|
ابو علي شاهين جذور نخيل فلسطينية لا تذبل!!!
رامي الغف
الحوار المتمدن-العدد: 5177 - 2016 / 5 / 29 - 02:45
المحور:
القضية الفلسطينية
ابو علي شاهين جذور نخيل فلسطينية لا تذبل!!!
بقلم / رامي الغف*
الرجال أنواع، رجل يعيش وينتهي بلا أثر يذكر، ورجل ينتهي بأثر محدود، ورجل ينتهي جسده ويتجاور بآثاره حدود الزمان والمكان، وهنالك بعض الرجال يتعدّى تأثيرهم دائرتهم الشخصية لينتقل إلى دوائر واسعة ذات أبعاد وأفق اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو فكرية أو ثقافية، وقد نشهد بعض المؤثّرين ممن برعوا في جانب واحد من الجوانب المذكورة، إلا أن المتابع بسعة إطلاعية وشمول لشخصية عبد العزيز شاهين" ابو علي " الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى يوم الثلاثاء الموافق 28 /5 / 2013م الذي تصادف هذه الأيام ذكرى وفاته الثالثة.
وفي ذكراه الثالثة سنجد الشاهين منفرداً في الكثير من الصفات، كما يجتمع مع غيره في صفات أخرى، ومن تلك الصفات التي اختص بها " أبو علي " أنه كان صاحب تأثير على مستوى تكوين مدرسة نوعية داخل التنظيم الفتحاوي، هذه المدرسة التي لم تقتصر على المنحى الفكري في الدروس التنظيمية والحركية، ولم تكن مختصرة في أبعاد سياسية أو اجتماعية أو عسكرية وحسب، وإنما كانت مدرسة شمولية في علميتها وسياسيتها واجتماعيتها وثقافيتها، وذات سمات متكاملة في كل تلك الأبعاد، أي إن تلك المدرسة الفتحاوية لها سمات عامّة تلحظها في مختلف الأبعاد التي تحرّكت خلالها.
إن الحديث عن ابو علي شاهين ليس حديثاً عن فترة تاريخية قصيرة، انتهت يوم رحيله عنّا، بل هو حديث عن تاريخ سيال تترابط فيه عناصر الماضي والحاضر لتمتد إلى المستقبل، فالعظماء هم الذين يصنعون التاريخ ويرسمون بأناملهم آفاق المستقبل مما يجعل تألقهم حاضرا دوما، ومنذ ان بدأ يعي الحياة حمل هموم ومتاعب أبناء شعبه ووضع كل ما يملك علمه وعمله وروحه ودمه في خدمة فلسطين والفلسطينين من اجل بناء فلسطين حره ديمقراطية انسانية تحترم الانسان وتقدس الحياة، وفعلا تقدم لمواجهة الصعاب والظلام والطغيان والإحتلال ومن خلفهم، لا يبالي وقع على الموت ام الموت وقع عليه ففي كلتا الحالتين هو المنتصر وهو الفائز وهكذا كان لصدقه ونزاهته واخلاصه وشجاعته وتحديه الذي لا يعرف اللين ولا المساومة ولا الخوف ولا المجاملة الدور الاول والرئيسي في تحرير الوطن الفلسطيني من براثن الإحتلال، وبعد انتهاء الجهاد الاصغر بدا في الجهاد الاكبر في بناء الوطن وفي سعادة شعبه فكان اول خطوة يخطوها هي تكليفة بإستلام حقيبة وزارة التموين بين الأعوام 1996-2003.
لقد كان تاريخ ابو علي شاهين، معركة حامية خاضها بقوة التحمل والصبر والاستقامة دون أن تستثيره نوازع الغضب والانتقام والضعف، فربح معركة التاريخ عندما رحل شامخاً لم يرض بالذل والخنوع، ولم يستسلم لأهواء الصفقات والمساومة والانتهازية، وهكذا فإن الإرادة الفردية تسطر ملحمة خالدة عندما تنتصر بموتها على أعدائها كما انتصر الشهيد الرمز ياسر عرفات.
لا نغالي إذا قلنا أن الراحل ابو علي شاهين أصبح تاريخاً مميزاً كتبه بنفسه، ذلك أنه قد صنع مشروعاً إنسانيا شاملاً تتكامل فيه كل العناصر اللازمة لخلق حقبة زمنية مختلفة ومنتزعة من التاريخ الروتيني العادي، فشمولية مشروعه ذاتياً واجتماعياً وسياسياً وحضارياً هي التي توجب علينا كحملة أقلام أن نصفه بصانع التاريخ، لذلك فإننا عندما نقرأ التاريخ الإنساني ونستلهم منه العبر فإننا نقرأ في فترات زمنية معينة كان فيها لأفراد وأمم أداؤهم الإنساني الواضح والمؤثر، وقد كانت قوة إرادته تنبع من إيمانه العميق أولا بالله سبحانه وتعالى وقوة توكله الكبير عليه وعلى أبناء شعبه ثانيا، حتى كان هذا التوكل يتحول إلى شجاعة غريبة تتجاوز حسابات الخوف والمصلحة، إذ مع إحساسه بالتكليف الشرعي لأي قضية معينة كان هذا التكليف يتحول إلى موقف صلد لا يتنازل عنه في مطلق الأحوال، ومن خلال هذه الإرادة الكبيرة برزت عند ابو علي شاهين صفتان تميز بهما على طول الطريق، الأولى هي الثقة الكبيرة بالنفس وهي ثقة استوحاها من ثقته بالله عز وجل، حتى أن تطلعاته الكبيرة وطموحاته الواسعة كانت تدهش الكل الفلسطيني.
كان ابو علي شاهين رحمة الله، يجمع بين ثلاثة من العلوم الفكر التنظيمي والسياسية والفقه الديني، وتراه مواضباً ومجداً في كافة المجالات بتميز وإبداع وإقتدار، وبالرغم من انشغالاته بالاونة الأخيرة بالشان الوزاري، حيث أنيطت له حقيبة وزارة التموين في الحكومة الفلسطينية، كما ساهم وبصورة مستمرة في المؤتمرات والندوات الثقافية والفكرية والحوارات واللقاءات الجماهيرية، التي تناولت أغلبها هموم وشجون شعبنا الفلسطيني وقضيته المركزية، الى جانب هذا فإنه كان مهتماً ومبادراً في التقريب بين كافة ألوان الطيف السياسي والوطني والإسلامي الفلسطيني، وكان كثير الاهتمام بأحوال أبناء شعبه في مخيمات اللجوء وأوضاعهم، فكان يقوم بالنشاطات الاجتماعية ويزور المخيمات والمناطق ويلتقي بالجماهير ويقدم لهم ما يستطيع تقديمة من مساعدات ودعم.
لقد سلك ابو علي شاهين، طريق جهاده الشاق والطويل فضحى بكل نفيس، وشق أمواج المؤامرات وظلمة الفتن، وتعرض مرات عديدة للاغتيال من قبل المخابرات الصهيونية، ورغم كل الصعوبات فقد رفع صوت فلسطين عاليا في المحافل العربية والدولية، وكان يرى ويؤسسس من خلال رسالته النضالية والوطنية التي كان ينادي بها دوما وخاصة على القيادة العليا للشعب الفلسطيني، أن يكون التغير والإصلاح منبثقاً من الشعب الفلسطيني لا من طرف اخر.
لقد أطل ابو علي شاهين وبعد وطأت رجلاه أرض الوطن، والإستقبال الكبير من قبل الجماهير الفلسطينية ومروره على المحافظات الجنوبية في قطاع غزة واحدةً تلوَ الأخرى، ويسلم عليهم ويهنيهم بعوده القيادة الفلسطينية بقيادة الرئيس ياسر عرفات، فألتفت حوله الجماهير وخاصة الشبيبة الفتحاوية، وبيده منهاج بناء دولة مؤسساتية رصينة، وقانون ودستور يجعل فلسطين تعيش بنعيم وإذدهار وتنمية، فكانت أصوات الجماهير تدوي دويا عظيما وهي تردد (يا شاهين يا شاهين يا فتحاوي يا عظيم) ورأى كل العالم استقبال وحب الجماهير له في باقي مدن وبلدات وحواري وأزقة قطاع غزة التي مررتّ بها في طريقه حتى وصوله مدينة رفح، وكيف ننسى المشهد الشبيبة الفتحاوية وهي ترافقه وتسانده وتشد من عضده، وهو القوي السديد برأيه وجهاده ومقاومته للاحتلال.
لا نبالغ هنا لو قلنا إن ابو علي شاهين هو جذر نخيل فلسطيني أصيل أصالة النخل وقدمه، مدادً لكل المضحين والشرفاء والأحرار لهذا الوطن الجريح، واليوم، وفي ذكرى رحيله الثالثة لم يزل الاهين حاضراً وأقرب من ذكرى، وما زال وجوده غضاً وحضوره طرياً وظله ندياً، وما زالت آثاره وأعماله وإنجازاته وعملياته عبقة بالفداء والإقدام، وإطروحاته وأفكاره ورسائله تتقلبها الأبصار وتتأملها العقول، وتستقطب أفكاره الآلاف من ابناء شعبنا، فلقد رحل أبو علي إلى رحمة ربه تعالى، وقد أدّى رسالته في الحياة وكان عظيماً بها، أمّا الآن فالتحديات أمامنا أكبر في بناء الدولة الفلسطينية المستقلة العتيده كما أراد الراحل الشهيد الشاهين.
لقد غاب ابو علي شاهين ليبقى شعبه على العهد والوعد سائرون حتى الإنتصار وتحقيق المراد، وروحه ترفرف بينهم في زمن علا صوت الإنقسام والفساد والمفسديين، لأنه الحاضر في زمن الغياب والمغيبين، وها هو صوته يناغم آذاننا (بالروح بالدم نفديك يا فلسطين) يرتفع كشلال ليضئ العتمة ويلغي التراجع والإنكسار، بممحاة الأمل والفرح والإصرار والتحدي لدى أبناء وبنات حركة فتح وفلسطين، وكل عزائنا إنا نرى الآن صورتك وصورة ياسر عرفات كل يوم في وجه وشخص أشبالك وزهراتك أبناء فتح التي نرى من خلالهم كل الأمل والثقة بمستقبل زاهر لفلسطين.
أخي أبو علي شاهين أنت رحلت الى عالم الخلود حيث أحبتك ورفاقك وإخوتك ياسر عرفات وابو جهاد وأحمد ياسين وابو علي مصطفى وعمر القاسم وسليمان النجاب وابو العباس وعطايا ابو سمهدانه وثابت ثابت وعبد العزيز الرنتيسي وفتحي الشقاقي وفيصل الحسيني، وأنتما في جنات النعيم جزاء لكما بما قدمتما من فداء لفلسطين وجماهيرها، وسلام عليكما يوم ولدتما ويوم استشهدتما ويوم نلقاكم عند وجه العلي القدير تبعثون أحياء، وان لله وانا اليه راجعون.
*الإعلامي والباحث السياسي
#رامي_الغف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنقذوا فتح !!!
-
جرح الإنسانية الأكبر!!!
-
ليشكل مجلس إنقاذ فلسطيني أعلى ؟؟؟
-
صوتكم وأقلامكم هما سلاحكم !!!
-
خريجين على قارعه الطريق!!!
-
ظاهرة البطالة في فلسطين وخطورتها!!!
-
حقيقة المصالحة وحكومة الوحدة الوطنية!!!
-
رحيل قبلَ الأوان يا عثمان أبو غربية!!!
-
الرئيس محمود عباس !!!
-
أما آن لنا من استثمار تجارب الشعوب الحية !!!
-
الدور العربي في فلسطين حضور وغياب سلبي!!!
-
لنترك الخلافات جانبا لإعمار الوطن !!!
-
المرأة الفلسطينية مسيرة معمدة بالتضحيات والألم!!!
-
رسالة إلى القادة في فلسطين!!!
-
هل المعلم رسولا ؟؟؟
-
الغف / المناضل أحمد الشقيري دافع عن القضية الفلسطينية بكل شر
...
-
الإعلام الفلسطيني والمسؤولية التاريخية !!!
-
المصالحة قارب النجاة الأمثل للوحدة الوطنية
-
الطاولة المستديرة هي الحل لكافة القضايا !!!
-
التوافقات السياسية والخروج من الأزمات
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|