|
تعدد القراءات في ديوان -عشق- حمودة الشايجي
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 5159 - 2016 / 5 / 11 - 01:36
المحور:
الادب والفن
يعتبر هذا الديوان من النصوص التي تجمع/تطرح فكرة حب المرأة وما يترتب عليه من علاقة جسدية، ويطرح أيضا العشق الصوفي الذي يسمو بالعلاقة الروحية بعيدا عن اللذة والمتعة الجسدية، ويجمع بينهما أحيانا أخرى، بحيث يجد المتلقي من هذا الحب وذاك العشق في الديوان، ونجد حضور قوي للفكر الديني، مما يجعل النص ـ احيانا ـ يأخذ البعد الصوفي، بحيث يجعلنا الشاعر نهيم في عالم الصوفية والتوحد مع الذات الإلهية، ونجد عشق الذات للذات، ونجد التلذذ بتعذيب الذات ـ المازوشية ـ فالديوان لا يقدم صورة نمطية للعشق، بل يجمع/يشكل/ينوع/يخلط الصورة علينا بحيث نكون أمام نص مفتوح، نص يمكن لأيا منا أن يستمتع به، أن يجد مبتغاه فيه، وهذا من أهم الأدوات الابداعية في الدوان. بكل تجرد لأول مرة اقرأ نص بهذه التشكيل والتنوع والإثراء، فهو ممتع، يجعلنا نتوقف عند العديد من المقاطع فيه، فالتمعن والتأمل والتفكير يعد أحد العناصر التي تجذبنا للنص. الصراع بين عاشق والمعشوق العلاقة بين العاشق والمعشوق تأخذ ـ احيانا ـ شكل الصرع، لكنه صراع ناعم عاصف في ذات الوقت، فمن الصور لهذا الصراع قول الشاعر: "خرائطي بالية جدا فلا سبيل أعرفه إليك ... "وكيف الوصول" وثقب عقلي يتسع كلما اقتربت منك" ص 24 و25، نجد حركة تسير إلى الأمام لكن المسافة تزادا بعدا، وكأن العاشق/الراوي يسير بطريق ليس له نهاية، سرمدي، وهذه الصور تعد احد العناصر الجمالية في النص. ومن اشكال الصراع يقدم لنا الشاعر هذه الصورة: "ليس لي دليل غيرك يا من تتعفف عن التضحية بي ...ودون موسيقا الرحيل التي أتقنها أنا الفاني بك" ص26، فهنا كان العاشق يقدم ذاته قربانا للمعشوق، لكن المعشوق يرفض هذه التضحية، ويصر على بقاء حالة تعذيب العاشق، وكأنه يمارس سادية اتجاه العاشق، والعاشق يمارس المازوشية اتجاه المعشوق، وكلاهما يستمتع بما يحاصل/يحدث، ولا يريدان انهاء هذه المتعة، من عناصر تجميل للنص استخدام الفكرة الدينية فنجد في لفظ "التضحية، الفاني بل" فهذه الالفاظ تعطي بعدا صوفيا لهذا العشق، رغم أنه يحدث بين رجل وامرأة، وليس بين إنسان وإله، وبهذا يردنا الشاعر أن نتحرر من أفكارنا ونتقدم من النص بشكل مجرد، وبعيدا عن أي افكار مسبقة، يمكنها تأثر في رؤيتنا للنص. ومن اشكال الصراع الدائرة بين العاشق والمعشوق هذه المقاطع: "يا حبيبي لا تنتظرني فأنا سآتيك من حيث لا تدري وسأغادر الأرض لألقاك سأباغت جيوشك وآتي إليك ستراني عند أسوار حظك أعبرها لأصل إلى قلبك نعم على زندي ولا تخف وغادر معي إلى أبواب التجلي والانتصارات والهزائم" ص 29و 30و32، الالفاظ "سأباغت جيوشك، أسوار، أعبرها، أبواب، الانتصارات والهزائم" كلها تخدم فكرة معركة تجري في مكانا ما، كما أن بداية المقطع بحرف "لا" يعطي دلالة على حالة الصراع التي يريدها العاشق، فهو رجل حرب ومعارك، ويرد الاستمتاع بخوض الحرب بصرف النظر عن لانتصارات أو الهزائم، وكأنه يطالب باستمرار مجريات هذه الحرب، فهي تعطيه مبرر لوجوده وتحقيق ذاته. لتوحد بين عاشق والمعشوق هناك نص يعتبر ذروة الابداع في الدوان وهو موجود على صفحة الغلاف الخارجي للديوان كتقديم له: " أنا أنت أقف بين يديك عساني أتذكر وجهك الغائب عني أنا أنت كحرف واحد في كلمة متناقضة المعاني أنا أنت أغسل ذنبي عند ركبتيك وأغادر نفسي في حضرتك لأواسي بقائي خارجك" ص48 و49، هذه المقاطع من أجمل ما في الديوان، وذلك لتعدد قرأتها، فهي تأخذنا إلى أكثر من فكرة، فنجد التوحد مع المعشوق، وفي ذات الوقت نجد الصراع، ونجد علاقة بين الرب والعبد، ونجد التماهي مع المعشوق، ونجد التلذذ بتعذيب الذات ـ المازوشية ـ كل هذا حاضر في المقاطع السابقة، ولنا أن نأخذ الفكرة الدينية عندما يجلس الخاطئ أمام الرب ليغفر له، واهناك فكرة صوفية عندما يتماهي الصوفي مع ذات الإله، وتكون الروح خارج الجسد، هائمة في نعيم الإله، أعتقد بأننا أمام ظاهرة ابداعية متنوعة ومتعددة الأوجه، فالنص لا يمكننا أن نأخذه بصورة/على شكل/فكرة بعينها، بل بهذا التعدد والتشكيل. ومن صورة التوحد هذا الشكل: " أنا قلبك يا أيها الواحد المكتمل بذاته، أنت يا من يسمع الأصوات كلها في آن ويجيب الأصوات كلها في آن يسبق الصوت. أنا قلبك أتعبني السفر دونك، أتعبني المجيء إليك آلاف المرات ولا تدخلني حضرتك، أنت البعيد عني وأنت في وأنا منك. أنا عاشق اتبعني" ص60 و61، فهنا يمكننا أن نقرأ النص بأكثر من قراءة، فنجد الشكل الصوفي جلي وواضح في المقطع الأول، حتى أننا لا يمكننا أن نأخذه إلا بهذه القراءة، ونجد في المقطع الثاني البعد الصوفي وتعذيب الذات، ونجد فكرة التوحد مع المعشوق أيضا، وفي المقطع الثالث نجد الاستجداء/الشكوى والتوحد، كل هذا يجعل النص يقترب من الشكل الصوفي. ويقول: "كل ما أريده هو أن أغيب في جسدك لأولد من جديد" ص73، وهذا يشير إلى غاية العاشق الذي يسعى التماهي/التوحد مع المعشوق. ويضيف: "أغادرك إليك وتغادرني إلى خلاياي" ص97، بهذا الصورة يتم الجمع بين العاشق والمعشوق، فهما يتوحدا معا. الرمز والواقع ما يحسب للشاعر استخدم الرمز والواقع في ذات الوقت، وأحيانا يمكننا أن نأخذ الرمز فقط، لكن عملية الزوغان، وتنوع وتعدد القراءات للنص يمثل حالة ابداعية بحد ذاتها، الشاعر يقدم لنا نصه بهذا الشكل: " لن أدخل تحت أي غطاء معك بعد اليوم" ص36، فهذا المشهدي يحمل الواقع والرمز معا، فالغطاء يعطي اشارة إلى اقامة علاقة جسدية، كما أن النص يمكننا أن نأخذه بقراءة أخرى، التحرر والتمرد على الواقع الاجتماعي، وعلى ضرورة اشهار وإظهار العلاقة للعلن وأمام الناس، بهذه التعددية يكمن ابداع الشاعر. "كل ما أريده أن أغيب في جسدك لأولد من جديد" ص73، وهذا المقطع أيضا يمكننا أن نأخذه بأكثر من قراءة، فهو يعطي دلالة رمزية صوفية، وفي ذات الوقت دلالة جسدية، فالعاشق يرد أن يأخذ جسد المعشوق، كحاجة غريزية جسدية، أكثر منها روحية. "خذ دمي واتركه يجري في براري أنابيبك" ص106، فهذا المقطع يحمل معنى الجنس وأيضا الرمز، ويقول : " احرقني بثلجك واطعن نفسك بي وحررني من التيه ورغبتي بالخروج عليك" ص 124، وهنا أيضا المعنى يعطي معنى الثانية، الرمز والواقع، العلاقة الجسدية والعلاقة الروحية، وللمتلقي أن يختار، أيهما يرد. ويقول: "اترك خنجر شفتك وتعال ارقص معي تعال لأسمع صوتي بنبضاتك واشرح لمن حوانا عن خطواتنا القاسية اتجاه بعضنا" ص179، تصوير يحوي بالجسد والجنس، لكن ما سبقه من مقاطع يجعلنا نقلل من شأن العلاقة الجسدية، فالشاعر يتقن الزوغان والهروب، ويستطيع أن يتملص من العلاقة الجسدية بتعدد القراءات. التأثر بالقرآن الكريم الفكر الديني هناك مجموعة من العبارات تلامس النص القرآني، مما يقرب النصوص من البعد الصوفي، لكن هذا التلامس مع القرآن الكريم يشير إلى الثقافة الدينية التي يتمتع بها الشاعر، وكأنها من خلال هذا التلامس مع القرآن الكريم، يدعونا نحن أيضا إلى التقرب منه ومعرفته أكثر، فمن هذا التلامس قوله: " يا واحدا لا شريك فيك" ص54، فهذا تناص واضح مع سورة الصمد، ومع التلبية في الحج. ويقول: "وأرقص على صرطك المستقيم" ص68، تناص مع سورة الفاتحة. "يوم لا ظل إلا عشقك" ص90، فهذا تناص مع الحديث النبوي "سبعة يظلهم الله في ظله" "عيني إلى أسفل سافلين" ص135، هذا تناص مع سورة "التين" التي جاء فيها "ثم رددناه اسفل السافلين" وهناك الكثير من الشواهد في الديوان تشير إلى الثقافة الدينية التي يتمتع بها الشاعر. لم يقتصر الشاعر على استخدام الفكر الديني الإسلامي وحسب، بل وجدناه يسمي قصائده بتسميات دينية الهندية مثل "كارما" و"نيرفانا" التي تخدم الفكرة الصوفية التي يطرحها في الديوان، ونجد هناك تناص مع الكتاب المقدس حيث يبدأ حدا القصائد "في البدء" وهذا تناص مع فاتحة الكتاب المقدس. الديوان من منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والأدب، دولة الكويت، نسخة مجانية مع عالم المعرفة العدد 413، الطبعة الثانية.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السيرة المحفزة للمعرفة -رام الله التي هناك- محمود شقير
-
الكويت تنقذ جمهور القراء
-
-في اللغة والأدب وعلاقتهما بالقومية- ساطع الحصري
-
المعرفة بالشعر في ديوان -وسائد حجرية- مازن دويكات
-
البداية المتسرعة في مجموعة -خارج الصورة- محمد المقادمة
-
العنوان مفتاح المضمون في ديوان -ضجر الذئب- يوسف أبو لوز
-
تأثير النت
-
التراث الديني والشعبي في رواية -ملاك القرصة الأخيرة- سعيد نو
...
-
توضيح حول كتاب -الحرب الأهلية في صدر الإسلام- عمر أبو النصر
-
فرح
-
تجاوز المألوف في ديوان -أحلام السنونوة- علاء الدين كاتبة
-
عبث الفعل في ديوان -مقفى بالرماة- محمد لافي
-
لعادية في ديوان -أوراق من ذاكرة المسفر- أمجد محمد سعيد
-
نقد النقد في كتاب -ملامح السرد المعاصر- فراس حج محمد
-
نبل الشاعر في ديوان -صاحب الشأن- منصور الريكان
-
-حوار مع فراس حج محمد- حاوره رائد الحواري
-
الصراع والتوازن في ديوان -قنص متواصل- عمر أبو الهيجاء
-
المرأة هي الملاذ في مجموعة -السيف والسفينة- عبد الرحمن مجيد
...
-
المندى والمخاطب في ديوان -قبس- عبسى الرومي
-
المنادى والمخاطب في ديوان -قبس- عيسى الرومي
المزيد.....
-
تطورات في قضية اتهام المخرج المصري عمر زهران بسرقة مجوهرات
-
RT Arabic توقع مذكرة تعاون مع مركز الاتحاد للأخبار في الإمار
...
-
فيلم رعب لمبابي وإيجابية وحيدة.. كواليس ليلة سقوط ريال مدريد
...
-
حذاء فيلم -ساحر أوز- الشهير يُطرح للبيع بعد 20 عاما من السرق
...
-
تقرير حقوقي: أكثر من 55 فنانا قتلوا منذ بدء الحرب في السودان
...
-
-وتر حساس- يثير جدلا في مصر
-
-قصص من غزة-.. إعادة صياغة السردية في ملتقى مكتبة ليوان بالد
...
-
افتتاح مهرجان -أوراسيا- السينمائي الدولي في كازاخستان
-
“مالهون تنقذ بالا ونهاية كونجا“.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة
...
-
دانيال كريغ يبهر الجمهور بفيلم -كوير-.. اختبار لحدود الحب وا
...
المزيد.....
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
المزيد.....
|