|
إكسير الحياة
عبد الفتاح دباج
الحوار المتمدن-العدد: 5160 - 2016 / 5 / 12 - 01:02
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لقد انعم علينا الله سبحانه وتعالى في هذه الحياة بالعديد من النعم، و من ذلك الخمر، لقوله عز وجل: " وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون" ( النحل 67) يقول الدكتور محمد عابد الجابري في شرح معاني هذه الآية: " و المعنى أن الله انعم عليكم بثمرات النخيل و العنب: من تلك الثمرات ما تتخذون منه ما يسكر بفعل التخمير، و منها ما تأكلونه في حالته الطبيعية رزقا حسنا: تمرا وعنب "
و معلوم ان للخمر فوائد كثيرة على صحة الانسان و قد كان الصحابة و الرسول نفسه يشربون الخمر و يتلذذون به أيما تلذذ كما جاء في كثير من الروايات و الأحاديث، منها ما أورده مسلم في صحيحه: " ... كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستسقى فقال رجل يا رسول الله ألا نسقيك نبيذا فقال بلى " و يخبرنا ابو داود في سننه انه : " كان ينبذ للنبي صلى الله عليه وسلم الزبيب فيشربه اليوم والغد وبعد الغد إلى مساء الثالثة ثم يأمر به فيسقى الخدم أو يهراق "
سأل أهل المدينة النبي عن حكم شرب الخمر فجاء قوله: " ويسألونك عن الخمر و الميسر، قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس" (البقرة219). فطلب الصحابة بعدها من الرسول أن يدعهم يستفيدون من جانب المنفعة فيها، ففعل. بيد أن الله سبحانه و تعالى رخص للمسمين بشرب الخمر إلا انه أشار لما قد ينجم عن شرب الخمر من آثام و خطايا و هو ما غاب عن المسلمين وقتها، فالله لم يشر لجانب المنفعة فقط، و لكن للإثم أيضا، و هو ما حدث حين شرب الصحابة و علي بن ابي طالب، فلما حان وقت الصلاة قدم علي ليؤُم بهم فاخطأ في قراءة القرآن حيث قال: " قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون و نحن نعبد ما تعبدون" فانزل الله: " يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة و انتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون " ( النساء 43) و المقصود هنا هو اجتناب السكر عند اقتراب الصلاة، و شتان بين السكر و شرب الخمر. هذا يعني أن شارب الخمر تقبل صلاته إذا لم يكن سكرانا، أي شارب لحد السكر، والغاية من تحريم الله تعالى الخمر هو تحريم السكر أي الإفراط في الشرب و ما قد يترتب عن ذلك من فقدان التحكم في الذات و السهو و الزلل اذا ما نودي للصلاة... فأجاز لنا الله شربه في المناسبات و السهر بمقدار محدد شرط ان لا يصل إلى درجة السكر.
كان مقررا ان يظل الحكم على ما هو عليه، و لكن وقاحة بعض الصحابة و همجيتهم الناهلة من الثقافة القريشية ، جعلتهم يشربون حد الثمالة و يشق بعضهم انف بعض. فنزل قوله سبحانه: ﴿-;---;-- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ [1] وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾-;---;-- [المائدة: 90، 91].
والملاحظ ان الله لم يحرم و لم يبغض الخمر، حقا، هناك من يقول بان الاجتناب اشد من التحريم في الاسلام، و لكن المتمعن لاسباب نزول هاته الآيات يلحظ التدرج في النهي عن شرب الخمر، لكون الصحابة مدمنين على شربه و كيف لسكير عربيد ان يتعبد و يؤدي الطقوس كما ينبغي ؟! لذلك فحكم النهي هو الوارد، اما التحريم فلم يرد لفظه كما حرمت الزنا و الميتة و لحم الخنزير... ولو سلمنا بتحريمه لسقطنا في تناقضات لا معنى لها فليس بمعقول ان يعتبر الله الخمر نعمة من نعمه و آية من آياته، و يقول بمنافعه.. ثم يحرمنا من نعمه علينا !
ثم ان الله لم يجعل لشارب الخمر اية عقوبة، ولكن اكتفى بالنهي عن الشرب المفضي الى السكر، رحمة بالعباد. فما حكم من مات و هو يشرب خمرا ؟ يجيب تعالى ذكره: " ليس على الذين آمنوا و عملوا الصالحات جناح فيما طعموا اذا ما اتقوا و آمنوا و عملوا الصالحات، ثم اتقو و آمنو، ثم اتقوا و احسنوا، و الله يحب المحسنين" )المائدة 93(
ذلكم ختم الكلام و مسكه.
#عبد_الفتاح_دباج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أحدث تردد قناة طيور الجنة بيبي على القمر نايل سات والقمر عرب
...
-
تظاهرات في عواصم إسلامية وعربية تنديدا باغتيال الشهيد القائد
...
-
تظاهرات في عواصم إسلامية وعربية تنديدا باغتيال القائد السيد
...
-
المقاومة الإسلامية في العراق: هاجمنا بالطيران المسيّر منطقة
...
-
-المقاومة الإسلامية في العراق-: قصفنا هدفا حيويا في أم الرشر
...
-
المقاومة الاسلامية في البحرين: ذهب سيد المقاومة شاهدا على مظ
...
-
المقاومة الاسلامية في البحرين: هذا القائد العظيم أذاق اعداء
...
-
المقاومة الاسلامية بالبحرين: ندعو الشعب الذي ذاب حبا بهذا ال
...
-
فيديوغراف.. أبرز طقوس المستوطنين في المسجد الأقصى
-
وزير الخارجية الايراني يعتبر استشهاد السيد نصرالله خسارة كبي
...
المزيد.....
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
المزيد.....
|