|
الملكية والولاءات المخدومة بالمغرب
عبد الكريم ساورة
الحوار المتمدن-العدد: 5164 - 2016 / 5 / 16 - 13:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الملكية والولاءات المخدومة بالمغرب عبد الكريم ساورة
كانت من بين المطالب الأكثر إلحاحا والتي بحت بها حناجر شباب 20 فبراير هو مطلب الملكية البرلمانية و مطلب قطع رأس الريع الذي يقتات منه الكثير من لصوص الوطن. ولم يتم رفع هذه المطالب من طرف الحركة من باب المزايدة وإنما من باب معرفتهم الجيدة أن التغيير في المغرب لايمكنه أن يتحقق خارج هذين الركنين الأساسيين . بالنسبة للملكية البرلمانية، فهذا الحلم تبخر ولم يعد يُذْكر سوى في بعض اللقاءات الدراسية، فقد تحول بقدرة قادر إلى تراث سياسي رغم أنه حديث الولادة. كما أن جل الأحزاب المستفيدة من زبد المخزن لاتستطيع أن تتفوه به ولو على سبيل النكتة والنميمة. أما فيما يتعلق بالريع فقد تحول كالنشيد الوطني كل واحد ينشده في المكان المناسب وفي الزمان غير المناسب، كيف ذلك ؟ مع اقتراب كل موعد انتخابي، يصعد نجم العديد من المفاهيم والمبادئ، كمحاربة الفساد وتشغيل العاطلين وتحقيق المساواة ومحاربة العنف وتحقيق الرفاهية وغير ها من بخور الشعوذة الانتخابية، لكن استعمال مفهوم الريع يعتبر هو النجم البارز في هذه اللعبة القذرة. أول قطرات الغيث نزلت نهاية هذا الأسبوع مع أكبر الممثلين والهجوميين والبكائيين في المغرب السيد رئيس الحكومة عندما أرعد وأمطر قصيدته الرائعة حول من يستفيدون من زبدة الملك، قال بالحرف: لقد انتهى عهد ريع التقرب من الملك لأن الملكية حققت الإجماع ولم تعد في حاجة إلى متزلفين. والسؤال هل فعلا الملكية لم تعد في حاجة إلى هؤلاء المتسابقين لقرع بابها الهش والتمسح على أهدابها الفاتنة ؟ لنتفق من الآن، أن الملكية تاريخيا بنت مجدها على مبدأي الولاء والبيعة، وهذه الأخيرة أصبحت طقسا سنويا يتم فيه تجديد الولاء للملك من كل أطياف المجتمع وبطبيعة الحال ليس فقرائهم وإنما نخبهم المستفيدة من شجرة النظام المثمرة . ورغم ما صاحب هذا الطقس من شجب وتنديد في السنوات الأخيرة لدرجة اعتقد معه العديد من الحقوقيين أن الملك سيهجر هذا التقليد البائد ، إلا أن حلمهم اصطدم بصخرة المحافظين المتشددين اللذين يرون في هذا الطقس الغريب نوعا من التلاحم التاريخي بين الشعب والملك. والسؤال هل فعل التلاحم يتحقق في صورة الركوع أم يتحقق في الاحترام والتقدير لشخص الملك والذي يقر به الدستور علانية ؟ ويجب التذكير أنه من بين أهم الأسباب التي لازالت تساهم في تأخر البناء الديمقراطي في الأقطار العربية هو تجدر عملة الولاء في أنظمة الحكم والتي تتغلغل كالسرطان بحيث يصبح من العسير التمييز بين القانون واللاقانون ،والدولة واللادولة ، بحيث يصبح النافذون يتحكمون في كل شئ ضاربين عرض الحائط كل المبادئ والأخلاق التي تتشكل منها الدولة وكأننا في مظهر من مظاهر العصور الوسطى. وقد سمعنا حكايات غريبة عاشها أبطال كانوا أكثر قربا وولاء في عهد الزعماء العرب كالقدافي وصدام ومبارك وبنعلي والحسن الثاني وآخرون.. وقد استبشر المغاربة خيرا باعتلاء الملك محمد السادس دفة الحكم بالقطع مع كل التقاليد العتيقة التي ورثها عن حكم آبيه باعتباره ملك شاب وحداتي ويريد أن يصنع دولة تنبني على أسس وتصورات جوهرها التعاقد والحب والاحترام المتبادل بين( الملك والشعب) مبتعدا عن سياسة الخوف والرهبة والعصا التي كانت تسكن قلوب المغاربة في العهد السابق. وللتاريخ، فقد لقيت سياسته الجديدة استحسانا وتجاوبا مع كل المغاربة وأثنى عليها العديد من المراقبين واعتبروها ثورة جديدة من ملك جديد لدرجة أن العديد من الأقطار أصبحت تتوجس من التجربة ونجاحها . فهل ستأخذ التجربة الفتية مسارها إلى النهاية ؟ ومن من مصلحته وأدها في المهد ؟ إن " لعبة الولاءات " هي أخطر مايهدد النظام الملكي بالمغرب لأنه بمجرد ما يُذكِرُ أصحابها كيف ماكان لونهم سواء مؤسسات أو أحزاب أو قبائل أو أشخاص نافذين ولاءهم اللامشروط للملكية وخوفهم عليها فهم يعلنون مع سبق الإصرار والترصد على ضرورة تجزيتهم وبذل العطاء السخي لهم ولأحفادهم على هذا الحب غير العذري. إنها لعبة الحب والخوف على سواد العيون بمقابل، وهنا يتحول الولاء إلى ريع قاتل لأنه في اليوم الذي يتوقف فيه هذا الريع ومشتقاته تبدأ التحالفات في الظلام ويبدأ العصيان .إن لعبة الولاء هي لعبة الموت بامتياز. وها نحن اليوم نرى ونسمع بنوع من قلة الحشمة والحياء العديد من يتسابقون في الإثناء على الملك من كل الأطياف بنوع من القدسية المبالغ فيها لدرجة هناك من يحاول تقديمه" كإلاه "وهذا أكبر خطر على الملكية لأنه يدفع بوعي وترصد بتوريطها وإخراجها من الوسط المألوف إلى وسط غريب وغير مألوف. أي عزلها عن المتداول في أرقى مستوياته المجتمعية والإنسانية . وصفحات التاريخ السياسي حافلة بهذه الرقصات المثيرة وما نجم عنها من مخلفات تراجيدية في الحكم . والحادثة المشهورة والتي تحولت بكثرة تداولها إلى نكتة ، ماوقع للملك الفرنسي لويس 16 عندما حاصر الثوار قصره الفخم احتجاجا على ما وصل إليه الشعب من جوع وتفقير وانتشار الأمراض والأوبئة فلم يصدق الأمر لأنه كان يثق كثيرا في مستشاريه فيما يقدمونه له من تقارير وردية عن الشعب نظرا لما كانوا يظهرونه له من تقدير وولاء منقطع النظير، فلما أطلت زوجته " ماري أنطوانيت" ملكة فرنسا من شرفة القصر سألت أحد المستشارين : بماذا يطالبون هؤلاء الثوار، فرد عليها إنهم يريدون خبزا يامولاتي، فردت بمقولتها المشهورة " إذا لم يكن هناك خبزا للفقراء ..فدعهم يأكلون كعكا " والكارثة أن الحاكم ظل معزولا عن معرفة الحقيقة وما هي إلا أياما معدودة حتى دخل الثوار القصر وتم الإعلان عن الثورة الفرنسية لسنة 1789 بعد إعدامها أمام الجماهير. ومن هذه الواقعة وغيرها، نستنتج بما لايدع مجالا للشك أن الولاء الحقيقي هو ماينقله الشعب من حماس وما يترجمه عندما يخرج لملاقاة الملك سواء وقت حر أو برد قارس أو مطر، وفي مختلف المدن والقرى بإرادته دون تحرش من السلطة، بنوع من العفوية والتلقائية والإحساس بلقاء الملك، أوعندما يلتقي بهم في الأماكن العمومية وما يصاحبه من حب وتقدير متبادل ويتم ترجمته بالتقاط الصور مع جل الشرائح المجتمعية سواء بالمغرب أو بالأقطار الأخرى التي يزورها الملك . إن الولاء الذي تتحول معه النخبة إلى شرذمة من المتسولين لخزينة الملك والاستفادة من المناصب العليا والنهب المقنن لثروات الشعب والتحكم في القرار السياسي هو نوع من القتل العمد لأخلاق الدولة ومبادئها العظيمة ، وضرب في الصميم لمبدأ المساواة وتكافئ الفرص بين الشعب الواحد وهدم ممنهج لدولة القانون التي يسعى الجميع لبنائها. إن البناء الحقيقي للدولة بالمغرب لايمكن أن يتحقق بالولاءات المخدومة للملكية وكذا ماتقدمه هذه الأخيرة من إكراميات غير مبررة إرضاءً للخواطروالتسويات وإنما يتم عبر الحب والتقدير للملك والوطن والذي يشعر معه المواطن- أي مواطن- أنه جزء منهما وليس فقط رقم من الأرقام التي تصنع بها الدولة توازنها واستمراريتها، كما يجب أن يتم كل ذلك في إطار واجب الاحترام للأدوار المتفق عليها جماعيا مع استحضار عنصري النزاهة والكفاءة في تحقيق هذا البناء. كاتب وباحث في العلوم السياسية
#عبد_الكريم_ساورة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حاول تثبيتها فسقطت منه في البحر.. شاهد ما التقطته كاميرا تحت
...
-
علماء يكتشفون سببًا محتملًا لإعادة بناء نصب -ستونهنج- قبل آل
...
-
أحبّها بعمق.. قد يصدمك ما فعله رجل ليبقى بقرب حبيبته
-
فيديو يظهر محاولة اقتحام سجن مكسيكي بعد أعمال شغب دامية.. شا
...
-
-العنف الطائفي بعد الإطاحة بنظام الأسد أقل حدة مما كان متوقع
...
-
آلاف السوريين يحتشدون في ساحة الأمويين في الجمعة الثانية بعد
...
-
إل ألتو البوليفية: -المنازل الانتحارية- مهددة بالانهيار والس
...
-
فنلندا تجدد رفضها فتح الحدود مع روسيا
-
ليبيا.. ضبط شبكة نشطت في تصنيع وبيع الخمور المغشوشة في بنغاز
...
-
مصر تدين اعتداء الدهس في ألمانيا وتؤكد رفضها كل أشكال الإرها
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|