|
انتصار المرأة في رواية -الحضارة أمي- إدريس الشرايبي
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 5163 - 2016 / 5 / 15 - 02:37
المحور:
الادب والفن
انتصار المرأة في رواية "الحضارة أمي" إدريس الشرايبي تتحدث الرواية عن فتاة تكون خادمة في أحد بيوت الاغنياء، عمرها ثلاثة عشر عاما يتم تزويجها من رجل غني، في عمر والدها، تنجب منه ولدان، الراوي ونجيب، الزوج الغني لا يبخل على زوجته بأي شيء، فيحضر لها التلفون، والراديو والمدفأة وماكنة الخياطة، بمعنى آخر يجعلها تعيش في رفاهية عالية، أولادها يبدوا يكبرون، يعرفونها على الحياة خارج جدران البيت، يذهبوا بها إلى السينما، يشتروا لها ثياب حديثة وحذاء كعب عالي، كل هذا بعيد عن الأب الذي كان كثير السفر، إلى أن تتم مكاشفة الأب بما يحري في المنزل، وبعد أن يعرف بأن ابنه "نجيب" كان يزور الشهادة المدرسية، وأنه في حقيقة الأمر لم ينهي تعليمه المدرسي، تكون هناك مواجهة بين الأب من جهة وبقية أفراد الأسرة من جهة ثانية، عندها يقر/يستسلم الأب للواقع الجديد تسافر الزوجة ونجيب إلى فرنسا، وبهذا تكون الأم قد خرجت عن المألوف وتجاوزت سلطة الزوج والمجتمع إلى ما هو حلم لكل امرأة شرقية. هذا ملخص الرواية، التي تعد من الروايات القصيرة نسبيا، فعدد صفحاتها يقارب المائة والخمسون صفحة، لغة الرواية شيقة، حبكتها متماسكة، طريقة عرضها ممتعة، تلامس واقعنا في المنطقة العربية، مما يجعلها قريبة منا وتدخل إلى الروح قبل العقل، زمن الرواية النصف الأول من القرن العشرين، الشخصيات التي تتحدث تتناولها أربع شخصيات، الراوي ونجيب والأم والأب، مكان الحدث قرية الفلاحية متواضعة ثم مدينة الجديد في المغرب العربي. عمل الأم كثيرا ما يتم تناول الأم بصورة ايجابية في الأعمال الأدبية العربي، بينما تكون صورة الأب قاتمة وتتصف بالشدة والقسوة، فهو قرين النظام الرسمي العربي، من هنا وجدناه ـ غالبا ـ يأخذ الصورة السلبية، في هذه الرواية يتم تأكيد هذه المسألة، ايجابية الأم وسلبية/قسوة الأب، فنجد صورة الأم التي تهتم بأطفالها "ـ اسمع يا بني، تقول لي أمي بتأنيب، كم من مرة قلت لك أن تغسل فمك عند عودتك من المدرسة؟" ص19، فهي تعتني بأولادها وبنظافتهم، وأدوات/وسائل التنظيف لم تكن متوفرة في ذاك المكان والزمان، مما جعلها هي من تصنع وسائل التنظيف، "أذهب لأنظف أسناني بالمعجون الذي صنعته أمي بنفسها" ص20، فهو امرأة منتجة، وقادرة على توفير كل متطلبات الحياة الأولادها. " وألبس الثوب الذي نسجته وخاطته لي بيدها" ص20، فهنا يتم توضيح عملها أكثر فهي ناسجة للصوف وخياطة للثياب، لكن العناصر التي كانت تصنع منها أدوات التنظيف والخياطة لم يكن الحصول عليها بسيط، بل يحتاج إلى جهد ومعرفة، معجزن الاسنان كان يحضر بهذا الشكل: "تلك الخلطة التي تسهر أمي في اعدادها في قدر من الفخار، خليط من الرماد والفحم وزيت الزيتون، تطبخه لمدة يومين، بالنهار والليل، من أجل إعطائه نكهة، كنت أخاطر بإضافة عصير الليمون والعسل والقرفة وأي شيء آخر اتعطير هذا الخليط الذي تفتخر به أمي" ص 20، بدون أدنى شك هذه العملية تحتاج إلى خبرة ومهارة وصبر وهذا الخصائص متوفرة في الأم. أما طريقة الغزل فهي لم تكن أسهل من طريقة والخياطة فهي لا تقل صعوبة عن تحضير معجون الاسنان، فنجد وصف للأداة التي يجز بها صوف الخاروف "...المقص ياباني، كأنه مقص بستاني أو حداد، في حالى ما إذا وقع على البلاد سوف يكسره بالتأكيد، المقص في حزامها، تدور حول الخاروف وتأمر أخي نجيب. ـ هيا أحضر الحبل. وفي تلك اللحظة تبدأ طقوس جز الخروف" ص 21، المواد التي تستخم لها من ألفها إلى يائها أنتاج محلي، وهذا يعني العلاقة الوطيدة مع المنتج ومع المنتج له، فهي تتحمل كل هذه المشقة في سبيل اولادها من جهة، ومن جهة ثانية اقناع نفسها بأنها قادرة على الابداع والانتاج. الصراع مع الأب طريقة الزواج من فتاة بعمر ثلاثة عشر عاما كان لا بد أن يترك أثرا في نفسها، يجعلها تشعر بالظلم الذي وقع لها، فعندما تحدثنا عن هذا الزواج تتحدث بالم ووجع، وكأنها تعرضت لحالة حرق لا يمكنها نسيانها، من هنا كانت حالة الصراع، فهذا الرجل كانت تهابه، تخاف منه، لكن مع الوقت تكيفت مع ظرفها، وبقى هو في عالمه وهي في بيتها واسرتها. لا يقدم لنا الرواي حالة الصراع وقسوة الظروف التي تعيشها الأم مع الأب بشكل مباشر، لكنه تعمد أن يقدمها لنا بطريقة غير مباشرة، وهنا يكمن ابداع الراواي، "ـ اعجبني تسريحة شعرك الجديدة، الان ظهر جمال جبهتك واصبحت أجمل، وردد تلك العبارات وهو ينثر سيجارته من الرماد...رأيت عيني أمي تتفتحان كأنهما أضواء منارة في ليل من لليالي القطب الشمالي، كنت شاهدا على ميلاد شمس في وحدتها العميقة اليومية، لم يدم ذلك اليوم إلا في فترة الميلاد، لكني رأيت عاصفة الفرح تغير ملامح وجهها. ها هو أبي أصبح لينا معنا كلنا في هذا المساء، وفي الصباح كانت أمي تطير كالعصفور من غرفة إلى آخرى" ص27، بهذا المشهد يتبين لنا الاهمال الواقع للأم، فهي كثر من أم الأولاد ليس أكثر، من هنا نجد التغير اخذ مساحة من الشرح والتوضيح، كما نجد عبارة "أصبح لينا معنا" تعطي اشارة إلى القسوة التي يتسم بها الأب في العادة، كل هذا يشير إلى وجود حالة غير سوية تعيشها هذه الاسرة، الأب لا يلقي بالا لزوجته ولا لأبنائه. التغيرات التي حدثت للأم الفارق العمري بين الأم وأبنها الأكبر لا تتحاوز الأربعة عشر عاما، بمعنى أنهما قريبين من بعضهما في العمر، كما أن اهمال الاب للأسر جعل الأسرة أكثر تماسكا وقربا من بعضها البعض، من هنا وجدها الابناء يهتمون بأمهم، وكأنها شقيقتهم الوحيدة، فيعملون على نقلها من البيت وجدرانه إلى العالم الخارجي، فأول هذه التغيرات كانت باللباس الذي ترتديه، "اصبحت أطول بالحذاء ذي الكعب العالي، ملفوفة في فستانها الطويل، فجأة بدت في شكل امرأة، وفجأة اكتشفنا أن لها سيقانا جميلة، هيئة رشيقة، لها خصر ونهدان، كل الأشياء التي كانت مخفية في القمصان التقليدية، وبالأخص تلك التي كانت من صنعها" ص 61، هذا الوصف يؤكد العلاقة القائمة بين الأم واصدقائها، فهم يتعاملون كاصدقاء أكثر مما يتعالمون بأم وأبناء. حالة التمرد لم تكن متعلقة بجانب الاب وحسب، بل في الجمتمع ايضا، ففي ذلك الزمن لم يكن ذهاب امرأة إلى السينما أمرا عاديا، بل يعد تمردا وتجاوز للمألوف، لكن اصرار الابناء على تحرر أمهم من بيتها جعلهم يقومون بهذه الخطوة رغم ما تحمله من مخاطر وصعوبات، " عندما دخلنا، وقف الجميع دفعة واحدة، هذه الصالة، لم تطأها قط رجل امرأة، كانوا يدرسون أمي من شعرها حتى قدميها، يقدرون قامة أخي الضخمة، من تحت إلى فوق، ثم يجسلون محبطين" ص75. بعدها يتم نقلها إلى عالم الرقص والموسيقى، " كانت النساء جالسات على الأرائك وأمي تنزع حذائها وترقص وحدها رقصتها الفريدة، في تناغم مع المقاطع الموسيقية، في حين كان نجيب يتحدث مع الكلب ويعمل في الحديقة عمل الرقيب، في حالة ما إذا ظهر أبي، كان عليه أن يصفق بأطراف أصابعه" ص85، بهذا الشكل يتم خروج الأم من واقعها البائس، إلى الحياة وما فيها، ونذكر هنا بأن كل الاعمال التي أقدمت عليها الأسرة كانت تمثل تحديدا للأب من جهة وللمجتمع من جهة ثانية، ومن هنا تم ذكر الحرص على اخفاء ما يحدث عن عين الأب. كل هذه التراكمات تؤدي إ‘لى تغير جوهري في فكرة وسلوك الأم فتقول: "ـ انا سعيدة ولدت في بيت لم أعد اتذكر منها إلا الظلام، قضيت نصف عمري في سجن ولا أدري اين سأموت، ومن الآن فصاعدا، سأذهب من أفق إلى آخر، سأقطع المسافات، سأعرف، ساحب هذا البلد في كل الاتجاهات، لأنه ,, لأنه ملكي" ص160، بهذا يتم خروج الأم من سجنها إلى الفضاء والحياة. الرواية من منشورات إبداعات عالمية، الكويت، أبريل 2014، العدد 400
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التجربة في رواية -المرآة مسيرة شمس- هديل الحساوي
-
تعدد القراءات في ديوان -عشق- حمودة الشايجي
-
السيرة المحفزة للمعرفة -رام الله التي هناك- محمود شقير
-
الكويت تنقذ جمهور القراء
-
-في اللغة والأدب وعلاقتهما بالقومية- ساطع الحصري
-
المعرفة بالشعر في ديوان -وسائد حجرية- مازن دويكات
-
البداية المتسرعة في مجموعة -خارج الصورة- محمد المقادمة
-
العنوان مفتاح المضمون في ديوان -ضجر الذئب- يوسف أبو لوز
-
تأثير النت
-
التراث الديني والشعبي في رواية -ملاك القرصة الأخيرة- سعيد نو
...
-
توضيح حول كتاب -الحرب الأهلية في صدر الإسلام- عمر أبو النصر
-
فرح
-
تجاوز المألوف في ديوان -أحلام السنونوة- علاء الدين كاتبة
-
عبث الفعل في ديوان -مقفى بالرماة- محمد لافي
-
لعادية في ديوان -أوراق من ذاكرة المسفر- أمجد محمد سعيد
-
نقد النقد في كتاب -ملامح السرد المعاصر- فراس حج محمد
-
نبل الشاعر في ديوان -صاحب الشأن- منصور الريكان
-
-حوار مع فراس حج محمد- حاوره رائد الحواري
-
الصراع والتوازن في ديوان -قنص متواصل- عمر أبو الهيجاء
-
المرأة هي الملاذ في مجموعة -السيف والسفينة- عبد الرحمن مجيد
...
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|