|
ارنست بلوخ/من الدوغما الشاحبة الى لاهوت الامل ويوتوبيا المستقبل المشرق!.(6)
ماجد الشمري
الحوار المتمدن-العدد: 5155 - 2016 / 5 / 7 - 22:45
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
"اذا كان الانسان محروما من كل قدرة على الحلم،اذا لم يكن بوسعه من وقت لآخر ان يستبق وان يتصور ذهنيا في صورة كاملة وناجزة،النتاج الذي لاتفعل اصابعه غير البدء بتشكيله،فلن يكون بوسعي على الاطلاق ان اتصور حافزا اخر لحث الانسان على تولي وانجاز عمل مسهب ودؤوب في مجال العلم والفن والسعي العملي".. -بيساريف-
لقد اعتبر بلوخ ان الماركسية هي بحق"فلسفة المستقبل"و"ضمير الغد"و"الفكر الواعي لتغيير العالم"بلا منازع.والامل هو المبدأ-القبس الذي تهتدي به،وتسير بمقتضله سيرورة العالم والتقدم البشري.وهو الذي يقوم بعملية"التعشيق"بين اطراف العوامل الذاتية والموضوعية في التاريخ ليصبح جدلها المادي هو عملية امتزاج وخلط يذوب فيها الفارق بين الذاتي والموضوعي،ويتعسر حتى التمييز بين "الانسان"و"المادة فبلوخ يبدأ بثنائية لينتهي بأحادية مطلقة،يصل لحد القول:بأن مادة الطبيعة ستتحول ،عندما تمتزج بالعمل الانساني الى"ذات طبيعية"متى ماتحل تقنيات جديدة محل التقنيات القديمة للبرجوازية ،وهو يقول ايضا:"كما ان الماركسية اكتشفت في الانسان العامل ذات التاريخ الذي تخلقه بالفعل،وهو اكتشاف سوف يتجلى تجليا كاملا في ظل الاشتراكية،فانه من المرجح ان تسير الماركسية-في التقنية- انحدار الذات المجهولة في العمليات الطبيعية التي لم تنكشف بعد في ذاتها،وبهذا تتوسط بينها وبين الانسان،وتتوسط بينها وبين ذاتها".وهكذا يتحول مفهوم ماركس للطبيعة بمنطق بلوخ الى مفهوم ميتافيزيقي صوفي عن "ذات طبيعية"يصفها بأنها"اكثر الجواهر المادية الموجودة محايثة،وفيها تكمن الحقيقة"!. وهذا المفهوم هو الاكثر بعدا عن ماركس ومنهجه المادي الجدلي،والاقرب لرومانسية شيللنغ المثالية،وتأملية فلاسفة عصر النهضة!.وهكذا تتكشف لدى بلوخ تلك الفكرة المثالية المتطرفة عن"مبدأ وجود مطلق يخلق ذاته"!.وبلوخ مقتنع بهذا المبدأ الغريب والمناقض لمنهجية تفكير ماركس وماديته.فعند ماركس:ان"الذات"الوحيدة التي نشأت عن الطبيعة،وتعمل غائيا في الطبيعة هي الانسان الذي يحافظ على نفسه ويتطور من خلال العمل لابواسطة شيء ذاتي على الاطلاق،بل العمل في شيء موضوعي تماما هو الطبيعة الخارجية المتمثلة بأياء العالم.ولاحاجة للقول بأن لاعلاقة بين المادية الجدلية،ومايسميه بلوخ"فلسفة الهوية"او مايطلق عليه:"علم الكون الشيوعي"-communist cosmology-والذي يبحث في مشكلة التوسط الجدلي بين الانسان وعمله من ناحية،و"ذات الطبيعة"الممكنة من ناحية اخرى. لكن يبقى الاسهام الاكبر لبلوخ هو استحضاره لما غيب وهمش وجرى نسيانه،والذي لايمكن ان تستغني عنه الماركسية-اذا ما ارادت ان تبقى حية ومتجددة-وهو من صلبها ومكونها الارأس:الامل..الخيال..الحلم..اليوتوبيا..وكل تجليات ونوازع الوجدان البشري وطاقاته النفسية والجسدية.وهذا ليس مجرد تعويض عن الواقع المر والبائس والمحدود والجامد الذي كرسته الايديولوجيات الدوغمائية والاصلاحية الرثة،من:ستالينية،وماوية،واشتراكية ديمقراطية،وغيرها من اشتراكيات قومانية ووطنية هجينة ومتعثرة.بل هو اسهام فلسفي ومعرفي لاستعادة ورد الاعتبار لروح وطاقة الماركسية الثورية والنقدية المتسمة بالمرونة والحيوية والتجدد. وهذا ماتميزت به(روح اليوتوبيا)عند بلوخ:الامل،والحلم،والرغبة الانسانية العارمة،والتعطش الدائم للحرية والمساواة والاخاء ،ثالوث الانسانية الخالد.. وما حلم به بلوخ هو حلم كل الشغيلة الاحرار بمجتمع كوني لاطبقي حر وسعيد.ولم يكن هذا وهما وشطح بقدر ماكان ايمانا صلبا بالغد وما لم يأتي بعد.ولكن مبدأ الامل لازال عصيا على التحقق والمجيء،فما يحاصره ويضيق عليه ويواجهه بشراسة هو:مبدأ السوق المتوحش الاكثر هيمنة واقتدار،والذي يبدو كنهاية للتاريخ كما زعم وروج ويروج الليبراليون الجدد،وايضا بالنسبة لليائسين من النضال والمتشائمين من المستقبل ،والذين لم يغادروا بعد اطلال الماضي المهزوم والمندثر!.. مبدأ الامل البلوخي يستلهم بأيجابية ماتنطوي عليه الاساطير والاديان وثقافات الشعوب من فولكلور وآداب وحكايات وموسيقى، وبتحليلها المنهجي المادي تتوهج شعلة الامل بعالم افضل جديد،وحياة اجمل للانسانية،وبكل مضامينها الاجتماعية التقدمية للتحرر من الاستغلال والاستلاب والعبودية.فيوتوبيا بلوخ ليست اوهام خرقاء،واماني ضالة تتعكز على الخيال.بل هي امكان واقعي وسيرورة مستقبلية في طور التشكل والتكون:مالم يأتي بعد،ماليس بعد.مجتمع بلا طبقات،بلا اجهزة قمع وكبت واكراه،بلا دولة،خالي من الاضطهاد والتراتب والاغتراب.مملكة الحرية التي كانت مناط حلم ماركس ونضاله وتضحياته،والتي تصورها كافتراض وامكان مستقبلي لغد بعيد لم يأتي بعد. في العقد الاخير من حياته الحافلة بالمتغيرات،وفي سلسلة من محاضراته الاكاديمية والتي حملت عنوان على شكل سؤال:"هل يمكن للامل ان يخيب؟".اجاب بلوخ على السؤال اجابة محايدة بين نعم ولا!.نعم قد يخيب الامل،ولكن هذه الخيبة هي التي يجب ان تكون المهماز اللاهب والمحفز لتوليد النقد البناء والسعي ومراجعة الاخطاء والنكسات من اجل تجديد الامل و ادراك جدلية الحركة التاريخية ودور الفرد.كان بلوخ متطرفا في تفاؤله لدرجة صفر اليأس وانعدامه،ولم يعرف القنوط اليه سبيلا!.وكل مايحدث ويستجد من احداث ووقائع كان يصب في تعزيز امله وحلمه.فقد استقبل الثورة الطلابية العارمة عام68 بحفاوة وتمجيد،ولم يقنط عند انحسارها وانطفاءها!.والسؤال الاكثر الحاحا هو:هل كان بلوخ:ماركسيا رومانيكيا!.اشتراكيا تلموديا!.وجوديا مثاليا!.لاهوتيا طوباويا!.توراتيا خلاصيا!.رومانسا حالما؟!.لايمكن الجزم بنفي او تأكيد اي من تلك التوصيفات بحق بلوخ،فقد يكون واحدا من تلك الاوصاف ينطبق عليه،او كلها مجتمعة وحاضرة في ثنايا فلسفته!.ولكن يبقى بلوخ مع كل تداعياته وتناقضاته مفكرا ماركسيا حتى النخاع!.اما التفاصيل:كيف فهم الماركسية وماهي رؤيته وتصوراته الذاتية لها وعنها؟!.يبقى هذا السؤال محلا للخلاف والجدل الذي يطول بلا حسم!.فبلوخ يبقى لغزا فلسفيا وغامضا لن يجد حله الا في مستقبل بعيد جدا لايمكن تخيله،لانسانية جديدة في يوتوبيا فردوسية قائمة على العلم والتكنولوجيا،لا الخرافات الاخروية التي انتجها الدين!.. "جورغين روهله"تلميذ بلوخ ومن اشد المعجبين به،وصف فلسفة استاذه وكان دقيقا ومحقا في وصفه،قائلا عن شيوعيته:"شيوعية مشبعة بأوهام ثورية،يضيها وهج شديد من اليوتوبيا،ومثل هذه الشيوعية اكثر تفوقا بدرجة لانهائية من الستالينية...انها تجسيد لامال وتضحيات سنوات طوباوية عديدة،وليس في قضيته مايربطها بواقع معسكرات العمل ولا زنازين الاعدام"!.. ومهما كان من الامر فان ارنست بلوخ يبقى فيلسوفا اثر فكره ونظريته على قطاع عريض من الماركسيين والليبراليين الشبان سواء في الاوربيتين -الشرقية والغربية-.كان منهج بلوخ في معالجة الاشكالات الفلسفية ذات صبغة صوفية محببة،وجاذبية شديدة-رغم صعوبة افكاره-وخصوصا شرائح الطلبة والشباب الذين همشتهم وعزلتهم مجتمعات الاستهلاكية البرجوازية في الغرب عن ممارسة اي دور في الحياة السياسية في مجتمعات تلك البلدان.مكتفين بممارسة الحياة العملية اليومية ذات البعد الواحد الاكثر تفاهة وسطحية.. واحدا من اهم عوامل السحر والاعجاب بفلسفة وافكار بلوخ هو عدم انسلاخها الكامل والصريح عن الماركسية،كما انها لم تصطدم بها او تعاديها واقعيا،فقد ظلت امينة لها وتتحدث باسمها وتنهل من معينها.ولكنها مع ذلك وفي الوقت نفسه فتحت الباب على مصراعيه للخروج من/عن الماركسية!.فهي جذبت العقول الميالة للاشتراكية،ولكنها دفعت بهم بعيدا عنها في آن واحد،لما يترتب عليه الصراع من اجلها على مصاعب وعقبات وتضحيات ونفس ثوري عزوم وطويل،وهذا لايتوفر لدى من يكدح من اجل لقمة عيشه المرة،ومن يعش ليومية رتيبة مقيتة في انانيتها المنهكة والقسرية.وبلوخ نفسه كان يعي ذلك.ويعتبر فلسفته عبارة عن صراع ومواجهة بين اليوتوبيا والايديولوجيا،مادامت الايديولوجيا كما لمسها بلوخ وعاشها تهيمن على نظم وطبقات اجتماعية سائدة ومستغلةفي الخطاب السياسي،ولكنها محرومة من الحريات،وما دامت اليوتوبيا وكما تصورها بلوخ،وبكل تجلياتها واحوالها،هي الاقدر على قدح الشرارة في اتون التاريخ. من الثابت ان بلوخ لم يعني بالايديولوجيا انها الماركسية بالذات،ولا حتى الشيوعية بمفهومها النظري الاوسع.ولكنه لم يستطع ان يمنع تلاميذه الذين درسهم ومريديه من قراءه عن تأويل وتفسير فهمه للاديولوجيا كأشارة دالة على الماركسية بالتحديد!.وهذا اللبس هو مافهمه الكثير من اعداءه واصدقاءه ايضا كمعنى مقلوب!. فمن يستطيع ان يمنع نقاد بلوخ الماركسيين الارثوذوكس من ان يعقلوا الامر على النحو نفسه،ويعتبروا دعوته لتجديد الماركسية وتحريرها من الدوغما جزءا من ايديولوجية العداء للشيوعية،او التحريفية-وهي الراية التي حملها البيروقراطيين السوفييت ضد كل من انتقد ممارساتهم وادانها!-او ان يضعوه-بلوخ-في خانة،هربرت ماركوز،وميلوفان دجيلاس،وغيرهم من اصحاب وجهات النظر المستقلة والمختلفة عن العقيدة الرسمية التقليدية،وان يشددوا النكير والرفض لافكار بلوخ(التحريفية)ومن سار على نهجه؟!.. وكما وصف ماركس كانط ك"فيلسوف الثورة الفرنسية".نعت الماركسي الالماني"اوسكار نيجت"بلوخ ب"الفيلسوف الالماني لثورة اكتوبر". في الفصل الاخير من كتابه السفر:"مبدأ الامل"والمعنون ب:"ماركس والانسانية:"اهاب الامل".يقول بلوخ:"ان العقل لايمكنه الازدهار دون الحلم،والحلم لايمكنه النطق دون العقل،والاثنان يجدان وحدتهما في الماركسية-فأي علم اخر لايملك مستقبلا واي مستقبل اخر لايملك علما".فهل هناك بعد هذا من شك في ماركسية بلوخ؟!. حضر وفاة بلوخ الآلاف من الطلاب وهم يحملون المشاعل،رمزا لشعل الامل الذي لايخبو كالعنقاء تبعث من رمادها،فالامل خالد لايموت.وقد عبر الامل الحياة ليمتد لما بعد الموت في اسطورة الحياة الاخرى كعنوان لماهية الانسان!. .............................. وعلى الاخاء نلتقي...
#ماجد_الشمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ارنست بلوخ/من الدوغما الشاحبة الى لاهوت الامل ويوتوبيا المست
...
-
ارنست بلوخ/من الدوغما الشاحبة الى لاهوت الامل ويوتوبيا المست
...
-
ارنست بلوخ/من الدوغما الشاحبة الى لاهوت الامل ويوتوبيا المست
...
-
ارنست بلوخ/من الدوغما الشاحبة الى لاهوت الامل ويوتوبيا المست
...
-
ارنست بلوخ/من الدوغما الشاحبة الى لاهوت الامل ويوتوبيا المست
...
-
الجنس المقهور
-
(كذبة خروشوف حول -موجز تاريخ الحزب)..قراءة وتعليق!..(3)
-
(كذبة خروشوف حول-موجز تاريخ الحزب)..قراءة وتعليق!.(2)
-
(كذبة خروشوف حول-موجز تاريخ الحزب)..قراءة وتعليق!.(1)
-
بيان الحزب الشيوعي العراقي يوم14شباط عام1949/المجد للشهداء.
-
1963/عندما يكبو التاريخ
-
مآثر: ستالين-بيريا ومفوضية(المسوخ)للشؤون الداخلية!!!.(11-الا
...
-
مآثر: ستالين-بيريا ومفوضية(المسوخ)للشؤون الداخلية!!!.(10)
-
مآثر: ستالين-بيريا ومفوضية(المسوخ)للشؤون الداخلية!!!.(9)
-
مآثر: ستالين-بيريا ومفوضية (المسوخ) للشؤون الداخلية!!! .(8)
-
مآثر:ستالين-بيريا ومفوضية(المسوخ)للشؤون الداخلية!!!(7)
-
مآثر:ستالين-بيريا ومفوضية(المسوخ)للشؤون الداخلية!!!(6)
-
مآثر:ستالين-بيريا ومفوضية(المسوخ)للشؤون الداخلية!!!(5)
-
مآثر:ستالين-بيريا ومفوضية(المسوخ)للشؤون الداخلية!!!(4)
-
مآثر:ستالين-بيريا ومفوضية(المسوخ)للشؤون الداخلية!!!(3)
المزيد.....
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
-
تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل
...
-
في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو
...
-
التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل
...
-
السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي
...
-
الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو
...
-
بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
-
محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان
...
-
المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
-
القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟
...
المزيد.....
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
المزيد.....
|