|
فكرة (رب الكون) وعلاقتها بالبشر
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 5171 - 2016 / 5 / 23 - 00:53
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
فكرة (رب الكون) وعلاقتها بالبشر طلعت رضوان العلاقة بين الإنسان وقوى الطبيعة، علاقة شائكة (وشيقة فى نفس الوقت) لأنّ العلوم الإنسانية ، وخاصة علم الأنثروبولوجيا أثبتتْ أنّ المجتمعات البشرية الأولى (قبل عصر التدوين وقبل اكتشاف الزراعة) كان الإنسان فيها يخشى من بعض مظاهر الطبيعة ، مثل العواصف والرياح الشديدة التى تــُـطيح بكوخه ، فكان يعتقد أنّ وراءها (عقل) مُـدبـّـر، فكان يتحاشاها ويذبح لها الذبائح والعكس صحيح ، حيث كان يفرح ويطمئن لبعض مظاهر الطبيعة الأخرى ، التى رأى أنها تــُـحقــّـق له بعض مطالبه المعيشية، مثل سقوط الأمطار، أو رؤيته للأنهار.. إلخ فكان أيضـًـا يـُـقـدّم لها بعض (العطايا) ولذلك تساءل مُـفكــرون كثيرون : من خلق الآخر : (الله) أم (الإنسان) ؟ خاصة وأنّ تاريخ البشرية أثبت أنه لا يوجد (إله) بدون بشر يعبدونه ، بينما يوجد بشر دون أى إله. وعن فكرة (الأضحيات) التى تــُـقـدّم للقوى الغيبية تـمّ العثور على لوح نحاسى فى (شبوة) العاصمة القديمة لحضرموت ، ومحفوظ الآن بالمتحف البريطانى ، ومكتوب تحته أنّ شخصـًـا وهب للإله الخاص بالقمر (سين) ذهبـًـا وبخورًا.. ووهب روحه وحواسه وأبناءه وممتلكاته. وتبيـّـن من النقوش العربية القديمة (السابقة على الإسلام) تغلغل السلطة اللاهوتية لدى الشعوب العربية القديمة. حيث أنّ (الله) هو رب ناس القبيلة ، وهو كبير رجال الدين (مكرب) وفيما بعد فإنّ الملك يـُـعرف كابن للإله ووكيل عنه. وتبيـّـن من دراسة النقوش القديمة أنّ العلاقة بين (الله) والإنسان تعتمد على أسطورة الأسرة والقرابة. والعلاقة بين الأب وأبنائه. وهذه الظاهرة كشفتْ عنها (وبصفة خاصة عند العرب الجنوبيين) أسماء الأعلام (مثل رؤساء القبائل) وقد أدرك عالـِـم الأنثروبولوجى (روبتسون سميث) هذه الظاهرة فكتب أنّ الديانة القديمة قائمة على علاقة القرابة. وأنّ العلاقة بين (الله) و(عباده) تقوم على قرابة الدم . وأنّ هذه الظاهرة عامة عند سائر الساميين ، خاصة فى العصور القديمة. وتمثــّــلـتْ مظاهرها فى نظام القبيلة. وفى النقوش العربية لفظ (خالق) بمعناه ومُـترادفاته. وأنّ لفظ (الجلالة) يعنى والد القبيلة. وكل أفراد القبيلة أبناء (الله) (التاريخ العربى القديم – مجموعة دراسات – ترجمة د. فؤاد حسنين على – مكتبة النهضة المصرية- عام 1958- ص229) ويوجد فى المتحف العثمانى باستنبول نقش سبائى ، وعلى الحجر توجد (دمية) بين جمليْن . وتبيـّـن من النقش أنّ الشخص الذى قـدّم الدمية للإله لكى يحميه من مرض الجمال. وفيما يتصل بالنذور التى تـمّ العثور عليها بكثرة عند العرب الجنوبيين ، تبيـّـن كثرة الأذرع والسيقان . وأنّ الغزاليْن المصنوعين من الذهب ، واللذيْن عثر عليهما (عبد المطلب) عند بئر زمزم ، ترجمة لفكرة النذور عند العرب. وفى العهد القديم كانت (الخراجات الخمسة) الذهبية التى قـدّمها الفلسطينيون لإله إسرائيل ، كان الغرض منها حفظهم (من الفئران) (سـِـفر صموئيل الأول – الإصحاح السادس) يرى دارسو تاريخ الشعوب القديمة أنّ بنى إسرائيل هم أصغر الشعوب السامية الشمالية. وقد هاجروا من بوادى شمال الجزيرة إلى بعض البلاد الزراعية (مثل مصر) وتركوا مجتمعهم البدوى/ الرعوى ، ولكنهم رغم ذلك احتفظوا بعناصر دينية عربية قديمة وسامية.. ولذلك أصبح من المهم عند دراسة كتاب (العهد القديم) العناية بالنقوش العربية القديمة ، مثل العناية بالآثار البابلية والآشورية.. لأنّ تلك النقوش البابلية والآشورية التى تـمّ العثور عليها ، تلقى شعاعـًـا من الضوء على دراسة العهد القديم . وتبيـّـن أنه من بين الشعوب السامية الشمالية ، فإنّ العبريين ينفردون بظاهرة التحدث عن الآباء الأولين وسيرتهم ، وكذلك عن (موسى) والأساطير حوله. وكل هذا يرجع إلى حياة البداوة الأولى التى كان العبريون يعيشون فيها ، خاصة عند هجرتهم واستيطانهم فى المُـجتمعات الزراعية. ولذلك فإنّ الدين العربى القديم هو الأساس التاريخى للديانات السامية الشمالية. وأثبت تاريخ تطور هذا الدين عند بنى إسرائيل وجود حركة دائمة بين الدينيْن (العربى القديم والسامى الشمالى) خاصة من وجهة نظرهما إلى فكرة (الله) حيث أنّ العبريين تركوا الجزيرة فى عصور مـُـتأخرة إلى كنعان ، وبالرغم من ذلك ظلوا على اتصال بالحياة الصحراوية. كما احتفظوا بالكثير من خصائص العروبة القديمة، أى خصائص العنصر السامى القديم ، وذلك لأنّ بلاد العرب هى (موطن) الساميين ومهدهم . وقد درس عدد كبير من الباحثين الطقوس والشعائر الدينية عند العبريين، ومُـقارنتها بالطقوس والشعائر العربية القديمة، فوجدوا قدرًا كبيرًا من التشابه بين الإثنيْن. وكان من بين هؤلاء العلماء (هوجو فنكلر) ، (فريتز هومل) و(مرجليوث) وأنّ (هوجو فنكلر) اهتم كثيرًا بالنقوش العربية، ولذلك فهو يعتقد أنّ بلاد العرب الجنوبية كانت وطنــًـا (ثقافيـًـا) وهى التى احتفظتْ بروح سامية، لذلك هى على قدر من الأهمية لفهم بنى إسرائيل وكتابهم (العهد القديم) أما (فريتز هومل) فقد شرح الكثير من الألفاظ العبرية الخاصة بالدين العبرى . وعلى ضوء النقوش العربية الجنوبية (خاصة المعينية) التى تـمّ العثور عليها فى شمال بلاد العرب. واكتشف (مرجوليوث) فى اللغة العبرية (خاصة فى أسماء الأعلام) مظاهر قديمة جدًا تتفق مع النقوش العربية الجنوبية. ومن تلك المُـقارنات اللغوية انتهى (مرجوليوث) إلى نتيجة مؤداها نسب الإسرائيليين (على الأقل من جهة معتقداتهم) إلى بلاد العرب (المصدر السابق – ص 234، 235) كما أنّ التشابهات اللغوية والدينية التى تـمّ العثور عليها دلــّـتْ على أنه يجب أنْ لا يقتصر البحث فى الجزيرة العربية عن أصل العبريين (فقط) وإنما على أصل الديانة العبرية أيضـًـا ، حيث أنّ الشريان الرئيسى للديانة العبرية يتصل (حقيقة) ببلاد العرب القديمة. والدليل على ذلك وجود الكثير من التشابهات فى آثار سبأ ومعين ، ولذلك يعتقد كثيرون من الباحثين ، أنّ تلك البلاد هى (موطن) القبائل العبرية والديانة العبرية. ولذلك يجب أنْ يتركــّـز البحث فى شمال غرب الجزيرة العربية، حيث وجود الطقوس العربية القديمة المُـجرّدة من الصور عند العبريين ، كما وُجد عندهم – أيضـًـا – التثليث العربى القديم، حيث عند العبريين (يهوه، بعل وعشتروت) وكان هذا الثالوث يـُـقـدّس فى عصر الملوك من جميع أفراد الشعب اليهودى، ومع ملاحظة أنّ الإله (بعل) أصبح – كما هى العادة عند الساميين الشماليين – هو (الشمس) ومذكر، و(عثتر) هى (الزهراء) مؤنثة. كما أنه فى أى ثالوث ترد فيه الشمس والزهراء نتوقع مجيىء القمر. وتوجد الكثير من الأدلة التى تؤيد أنّ الإله العبرى (يهوه) هو فى الأصل إله (قمرى) مثله مثل الآلهة (الشعبية) الموجودة فى الديانة العربية القديمة. وكما كان الحصان عند العرب الأقدمين وعند العبريين هو الحيوان المقدس التابع للشمس تبعية النور للقمر (الملوك الثانى – الإصحاح 23/11) وكذلك كان (يهوه) فى العصور القديمة يـُـرسم فى صورة (ثور) ويـُـقـدّس (خروج – الإصحاح 32- من 4- 6) كما دلــّـت الأبحاث الحديثة أنّ يوم السبت والأعياد الأسبوعية الأخرى ارتبطتْ عند العرب الأقدمين والعبريين بأيام (المحاق الثلاثة) وكان (يثرو) والد زوجة (موسى) قسيسـًـا عربيـًـا (خروج- إصحاح3/1) وكذلك هارون (خروج- إصحاح4/14) واللفظ الذى أطلقه العهد القديم عليهما هو (كوهين) و(ليفى) فهذان اللفظان يُـستعملان فى العهد القديم كغيرهما من الألفاظ الدينية ، ومن المُـرجـّـح أنْ يكونا عربييْن ، والدليل على ذلك أنّ لفظ (كوهين) لفظ عربى (كاهن) أما (ليفى) فقد عثر عليه العالم (هومل) فى النقوش العربية الشمالية. وسواء نــُـظر للأخبار الواردة فى سـِـفر الخروج والخاصة بنشأة الديانة العبرية فى بلاد العرب ، كتاريخ أو قصة أسطورية ، فالشىء الذى لا شكّ فيه هو أنّ هذا الإله العبرى الذى تجلى لبنى إسرائيل إله مُـتصل بمواطن القمر. وأنّ فكرة (الله) فى القرآن لها أصول فى الدين العربى القديم ، وأنّ الإسلام حارب (الوثنية) لأنها (شرك) مع إله الإسلام، بينما أخذ محمد الكثير من اليهودية، بل ودافع عن بنى إسرائيل فى أكثر من سورة وأكثر من آية. وكذلك فإنّ المسيحية تــُـعتبر أحد مصادر الإسلام الرئيسية. كما أنّ لفظ (الله) الوارد فى القرآن هو (ال) أو (إله) الوارد فى النقوش العربية القديمة. وأكثر من ذلك فكثير من أسماء (الله) وصفاته الواردة فى القرآن موجودة فى النقوش القديمة. فمثلا (الرحمن) استخدمه القرآن فى العصر المكى كثيرًا عوضـًـا عن (الله) ولفظ (الرحمن) هو اسم لإله فى السبائية (رحمن ان) ولفظ (الرحيم) استخدمه القرآن كثيرًا كصفة لله ، وهو موجود فى النقوش الصفوية كاسم للإله (هـ رحيم) (هرحم) وفى النقوش السبائية (رحيم) ، (رحم) ومن بين مجموعة الأسماء الواردة فى القرآن وفى النقوش العربية القديمة التى تصف (الله) بأنه حبيب البشر، وأنه هو الذى يُـريد لهم الخير، فإنّ لفظ (ود) دلّ على حقيقة تلك المعانى، حيث أنّ معناه (حب) أو (حبيب) وكذلك الحال مع الأسماء الأخرى الواردة فى القرآن مثل (سميع) و(حليم) موجودة فى النقوش القديمة. وكذلك الاسم العربى القديم (حكم) وهو يصف الله كحكيم. وهو ما ورد بعد ذلك فى القرآن. مع وجود الكثير من الأمثلة الأخرى. والإنسان فى الإسلام ليس طفلا أو ابنــًـا لله، بل (عبد) وتلك النظرة موجودة فى (الوثنية) السامية الشمالية التى انتشر أثرها فى الجزيرة العربية. وعن (التوحيد) فى الإسلام فإنه انعكاس للتوحيد العربى الجنوبى. ونظرة التوحيد الإسلامى إلى (الله) نظرة عربية جنوبية، فهو (رحمن) وعند الجنوبيين (رحمن ان) وهو سيد السمنوات والأرض . وأنّ الكثير من الألفاظ الوارد فى القرآن، مُـستمدة من ألفاظ العرب الجنوبيين. ولفظ (شرك) و(المُـشركين) الذى استخدمه القرآن كثيرًا ، وُجد فى نقوش سبائية بنفس المعنى. ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العرب وعلم الآثار
-
لماذا هاجم السلمون ترامب ؟
-
علماء أوروبا وكشفهم للترتث العربى
-
لماذا الدولة المصرية (موش دولة) ؟
-
هل الشخصية الاعتبارية لها ديانة ؟
-
اليسار العربى والمصرى والموقف من الاستشراق
-
غسان كنفانى : هموم فلسطينية إبداعيًا
-
هل يتأثر العقل بالتراث ؟
-
نقابة الصحفيين والشخصية المصرية
-
هوّ الأزهر مؤسسة للدين ولاّ للسياسة ؟
-
لو الرئيس عزل وزير الداخليه.. ح يحصل إيه ؟
-
تناقض العلاقة بين الرب العبرى وشعبه المختار
-
لماذا الأزهر ضد الوحدة الوطنية ؟
-
ما مغزى تحالف (الوسطى) مع المتطرف ؟
-
هل للترتث العربى جدوى من استمراره ؟
-
الماركيز دى ساد بين المسرح والواقع
-
مغزى أنْ يستعين النظام بترزية القوانين
-
لماذا لم يتعلم العرب درس التقدم ؟
-
عبد الوهاب المسيرى وتفسيره الإسلامى للحضارة
-
هل مصر دولة دينية أم مدنية ؟
المزيد.....
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|