|
سيرَة أُخرى 30
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 5156 - 2016 / 5 / 8 - 09:36
المحور:
الادب والفن
1 عصراً، كان الأبُ ينتقل من حديقة بيته إلى حديقة جسر النحاس ( نزلة مطعم أبو سمير )، التي كان يعمل مراقباً لها. فمع تباشير الربيع، كانت جنينة المنزل تفتحُ صدرها منذ الصباح لعاشق الورود والأزهار. عندئذٍ، يبدأ الوالدُ بإعداد البذور والبصلات لكي يزرعها في الأحواض أو الأواني الفخارية والبلاستيكية والمعدنية. حينما يحلّ موعد الفطور، يتعالى صوت والدتنا بالكردية داعيةً الرجل إلى السفرة: " تو كاني..؟ ". فيردّ هوَ عليها: " أز هاتم، أز هاتم! ". عند الغداء، يتكرر نفس النداء والجواب: " أين أنت؟؛ أنا قادم ". بعد انضمام الوالدين لغربتنا بحوالي ثلاثة أعوام، انتقلتُ إلى شقة أرضية. البلكون، كان ينفتحُ على فضاءٍ أخضر يمتدّ حتى رصيف الشارع العام. المستأجر السابق، كان قد تركَ لنا جزءاً من سور الحديقة. وقد قمتُ لاحقاً بانتزاعه، ثمّ ثبّته في مكان أبعد بهدف تكبير مساحة الحديقة. كذلك عمدتُ إلى إقتلاع الأجَمات في الحوض الوحيد، المتاخم لنافذة حجرة النوم. بعد ذلك، أضحت الحديقة جاهزة لزراعة الأزهار. الشتلات، كنتُ أشتريها من السوبر ماركة وغالباً بالجملة. الحوض، ما لبثَ أن تزيّنَ بأزهار السمكة والقرنفل والهرجاية وشمّر سيقانه. أما أغراس البيتونيا والبغونيا والخبيزة، فقد زرعتها في فخاريات مناسبة. في ساعة مبكرة من فجر أحد تلك الأيام، رأيتني أتسلل من المنزل على مهل. إذاك، كنتُ برفقة عربة ابني الصغير في طريقي إلى الغابة. ثمّة، حمّلتُ العربة أحجاراً كبيرة. عندما استيقظت أم الولد، أبدتْ إعجابها بالحوض الجديد: " ولكن، كيفَ تسنّى لك حملَ هذه الأحجار الضخمة؟! ".
2 الهرة، تُعتبر من أهل البيت في الشام. وبهذه الصفة، كنا قد ربّينا عدة أجيال من القطط. في المقابل، كان الوالدُ لا يتهاون في أمر طرد أيّ قطة غريبة. كان يفعل ذلك خوفاً على أزهار حديقته، وأيضاً على طيور الأنايرة ( الكناري ) في أقفاصها هناك. في فترة مكوث الأب بالبيت، والممتدة حتى الظهر، لم تكن أيّ من هذه الحيوانات لتجرؤ على الإقتراب من الحديقة. في واقع الحال، كنا نحن الصغار مثل تلك القطط سواءً بسواء؛ ننتظرُ مغادرة رجل الدار إلى عمله، كي نغزوا حديقته الأثيرة. هنا في السويد، سبقَ أن أبتليتُ بقط عنيد وعدوانيّ. كان يتربّصُ بشكل خاص للحيوانات الودودة، التي كانت تستوطن حديقة شقتي؛ كالأرنب والسنجاب والقنفذ والضفدع. صاحبة القط، كانت تقيم بالشقة المحاذية وكان سياجٌ معدنيّ يفصل بين حديقتينا. في كلّ مرة، كان القط يقفز إلى السياج ثمّ ينحدر إلى بلكوني عبرَ أحد الكراسي الخشبية. ذات مرة، أهداني أحد الأصدقاء طيرَيّ عاشق ومعشوق في قفص أنيق. وبما أن حيوانات الحديقة كانت تختبئ من القط، فإن الأخ راحَ يتسلى بترويع المقيمَيْن الجديدين. حتى كان صباح أحد الأيام، وكنتُ قد نمت خارج البيت. ما أن فتحتُ بابَ الشقة، حتى فوجئتُ بالقط وهوَ يندفع إلى الخارج كالسهم. دخلت إلى الصالون، لأرى القفص مقلوباً. أحدُ الطيرين كان صريعاً، فيما الآخر قد قبعَ بلا حراك. بعد بضعة أيام، مات هذا المسكين حزناً وكمداً. أما القط، فبقيَ يكيدُ لي حتى انتقلتُ من الشقة.
3 إذا كان من واجبنا نحنُ الرجال أن نرفع ضغط النساء، فإنّ ضغطنا بدَوره سيهبط. اليوم، أفقتُ منذ الصباح بحالة سيئة؛ دوّار وصداع وضيق تنفس مع ضعف ضربات القلب. الحق، أنني خلال الأيام الأخيرة ضاعفتُ من شرب النبيذ ليلاً. وبما أنّ أم الولد كانت ستلتحق بعملها في المشفى ظهراً، فإنها تكرّمتْ بقياس ضغطي ونبضي. كما أنها نصحتني أن أتمشى ساعة على الأقل، خصوصاً أنّ الجوَّ رائعٌ. ثمّ كرر الطبيبُ على مسامعي نفس النصيحة، حينما أتصلتُ به لأخذ موعد. مثلما أنه طلبَ مني التوقف عن الشرب، مؤقتاً على الأقل. خارجاً، كانت السماءُ تبدو مثل طبقٍ فضيّ مُوشّىً بنقش الشمس الذهبية. أشجارُ الكرز والتفاح والأجاص، ما تفتأ أغصانها معرّاة من الأوراق. في مقابل ذلك، كانت الأشجار الغابية قد ازدهتْ بحلّة براعمها الخضراء. البنفسج، كان يُشكّل واحاتٍ ساحرة عند أقدام الأشجار ومسكبات الحشائش. تناهيتُ إذاً إلى ضفة النهر، الذي يمرّ بالقرب من منزلنا. هذا النهر، كان يضيق في بعض الأماكن فيصبح كجدولٍ رقيق وهوَ في طريقه إلى جزر غابة بولونيا، قبل أن يصبّ في قناة المدينة الرئيسية، الموصولة بالبحر. على ضفتيّ النهر، كانت سيقانُ الأعشاب تستقبلُ أشعة الشمس الغامرة وهيَ تتمايلُ بفعل إيقاع النسيم الربيعيّ. السوسن المائيّ، لم يكن أقلّ ابتهاجاً بالدفء وهوَ يتطامن برأسه خلل تيار النهر. خريرُ الماء، كانَ هوَ الطاغي في غياب أصوات العصافير والطيور. إلا أنّ جولتي الجميلة، كان لا بدّ لها أن تنتهي أخيراً عند أبواب حضانة ابني. ثمّة، كانت أصواتُ الأطفال تتعالى من ناحية الحديقة المترامية الأطراف. أحدهم، وكان عُمره بحدود الثلاثة أعوام وبشعر أسود مفلفل، أشارَ بيده إلى جهة الأسوار قائلاً بالسويدية: " أبي أيضاً سيحضر بعد قليل! ".
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أقوال غير مأثورة 5
-
دعها تحترق !
-
الحمار والدب
-
الأبله؛ الرواية العظيمة كفيلم تافه
-
سيرَة أُخرى 29
-
الأُمثولات الثلاث
-
سيرَة أُخرى 28
-
سيرَة أُخرى 27
-
سيرَة أُخرى 26
-
نافخ البوق
-
أجنحة
-
أقوال غير مأثورة 4
-
سيرَة أُخرى 25
-
سيرَة أُخرى 24
-
سيرَة أُخرى 23
-
سيرَة أُخرى 22
-
القيدُ الحديديّ
-
خنجرٌ نحاسيّ
-
طبيب
-
حافظةُ الحظ
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|