|
قرآءة في رواية « الخامس والعشرون من ايلول » لعامر موسى الشيخ
حارث الخضري
كاتب وأكاديمي
(Harith Kadhim)
الحوار المتمدن-العدد: 5168 - 2016 / 5 / 20 - 01:35
المحور:
الادب والفن
تثير رواية «الخامس والعشرون ايلول »، لعامر موسى الشيخ بمشاركة (بطلها) ماجد وروار، العديد من الاسئلة العضوية على رأسها السؤال حول موقفنا (كمتلقين) من العمل، فهل يمكن التعامل مع الرواية كعمل ادبي يبحث عن جماليات الادب وسحره ام نتعامل معها كسرد تاريخي يهدف الى محاكمة حقبة مظلمة ام كتاب سيرة ذاتية لعائلة عراقية اختصرت بمصائر ابنائها تاريخ العراق المعاصر؟ في الحقيقة وبعيدا عن الاجوبة، تخلق اسئلة على غرار ماسبق المتعة من اول لحظات التعامل مع هذا العمل، هذا الغموض يشكل التفاتة ذكية من قبل خالقي العمل. الرواية تتناول سيرة شاب عراقي بسيط ينحدر من عائلة شيوعية مناضلة لم تتوقف لحظة عن مقامة النظام البعثي. سيرة العائلة اختصرت عذابات اربعة عقود في تاريخ البلد…شكل الشاب تجربة حية على كيفية مواجهة ماكنة قتل لا تتوقف تأكل الناس دون ان تمل وحروب عبثية بلا معنى، شهادة عن وطن انهكه التعب وشدهته السنون. فمن خلال حياة هذا العراقي واخوته نتعرف على تفاصيل حياة العراقيين في ايام صعبة ونلتقي بتفاصيل لها علاقة بالشهادة وبالمقاومة وبالحرب وبالديكتاتورية وصولا الى التطرف والارهاب. باختصار يظهر العمل شهادة على العصر لا بد من الاطلاع عليها. الرواية جائت على شكل حوار بين مؤلفي العمل يسترجع من خلاله ماجد ذكرياته عن الماضي. تبدأ الاحداث المحورية في مساء شتائي عام 1991 قبيل الهجوم البري في حرب الخليج الثانية، كان على ماجد ان يعود الى عائلته ليودع اهله ووالدته التي انهكتها السنون وغياب الابناء. طريق العودة من البصرة الى السماوة رسم صورة (فوتوغرافية) عن الناس والمدن حينها. بعد ذلك تبدأ الأوقات والذكريات والاحداث بالتشابك والتفاعل لتخلق لنا تاريخا متكاملا عن الوطن وعن اليسار وعن ثلاث حرب.
بعد ان تناولنا الحبكة العامة من العمل ساتناول في ما سيأتي الجوانب التقنية للرواية وذلك من خلال تناول العنوان وخصائص السرد بالتحليل العاجل. بالتأكيد لا يمكن دراسة عمل ادبي دون التطرق الى العنوان. ففي المناهج البحثية الحديثة المتعلقة بسيميائيات النص والاسلوبيات، يتمتع العنوان بمكانة لافتة باعتباره جزء رئيس ودال في العمل الادبي ويكفي للتأكيد على ذلك الاشارة الى راي جيرار جينت الذي يولي العنوان اهمية قصوى وتأكيده على استحالة الاستغناء عن هذا الجزء من النص، حيث يقف الاستاذ الكبير امام العنوان موقفا ايجابيا لافتا حين اعتبره من النصوص الموازية الدالة التي ترافق النصوص الاساسية اي انه يرى في العنوان جزءا مستقلا بحد ذاته ما يتطلب من الكاتب وعيا ودراية. فالعنوان يلعب وان اعتبرناه مستقلا عن النص، دورا اساسيا في عملية سبر اغوار العمل وتأويله، فهو يعد أولى عتبات النص والجسر الذي يربط بين العمل والمتلقي وخالق لجماليات خاصة عبر المؤشرات والايحاءات المتوافرة فيه. وعودة الى الرواية موضوع البحث نجد ان مؤلفي «الخامس والعشرين من ايلول » واعيان و مدركان لقيمة هذا المكون وعلى هذا الاساس جاء عنوانهما. جاء العنوان على شكل تركيب لغوي بسيط. عبارة تشير الى يوم وشهر، عبارة هائمة ضمن خطاب محايد من دون اشارات مكانية او زمانية (نلاحظ ان لا ذكر لسنة محددة) فكان من الممكن ان يكون التاريخ احالة الى عدد غير متناهي من ال (25 من ايلول)، ومرة اخرى نجد انفسنا امام غموض ثان يحسب للمؤلفين. وهكذا استطاع العنوان لفت الانتباه واثارة الفضول وجعل من كشف دلالته وعلاقته بالنص هدفا (محوريا) للقارئ. بالتالي وبغية سبر مكنونات هذا التركيب علينا اذا قراءة النص … وهكذا يصبح العنوان عتبة وخاتمة للنص دالا ومدلولا في ذات الوقت. فالمتلقي سيدخل بعلاقة دائرية تبدأ بالعنوان وستنتهي به لاننا سنكتشف بعد قراء النص ان يوم الخامس والعشرين من ايلول العام 1983 ستبلغ العقدة الدرامية للبطل قمتها ففي مساء هذا اليوم ستختلط مشاعر الحب واللهفة مع الخوف والرعب… الفرح والحزن … ستلتقي الشجاعة وتتجلى المقاومة ويفوز التحدي، تحدي الطغاة… سيتم اختصار تاريخ معقد لبلد معقد بمشهد واحد يفور بعاطفة جياشة حيث ستجتمع مصائر اربعة اخوة في هذا اليوم : يستشهد على جبل كردي كاظم الشيوعي الانصاري في يوم زفاف محمد ويقرر ثالثهما وصفي الاستمرار في نضاله ضد الديكتاتورية وعلى ماجد تحمل هذا كله ! سرديا، يلفت توظيف الزمان والمكان الانتباه. الزمان اتخذ أشكالا ًمتعددة داخل بنية النص.احيانا كان عبارة عن لحظات متسلسلة وفي اخرى على شكل لحظات متناثرة يتم اختيارها بانتقائية متعمدة من بين فترات زمنية متباعدة وغير متسلسلة لكنها في مجملها انتقالات مدروسة تشرح وتحلل وتعلل وتهدف الى ربط الافعال والاحداث بغية ان يؤدي ذلك الى خلق تأثيرات خاصة على المتلقي. كان تقديم الزمن على شكل تفاعل بين الحاضر وانثيال الذكريات مبدعا وخلابا. فقد رسمت الذكريات جزءا رئيسا وفعالا من اللوحة الكلية للبناء الدرامي والفني للرواية. كان هذا الاسلوب الاداة التي من خلالها استطاع الكاتبان إظهار الصراعات النفسية لابطال العمل وبلورة زوايا معينة من القصة الرئيسة وتعميق معانيها . وهكذا كانت الذكريات مرتكزا للبناء السردي في النص وعاملا يدفع بالمتلقي للبحث في اعماق الاحداث بغية ربطها موضوعيا وبالتالي ادراك الحيثيات. ما يمكن تأكيده ان استعادة البطل للاحداث كان يتم بتناسق وحرفنة وبالنتيجة يمكن تصنيفه مهارة ظاهرة في بنية العمل كما في المشاهد التي لها علاقة بحياة البطل بالجيش او ذكرياته عن اخوته على سبيل المثال. من ناحية ثانية، يجبرنا التعامل مع (الخامس عشر من ايلول) على التوقف طويلا امام عنصر المكان. فالاحداث تبدأ في تركيا وتنتهي في مصر مرورا بمدن عراقية كالبصرة والعمارة والثورة والسليمانية. لكن بؤرة الاحداث كانت السماوة، تلك المدينة الصغير التي يقسمها الفرات الى نصفين خالدين. بما لا يقبل الشك، ما ان يبدأ القارئ (مغامرته اللذيذة) مع الرواية حتى يدرك ان اهتمام المؤلفين بالمكان نابع من ايمان مطلق بأهمية المكان وعلاقته التي لا تنفصم بالانسان وكينونته. فالمكان بالاصل ما هو الا رمز وتاريخ وخالق. فالانسان بطباعه وادراكه وانساقه ومواقفه ليس الا نتاج عن المكان الذي تربى وترعرع فيه. وهكذا برزت السماوة ضمن الاحداث شعلة مقاومة لا تنطفي بالضد من الظلم والدكتاتورية. كما حدث عندما أصر اهل (الولاية) على كسر اقفال (قطار الموت) في تحدي لا يصدر الا عن مدينة باسلة، مدينة تقدم الشهداء يوميا من اجل الوطن دون ان تنتظر كلمة شكر. هكذا كانت رواية الخامس والعشرين من ايلول والصادرة عن دار تموز للطباعة والنشر الدمشقية في 150 صفحة شهادة لا يمكن اهمالها عن سنوات عجاف وعن نفوس لا تقبل الانكسار.
#حارث_الخضري (هاشتاغ)
Harith_Kadhim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من باريس الى بغداد !
-
للحزب ولقادم الايام!
-
ما بيني وبين المستنصرية!
-
حين يبدأ الصمت بالكلام
-
المربد .....هزيمة تقدمية!
-
الفرصة مازالت عراقية
-
غصت يهم قاعة المسرح الوطني.... المئات اضاءوا ليلة الفرح الكب
...
-
الازمة العراقية الاخيرة ... هيمنة الحل الكروي
-
عن الشموس التي انارت ليل العراق الطويل ....يوم الشهيد الشيوع
...
المزيد.....
-
رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل
...
-
-هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ
...
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|