|
زهر اللّوز -9-
نادية خلوف
(Nadia Khaloof)
الحوار المتمدن-العدد: 5162 - 2016 / 5 / 14 - 09:41
المحور:
الادب والفن
في دفاتر قديمة مزّقتها قبل يوم كتبت قصة حياة الكون بوّبت الفصول بالأسماء والتّواريخ كتبت على كلّ باب علامة لو نسيت اللغة يوماً سوف أتعرّف على ما كتبت من العلامات. ... كتبت مع مكرود يوميّات سلمى في الشهر الثاني عشر توقّفنا عن الكتابة وضعت خطوطاً حمراء وملاحظة على الهامش: لم تكمل سلمى عامها الأوّل. . . . عندما مزّقت دفاتري البارحة دفنتها في مقبرة حرقت جثّتها، كنت أراقب لهيبها احمرّ زهر اللّوز خجلاً. أستمرّيت في ارتكاب المجزرة ... اليوم ليس عندي دفاتر ا آثارها موجودة قرب شجرة لوز دفنت تاريخاً وضعت له أبواباً وعلامات مرور غمرتني سعادة كأنّني تخلّصت من أعباء دهور تمتّعت كثيراً بمنظر الدّفن غمرني السّرور .. . عندما حرقت مذكراتنا البارحة كنت قد أحضرتها كي أستعيد الذّكرى .كتبنا هذه المذكرات أنا ومكرود ، سمعت مكرود يقول لي: احرقي تلك الدّفاتر محكوم علينا أن نكون بلا ذكريات. لم يكن مكرود حاضراً . عرفت ذلك بعد حين ، وكان عليّ أن أذهب إلى أوّل يوم عمل عندي. " أمّ الرّيم 2" النّاشطة في حقوق المرأة عينتني في لجنة الاستقبال في القصر-أعني مكان العمل- هي ليست أمّ الرّيم التي أحضرها خاسر ، لكنّ روح أمّ الرّيم تلك حلّت في جسد هذه. قالت لي أمّ الرّيم 2 بأنّها حديثة على العمل . سوف أعمل معها متطوّعة حتى يصبح دخلها كبيراً، لكنّها تعطيني الطّعام الزّائد عندها .ومهمّتي ليست صعبّة أستقبل الرّجال ، وأحجز لهم موعداً كي يناضلوا معها من أجل حقوق المرأة . زوجها يحبّها. قدّم لها في حفل البارحة، أثنى على نضالها، أنهى تقديمه بجملة : زوجتي أمّ الريم . أحبّك فأنت أجمل امرأة في العالم. ثم اعتلى المنصّة الشّيخ الصمادي، أثنى عليها، وأنهى خطابه : سوف تكونين من أصحاب الخلود في الجنّة بإذن الله. على طاولة العشاء التي كنت أنّظمها مع فريق العمل النّسائي .كان كلّ شيء موجود. الكتب السّماوية جميعها مصفوفة بشكل أنيق ومزيّنة بشرائط. الشّعارات التي تزيّن المكان، والتي تدعو إلى حرّية المرأة ، وإلى نبذ العادات. الطعام المطبوخ على الفحم. والرجال الكبار الذين يستوعبون المرأة ، ومنهم الشّاعر قطو. يبدو أن الشّاعر قطّو يعشق أم الرّيم عشقاً صوفياً . بعد الكأس الخامسة ، وقف فوق الطاولة ، وألقى قصيدته الغزلية المشهورة "أمّ الرّيم هي الوطن". كانت التّبرعات في الحفل كبيرة من أجل نضال المرأة التي تقودها أم الرّيم. عندما عدّت إلى المنزل كنت مرهقة، لكنّني أحببت أن أسلّم على شجرة اللوز ، جلست قليلاً . كنت أتمتم مع نفسي: أين أنا من العالم؟ العالم كلّه مع أمّ الرّيم. بينما جارتي أم محمود أفتى الشّيخ الصّمادي نفسه برجمها حتى الموت لأنّها فتحت الباب لمتسوّل، وأعطته رغيف خبز، لكنّه خفف العقوبة إلى الطّلاق وحرمانها من الحضانة، والحجر عليها. بينما قال عن أمّ الريم أنّها سوف تدخل الجنّة مع أنّها سافرة. ضمّها إلى صدره قائلاً: أباركك يا ابنتي. الشّجرة تقرأ أفكاري، تقول أنّ زوج أمّ الرّيم لا يحبّها ، لكنّه يحتاج لسلطتها، ونفوذها ومالها، سيتخلى عنها لو فقدت هذه الأشياء. هل العالم خسيس إلى هذا القدر أيتها الشّجرة؟ لا بأس. أحضرت معي طعاماً يكفي ليومين، وأعطتني أمّ الرّيم مكافأة عشر ليرات سوف أشتري بهم ثوباً لسلمى. أتمنى أن يدوم هذا العمل. عليّ أن أجامل السّيدة حتى لا تنهي عملي. البارحة صرفت أم سوسو من الخدمة لآنّ أحد الرّجال انحنى أمامها، وقبّل يدها. اعتقدَ أنها أمّ الرّيم . الآن عرفت ماذا يعني ولي الأمر. هو ولي النعمة. أمّ الرّيم هي ولي أمري اليوم. تعطيني الطّعام، وهذا يكفي، لو تدفع لي كل شهر بضع ليرات لكان الوضع أفضل. سوف أثبت جدارتي علّها تفعل. لديّ بطاقة عضوية، ولباس أستعمله في المناسبات. سوف يكون اجتماع المرأة الموسّع في الغد. سوف أحضر بطاقتي من أجل التّصويت. هي سوف تخبرني لمن أصوت. مع أنّ المرأة ربّة عملي، ووليّة أمري. أشعر تجاهها بعدم الحبّ. وفي بعض الأحيان أرغب أن أبعثر شعرها، وأرمي لها ما تعطيني، وأصفها بصفاتها، وأمشي، لكنّني أعرف أنّ هذا جنون ، أخشى على سلمى من أذيّتها ، هي شريكة في السلطة، ولديها أذرع يمكن أن تنتقم منّي. نداء يكبر . يلّح عليّ بالمغادرة. إلى أين أغادر؟ لمن أترك شجرة اللّوز؟ وتلك المقبرة التي دفنت فيها دفاتري العتيقة؟ ومن سوف يساعد أم الرّيم في استقبال رجال الوطن؟ لا. لن أغادر، فقلبي معلّق هنا. لماذا لا أغادر؟ كلّ الأشياء التي ذكرتها لا تشجّع على البقاء. يتساقط زهر اللّوز على كتفيّ، أشعر بدموع شّجرة اللوز التي تقع قرب الباب في حديقتي الخلفيّة . أشاركها الحزن. أغفو على الدّكة . تأكل القطط الطّعام الذي جلبته معي.
#نادية_خلوف (هاشتاغ)
Nadia_Khaloof#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زهر اللّوز -8-
-
زهر اللّوز -7-
-
زهر اللّوز -6-
-
زهر اللّوز -5-
-
زهر اللّوز -4-
-
زهر اللّوز -3-
-
زهر اللّوز -2-
-
زهر اللوز -1-
-
حكاية الفحل،والقارورة
-
نضال الطّبقة العاملة من أجل عالم أفضل
-
وقوع الطّبقة العاملة في فخ - الحرب ضدّ الإرهاب -
-
من - عمى ألوان-
-
تأثير الفكر الدّيني المتشدّد على المرأة
-
نضال الطّبقة العاملة من أجل حقوقها
-
الأوّل من أيّار - يوم العمّال العالمي-
-
رحلة البحث عن حذاء -1-
-
دور المرأة العاملة في المجتمع
-
قانون تعنيف الرّجل من قبل المرأة
-
نحن من يصنع الرّموز
-
الهروب
المزيد.....
-
شاهد.. -موسى كليم الله- يتألق في مهرجان فجر السينمائي الـ43
...
-
اكتشاف جديد تحت لوحة الرسام الإيطالي تيتسيان!
-
ميل غيبسون صانع الأفلام المثير للجدل يعود بـ-مخاطر الطيران-
...
-
80 ساعة من السرد المتواصل.. مهرجان الحكاية بمراكش يدخل موسوع
...
-
بعد إثارته الجدل في حفل الغرامي.. كاني ويست يكشف عن إصابته ب
...
-
مهندس تونسي يهجر التدريس الأكاديمي لإحياء صناعة البلاط الأند
...
-
كواليس -مدهشة- لأداء عبلة كامل ومحمد هنيدي بفيلم الرسوم المت
...
-
إحياء المعالم الأثرية في الموصل يعيد للمدينة -هويتها-
-
هاريسون فورد سعيد بالجزء الـ5 من فيلم -إنديانا جونز- رغم ضعف
...
-
كرنفال البندقية.. تقليد ساحر يجمع بين التاريخ والفن والغموض
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|