يقول الماوردي: "واختلف الناس في سبب وضعه له، فقال قوم: سببه أن أبا هريرة قدم عليه بمال من البحرين، فقال له عمر: ماذا جئت به؟ فقال: خمسمائة ألف درهم، فاستكثره عمر، فقال: أتدري ما تقول؟ قال: نعم مائة ألف خمس مرات، فقال عمر: أطيب هو؟ فقال: لا أدري، فصعد عمر المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس قد جاءنا مال كثير، فإن شئتم كلنا لكم كيلًا، وإن شئتم عددنا لكم عدًا، فقام إليه رجل، فقال: يا أمير المؤمنين قد رأيت الأعاجم يدونون ديوانًا لهم، فدون أنت لنا ديواناً. (شبكة الانترنت الدولية)
(28) أوليفي دو هاميل ـ الديموقراطيات ـ أنظمتها ـ تاريخها ومتطلباتها ـ ترجمة علي باشا ـ وزارة الثقافة ـ دمشق 1998. ص339
(29) يصنف التخطيط الاقتصادي في أربعة أصناف مختلفة، هي:
ألاً: تصنيف التخطيط وفقاً لدرج الالتزام بالتنفيذ:
1ـ التخطيط الاستراتيجي: الذي يرسم مسارات نمو الاقتصاد الوطني على المدى البعيد.
2ـ التخطيط التوجيهي: الذي تلتزم بموجبه الجهات الحكومية (القطاع العام) بتنفيذ ما تتضمنه الخطة من أهداف وسياسات وبرامج ومشاريع.
3ـ التخطيط التأشيري، الذي يهدف إلى تهيئة البيئة المواتية لنمو القطاع الخاص من خلال مجموعة متكاملة من السياسات والحوافز والفرص الاستثمارية، وفي جذب الاستثمارات الخاصة للإسهام في تحقيق أهداف الخطة من غير إلزام أو إجبار.
ثانياً: تصنيف التخطيط حسب درجة الشمول،
1ـ التخطيط القومي الشامل، وهو يغطى كافة مناطق وأقاليم الدولة. ويسعى إلى تحقيق أغراض التنمية في مختلف القطاعات (زراعية، صناعية، خدمية، اجتماعية، الخ). فضلاً عن رفع مستوى معيشة المواطنين في إطار نظام متكامل على الصعيدين الكلي والقطاعي، ويهتم هذا النوع من التخطيط بالإجماليات أي ما يتعلق بمعدل النمو العام، ومقدار الاستثمار الوطني، والقوى العاملة، وغيرها.
2ـ التخطيط القطاعي، حيث يهدف إلى تحقيق التنمية من خلال التغيير الهيكلي للاقتصاد على أساس قطاعي، وإعداد الخطط القطاعية لتشكل بمجملها الخطة الوطنية الشاملة.
3 ـ التخطيط الإقليمي، ويهدف إلى تنمية إقليم أو منطقة معينة داخل الدولة. ويسعى إلى تحقيق قدر من التوازن النسبي في النمو بين مختلف أقاليم الدولة، ويُعد التخطيط الإقليمي صورة من صور اللامركزية في التخطيط على المستوى الجغرافي.
ثالثاً: تصنيف التخطيط حسب البعد الزمني،
1ـ التخطيط طويل الأجل، فهو يشمل على أهداف يحتاج تحقيقها إلى فترة من الزمن تمتد إلى عشرة سنوات أو أكثر، ويقدم الأطر العامة والرؤى المستقبلية المتوقعة التي تساعد على وضع الخطط متوسطة وقصيرة الأجل.
2ـ التخطيط متوسط الأجل، ويتراوح مداه الزمني بين ثلاثة سنوات وسبع سنوات. يجب ألا يكون البعد الزمني للخطة طويلاً جداً بحيث يصعب معه إجراء التنبوء أو التقديرات الخاصة بالمتغيرات المختلفة في الاقتصاد القومي بدرجة كافية من الجدية، وفي نفس الوقت يجب ألا يكون في القصر بحيث لا يستطيع تغطية الفترة الكافية لإنشاء المشروعات الأساسية في الخطة.
3 ـ التخطيط قصير الأجل، حيث يتراوح مداه الزمني بين ستة شهور وسنتين. ويسمى عادة بالخطة التنفيذية.
رابعاً: تصنيف التخطيط حسب درجة المركزية:
1 ـ التخطيط المركزي، الذي يتم فيه وضع الخطة والإشراف على تنفيذها من أعلى إلى أسفل من قبل السلطات المركزية: وزارة أو هيئة أو مجلس..
2 ـ التخطيط اللامركزي، الذي تشترك فيه الهيئات الإقليمية والمحلية من أسفل إلى أعلى.
(30) الفدرالية (الاتحادية) شكل من أشكال الحكم تكون السلطات فيه مقسمة دستوريا !بين حكومة مركزية (حكومة فيدرالية أو اتحادية ) ووحدات حكومية أصغر (الأقاليم، الولايات)، ويكون كلا المستويين المذكورين من الحكومة معتمد أحدهما على الآخر وتتقاسمان السيادة في الدولة. أما ما يخص الأقاليم والولايات فهي تعتبر وحدات دستورية لكل منها نظامها الأساسي الذي يحدد سلطاتها التشريعية والتنفيذيه والقضائية ويكون وضع الحكم الذاتي للأقاليم، أو الجهات أو الولايات منصوصا عليه في دستور الدولة بحيث لا يمكن تغييره بقرار أحادي من الحكومة المركزية.
الدستور في النظام الفدرالي هو السلطة العليا التي تستقي منها الدولة سلطاتها. ومن الضروري وجود قضاء مستقل لإبطال أي قانون لا يتماشى مع الدستور. ويجب أن تكون القوانين الواردة في الدستور المذكور غير قابلة للتغيير إلا من قبل سلطة أعلى أو هيئات تشريعية. وغالبا ما تؤدي صعوبة تغيير الدستور إلى نشوء مشاعر محافظة.
أما الاتحاد الكنفدرالي: فهو رابطة أعضاؤها دول مستقلة ذات سيادة والتي تفوض بموجب اتفاق مسبق بعض الصلاحيات لهيئة أو هيئات مشتركة لتنسيق سياساتها في عدد من المجالات وذلك دون أن يشكل هذا التجمع دولة أو كيانا وإلا أصبح شكلا آخرا يسمى بالفدرالية. الكنفدرالية تحترم مبدأ السيادة الدولية لأعضائها وفي نظر القانون الدولي تتشكل عبر اتفاقية لا تعدل إلا بإجماع أعضائها. ومن أبرز الكنفدراليات الحديثة الاتحاد الأوروبي أما كندا، وسويسرا، وبلجيكا، فتعدّ فدراليات.



#شاهر_أحمد_نصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فرصة روسيا التاريخية
- متى يحال من يتسبب في اغتيال الفكر و المفكرين إلى القضاء؟
- شاهر أحمد نصر - باحث وكاتب يساري سوري - في حوار مفتوح مع الق ...
- هل لأدونيس أصدقاء حقيقيون؟!
- ما سر التعلق بنظرية المؤامرة؟!
- ما الذي يلغي المشاعر الإنسانية؟!
- الغيبية والطوباوية في (مشروع برنامج حزب الإرادة الشعبية)
- عندما يغيب العقل!
- الحرب مرآة فشل السياسة
- الموقف النقدي لا يعني رؤية الجانب السلبي وحده!
- الخلل الفكري من أسباب الإخفاق السياسي!
- من يعادي الربيع العربي يخدم المشاريع المناهضة لنهضة شعوب الم ...
- تعافي المعارضة السورية ضرورة وطنية
- عادا ب-خفي حنين-
- متى ينضج الحل؟!
- مرض الطفولة السياسية؛ هل هو وباء؟!
- الوفدان سوريان
- السوريون في حاجة لتعلم فن السياسة
- في مسؤولية المثقف
- من يعرقل الحل السياسي يخدم أعداء الشعب السوري


المزيد.....




- -ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني ...
- -200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب ...
- وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا ...
- ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط ...
- خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد ...
- ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها ...
- طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا ...
- محكمة مصرية تؤيد سجن المعارض السياسي أحمد طنطاوي لعام وحظر ت ...
- اشتباكات مسلحة بنابلس وإصابة فلسطيني برصاص الاحتلال قرب رام ...
- المقابر الجماعية في سوريا.. تأكيد أميركي على ضمان المساءلة


المزيد.....

- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شاهر أحمد نصر - في تحولات وآفاق بنية الدولة