|
سيرَة أُخرى 33
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 5176 - 2016 / 5 / 28 - 02:48
المحور:
الادب والفن
1 حينما وضعتُ مخططاً للحديقة، حاولتُ أن أدع مساحة كافية للعب ولديّ الصغيرين. على ذلك، تركتُ نصفَ المساحة مُحتفظاً بمسكبته الخضراء. النصفُ الآخر، المخصص للأزهار، أنشأتُ فيه أربعة أحواض؛ حوضين في كل جانب يفصل بينهما بلاطاتٌ سبعٌ، متسلسلة على شكل الدَرَج. في المقدمة من جهة البلكون، كان الحوضان مربعين وخشبيين. الحوضان الآخران، القريبان من باب السور، كان كلاهما على شكل دائرة من الأحجار الضخمة. وكان ثمة حوضٌ خامس، من مخلّفات المستأجر السابق، يمتدّ تحت نافذة حجرة النوم العريضة. وكانت تغطي أغلب مساحة ذلك الحوض خميلةٌ كثيفة، تُشبه فزاعة الطيور. في مرحلة تالية، حفرتُ حوضاً ضيّقاً على طول قاعدة السور الأماميّ بُغيَة زراعة أغراسٍ متنوّعة من الورد الجوري. أجَمَة جميلة، كانت تربضُ في الجهة اليسرى المقابلة لسور الحديقة وقد أحاطت بها الصخور. المسافة الخضراء، الفاصلة بين تلك الأجمة وحديقتي، كانت مرتفعة وتبدو في غاية الفتنة مع بزوغ أزهار الربيع من الأقحوان الأبيض والأصفر علاوة على البنفسج. عليّ أن أذكر أيضاً، بأن حديقتي كانت مظللة جزئياً بفضل خمس أشجار صنوبر سامقة تقعُ خارجَ السور. بمَحض المصادفة، كانت قد نبتت غرسة صنوبر جديدة بمنتصف الحديقة، فلم تلبث على مرّ السنين أن كبرت فصرنا نُزيّنها بالأضواء الملونة خلال ليالي الميلاد المثلجة. في تلك الفترة الأولى، الربيعية، كانت هناك جارة تعيش مع أبنتها واعتادت أن تراقبَ بإعجاب عملي في الحديقة. ذات يوم، أطلّت عليّ هذه الجارة السويدية من خلال السور الفاصل بين حديقتينا. فخاطبتني وهيَ تقبض بيديها على ماكنة يدوية لقصّ الحشائش: " أعتقدُ أنك تحتاج لهذه، فهي لن تنفعني بعدُ؛ لأنني سأنتقل قريباً إلى شقة جديدة! ".
2 كما سبقَ القول، كان ثمة خميلة في الحوض الوحيد للحديقة ببداية حلولي في المنزل. أمثال هذه الخميلة، المزروعة من لَدُن البلدية، وُجدَت أيضاً على حدود الحديقة. عليّ كان أن أبذل جهداً كبيراً في إقتلاع الخمائل من جذورها، إلى أن قام جارٌ سويديّ طيّب بتزويدي برفش مناسب. على الأثر، قمتُ بزرع ثلاث شجيرات دفلى على نسق واحد وبألوان مختلفة في مكان الخمائل تلك. إحداهن أخذت مكانها في الحوض الجديد الأقرب للشرفة، والأخريتان في الحوض القديم الممتد تحت نافذة حجرة النوم. في ظلّ كل دفلى، وبما يتناسب مع لونها ، غرستُ شتلة hortensia ذات أزهار بهية؛ وهيَ الشتلة، التي حرَّفَ الدمشقيون اسمها إلى " قرطاسية ". الحدّ الفاصل بين الشرفة والحديقة، زيّنته بأضلاع خشبيّة متشابكة. وكان يتوسّط هذه التزيينات الخشبية مدخلٌ إلى الحديقة، مكوّن من عمود رخامي من كل جانب. وكان يهيمن على المدخل قوسٌ حديديّ، بارتفاع مترين تقريباً. على تاج كلّ من العمودين، تمّ وضع آنية خزفية أنتيكية وقد انبثق منها متسلّقة مزهرة تُدعى باللاتينية " الكراسّة " crasse. عند قاعدة الأضلاع الخشبية، غُرسَ ستّ شتلات من النبات ذي الخضرة الدائمة والعبق الرائع، المعروف بالشمشير. على جانبيّ كلّ من الدرجات السبع، المتصلة بين مدخل الحديقة وباب سورها، قبعت آنية فخارية صغيرة يتدلى منها أيضاً متسلقة الكراسّة. هذه الأزهار ذات الألوان المتعددة والفاتنة، كانت تلتقي بأخواتٍ لها مزروعة في الأحواض الأربعة، الخشبية المربعة والحجرية الدائرية. على ذلك، اجتمعت القرطاسية والكراسة في حديقة الكاتب.
3 ثمة أنواع غريبة من النباتات، تنبثق بين الصخور ولا تحتاج لتربة خاصّة. كلا الحوضين الدائريين في حديقتي، كما سبقَ الحديث، كان مسوّراً بكسَرٍ من الصخور. وكنتُ قد أُهديت من جارة لي عدة أنواع من نباتات الصخور، ذات أحجام دقيقة كالأصابع وأزهار فاتنة. من تجوالي في الغابة، جلبتُ أيضاً لحوضيّ نوعاً نادراً من النبات له أوراق خضراء داكنة تتخللها نقاط بيض. كذلك حصلتُ من عجوز كردي لبناني ( وكان يملك مزرعة خضار في جوارنا )، على أزهار نعنع مجففة. في بداية الصيف التالي، نبتت في الحوضين شتلات نعنع عديدة. بل إنّ شقيقات لهنّ، ويا للعجب، قد رفعن رأسهن في الجهة الأخرى من الدار؛ ثمة حيث أنشأتُ حوضاً عريضاً تحت نافذة حجرة المطبخ. في ذلك الصيف، وكان مشمساً حاراً لحُسن الحظ، كانت حديقتي متألقة بأنواع كثيرة من الأزهار. عملية استنبات البذور، كنتُ قد بدأت بها منذ مستهل شهر نيسان. إذاك، عمدتُ إلى ثلاثة دروج خشبية، كنتُ قد عثرتُ عليها في مخزن المهملات بالحيّ، فجهزتها بتربة مناسبة ثمّ غرست فيها البذور كلاً على عمقٍ مناسب. وكنتُ أُخرج بذوري إلى الحديقة نهاراً، وهيَ مغطاة بالنايلون، ثم أعيدها إلى المطبخ عندما يبرد الجوّ عصراً. فما هوَ إلا أسبوعين، حتى خفقَ قلبي لمرأى شتلاتٍ رقيقة منبثقة من تربة أحواضها الإصطناعية. فلما كان شهرُ أيار، والشتلات قد اشتدّ عودها نوعاً، فإنني قمتُ بزراعتها في أحواض الحديقة الخمسة. علاوةً على الكراسّة، وهيَ بشكلين متسلّق وخميلة، كان لديّ في الحديقة أنواع عدة؛ كالهرجاية والبيتونيا وشمّر سيقانه وفم السمكة. هذا الأخير، كان الأثير لديّ منذ زمن الطفولة، حينما كنتُ أقطفُ خلسةً عن أعين الأب الزهرة تلو الأخرى لكي أتسلّى بفتح بتلاتها، الشبيهة بفم السمكة.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الهلفوت والأهبل
-
سيرَة أُخرى 32
-
بسمة مسمومة
-
الغموض والوضوح
-
عَرَبة العُمْر
-
اتفاقية سايكس بيكو وشعوب المشرق
-
أحلى من الشرف مفيش !
-
سيرَة أُخرى 31
-
سيرَة أُخرى 30
-
أقوال غير مأثورة 5
-
دعها تحترق !
-
الحمار والدب
-
الأبله؛ الرواية العظيمة كفيلم تافه
-
سيرَة أُخرى 29
-
الأُمثولات الثلاث
-
سيرَة أُخرى 28
-
سيرَة أُخرى 27
-
سيرَة أُخرى 26
-
نافخ البوق
-
أجنحة
المزيد.....
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|