أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله مهتدي - شعرية المكان في ديوان-حين استدرجتني المدن..كنت وحيدا- للشاعر محمد منير















المزيد.....


شعرية المكان في ديوان-حين استدرجتني المدن..كنت وحيدا- للشاعر محمد منير


عبدالله مهتدي

الحوار المتمدن-العدد: 5158 - 2016 / 5 / 10 - 08:06
المحور: الادب والفن
    




شعرية المدن في ديوان
"حين استدرجتني المدن..كنت وحيدا"للشاعر
محمد منير

"قد أضيف إلى الحكاية وصف عكا
أقدم المدن الجميلة
أجمل المدن القديمة."
(محمود درويش )

"المدن التي تسكنني
قصائد راقصة في أوراقي "
(محمد منير)


1-
كطفل يكتشف العالم لتوه عبر لعبة الكلمات،كان يأتينا والفرح مغزول في عينيه العسليتين،مثل ومض مترنح،ليقرأ علينا ما كتبه سهاده الليلي من أرق مثقل بالحنين إلى أشياء سرقها منه الصمت،قصائد منسوجة من ألق الحزن،محفورة بيد خزاف يثقن مراوغة الطين بيت أصابعه ليصنع دهشة العين والروح،في أطراف حزنه بعض من الأرض الجريحة،وفي ملامح سمرته صوت التراب الطري،الآتي صهيل خيول من قاع عبدة الحاضرة،وفي يديه المرتعشتين وهو يعاقر كأس القصيدة صحو حوري الحسين،وعبق أحمد بركات،ونداوة الأزقة التي ترجلته أحزانها بين شارع الفداء،وساحة السراغنة،بين جسد يئن في عزلة الصمت،ورفاق يملؤون زحام سويعاته بالسؤال عن سر القصيد معنى ومبنى.
محمد منير يحفر للحرف سكناه داخل جسد البياض،مثلما يحفر للفرشاة واللون إيقاعهما على قماش عالم موتور،تشكيلي ومسرحي وقاص وشاعر قلما انتبه البعض إلى "ضجيجه" الباذخ،إلى صوته المغسول بحبر الحنين إلى طفولة الحرف،وهو الطفل الذي يأبى أن يكبر مخافة أن يفقد براءة الكلمات.
2-
في ديوانه"حين استدرجتني المدن..كنت وحيدا"،يعيد محمد منير طرح إشكالية العلاقة بين الشعر والمكان،بين الشاعر والمدينة،بين الإقامة والترحال،في وطن الكلمات،كمجال للحضور وللغياب.
شعر المدينة هو شعر الحداثة بامتياز،وربما لاحتكاك الشعراء العرب بغيرهم ،كتبوا عن مدنهم،إذ قد تكون قصيدة "الخراب" لت س إليوت قد مارست إغواءها الخاص،إلا أن كثيرا من شعراء ما وراء البحار استلهموا شهوة الكتابة عن المدن،من لوركا إلى بودلير،ومن أبولنير إلى جاك روبو،فكانت باريس وأخواتها أشبه بالمعبودة الملهمة والقاسية المتعجرفة....
غير أن من الباحثين من يرجع ظهور شعر المدن مع سقوط الأندلس،حين انتشر رثاء المماليك
والمدن،كإشبيلية،وغرناطة،وقرطبة...كما ظهر مجددا عند سقوط المدن العربية فيما سمي
تاريخيا ب"الحروب الصليبية".
مواكبة لحضور تيمة المدينة في الشعر العربي الحديث،ظهرت دراسات تناولت من منظور تاريخي نقدي ،علاقة الشعر بالمدينة،حيث يمكن اعتبار كتاب عزالدين اسماعيل،"الشعرالعربي المعاصر،قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية"-1966-،من أوائل الكتب التي تعرضت لتلك العلاقة،خاصة الفصل المعنون ب"الشاعر والمدينة"،ثم تتابعت الدراسات محاولة القبض على مميزات هذه العلاقة،التي غالبا ما اختزلت إما في القلق الوجودي بانهيار الأحلام،والإغتراب المكاني والنفسي،أو بهيمنة موضوعة الرحيل والسفر والحزن،والمعايشة لأزمات تاريخية وحضارية.
وإذا كانت المدينة بشكليها الغربي والعربي قد تأصل حضورها عند شعراء كثر،مثل إبراهيم ناجي،والجواهري،وأبي القاسم الشابي، ومحمد الفيتوري،ومحمود درويش،وأدونيس،وخليل حاوي،وعبد المعطي حجازي الذي قال:
"رسوت في مدينة من الزجاج والحجر/الصيف فيها خالد،ما بعده فصول/بحثت فيها عن حديقة فلم أجد لها أثر/وأهلها تحت اللهيب والغبار صامتون..."
حيث موت الأشجار ،أمام ثورة الإسمنت،أو كما قال بدر شاكر السياب:
"التفت حولي دروب المدينة/حبالا من الطين يمضغن قلبي.."
حيث المدينة تساوي الضغينة والكراهية والتأسي على جيكور القرية.إذا كان الأمر كذلك مع الكثير من الشعراء،فإن الشعراء المغاربة هم أيضا اشتغلوا على تيمة المدينة،مثل الشاعرة وفاء العمراني في قصيدة "بيروت..لو تستعصين"،محمد الأشعري في قصيدة "فاس"،أحمد بلحاج أيت واهرام في قصيدة "مراكش"،أحمد مفدي في قصيدة"فاس،شهادة ميلاد وطن"،ومثله مع أحمد بنميمون،وعبدالكريم الطبال...على أن ديوان أحمد المجاطي،"الفروسية"(الخمارة)،قد احتفى بين طياته بمدن كثيرة،من خلال العناوين /العتبات الفرعية،كقصيدة"القدس"،وقصيدة"كتابة على شاطئ طنجة"،وقصيدة"سبتة"،وقصيدة "الدار البيضاء"،وقصيدة "وراء أسوار دمشق"،أو قصيدة"دار لقمان عام 1965"...هكذا ستكف المدن على أن تكون مجرد أمكنة جغرافية،عتبات وأرصفة وخمارات وأبنية،لتصبح أمكنة نفسية مندمجة في جوهر المتخيل الشعري المثقل بالغربة والضياع،بالموت واليتم،بالعشق والتيه...
3-
يتوزع ديوان محمد منير"حين استدرجتني المدن..كنت وحيدا"،على امتداد 79 صفحة،من الحجم المتوسط،يحمل بين طياته اثنى عشر نصا شعريا بين القصير والطويل:
1 موال لمدينة يحرسها الطين./2 مازغان./3ساحة الفنا./4 كازا..حين يحرقني شوقي./5 شيء من أكادير./ 6 تراتيل على رصيف مقهى دينار./ 7أزود امرأة تغتسل بكفي./8 للأرض بعض مني. /9 قداس على أعتاب سيدة الحمراء./ 10الأرض./ 11النيل./12 صلة رحم.
يطرح الديوان سؤال المكان في القصيدة،سؤال الإقامة والترحال في الشعر،سؤال الأرض كحامل للمدينة والشاعر معا.يتضح ذلك من خلل الترتيب التسلسلي للقصائد الذي كان بوعي حاد من صاحب الديوان،ليكون في حد ذاته كتابة أخرى لا تقل دهشة وإيحاء ،يبدأ الديوان بقصيدة "موال لمدينة يحرسها الطين"، وهي مدينة آسفي،أو كما يقدمها الشاعر"موطن الأجداد"،وينتهي بقصيدة "صلة رحم"،حيث الاحتفاء بالأرض،وكأن قصائد الديوان مخاطة بحبل سري، مشدود من الفرع إلى الأصل،من المدينة إلى الأرض،من الخاص إلى العام،من الشاعر إلى الأم.
إن ما قد يلاحظ عند قراءة أولية لديوان"حين استدرجتني المدن..كنت وحيدا"،هو أن المكون المركزي في الإيقاع التي تسير به القصائد هو مكون نفسي شعوري،يتمفصل مع مكون موسيقي صوتي،مما يحقق تجانسا صوتيا يعبر عنه حينا بإيقاع داخلي ،وأخرى بوحدة القافية،كما في قصيدة "صلة رحم"،على أن جل القصائد الطويلة قسمها الشاعر إلى فقرات مرقمة،مع وجود بياضات على طول صفحات الديوان،حيث يلعب البياض/الفراغ مع الحبر/السواد ،لعبة صراع من أجل امتلاك حيز الكتابة وتنضيدها،لاستثارة اللغة البصرية في عملية البوح الشعري.غلبة التنقيط وغياب الترقيم،من الملاحظات المضافة على شكل الديوان،الذي يؤسس مغايرته الشعرية على الصورة، حيث المدينة /الأنثى،المرأة /الأنثى،القصيدة/الأنثى،الأرض/الأنثى،مما يحافظ على الوحدة الموضوعية في الديوان،رغم تعدد الأمكنة،وتنوع المدن،وشساعة هذا السفر عبر الذات،عبر عوالم جغرافية ونفسية متعددة.
4-
المدينة في ديوان الشاعر محمد منير،من أهم الدوال المؤسسة لخطابه الشعري،يتضح ذلك ليس فقط من خلال متن قصائده،بل للوهلة الأولى من العنوان/العتبة الرئيس،كمدخل لولوج المتن الشعري،أو من خلال لوحة الغلاف/كعتبة ثانية،حيث بناءات مدينة مبهمة،تمارس على العين سلطتها ،بألوانها ونوافذها وأبوابها،وجدرانها الشاهقة والملتصقة،حيث الشعور بالإختناق،والغربة،والضيق.
أن مدن الشاعر في ديوانه تحتكر حقيقتها،وتستوعب انفعالية القصيدة وحساسية الشاعر،الذي يشخصن المدن لتستوعبه،تستدرجه ليترجل أزقتها وشوارعها،مزهوا بخيباته،وحيدا ومعزولا،ليتضح أن هذه الكائنات الإسمنتية هي من يسكنه،وليس هو من يسكنها،تسكنه ألما،ووحشة،حيث يتماهى الشاعر مع مدنه في عشق باذخ لامرأة عصية على القبض،متلاشية في ملامح مدينة منفلتة وهاربة.
فإلى أين يا ترى استدرجت المدن شاعرها ؟هل إلى حضن الغربة والضياع ؟هل إلى فراش امرأة في الحلم؟ أم إلى الأرض كملاذ أخير لعزلة الإنسان وتيهه،الأرض التي تقبلنا كما نحن عراة من جنوننا،من حماقاتنا،ومن أغلالنا وأحقادنا.يقول الشاعر في قصيدة "صلة رحم":
"للأرض وجه
تشققت منه الخدود
من نقش دمع
على وجنتين شاخت عيناها
حين استباحت القلب
أحزان بلاد
ترملت فيها الحدود
وباعت للفاتحين الجدد
رحمها المولود"
هي الأرض نفسها وقد تتحول في قصيدة تحمل اسمها،إلى امرأة بنهدان رمانيتان، تمارس عشقها المستحيل على شاعر متيم بنار الحلم.على أن في قصيدة"النيل"،وكأننا بالشاعر يمضي بعيدا نحو عناصر الحياة،الماء/الأرض،فتغدو رحلة الشاعر وهو تستدرجه المدن وحيدا،سفرا نحو اللاموت.
5-
تفرض المدن على شاعرها في ديوانه أن يتكلم لغة بصرية باعتباره كائنا يرى،يشاهد،يحتك،إلا أن الفنان التشكيلي الذي في داخل الشاعر،حرضه على التكلم بلغة نفسية باعتباره كائنا يحس،يختبر حواسه جميعها لامتلاك معطيات الأمكنة،وفضاءاتها.هكذا يبدأ الديوان في استدراج المدن للشاعر،بقصيدة"موال لمدينة يحرسها الطين"،ولعل انتماء الشاعر مجاليا إلى حاضرة عبدة،وسفره الدائم إلى موطن الأجداد،فهذا يشير إلى عمق الإقامة في الحنين،وإلى الرغبة في امتلاك رائحة التراب وعبق الأرض،هروبا من مملكة العزلة.إن مدينة آسفي في وجدان الشاعر هي أبعد من مجرد ذكرى ملطخة بزيت البواخر،ومراكب الصيد،ودخان أفران الطين،ورائحة الكبريت،
"يوبخني الموج على رأس أفعى
منفلت من يد جبل
لا يغادره البحر
يرسمني ذكرى للرمل
الملطخة حبيباته
بزيت البواخر
ومراكب صيد عابرة.."- من قصيدة موال لمدينة يحرسها الطين-
فآسفي في القصيدة ارتدت وجها آخر يليق بخرابها،تفزع منه النوارس،وتدفع تحولات فضاءاته -المرسى/المدينة العتيقة/باب الشعبة/قصر البحر/المرسى القديم....- الشاعر إلى الانزواء بعيدا في الحلم.
6-
في أغلب قصائد الديوان صور لمدن تركت في وجدان الشاعر خدوشا ما،فتعددت حالاته النفسية والشعورية بتعدد إقاماته وأسفاره،ليبقى الثابت هو الحرقة الدفينة،والألم والحزن،فهي المدن التي يزورها الشاعر ليرى فيها تارة الأنثى المنفلتة،وأخرى مكان الإقامة في اللامكان، فتصبح المدن وكأنها مزارات للتوجع والفقد،في انتظار العودة من هذا السفر الجريح ،إلى أحضان الأرض،لصلة الرحم،وفي ذلك ما يشبه النفس الرومانسي الذي يمجد الإنعتاق نحو الطبيعة/الام.فالغياب القسري عن الإقامة في "موطن الأجداد"،جعل علاقة الشاعر بمدنه علاقة صراعية،فيها اغتراب واحتراب،مثقلة بالشوق والمناجاة،علاقة إقامة مؤقتة،باتجاه الإقامة الدائمة بالأرض،ها المقوم الرومانسي ،لم يحل دون تعامل الشاعر مع المدينة كمقوم من مقومات الشعرية الحديثة،وقناعا جماليا لتصوير تيمة التمزق والحزن،عبر توظيف شعرية المكان.
إن المدينة في شعر محمد منير كفت عن ان تكون فضاء جغرافيا محضا،لتصبح مبررا جماليا للتعبير عن أزمة وجودية،وعاطفية لدى الشاعر،ففي قصائد الديوان،"مازاغان"،وقصيدة "كازا..حين يحرقني شوقي"،أو قصيدة "شيء من أكادير"،تبدو الحياة المشتركة بين الشاعر والمدينة مثل علاقة الجسد بالجسد،والروح بالروح،مليئة بالعتاب،والشجن،والحسرة،والحزن،والفقدان،وكأنه الحنين إلى استعادة نقاء الذات المتشظية،في عالم متحول،سائر نحو محو الجمال،وخنق الحب،وفتح سيقان المدينة للخراب،وللوحشة والمسخ.
مدن محمد منير في ديوانه،توزعت بين مدن تاريخية ثراتية،(كآسفي وموغادور..)،ومدن حديتة،(الدارالبيضاء،أكادير..)،مدن ساحلية وأخرى داخلية،مدن محددة الاسم،وأخرى لا،مدن حقيقية لا متخيلة،وهي بالذات كائن متغير،تاريخي،نفسي،يرتدي أحيانا شكل قصيدة ،وغالبا جسد امرأة،حيث يتماهى الجسد الأنثوي مع المدينة حد الذوبان،فتنفجر الغربة العاطفية للشاعر كتيمة مهيمنة على أنواع الغربة الأخرى،ويبرز العتاب القاسي،كما في قصيدة"بعض من أكادير"،حيث يتراوح العتاب بين المدينة والمرأة،كمراوحة القصيدة بين الحقيقة والمجاز.يقول الشاعر في قصيدة "شيء من أكادير":
كل المدن تتشابه إلا هذي المدينة
وجهها لا ينام إلا نهارا
ونهداها بلا حلمات
وبطنها لا تلد إلا عاهرات بحجم البحر"
فما أوحش هذه المدينة /المرأة التي لا تشبه مفاتن جمالها أي امرأة أخرى،إذ كيف يمكن تصوروجه يختل نومه ،ونهدان بلا حلمات؟بل إنها المدينة /المرأة التي افتضت بكارتها كإشارة إلى التشوهات التي لحقت بها،كما في القصيدة نفسها:
"....وأعرف أنها مدينة اسفلتية كما هي كل
مدن وطني،وان بكارتها قد افتضت كما افتضت كل بكارات
المدن الاخرى وواستبيحت صدورها وبيعت في المزاد العلني.."
أو كما جاء في قصيدة "كازا ..حين يحرقني شوقي":
"أركض..
وهذي المدينة
-عروس ملطخة بالتراب..الغبار-
غسلتني بماء بكارتها
حين اغتصب جلادوها
صمت ليلي.."
غير أن المدينة هي أيضا المرأة المعشوقة الفاتنة المكتملة المفاتن،من شعر وعينين وحلمات:
"لملمي شعرك
استريحي على صدري
ففي عينيك
يكرع كأس فرحه القلب
استريحي
كي أتوضأ بماء حلمتيك
لنقيم معا
قداس حب"-من قصيدة " قداس على أعتاب سيدة الحمراء"-
حيث الأرض التي يتجسد فيها كمال المرأة وجمالها،لتكون "امرأة عاشق"،يكتمل بهاءها مع المرأة الأرض،وليس فقط المرأة /الخيانة والعهر،والاغتصاب.ففي قصيدة" للأرض بعض مني":
"أنت امرأة لا تشبهها
سماء
ولا فلاة.."
هذه المراوحة بين المدينة/المرأة/الأرض،وكأنها انتقال بين الموت والحياة،بين برودة الاسمنت، ودفئ الأحضان،بين الحجري والجسدي، بين الجدران والرض ،حيث يبدأ الديوان بالمدينة ليؤوب إلى الأرض،وكأنها الحياة وهي تكمل دورتها،عبر جسد المرأة كرمز للخصب وللجرح في آن.
7-
المعجم الشعري هوية الشاعر.إذ هو من أهم الخواص الأسلوبية التي يتمايز بها شاعر عن غيره،وإذا كان هو البناء الدال على خصوصية التجربة الشعرية لدى شاعر ما،يسعفه في تخصيب المفردة،وإنتاج تراكيب غير مألوفة،تحمل في طياتها دلالات رمزية وإيقاعية مرتبطة بأنا الشاعر،فإن ذلك قد يتجاوز المفردة نفسها ،إلى الصورة والرؤيا،في سياق ما ينتجه توظيف ذلك من دلالات جديدة تثير الدهشة،تخترق المألوف،وتنتج ثراء النص.
إن معجم محمد منير عبر ديوانه هذا،معجم خال من الغرابة المجانية،ومن التكلف السائب،في الألفاظ والطرائق التعبيرية،ومن الزينة اللفظية التي لا تستدعيها الضائقة الجمالية،فالشاعر يستعمل معجما شعريا مرتبطا بالمناخ النفسي الذي يعيشه،وهو يطهو معظم قصائده في فرن اللغة التي اكتسبها عبر تجربته الشعرية الطويلة،وهو معجم تغلب عليه نبرة "الأنا" مقابل "النحن"،ليتنقل بين الرومانسي والرمزي،للتعبير عن التجربة الإنفعالية والحسية.معجم يخرج الألفاظ من دلالاتها العادية ليدخلها في دلالات مركبة،تنتج المعنى،فهو معجم:
- الأمكنة: (يقال :"من يمتلك المكان يمتلك المعني")،المدينة القديمة/باب الشعبة/قصر البحر/المرسى القديم/آسفي/مازغان/القليعة/الحي البرتغالي/مقهى رفاق الحرف/ساحة الفنا/السمارين/كازا/سوق الحفارين/النيل/المطحنة الهوائية/أزود/أكادير/الكتبية.........
- الجسد :البكارة/الحلق/النهدان/العذارى/البطن/العينان/دم الحيض/الوجه/المضاجعة/العرق/الحلمات/ الرحم/الشعر/الخدود/الوجنتين/الأفواه...
- الطبيعة : الموج/الجبل/البحر/الرمل/الوادي/الطين/الشط/الأرض/السماء/المطر/الريح/الصخر/التراب/الغبار/ الصدفات/النخل /الشجر/الهواء/الفجر/الشمس/الصباح/الصحراء/الغيم....
-الحلم والفرح:الرقص/الحلم/القناديل/العشق/المخملية،الدفوف/الضحك/النشيد/الإنتشاء/الغناء/ التقبيل/الشوق/الدهشة/التقبيل/حدائق الحب.....
-الحزن :الوحدة/الغصة/الإغتيال/الهروب/الموحشة،القلق/الصمت/الهم/البكاء/العياء/الوجع/ الإغتصاب/الغياب/السراب/الضياع/الدوران/التيه/الحرقة/......
- الألوان والتشكيل: سواد/الرسم/الومض/النقش/الخزية/المزركشة/التلطيخ/البياض/السمرة/الحمراء/
البيضاء/تكحلت/الأصفر...
- البحر: النوارس/البواخر/مراكب الصيد/قصر البحر/الشباك/المرسى القديم/الغرق/اللؤلؤ/المحار...
-8
عمد الشاعر على مستوى الصور الشعرية إلى تركيب لغوي خاص،لتصوير معانيه العاطفية،والوجدانية،مستعملا الخيال والرمز ،عبر التجسيد والمشابهة،أو التشخيص والتجريد،فتوزعت صوره الشعرية بين المركبة والكلية،لتوليد الدهشة،وإثارة القارئ جماليا.
فالشاعر محمد منير ،يضع نفسه في مواجهة أمكنة تتجاوز مدلولاتها الحسية والجغرافية،إلى الذاكرة والحنين،والعتاب والحزن،فتارة يشبه المدينة بالمرأة،وتارة بالقصيدة حيث المدن قصائد راقصة في أوراقه.وحيث "المدينة قصيدة/أولها ولادة/وسطها أبيات تتساقط/آخرها موسيقى صاخبة"،هكذا يرسم الشاعر مدنه امرأة (متعددة)،وجوها وأجسادا،كما يكتبهم قصائد يعيش فيها تمزقاته وغربته العاطفية ،مستعملا ضمير الأنا في جل القصائد،والجمل الأفعال،أو الجمل الأسماء،وفعل المضارع في متن نصوصه،مقابل فعل الماضي في عتبة العنوان.
يحبل الديوان بصور شعرية لها أبعاد إيحائية وتخييلية،تتجاوز وظائفها النفسية،إلى وظائف تروم التأثير في القارئ،باستعاراتها المتعددة،ومجازاتها المتناثرة على طول صفحات الديوان،مما جعل اللغة والعاطفة والخيال في تناغم تام تجاوز به الشاعر الخيال الإسترجاعي،إلى خيال توليدي ،والصور المفردة ،إلى صور مركبة،تضفي جماليتها على المتن الشعري.
لقد شكل الشاعر محمد منير نصوص ديوانه الشعري"حين استدرجتني المدن..كنت وحيدا"،بطريقة فيها حرفية عارف بطرائق الكتابة الشعرية،ولعل المدينة التي كان يروم تعريتها،وكشفها،هي التي قامت بكشفه وتعريته، ليتعرى أمام قارئيه كذات يتكبدها الحزن،وتسري فيها دموع الحرقة،ونار العشق،والفقد،فهل ضيْق الشاعر بمدنه وضجره منها ،هو ما حدا به إلى البحث عن أمكنة بديلة للإقامة،حيث المرأة والقصيدة والأرض تلبست مدنه ،وأسعفت متخيله الشعري؟أم هو سفر وترحال بحثا عن الهارب والمنفلت في تجربة الحياة المليئة بما يسكن الإنسان من تيه وفقدان؟












#عبدالله_مهتدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آن للقلب أن يعشق الآن
- ثلات قصائد
- أنا الأعمى
- لا تحبوني كثيرا
- على باب القلب
- العاشق
- كان لي رفاق هناك أعزهم ولا زلت
- قصائد إلى راشيل كوري
- مواويل على مقام العشق والغياب
- أشتاقني مملوءا بضوء الحلم
- تمزقات
- أفكر بدماغ فراشة
- ستنعيك الفراشات في تراتيلها
- أحيانا أقطف النعاس من عيون الليل
- الشجرة
- على صفحة ماء
- الى :س
- بلاغة الجسد وعنف التحول في رواية-الطلياني-لشكري المبخوت
- قليل من الورد في الجرح يكفي
- هايكو


المزيد.....




- دراسة تحليلية لتحديات -العمل الشعبي الفلسطيني في أوروبا- في ...
- مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
- اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار ...
- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله مهتدي - شعرية المكان في ديوان-حين استدرجتني المدن..كنت وحيدا- للشاعر محمد منير