أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أسعد العزوني - ستيلّا















المزيد.....

ستيلّا


أسعد العزوني

الحوار المتمدن-العدد: 5158 - 2016 / 5 / 10 - 21:51
المحور: كتابات ساخرة
    



لا أتحدث هنا عن ملكة سابقة ، ولاعن ممثلة إغراء مثيرة ، أو مطربة ترقص على مخارج أحرف كلماتها "شوارب " أعتى الرجال ، ويستنفرون كل جيناتهم الذكورية على وقع حركات جسدها الغض ، ولا حتى عن قديسة ، بل أتحدث عن كلبة سلوقية مؤصلة ، ماهرة سريعة مخلصة لصاحبها ، وهي بالمعنى المتعارف عليه سياسيا هذه الأيام"مستشارة" ، وكما هو معروف فإن المستشار مؤتمن ، وهذا سر النجاح والحكم الرشيد ، الذي بات العالم يتحدث عنه كثيرا هذه الأيام ، علما أنه مفقود عندنا في العالم العربي ، ولو كان موجودا وعملنا به ، لما أذهبنا ريحنا بأيديا ، وأعدنا أنفسنا إلى حكم ملوك الطوائف ومصيرهم المحتوم.
كان أبي رحمه الله صيادا ماهرا ، ويقولون عنه أنه كان يصطاد الطائر وهو يرفرف عاليا في السماء بمهارة عالية ، فتكون إصابته بدقة متناهية ، وكأن بندقيته أوتوماتيكية تعمل إليكترونيا ، كما هو سائد في أسلحة هذه الأيام الحديثة ، التي تعفي حاملها من التركيز على الهدف والتدقيق فيه لتقدير المسافة ، وضمان الإصابة.
ذات يوم قرر أبي يرحمه الله شراء كلبة سلوقية لزوم الكشخة ، فهو كما أسلفت من أمهر صيادي منطقة جبل النار "نابلس" ، التي كانت تشتهر بكثرة وجود الطيور فيها وخاصة "طائر الشنّار" النادر صعب المنال ، وكنت أسمع الصيادين وهم في ضيافته ليلا ، يتحدثون بلهفة عن جبل ما يتواجد فيه طير الشنار ، ويتفقون على الذهاب إليه لإصطياد هذا الطائر ، ذو اللحم الشهي .
كنت صغيرا آن ذاك ولم أتجاوز السبع سنوات من عمري ، لكنني كنت ألحظ علاقة ليست خفية بين والدي وبين "ستيلّا" ، كان يقدم عليها باش الوجه ، وبخطوات راقصة ، ثم يجلس بجانبها ويبدأ بمداعبتها وملاعبتها والتصفير لها ، وتمرير يديه على جسدها بحنان واضح ، فترد عليه حسن المعاملة بما هو أحسن منها ، فبعد أن تتراقص هي الأخرى وتحرك ذنبها تعبيرا عن الفرح والسرور "وما يسمى هذه الأيام "القبول والإيجاب" ، وتخرج صوتا حانيا ، تقعى على مؤخرتها وتصدر صوتا رخيما ، وبعد ذلك يطلب مني والدي رحمه الله إحضار الطعام لها.

لم تكن وجبة "ستيلّا" وجبة عادية ، بل كانت مميزة وخمس نجوم ، فهي ليست كالكلاب الضالة التي تجوب الشوارع ليلا نهارا تبحث عن عظمة تتلهى بها ، وتسد بها رمقها وتثير الذعر بين المواطنين ، وربما تحمل مرض السعار الذي ينتقل لمن تعضه ، ويتطلب الأمر علاجا طويلا.
كانت وجبة "ستيلّا" تتكون من العظم المطبوخ جيدا ، ومن الخبز المنقوع بشوربة العظم المنكهة "الثريد" ، وكم كانت فرحتها وهي تلتهم هذه الوجبة اليومية ، ثم تصدر أصواتا تنم عن الشبع ، وبعد ذلك تستدير إلى وعاء الماء القراح فتشرب منه ، وتغفو قليلا.
تميزت "ستيلا" بالذكاء والمهارة في مراقبة الطير المصاب ، إذ كانت وفي حال أيقنت أن الرصاصة إستقرت في جسد الطائر أو الأرنب ، تقفز وبسرهة هائلة وتواكبه حتى يتعب ومن ثم تنقض عليه ، وتحمله بين أسنانها ، وتضعه أمام والدي ، فرحة متعففة مع أن بإمكانها التهامه بعيدا عن عيون أبي ، خاصة وأنها في بعض الأحيان تقطع مسافات طويلة قبل أن تنال مرادها ، وتقع الفريسة على الأرض إن كانت طائرا ، أو يسلم الحيوان أمره ، فيستسلم لها إن كان أرنبا بريا على سبيل المثال أو غزالا، لكنها لم تفعل ذلك ، كونها سلوقية مؤصلة جبلت على الإخلاص وعفة النفس ، بمعنى أنها لم تكن تعرف الفساد بل كانت أمينة مخلصة وفية لصاحبها وهو أبي رحمه الله بطبيعة الحال..
لكل فارس هفوة ، ولكل جواد كبوة ، فالحياة لا تسير على خط مستقيم ، بل هناك تعرجات لا بد وأن تحدث ، والعبرة في النتيجة ، وهناك من لا يتحمل الفشل ، فيحاسب نفسه أشد الحساب ، إنطلاقا من فهمه لدوره ، وان ما يقوم به هو تكليف يرقى إلى مرتبة الأمانة ، والمستشار مؤتمن ، وإن كان أصيلا ، فإنه لا يقبل بالفشل ، وإن كان غير ذلك فإنه لا يأبه حتى لو ألحق الضرر بالعباد والبلاد ، كما هو حاصل هذه الأيام في بلداننا العربية ، لأن المستشار عندنا ليس مؤتمنا.
ذات يوم إصطاد والدي أرنبا بريا ، وكعادة "ستيلّا "، إنطلقت فور إدراكها أن الرصاصة إستقرت في جسد الأرنب ، ولم يدر بخلدها ، كم من الخبث كان ذلك الأرنب يمتلك ، إذ كان وعلى ما يبدو قريبا من جحره ، وعلى الفور دخل فيه جريحا والدم ينزف منه ، علما أن "ستيلا" كانت على وشك الظفر به.
كنت أرافق والدي في تلك الرحلة ، ولم لا وقد كان يرغب بتعليمي حمل السلاح والصيد ، وكانت أول مرة سمح لي بإطلاق النار فيها من بندقيته ومن على ظهر الفرس مذ كان عمري أربع سنوات ، في إحتفال لعرس أحد أبناء الحمولة .
تأخرت "ستيلّا " بالعودة ، وطالت غيبتها ، ما أثار القلق لدى والدي الذي بدأ ينادي عليها بأعلى صوته ، ويصدر صفيرا عاليا ، بلا جدوى فلا حياة لمن تنادي ، ولكننا في نهاية المطاف وجدناها بحالة مزرية ، وقد فهم أبي أن الأرنب دخل جريحا في جحره ، ولم تستطع "ستيلّا" اللحاق به لضيق المدخل .
بذل والدي رحمه الله جهدا كبيرا كي يخفف عنها ، فقد كانت في حالة يرثى لها ، وتنهمر الدموع من عينيها ، وتقف مسمرة فوق ثغرة الجحر ، وفي البداية رفضت الإنصياع لأوامر والدي بالتحرك ، وهي التي كانت تستقبله راقصة هاشة باشة من بعيد ، وتتعربش عليه وتصدر له صوتا ولا أروع.
نجح الوالد في إقناعها بالعودة ، ولكنها لم تسامح نفسها على هذا الفشل ، إذ ظنت انها قصرت ولم تحمل الأمانة كما يجب ، لذلك رفضت تناول وجبتها الشهية ، وإمتنعت عن شرب الماء ، ولم تتجاوب مع أبي في أي حركة ، وبعد ثلاثة أيام ماتت ، فحزنت كثيرا وكذلك أبي وبقية أفراد الأسرة ، وما كان مني إلا أن حملتها إلى الخلاء وحفرت لها حفرة ودفنتها فيها .
تندرت علي بنات الحمولة وقلن أنني كنت أحبها ، وإلا ما معنى أن أقوم بحفر حفرة لها ولفها بقطعة قماش ودفنها ؟ وعلى العموم لم آخذ ما قالته بنات الحمولة على محمل الجد ، وبقيت "ستيلّا " في ذاكرتي كلبة سلوقية فقط ، لكنني وعندما كبرت وخضت في عالم السياسة ، بدأت أقرأ قصة "ستيلّأ" على أنها أبعد من كلبة سلوقية ، فشلت في إحضار الفريسة للصياد ، فظنت انه سيحرمها من الطعام عقابا لها ، بل نظرت إليها على أنها تتعلق بالحكم الرشيد وحمل الأمانة .



#أسعد_العزوني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الفاو- تسعى لتوسيع نطاق مبادراتها الإقليمية الثلاث للتصدي ل ...
- كلمة المدير العام المساعد لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المت ...
- المبادرة الإقليمية حول ندرة المياه
- السلام على السودان وأهله
- محاضرة حول الأزمة اليمنية والسيناريوهات المحتملة لعبد الناصر ...
- الشجاعة والإقدام: المفكر الاستراتيجي عبدالله التل -أنموذجا ً ...
- قوانين للعمل الإغاثي الخليجي والعربي لتلافي -عشوائية التنفيذ ...
- افريقيا المتأسرلة..أين العرب؟
- الدراجون الأردنيون إكتشاف جنان الأردن
- اختتام مؤتمر -الاتجاهات المعاصرة في مؤسسات التعليم: إصلاح وت ...
- -التعويض -مقابل السلام
- المؤتمر الدولي الخامس للعلوم الإنسانية يبحث الاتجاهات المعاص ...
- عبد الفتاح مورو ..الداعية التي نريد
- دبلوماسي بوسني ينفي إختطاف أيتام وتجنيدهم مع داعش
- نحن واليهود ..لا يزاودنّ علينا أحد
- ليفني مصابة بالإيدز.. اللهم لا شماتة
- مصطفى سلامة ..لاجيء فلسطيني يرفع علم الأردن فوق إيفرست
- داعش في طور التفكيك
- داعش يمهد لأوروبا إحتلال ليبيا
- جائزة أفضل معلمة ..لماذا؟


المزيد.....




- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - أسعد العزوني - ستيلّا