أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشار إبراهيم - عطش.. الذات الفلسطينية.. في المرآة السينمائية















المزيد.....

عطش.. الذات الفلسطينية.. في المرآة السينمائية


بشار إبراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 1394 - 2005 / 12 / 9 - 11:07
المحور: الادب والفن
    


ينجز المخرج الفلسطيني توفيق أبو وائل، فيلمه الروائي الطويل الأول بعنوان (عطش) 2003، دون أن يتخلَّى عن غبار الإشكاليات التي رافقته في أفلامه السابقة، الروائية القصيرة منها، مثل فيلمه «يوميات عاهر» 1999، أو التسجيلية مثل فيلميه «ناطرين صلاح الدين» 2001، و«الرابع عشر» 2002.. سواء أكانت تلك الإشكاليات بسبب من وجود التمويل الإسرائيلي في أعماله، أو بسبب الرؤية الصادمة والجريئة في متمّضنات أفلامه وخطابها..
وتوفيق أبو وائل مخرج فلسطيني شاب، وُلد في العام 1976، في بلدته (أم الفحم). وقد درس السينما في تل أبيب، قبل أن يبدأ مسيرة العمل في الإخراج السينمائي اعتباراً من العام 1997.. وكانت أولى الانتباهات إليه عندما قدم فيلمه الأول «يوميات عاهر» عام 1999، مستنداً فيه إلى رواية «الخبز الحافي» الشهيرة للروائي المغربي محمد شكري، فأعاد من خلالها النظر إلى الصراع على أرض فلسطين.. بطريقة صادمة تماماً.. تنشد ما هو ليس أقل من الرواية ذاتها..
لكن الانتباهة الأكبر ستأتي مع فيلمه الجديد «عطش» 2003، بدءاً من مشاهدته في مهرجان كان السينمائي الدولي عام 2004، في برنامج (أسبوع النقاد)، ونيله جائزة النقاد السينمائيين الدوليين.. ومن ثم خلال عرضه في مهرجان السينما العربية في باريس عام 2004، وحصوله على جائزة لجنة التحكيم الخاصة.
مرة أخرى، سنجد أن عدداً من النقاد السينمائيين العرب، يختلفون إلى حدّ التناقض في الموقف تجاه هذا الفيلم، فهناك من اعتبر الفيلم «إسرائيلياً»!.. سواء على مستوى التمويل (حيث حصل المخرج والمنتج توفيق أبو وائل على دعم مالي، من جهات ومؤسسات حكومية إسرائيلية، من أجل إنتاج فيلمه).. أو على مستوى المضمون، إذ بحث ذلك النفر من النقاد السينمائيين العرب، عن وجود جندي الاحتلال في الفيلم فلم يروه، وبحثوا عن أيٍّ من مشاهد الصراع العربي (أو الفلسطيني) الإسرائيلي.. فما وجدوه.. إذ أن الصراع الظاهر في الفيلم هو في ثنايا الأسرة الفلسطينية ذاتها، وما بين الأسرة ومجتمعها الفلسطيني، بما يحمله من قيم ونظرات اجتماعية، خاصة لمفاهيم الشرف والعفة..
وعلى الجانب الآخر، رأى البعض الآخر من النقاد أن هذا الفيلم يمكن له أن يكون واحداً من التحف الفنية السينمائية العربية، أو على الأقل في السينما الفلسطينية الجديدة، متفهِّمين (ومبرِّرين) مسألة أن يحصل مخرج سينمائي من فلسطينيي 1948، على تمويل من الحكومة الإسرائيلية، ليس فقط على اعتبار أن فلسطينيي 48، يدفعون الضرائب لهذه الحكومة طيلة نيف وخمسين سنة، وبالتالي يحقّ للمخرجين السينمائيين منهم، أخذ جزء من هذا المال لصناعة فيلم سينمائي يعبّر عن فلسطينيتهم، بطريقتهم.. (ولعل من أبرز دعاة هذا الرأي المخرج إيليا سليمان).. بل ربما لاعتبارات أخرى، يراها كل منهم بطريقته الخاصة.. لكنها تدور جميعها في فلك أسئلة العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في إطار الدولة..
«لم أهاجر إليهم.. بل هم من هاجروا إلي».. هكذا يقول توفيق أبو وائل، بصدد موقعه من الإسرائيليين، وموقعهم منه.. فهم من أقاموا دولتهم على أنقاض هويته القومية والوطنية، وهم من منحوه جنسية، وجواز سفر، وانتساب قانوني لها، على الرغم من أن هذا الانتساب يتناقض بشكل صارخ وصادم مع كل ما في وجدان الفلسطيني من تاريخ وثقافة وقيم..
هم لم يستطيعوا (أسرلته)، أو لم يريدوا ذلك!..
وهو لن يستطيع (فلسطنتهم)، ولعله لا يريد..
وإذا كان من الضروري تفحّص إسرائيلية الإسرائيلي، وكشفها وتعريتها، فلا بد أيضاً من تفحُّص فلسطينية الفلسطيني!.. ومساءلتها.. بمعنى أنه من غير الجائز الاكتفاء، دائماً، بالنظر إلى الآخر، وإعادة اكتشافه مرة بعد أخرى، تارة باعتباره المحتل الهمجي، القاهر القاتل، والطارد للفلسطيني، ومولِّد نكبته، وحامل إثمها.. وتارة باعتباره يعاني من المشكلات الجوهرية التي تلازم كيانه، غير الطبيعي، من حيث الحديث عن مشكلاته بصدد الوجود والهوية والاستمرار والأمن.. بل لا بد من القيام، وعلى القدر نفسه من الضرورة، بعملية تفحص ذات الفلسطيني، ومساءلتها، في اخفاقاتها وانكساراتها، كما في نهوضاتها ووثوباتها.. والبحث فيما جرى ويجري.. وما يمكن أن يجري.. أي العمل على وضع الذات الفلسطينية أمام أسئلة الماضي والحاضر، والمستقبل..
يبدو أن المخرج توفيق أبو وائل مهتم بممارسة الرؤية النقدية تجاه الذات الفلسطينية، حيث نجده يحاول، في كل من أفلامه، القيام بعملية البحث في هذه الذات، ومناقشتها، ومحاكمتها، وتعرية أخطائها، ووضعها أمام مرآة نفسها، من خلال مرآة السينما.. وبالتالي لا يمكن النظر الصائب، أو النافذ، إلى فيلمه الجديد «عطش» إلا من هذا المنظار.. أي باعتبار أن مخرجه مهجوس بما هو نقدي تجاه الخيبات الفلسطينية.. والنظر إلى لوحة الصراع، في جوهره، من خلال ذلك..
في الفيلم سنجد أسرة (أبو شكري)، المؤلفة منه ومن زوجته وابنتيه وابنه.. تعيش في واد مهجور، خاو، وموحش، يقوم على مبعدة عن الناس (الفلسطينيين) وقراهم وبلداتهم.. ومنذ المشهد الأول في الفيلم، يبدو أن الأسرة تعمل في صناعة الفحم (هل لهذا السبب اسم بلدته أم الفحم؟..)!..
صناعة الفحم، تلك المهنة التي توفر الكثير من الحرائق، وغمامات الدخان، والآثار السوداء التي تصطبغ على الوجوه والملامح.. وغالباً ما تتناغم مع الانفعالات النفسية للشخصيات، التي يبدأ الفيلم بهدوء وروية، ودونما أي استعجال، في الكشف عن تمايزاتها، واختلافاتها، وتناقضاتها، في الأسرة الواحدة.. كما تتبدى قدرة المخرج على استثمار أسراب الدخان، ولهيب الحرائق، ووهج الجمرات، بطريقة جمالية فنية، تمنح الفيلم مشهديات بصرية بديعة، هي أبرز ما في الفيلم، على الصعيد الجمالي، مما يجعل من مشهديات الفيلم لوحات تشكيلية بارعة..
الأب، أبو شكري، يبدو منذ اللحظات الأولى للفيلم، في ملامح تكتسي بالقسوة والغضب، والصراخ الانفعالي العالي، بمبرر وبدونه، لا فرق.. فتلك من تفاصيل هذه الشخصية التسلطية، المستبدة.. ولكنها الشخصية البالغة الضعف والهشاشة، في حقيقتها الداخلية.. أما الأم، فهي امرأة فلسطينية تقليدية، تحاول عبثاً أن تجد لها قراراً، في مصير الأسرة، ولو على هامش سطوة الأب.. إنها تحاوره، في وقت، وتتدلل وتتزلف إليه، في وقت آخر.. لكن دون جدوى، إذ تبقى هامشية الحضور، مستلبة القرار..
شكري، الابن الوحيد في الأسرة، ينوس فيما بين انتمائه إلى الأسرة، بالعيش والعمل معها في صناعة الفحم، من جهة، وشعوره بالانتساب إلى المدرسة التي يصرّ على متابعة الدراسة فيها، حتى ولو كان هروباً، أو تسللاً، من جهة أخرى.. وسيكون في ذهابه المدرسة بمثابة الصلة الوحيدة مع العالم التي انقطعت عنه الأسرة بقرار من سيّدها، الذي يبدو رافضاً لدراسة شكري، وذهابه إلى المدرسة، وحضوره الامتحانات، فيصرخ في وجهه: «أنا أهم.. بديش هاي المدرسة اللي بتبدِّيها عني»!..
الابنة الصغرى (حليمة)، فتاة محكومة بالصمت، إذ تراقب بعينين منكسرتين كل ما يدور حولها في فضاء أسرتها الصغيرة، التي انغلقت عليها حتى كادت أن تكون عالمها.. ولكنها شاءت الاهتمام بالموسيقى، ربما لتكون منفذها من عالم الصمت إلى حالة التعبير، فنراها تصنع آلتها الموسيقية بطريقة بدائية، لكنها قادرة على إسماعنا نبراتها.. أو صراخها..
الابنة الكبرى (جميلة)، هي جوهر السرّ في حكاية الأسرة، فبسبب من اعتداء على شرفها، قرر أبو شكري الهروب بأسرته إلى هذا الوادي المنقطع عن العالم، والانغلاق بأسرته على أنفسهم.. لا يهتم الفيلم بتوضيح ما إذا كانت حادثة الاعتداء على الشرف تمّت برضى الابنة، عن طريق علاقة حب، مثلاً.. أم أن ذلك جرى بالقسر والعنوة، بالاغتصاب.. بل يذهب الفيلم إلى النتيجة التي نراها.. رجل يهرب بشرفه المثلوم، فيأخذ أسرته معه..
هل دافع الرجل عن انتهاك عرضه؟.. أم عجز عن ذلك؟.. وهل ترى يمكن للمشاهد أن يفهم معنى تلك اللقطات التي استعادتها ذاكرة أبي شكري، عندما وجد نفسه عاجزاً عن إطلاق رصاصة على رأس جندي، فاقد الحيلة والمقدرة، بين يديه.. فاستبدل الرصاصات بالشتائم المقذعة؟..
وهل ترانا نلتقط تلك العلاقة الدفينة، بين وجع الشتيمة ذاتها التي وُجِّهت إليه، فيما بعد، مكتوبة على ظهر حماره.. واعتقاده السابق، ربما، بأنها يمكن أن توجع الجندي، أكثر من الرصاصات؟..
طراز هذه الأسئلة تخرجنا من مشاهدة الفيلم إلى الدخول في حيز الفلسفة.. وفي الحقيقة لا مراء بأن الفيلم مترع بالرؤى الفلسفية.. ليس فقط فيما يتعلق بشخصية الأب، وخبيئة نفسه، أو جوهر علاقته مع أسرته، خاصة ابنته المنتهكة، وابنه الشاب.. بل أيضاً في عموم أفراد الأسرة، القائمة على ما هو مسكوت عنه، وموارب، مما يجعل الغموض والحذر أساس التعامل فيما بين أفرادها..
الأسرة المتعاونة والمتضامنة في موقف العمل، حيث نجد معاولها جميعاً تتكاتف في إنتاج الفحم، ستظهر في الحقيقة مجموعة من الجزر المنغلقة، والمنقطعة، عن بعضها البعض.. للأم حالتها المأساوية، البادية على ملامحها، وخيبتها.. والابن له أحلامه وخيباته وصدماته وتراجيدية قدره.. ولكل من الابنتين مأساتها العميقة، سواء الابنة الكبرى (جميلة) المنتهكة، حتى من قبل والدها ذاته، إلى الابنة الصغرى (حليمة) المولعة بالموسيقى، والتي تكاد تملأ الفيلم نقرات غاضبة، أو نغمات باحثة عن القليل من الحنان..
يفرد المخرج توفيق أبو وائل سماء الأسرة الصغيرة، التي يرصدها في فيلمه، حتى تكاد تكون سماءً لشعب بأكمله، ولوطن بتفاصيله.. فالخلل الكامن في الأسرة، لا يمكن إصلاحه بالسكوت عنه.. والعجز في الدفاع عن الشرف المثلوم، لن يعالج بالهروب إلى مكان آخر.. والمواجهة ينبغي لها أن تبدأ من مواجهة الذات، أو من مواجهة التفاصيل الصغيرة، قبل أو بالتوازي مع القضايا الكبيرة.. أو تبدأ أصلاً من توفر القرار بالمواجهة، والسعي لامتلاك القدرة على الفعل في سياق هذه المواجهة.. والقدرة في الانتصار على الذات، قبل التفكير بالانتصار على الآخر.. في علاقة جدلية..
ربما سيبدو من المدهش للبعض (البعض على الأقل) القول عن فيلم «عطش» بأنه فيلم مواجهة.. ولكن أليس مواجهة الخلل المتلبس (أو الملتبِّس) في الذات هو مواجهة؟.. وترى ألا تكون المواجهة إلا في ساحات القتال، وميادين الوغى؟.. ثمة مواجهة أصعب من ذلك.. إنها مواجهة الذات.. التي تتأبى في لحظة عناد ومكابرة عن الاعتراف بكل أخطائها وخطاياها.. وتتمسك رغم أنف كلّ ذلك بمكابرتها.. كما نفعل غالباً..



#بشار_إبراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيلم (ارتجال) لرائد أنضوني.. ميوزيكال دافق من فلسطين إلى فرن ...
- هل تصلح الناقدة السينمائية ما أفسده المدير التلفزيوني؟..
- في «القارورة» لديانا الجيرودي.. «بضع حكايات» عن المرأة والحر ...
- قبلتان.. على اسم برهان علوية
- عن المخرج جان شمعون
- عبد الله المحيسن والسينما السعودية
- عن فيلم «الجنة الآن» للمخرج هاني أبو أسعد


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشار إبراهيم - عطش.. الذات الفلسطينية.. في المرآة السينمائية