علي المدن
الحوار المتمدن-العدد: 5169 - 2016 / 5 / 21 - 16:06
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
لا أحد بوسعه تحديد الوقت والشكل المناسبين للتظاهر. الناس تتظاهر لأنها تعاني، وهي تعاني بنحو يفوق التصور، ويتجاوز قدرة أي فرد عاقل على التحمل. وافتراض أن المشاركين في المظاهرات ينتسبون في الغالب إلى طيف سياسي محدد لا يقلل من المشكلة، لأن الجميع موافقون على شرعية مطالب المتظاهرين. إذن، فالمسألة مسألة وقت قبل أن ينضم الباقون لهم.
لنكن صريحين: مطالب الناس خدمية وأمنية في الأعم الأغلب، ولا يعنيهم من السياسة في الوقت الحاضر أكثر من ذلك. السيادة الوطنية مثلا (تحرير الموصل، الفلوجة، هيت .. إلخ) لا أحد يكترث لها لولا الإرهاب وأعماله الإجرامية التي تطال الإبرياء. وهذه واحدة من آثار تفكك الدولة وتمزق الهوية الوطنية. وعليه فليس مقنعا بعد اليوم القول للمتظاهرين إن لدينا مهمة (سيادية) أهم من معاناتكم! عودوا إلى بيوتكم والزموا الصمت، بل اذهبوا للمشاركة في حرب ستصنّفون فيها على أنكم ميليشيات مجرمة. من أجل ماذا؟ سيتسأل الناس. مواجهة الإرهاب؟! ها هو الإرهاب ينكّل بنا منذ 2003، وأنتم - معاشر السياسيين - لا تفعلون شيئا سوى ابتزازنا من أجل أن تزدادوا ثراءً وبذخا.
منذ 13 سنة والزعامات السياسية الدينية تضغط على جماهيرها، تطالبها بالامتثال والانصياع والطاعة المطلقة، وقد نجحت حتى الآن في كبح الروح الثورية لهذه الجماهير وتدجينها، وقد ينجح هذا الوضع أيضا إلى وقت آخر غير معلوم، ولكن لا يمكن المراهنة على ذلك دائما. التيار الصدري مثلا في وضع لا يحسد عليه اليوم، على الرغم مما يبدو عليه في نظر الجميع من أنه اللاعب الأوفر حظا، والسبب في ذلك أن قواعده الانتخابية تتعرض، أكثر من غيرها، و بنحو عنيف جدا، إلى ما يشبه الإبادة. من هو الصدري الجريء القادر على أن يقول لأبناء مدينة الصدر (اسكتوا)؟!! حتى القيادة السياسية للتيار محرجة أمام جمهورها بنحو لا سابق له. وحين تغضب مدينة بحجم مدينة الصدر فإن العراق بأكمله لن تغمض له عين أبداً.
من يعترض، من يطالب، من يفكر، أن على الجماهير أن تحدد مطالبها بنحو واضح، أن تضع مخرجا سياسيا للأزمة، يوجّه عنايته إلى غير وجهتها الصحيحة. المُطالب بذلك هو الزعامات السياسية وليست الجماهير. للجماهير كل الحق في التظاهر متى شاءت، ومن واجب تلك الزعامات أن ترضخ، أن تطيع، أن تنصاع، أن تمتثل ... إلخ. وحين تفشل، وتستمر المأساة، فإنها وحدها الملامة، وهي من يتحمل، حصرا، المسؤولية الكاملة عن كل التطورات اللاحقة في البلد.
#علي_المدن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟