أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شاهين - أديب في الجنة (74) * لا حضارة دون عقل حر!















المزيد.....

أديب في الجنة (74) * لا حضارة دون عقل حر!


محمود شاهين
روائي

(Mahmoud Shahin)


الحوار المتمدن-العدد: 5155 - 2016 / 5 / 7 - 03:22
المحور: الادب والفن
    


أديب في الجنة (74)
* لا حضارة دون عقل حر!
في اليوم التالي وهما يجلسان في المكان نفسه بجوار شجرة البطم ، طرح الإمبراطور سؤالا أكثر تعقيدا على الملك ، وهو يرسل نظراته إلى السفوح والهضاب المترامية :
- ثمة أمر يحيرني جلالتك !
- ما هو ؟
- كيف لا يستطيع هذا الخالق مخاطبة الناس مباشرة ليقول لهم ما هو ولماذا خلقهم وما هي الغاية من وجودهم ، لعله بذلك يريح العقل البشري من البحث عن سر الوجود !
بدا السؤال محيرا حقا للملك . قال :
- لأنه طاقة والطاقة لا تتكلم !
- لكن الكلام لا يمكن أن يتم دونها حسب رأيك !
- هذا صحيح !
- فكيف لمن لا يتم الكلام دونه أن لا يكون قادرا على الكلام بل ولا يعرف لغات حسب رأي جلالتكم ؟
- أنت تعيدنا إلى سؤال الكهرباء التي لا تعرف الضوء رغم أنه لا يمكن للضوء أن يتم دونها. سأتجاوز هذه المسألة لأقول : لأنه ليس كائنا إنسيا ولا يملك لسانا ! لكن يمكن القول أنه يتكلم بألسن مخلوقاته ، ويرى بعيون مخلوقاته ويفكر بعقول مخلوقاته ! فالألسن في هذه الحال هي ألسنه كما هي العيون عيونه وكما هي العقول عقله ، فهو كل شيئ وكل شيئ هو، كطاقة مجسدة في مادة وكمادة يسري فيها وينتج عنها طاقة .
- ولماذا لم يجعل مخلوقاته تعرف الحقيقة المطلقة وتنطق بها طالما أنها هو وهو هي ؟!
أدرك الملك أن الإمبراطور بسعيه إلى المعرفة يحشره دائما أمام أبواب مغلقة . فكر للحظات مستعيدا بعض مفاهيمه وتأملاته وما لبث أن فجر قنبلة :
- لأن الخالق نفسه لم يعرف بعد ما هي الحقيقة المطلقة ؟
بدا الإمبراطور وقد صدمته الإجابة وأوقعته في دهشة وحيرة . ضغط بأصابع يده اليمنى على جبينه . تساءل :
- أليست قيم الخير والعدل والمحبة والجمال وبناء الحضارة الإنسانية التي ينشدها الخالق حسب رأي جلالتك حقيقة مطلقة ؟
- لا ! إنها حقيقة نسبية كمبادئ !
- كيف ؟
- لأن الخالق لا يعرف كيف سيكون عليه مطلق هذه القيم . وقد سبق وأن تحدثت بالأمس عن تصور غيرمجلو أو غير متضح في مخيلة الخالق لهذه القيم . وسأعود لأذكرجلالتك بمليارات الأعوام التي استغرقتها عملية الخلق دون أن تبلغ كمالا مطلقا . وكم من الكائنات انقرضت لعدم تمكنها من التكيف مع البيئة التي وجدت فيها . فالبقاء يتم فقط للكائنات التي يمكنها التكيف والتأقلم مع البيئة التي تعيش فيها . فثمة كائنات قد تنقرض كما انقرضت الديناصورات مثلا . ولا يستبعد أن تنقرض مجتمعات بشرية في المستقبل لضعفها وعدم تمكنها من السير في ركب الحضارة الإنسانية . فالبقاء لن يكون إلا للأرقى والأقوى والأكثر عدلا وجمالا !
أدرك الإمبراطور أن الملك متمكن من منهجه في التفكير وأنه ليس من السهل إختراقه ، وأن كل ما يفكر فيه منسجم إلى حد مقبول وقد يكون الأقرب إلى المنطق والصواب . ومع ذلك ثمة ما يحتاج إلى إيضاح أكثر :
- تضعني إجابات جلالتك أمام تساؤلات كثيرة ، فإذا كانت الألسن هي ألسن الخالق فإن اللغة مهما كانت هي لغة الخالق وأن الكلام مهما كان هو كلام الخالق والأمر ينطبق على العقول وما تفكر فيه والعيون وما تراه ، فكيف في هذه الحال ننسب الكلام السيء كالشتائم مثلا إلى كلام الخالق ؟
حك الملك صلعته بأصابع يده اليسرى فيما كان يعبث ببضع حصوات بيده اليمنى ، أجاب متسائلا :
- كما ننسب الخلق السيء إلى الخالق أيضا، دون أن يكون الخالق بكليته أي بوجوده الكلي هو هذا الكائن السيء . فالكلام السيئ ليس الكلام كله ، والخالق بكليته ليس مسؤولا عنه . ولو أخذنا الكهرباء كطاقة مثلا ، فبها قد نشغل مصنعا وبها نفسها قد نحرقه ، فهل الكهرباء هنا هي المسؤولة عن الحرق ؟ القوانين والمعادلات التي وضعها الخالق هي حتى الآن لا تستطيع أن تميز الخير عن الشر، لذلك نجد أن بعض الأمراض الخطيرة تورث في الجينات لتنتقل إلى الأبناء ، وفي الوقت نفسه نجد أن مكتسبات كثيرة لدى الإنسان لا يمكن توريثها كالمهارات من لغات وثقافات ومهن .. كل هذه المسائل تشير إلى عدم اكتمال عملية الخلق ،وقد يحتاج الأمر إلى دهور . ولا يعرف متى يوجد الإنسان والخلق الأقرب إلى الكمال.
- هذه مسألة محيرة فعلا فكيف يمكن أن توريث الأمراض ولا يمكن توريث المهارات ؟
- الأمراض تنتج عن عناصرمادية محسوسة كالخلايا السرطانية مثلا لذلك يمكن تدوينها وتوريثها . أما المهارات فتنتج عن عقل طاقوي غير مادي . فالعلم لم يجد مكانا في الدماغ يمكن اعتباره مكانا خاصا بالعقل ، لذلك لا يمكن توريث المهارات ، ويبدو لي أن مسألة توريث المهارات والمكتسبات الإنسانية ستكون من أعقد المسائل في تطوير الخلق . وإذا ما ظل الأمر على ما هو عليه لدى الإنسان قد تضطر طاقة الخلق أو الخالق إلى إعادة النظرفي قوانين ومعادلات التطور الخلقي ، فلا يعقل أن يمضي الإنسان عمره في التعلم ، وفي المقابل لا بد من إعادة النظرفي عمل الجينات الوراثية وتوريث حتى الأمراض . لا بد من إيجاد حل لكل هذه المسائل .
- أعتقد أن الحل لن يأتي إلا بالقضاء على الأمراض .
- ممكن ! لكن ما يجري من سلوكيات خاطئة في الحياة البشرية قد تأتي بأمراض أخطر من السابقة .
أرسل الإمبراطور بصره بعيدا ساهما بخياله في عجائب المورثات بين الإنسان والحيوان :
- تبدو الأمور في عملية الخلق والتطور محيرة .. فالمهارات لدى الحيوان تورث ، فلا نظن أن العناكب فتحت مدرسة لتعليم نسلها نسج أعشاشها، ولا النحل لهندسة مملكة خلاياه بهذا الإتقان ، ولا النمل لتنظيم جيوشه وحفر مساكنه وإقامة مستودعاته ، ولا الطيور لبناء أعشاشها ، لماذا ورث الخالق هذه المهارات للحيوان ولم يورثها للإنسان رغم أنها نتاج طاقوي أيضا ؟!
- تساؤلك في غاية الأهمية جلالتك . ما يبدو لي أن الخالق لم يكن يطمح في تحميل بعض الكائنات ما لا قدرة لها عليه ، وحتى الكائنات نفسها لا يبدوأنها تطمح في ما لا تستطيع عمله ، فتم اختيار عمل محدد يخص كل فئة منها يمكن أن تجيده بشكل متقن . وهكذا تم توريث العمل ، هذا إذا كان مورثا فعلا وغير مكتسب بطريقة خاصة لدى الحيوانات نجهلها نحن كبشر. فلم يكن مطلوبا من فصائل العناكب أو النحل أو النمل أو الطيور، أن تبني حضارة مثلا وأن تخترع لغات. كان كل ما هو مقرر لها أن تقوم بدور محدود في عملية الخلق . هذه المسألة لو طبقناها على الإنسان لما كان هناك حضارة . تصور جلالتك لو أن الإنسان لم يكن قادرا بعد عملية التكاثر سوى على بناء بيت له حسب مواصفات معينة وهندسة محددة . في هذه الحال لن نرى حضارات وإبداعا في هندسة العمارة ، بل ولتوقفت الحضارة على بناء البيت وحده ، وفي هذه الحال لن يكون هناك حضارة بمفهوم الحضارة التي تشمل كل مقومات المجتمعات البشرية . والمسألة نفسها تنطبق على كل ما يتعلق بالإنسان وبشكل خاص العقل ، الذي أبقت عملية الخلق عليه حرا طليقا ليكون لديه القدرة على الخلق والإبداع وليساهم بالتالي في الغاية من الخلق وهي صنع وإقامة الحضارة الإنسانية الأرقى ، أي أن يكون خالقا ، كونه جزءا من الذات الخالقة نفسها ، التي كانت وما زالت توجد نفسها بنفسها لنفسها وتطور نفسها بنفسها لنفسها !!
أطرق الإمبراطور للحظات مفكرا بإعجاب في قدرة الملك لقمان على إيجاد حلول ومخارج لكل المحطات شبه المغلقة التي يضعه فيها ، ولم يجد إلا أن يشكره كما في نهاية كل حوار :
- أشكر جلالتكم لسعة صدركم وعمق فكركم .
- العفو جلالتك . وآمل أن أكون محقا في اجتهادي الذي لم ولن أعتبره يوما حقائق مطلقة .
- منذ أن تعرفت إلى جلالتكم لم أر أنكم وضعتموني خارج المنطق . أكاد أن أحسدكم على هذه القدرة .
ابتسم الملك وهو يقول :
- هذا أمر عظيم أن يكون لدي ما أحسد عليه !
**** يتبع.



#محمود_شاهين (هاشتاغ)       Mahmoud_Shahin#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أديب في الجنة (73) * الخالق بين التنزيه والتشبيه وقوانين الخ ...
- * في الخلق الخالق . وفي المادة والطاقة ! شاهينيات 1185
- أديب في الجنة (72) * هول التكهنات وسحر المعجزات في شخصية سحب ...
- أديب في الجنة (71) * معجزة المعجزات في ولادة ونمو- سحب السما ...
- أديب في الجنة (70) * الرقص المسحور في تجليات الملك شمنهور !!
- المشاركة غير ممكنة على الفيس!
- أديب في الجنة (69) * الملك لقمان يعد الملكة بطفل معجزة !
- أديب في الجنة (68) * المعراج السماوي والحلول في الذات الإلهي ...
- أديب في الجنة (67) * رؤيا الملك لقمان بالحلول في الذات الإله ...
- أديب في الجنة (66) ليلة حلبية مغمسة بدموع الملك لقمان !
- أديب في الجنة (65) * اختلاط الجن بالإنس !
- وجود خالق مشروط بوجود خلق ! شاهينيات 1179
- أديب في الجنة (64) * حوريات عربيات يسبحن في أعماق محيط في ال ...
- أديب في الجنة (63) * لو آمنت البشرية بالمحبة الإنسانية وحدها ...
- أديب في الجنة (62) * الإمبراطور يتمتع بتذوق طعم القُبل !
- أديب في الجنة (61) * حُب وقُبل ما بعد الموت !!
- أديب في الجنة (60) * سحر الألوهة المؤنثة لربة الجمال يتجلى ر ...
- بين الحالمين بحور العين والحالمين بالإنسان السوبر !
- أديب في الجنة (59) * النهود الجامحات العابثات الدانيات !
- أديب في الجنة 58 * تجليات إعجازية للخالق والخلق !


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شاهين - أديب في الجنة (74) * لا حضارة دون عقل حر!