|
الفرق بين الملحد العربي و الملحد الغربي
منال شوقي
الحوار المتمدن-العدد: 5156 - 2016 / 5 / 8 - 21:56
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ينتقد المسلمون الملحد العربي و يكيلون له عدداً لا بأس به من التهم منها علي سبيل المثال لا الحصر أنه يتعمد نقد الإسلام دون غيره من الأديان و أنه في نقده للإسلام يلجأ للسب و التعريض به بما يتنافي مع الموضوعية و أسس النقد البناء الخالي من ( حقد ) دفين يستشفه المسلم بين السطور ، كما أن الملحد العربي عند المسلم إنسان فاشل في حياته يصرف جُل وقته في سب الإسلام و التشدق بالغرب و تقدمه الحضاري و العلمي في الوقت الذي لم يخترع فيه هذا الملحد إبرة خياطة حتي ! . و لا شك أن تلك الإتهامات لها حيثياتها المنطقية حين نقارن الملحد العربي بنظيره الغربي غافلين عن أن للمقارنة شق أخر تم إخفائه عن عمد أو عن جهل . و لتحري المصداقية في هكذا مقارنة ينبغي علينا أن نقارن بين جميع أطراف المعادلة في نفس الوقت فكما أن الملحد العربي لم يصل بعد لحيادية و موضوعية و عقلانية الملحد الغربي فلم يصل أيضاً بعد المؤمن العربي لتسامح و سعة أفق و ثقافة المؤمن الغربي، فالنقاش الديني / اللاديني في المجتمعات الغربية هو من قبيل الرفاهية الفكرية و ليس مسألة حياة أو موت كما هي في الشرق الأوسط حيث يعتبر المسلم نقاشه مع الملحد جهاد في سبيل الله و زود عن دينه و هكذا تحول النقاش أتوماتيكياً و قبل أن يبدأ لساحة حرب في ذهن المسلم . . فأنت لن تقرأ أبداً تعليقاً في نقاش ديني / لاديني لمسيحي غربي يصف فيه الملحد بأنه حفيد القرد و لن تجد مسيحياً غربياً بلغ من التفاهة و ضحالة الفكر إلي الحد الذي يسأل فيه الملحد السؤال الإعجازي إياه و الذي يطرحه المسلمون بصفة شبه يومية : أيها الملحد لماذا لا تنكح أمك أو أختك . . لن يجادلك شاب مسيحي غربي في نظرية التطور لأنه يعلم أنها حقيقة علمية درسها و فهمها و يعلم أن محاولة تقويضها ليست سوي محض غباء ينأي هو بنفسه عنه لأنه يحترم عقله قبل كل شئ و بالتالي فالملحد الغربي لا يعاني الأمرين كما هو الحال مع الملحد الشرق أوسطي و الذي يقرأ أراءً هي عجب العجاب في نظرية التطور من قِبَل المسلمين تجعل أعصابه تفلت منه رغماً عنه لفرط سذاجتها و طفوليتها إذ أن المسلم لا يتعب نفسه حتي في القرأة عن نظرية التطور ليأخذ فكرة قبل أن يبدأ نقاشاً يصرع الملحد الذي يعمل علي إستعادة هدوءه ليساعد المسلم علي أن يفهم النظرية فلا يجد إلا مقاومة مستميتة من هذا الأخير الذي جاء ليستهزئ لا ليستمع و يناقش و يفهم . .. الملحد الغربي ليس مضطراً أن يبرئ دوافع إلحاده من أنها ليست سعياً للخروج علي ثوابت الدين و رغبة في الإستمتاع بالملذات و الشهوات لأن الحرية الشخصية في الغرب و التي تشربها المجتمع ترتقي عن الخوض في هذه الترهات . فسواء كنت ملحداً أو مؤمناً فإن أحد ليس له الحق أبداً في الحكم علي سلوكيات أو وضعك تحت المجهر لتشريح أخلاقياتك . لن يتهمك الملحد الغربي بأنك ألحدت لتشرب الخمر أو لتقيم علاقة مع فتاة خارج إطار الزواج لأنك لو تفوهت بهكذا طرح لضحك منك نظرائك المؤمنين قبل الملحدين فالحرية الشخصية في الغرب مقدسة و من يحشر أنفه في شؤون الأخرين خو المُلام و الغير طبيعي في نظر المجتمع . . و أخيراً يتهمنا المؤمنون بأننا لم نخترع شيئاً و لم نضع علماً و علي فرض أن هذا صحيحاً سأطرح سؤالين : هل في مقدور الملحد أن يجهر بإلحاده في الشرق الأوسط ؟ ما أدراك أن أستاذك في الجامعة و الذي توقره لعلمه ليس ملحداً يخفي إلحاده خوفاً علي حياته أو حتي علي وضعه الإجتماعي الذي قد يدمره إشهاره بموقفه من الأديان ؟ ثم هل المقارنة صحيحة من الأساس ؟ هل تقارن وضع الملحدين العلمي في الغرب بهذا الذي لملحدي الشرق الأوسط ؟ قارن بين الإمكانيات المتوفرة لهذا و ذاك قارن بين الصفر الذي يبدأ منه الملحد العربي و البداية المتقدمة التي يبدأ منها الملحد الشرق أوسطي . قارن بين مجتمعات مازالت تُدِرس قصة الخلق و تلك التي تُدرس علماً حقيقياً متمثلاً في نظرية التطور . قارن بين مجتمعات يُدرس فيها للطلبة فتوي عنوانها ( إذا نكحك قرد هل يجب عليك الإغتسال ؟ ) و مجتمعات تدرس سلوك القرود دراسة أكاديمية ليستخلصوا منها نظريات مفيدة في السيسيولوجي و البيولوجي و الزيولوجي . قارن بين مجتمعات يفتي فيها شيوخها - علي ما لهم من سطوة و كلمة مسموعة في مجتمعاتهم - بتحريم دراسة المنطق و أذكرك بالمقولة الشهيرة ( من تمنطق تزندق ) تحريم دراسة المنطق لأنه مما لا ينتفع به المسلم في دينه تعني إغلق عقلك بالضبة و المفتاح و لا تُفكر . . ثم إسأل نفسك، كم ملحداً غربياً يُخفي إسمه الحقيقي و صورته خوفاً علي حياته ؟ كم ملحداً غربياً سيتلقي تهديدات بالقتل أو سيُقتل فعلاً بسبب إنتقاده للأديان ؟ إن مجرد تهديد ملحداً غربياً بالقتل من قِبل مؤمن غربي تتخذه الشرطة بمنتهي الجدية و تسعي سعياً حثيثاُ لتوقيف الإرهابي الذي يُهدد الناس بالقتل ، و هو مدان بالمناسبة حتي و إن لم يُنفذ تهديده لأن مجرد التهديد جريمة يُعاقِب عليها القانون . خذ هذا و طبقه علي وضع الملحد في الشرق الأوسط و ليس بعيداً عن الأذهان واقعة ضرب أحمد حرقان و زوجته حتي أجهضت جنينها من قِبل مسلمين تعرفوا علي شخصيتيهما ثم ضربهما مجدداً من قِبل الشرطة حين ذهبا يستنجدان بها ظناً منهما أنهما يعيشان في أمريكا أو أوربا ! . و ختاماً أقول : عزيزي المسلم ، كن منصفاً فالمجهود الذي نقوم به في تنويرك و محاولة إيقاظك و الوقت الذي نقطتعه من أعمارنا لمساعدتك و بالتالي مساعدة بلادنا علي النهوض لهو إنجاز ما بعده إنجاز فنحن نفعل الأن ما فعله أجداد الملحد الغربي منذ خمسمائة عام و كلنا أمل أن يصير أحفادك مخترعين و علماء كالملحد الغربي الذي تقارنا به ، فدعنا ننظف البيت أولاً و ليتولي أحفادنا في المستقبل مهمة طلاء جدرانه ثم تأكد من أننا لن نهتم بالمرة لما تؤمن به بمجرد أن تحتفظ بهذا الذي تؤمن به معززاً مكرماً داخل دور العبادة كما فعل المسيحيون و لهذا السبب تحديداً لن تجد اليوم ملحداً يهتم لنقد المسيحية .
#منال_شوقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرد علي منكري حد الردة 2/2
-
فازت العلمانية أم فاز صادق خان !
-
الرد علي منكري حد الردة 1/2
-
مغالطات ذاكر نايك في التشبيه و الإستدلال 2/2
-
التشريع الهدام لإله الإسلام
-
المغالطات في التشبية و الإستدلال عند ذاكر نايك 1/2
-
يا هؤلاء أنا أري الله في الزهور و أنتم ترونه في القبور
-
المجد لك محمد ولد امخيطر
-
دينك علي راسي و لكن !
-
هل عليكم حرج إن تحممتم في بيوتكم ؟
-
أزمة الله مع النسوان
-
و هل كان محمد ليسأل و هو المُجيب !
-
القرآن يزدري الأديان
-
أرباح الله البنكية من الرؤوس
-
كنت لأختار القناطر لا تورنتو
-
و إنك لنصاب كبير
-
و الله خير الماكرين
-
هل تجدان صعوبة في بلع حذائي ؟
-
الأزمات النفسية للملحدين 2/2
-
عقلى الصغير و الإله الأصغر
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|