مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 5174 - 2016 / 5 / 26 - 16:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما تقودنا الهمجية
ما دامها لا حربك صحيحة , ما دامه لا سلمك سلام , إذا هيدا سلمك يا سلام , سلملي على سلمك سلام .. - أغنية
أعتذر سلفا للكاتب الصحافي عمر قدور , و أيضا لشيخ العقلانيين التنويريين السوريين , مولانا صادق جلال العظم , و دكتور إحياء المجتمع المدني عبد الرزاق عيد ( رضي الله عنه و أرضاه ) , الحقيقة أنكم مقارنة بداعش و الأسد و بسوريا نفسها , تعطون واقعنا اليوم أحلى تفاصيله و أكثرها كاريكاتورية , أرجو أن تقبلوا اعتذاري و أن تفهموا أن القضية "عامة" و ليست "شخصية" .. عمر قدور كعادته في مقاله الأخير عن مسالخ زهر الدين , بز الجميع , بز الجميع بمعنى تجاوزهم , سابقهم ثم سبقهم .. كلمتين أولا عن "سوريا" اليوم , من عفرين إلى الزارة إلى مسالخ زهر الدين و جبلة و طرطوس , حيث كان واضحا أن الهمجية هي التي تقودنا , الجميع يحتفي بالدم , الدم هو عنوان الجميع .. العلوي الفقير يقول , لست همجيا , لست أنا من يرمي البراميل عليهم , لكنهم سيقتلونا جميعا إذا تغلبوا علينا , كالخواريف , و إذا حصل أي "تجاوز" من أي علوي فقير مثلي فهذه مجرد ردة فعل على إجرامهم , لسنا همج , هم الهمجيون , و لأنهم يريدون قتلنا جميعا فإنهم "يستحقون" هذه البراميل , في سوريا الأسد , أو سوريا "الوطنية" أو "سوريتنا" لا تسقط البراميل على الناس الذين لا يريدون قتل جيرانهم فقط لأنهم من مذهب مختلف .. يقول السني , هم بدأوا بالقتل , و على الباغي تدور الدوائر , أنا لا أقبل بقطع الرؤوس و لا بالدوس على جثث النساء , هذه مجرد ردة فعل غاضبة ستختفي تماما عندما يختفي النظام , "نحن" "ضد" "داعش" , لكنهم لا يفهمون إلا منطق داعش و قطع الرؤوس , إنهم "يستحقون" تلك الميتة , في الواقع هم الهمجيون , أنا لست همجيا , في سوريا "السنية" , "سوريتنا" , لن تقطع الرؤوس و لن يداس على جثث بشر لم يعطوا حتى حق الدفاع عن أنفسهم , سيكون هناك فقط السلام و المحبة و الحرية , تحت راية لا إله إلا الله .. هكذا الجميع "متحضرون" وسط هذه الغابة , بل و "مظلومين" أيضا .. هنا تكمن المشكلة .. أن نكون مجرمين مبتدئين , و الأسوأ من ذلك , مجرمين أغبياء .. ليست المشكلة في أن تقتل , القتل أيضا عمل إنساني , لم يخترعه السوريون , سنة أو علويين , هي سنة بشرية قديمة , لكن القتل , خاصة القتل , يفترض أن يكون عملا واعيا , يقوم به البشر بكل وعي , عن قصد و عمد , قد يمارسه الإنسان لمجرد المتعة ( يمكن الرجوع لكتاب هادي العلوي عن التعذيب في الإسلام و للكتب الكثيرة عن محاكم التفتيش و أدوات و أساليب التعذيب التي استخدمتها و عن معسكرات التعذيب الهمجي , النازية و الستالينية و العربية أيضا , إرضاءا لأنصار الأصالة و التراث و أعداء الغرب الاستعماري , للتوسع في الموضوع ) , فعله بعض الخلفاء العباسيين و بعض أباطرة روما تلذذا , و كانت تعقد له في روما , التي كانت يومها عنوانا للحضارة البشرية و ما يزال قانونها أساس القوانين التي تحكم اليوم في المنازعات بين البشر , حفلات جماعية تشبه اليوم حفلات المطربين المشهورين أو الطقوس الدينية أو الحزبية الجماعية , لمشاهدة ذبح بشر حقيقيين على الطبيعة .. لا مشكلة في الموت نفسه , و لا في القتل , المشكلة ألا تكون قاتلا جيدا , حقيقيا , ألا تعرف ماذا تفعل , أن تكون غبيا لدرجة أن لا تستمع بفعل القتل , أن لا ترضي ساديتك , أن لا تكون ساديا بالأساس , ناهيك طبعا عن أن لا تستفيد أي شيء من ارتكاب عمل على هذا القدر من الخطورة , إن لم يكن من الهمجية , لا مال و لا سلطة و لا سادية و لا متعة , ألا تجرؤ حتى على التشفي بضحيتك أو الاستمتاع بفعلتك , هذا كثير , أسوأ أنواع القتلة هم القتلة المازوخيون , القتلة الأغبياء , أيا تكن طوائفهم أو أديانهم ... إذا كنا نريد أن نقتل , فلماذا نختبئ خلف سوريا أو خلف عائشة و زينب و الأئمة و الصحابة , العلمانية أو الإسلام , القتلة الفرديون هم أكبر من كل ذلك , يكفيهم أن يريدوا ليفعلوا , هؤلاء أكبر من فرجي عائشة و زينب , من أسماء لا تعني لنا شيئا , لا نعرفها , نختبأ وراءها , كأطفال يخشون أن يكتشف أمرهم فيتهمون كائنات خرافية بأنها هي التي كسرت زجاج الشباك لا الكرة التي يلعبون بها ... القتلة الحقيقيون , الفردانيون , أكبر من هذه التفاهات التي نسوقها لتبرير كل هذه الهمجية , همجيتنا , همجياتنا .. من يقتل لأجل عائشة أو زينب لن يحصد إلا الريح , لا سلطة و لا مال , سيحصل فقط على عائشة أو زينب مقدستين , لا تدنسهما ألسنة الكفار , و هذا لا نعرف ماذا يعني بالضبط , أو أنه ببساطة : لا يعني شيئا , فقط الفراغ و اللامعنى , فقط الريح .. الفارق هنا كبير جدا جدا , بين القاتل المحترف , الذي يقتل عن سابق قصد و تعمد , الذي يقتل لأنه يريد ذلك , فقط , و بين القاتل التافه الهاوي , المأجور , الذي يقتل لأن هناك من أمره أن يقتل , حتى لو كانت تلك كائنات خرافية , لم يعرفها و لم يقابلها , و لا يفهمها أصلا .. لأن القاتل الفرداني , الحقيقي , الذي يقتل لأنه يريد أن يقتل , فقط , لا ينتظر شيئا من أحد , و لا يخشى العقاب , إنه يقبل أن يعيش دائما على حد السيف , لا يخشى الموت و لن يبكي كالطفل إذا صفعه أحدهم أو إذا أخذ أحدهم سكينه و غرزها في قلبه , سيموت واقفا , إنه أكثر من يعرف أن حقوقه تساوي بالضبط الحقوق التي أعطاها لأقل ضحاياه شأنا , إنه يستحق فقط كل ما يمكن أن ينتزعه بالسيف , إنه يرى العدل في أن يموت بنفس السيف الذي يقتل به الآخرين , لا يستحق أكثر من ذلك إلا ميتة تليق بجرائمه , التي هي هو و هو هي .. القاتل الفرداني الحقيقي لا يقبل أن يكون مظلوما , الظلم عنده يعني الثورة فقط , إذا خير بين أن يكون مظلوما و ظالما , فإنه سيختار بكل وعي أن يكون ظالما , و سيدفع ثمن ذلك حتى النهاية , دون تردد , عن طيب خاطر .. القاتل التافه يرى نفسه مظلوما دائما حتى و هو يظلم الآخرين , مازوخيته تقتله , حتى و هو يقتل الآخرين .. حضرت حنا أرندت محاكمة إيخمان ضابط الإس إس السابق المسؤول عن موت أعداد لا حصر لها من اليهود في معسكرات الهولوكوست , فاجئها أن تقف أمام مجرم عتيد كهذا لتجد وراءه بيروقراطيا تافها , "هكذا أمرت" , كان ذلك دفاع إيخمان الوحيد ... لست مجرما , كنت أنفذ الأوامر فقط ... هؤلاء , و نحن أيضا , هم أتفه أنواع القتلة , الهمجيون ... قال أحدهم أن الأديان و العقائد الدوغمائية التي تشبهها , كالنازية و الستالينية , لا تجعل الناس سيئين , السيئون سيتصرفون كسيئين دائما .. المشكلة هو أنها تجعل الجيدين يتصرفون بشكل سيء , تقنعهم , تبرر لهم ألا يكونوا جيدين .. تأمرهم ألا يكونوا جيدين ... لنتحدث قليلا عن بعض القتلة الأكثر أصالة و ابتكارا , عن بعض المجرمين , الأدوات أيضا , لكن الأكثر صدقا مع أنفسهم و مع الآخرين , منا نحن القتلة الأغبياء .. لقد أعلن شيخ كل المثقفين و السياسيين السوريين المعارضين , الأخ المناضل جمال خاشقجي , مفكر الثورة السورية الأول , ذا الجسد البدين الممتلئ صحة و عافية و دولارات و نفطا , أعلن في نفس الصحيفة التي تكتب بها , عن نهاية الربيع العربي , بعد أن تغزل به طويلا , و نظر له طويلا , "الشعوب لم تعد تريد إسقاط الأنظمة بعدما رأت ويلات ما بعد الربيع العربي , و إنما تريد جودة الحياة , لكن الأنظمة التي لا تريد ذلك يجب أن تمضي خارج التاريخ غير مأسوف عليها" .. لم يعد للحرية مكان في حديثك أو تحليلك , و لا حديث أي معارض سوري , سواء جرى ذلك عن سابق عمد أم لا , فنحن نتصرف غالبا دون وعي كامل بما نفعل , و لا أعرف بالضبط إن كان ذلك أفضل أم لا .. لم تعد الحرية إلا حجة , مبررا , اسما كبقية الأسماء , التي مرت بين الكلمات العابرة , بتعبير محمود درويش , من الوطن إلى العدالة الاجتماعية إلى التقدم و الاشتراكية , و لا إله إلا الله , و لا حياة في هذا الوطن إلا للتقدم و الاشتراكية , دون أن تعني شيئا على صعيد علاقة الأقوياء بالضعفاء , القائمة على الاستحمار و التهميش و القمع عند اللزوم , كما كان الحال دائما .. كما هو واضح , لسنا مجرمين أو همجيين كما نزعم , نحن أغبياء أكثر من أننا مجرمين أو همجيين .. المؤسف جدا في هذا العالم , ليس فقط أن القانون يقف مع القوي ضد الضعيف , و أن صرخات الضعفاء لن تجد أذنا صاغية من قانون الأقوياء , بل أيضا أنه لا يوجد قانون في هذا العالم يحمي المغفلين , و لن يوجد مثل هذا القانون أبدا , على الأرجح ..
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟