أسم الزهره - قصة قصيرة

وليد عبدالله حسن

الحوار المتمدن-العدد: 5154 - 2016 / 5 / 6 - 08:24
المحور: الادب والفن
    

عندما سمعت الخبر نزل كالصاعقة على رأسي، لا أعرف ماذا افعل ،انذهلت حقا!!!
-قلت في نفسي أن هذا الخبر ليس مؤلما وحسب لكنه مخيف ومفزع، أرتعب كل جسدي وأرتبك تفكيري.
-أخبروني ان أعز صديق لي ورفيق دربي وشبيهي في الحقيقة والمعنى والوجود قد تعرض لاغمائة بسبب ارتفاع في السكري والضغط، واثر على دماغة، انها جلطه دماغية كما ذكر الأطباء،وهو في غيبوبه منذ ثلاث أيام في المستشفى،دخلت الى مستشفى نورث هوسبتل في تورنتو، كنت اركض بسرعه بسرعة وخائف جدا أن لاراه بعد اليوم، أبحث في الغرف.
-قالت لي الممرضة ان أسم المريض الذي تسئل عنه في الطابق الثالت في غرفة الأنعاش الان،ركضت بسرعه هائلة وقلبي يزداد خفقان وارتجف من راسي حتى أخمس قدماي ،وباقة الورد بدأت تطاير وتتناثر هنا وهناك.
-وأخيرا وصلت وعثرت على صديقي كريم وحيدا في غرفة الأنعاش ،وعليه شراشف بيضاء،و معلق بأسلاك في كل مكان من جسده ،وأشارات الأجهزة تتحرك بسرعه كبيرة والصوندات خرجت من كل جسده ،وجهاز التنفس وضع على كل وجهه ،وأنفاسه الجميلة والمؤلمه تصعد وتنزل كأنه يشهق بقوة ويريد ان يقول أخر كلماته.
-تحدثت مع الطبيب حول وضعه الصحي وقلت:-دكتور هل يطول به الحال مغمى عليه؟ و هل يبقى هكذا فترة طويلة؟
-قال لي الدكتور :-لا نعرف بالضبط وليس هناك أي حل طبي سوى الأعتناء به فقط لحين ان يستفيق.
-قال الدكتور:- نحن قمنا بكل شي علمي من أجل ان يبقى حي.
-قلت:- طيب دكتور مانقدر ان نفعل له أي شي،او نساعده حتى يستفيق بسرعه.
-قال الدكتور ماهي علاقتك بالمريض؟ قلت له :هو أقرب واعز صديق لي منذ الطفولة الى اليوم ،نحن معا في كل شي اكثر مما تتصور دكتور.
-قال الدكتور :ـ أذن ممكن ان تتحدث وياه عن ذكرياتكم، وأهم شي تكون ذكريات قوية ومؤثرة ،من اجل ان تنشط ذاكرته وعقله على الحركة وأعادة ردود افعاله بسرعة ،وأي أستجابة له ستكون بداية جيدة، وحتى يتعافي بسرعة، وتساعدنا في معاجلة الجلطة بسرعة كبيرة. حاول ان تتحدث معه عن الطفولة والأهل والذكريات المحزنة والجملية ستساعدة على الاستفاقة، وربما يصحو من الاغماء، لأن صديقك طبيا هو يسمع ويحس ويشعر بكل الذين حوله،ولكن ليس لديه قوة دماغية للرد علينا ، لهذايحتاج الى التحفيز والصدمة والتذكير.
-بقيت ساكت لفترة امام صديقي كريم ،وحقيقة بقيت مذهول على شنهو أحجي ياربي، ومن أين أبدأ، وعن اي موضوع أتحدث.
كل عمرنه قضيناه خسارات واخيلة واوهام نضالية وتمجيد لأسماء حزبية وابطال وثوار وعمائم ومقدسات ،وكل الحكايات موجعه حتى في فرحها موجعة ومؤلمة.لكني بقيت أنظر الى الأجهزة الطبية ،والى أنفاسه كيف تصعد وتنزل بقوه كبيرة، ودموعي تنهمر بسرعة أنفاسه، وبدأت أشعر بالأختناق وكأن الكلمات مثل السكاكين لا تريد ان تخرج من فمي ،تقريبا أختفى كل شي من رأسي عندما رأيت صديقي بهذا الحال، بس حاولت اتوازن بسرعة ومسكت نفسي وقررت بسرعة وأقتربت من اذنه وبهمس مصحوب يشهقات بكاء وألم ونفس يتقطع من صدمة الموقف….
وقلت:- كرومي حبيبي وصديقي، أشلونك هاي شنهو يمعود، أنت تسمعني أعرف أنك تسمعنى وراح أسوفلك سوالف حتى أتمل وطك روحك (ضحكة بكائية ههههه اوفههه) راح أذكرك لمن كنا صغار ولمن كنا مصلخين ونعلب دعبل وجعاب وجميدان والقطار السريع وننشد( هذا القطار السريع ها ها هسه يوصلنا ويرد - ها ها) وكانت خصاينه طالعه والنغفه تطلع وترجع .
لا لا لا هاي سوالف تعب وكله ضيم رغم هي حلوه و وكل أيامنه قضيناها دبس وراشي وخبز وماء وأسهال وكرط حجار.
-زين دعنا نتحدث عن أوقات المراهقة وكله حلوه كانت هذه الأيام رائعة ،كلها حب وقرأة ونضال وثوريات وشعارات رنانة ومقهى وحوارات مهمه وشيوعين حلوين وأسلامين يتحاورون عن- هل الله موجود؟وأثبات وجود الله بالدليل الواحد لايصدر منه الا واحد، والبعرة تدل على البعير،وبعض المثقفين والوجوديين والشيوعيين وحتى العبثيين يضحكون على الامثلة الفنطازية لأثبات وجود الله بالدليل لكن كان الجميع يذهب للبيت بسلام وامان وبدون اي كراهية او عنف ،ولاتنسى هواي بهذه الفترة كان سيد المواقف هو التعاون والحب والصداقة واللعب والسفرات الجميلة كان فعلا وقت جميل ومفرح و يخبل، ولاتنسى مواعيدك ويه حبك الاول تذكرها من هي:- الحلوه الكردية - تذكر لمن كنا نطلب ماي منهم حتى اتشوفها هههه وبعدين بطلنه من الحب ،وقمنا نوزع منشورات وجرائد طريق الشعب.
- الان اتذكرت فد شي هواي يضحكني ولا اعرف لماذا كان يحصل معنا؟ كل مرة انروح انا وانت الى مكتبة عباس ابن الاحنف في مدينة الثورة ينتظرونه عصابة عبود الاسود ودك كتل وبوكسات وكلات وجلاليق شب ماله تفسير لكن كريم تصور لمن عرفت ان عبود الاسود صار شيخ معمم والناس هواي تحترمه ويسونه شيخ عبدالله واصبح قارئ حسيني كبير ومهم، اضحك هههههههههه اكثر واشهق من الضحك على مصيرنا العجيب الغريب.
- تذكر كريم لمن سمعنا ونصدمنا واول مرة نسمع صوت الانذار وبدأت الحرب الايرانية العراقيةـ شي غريب عجيب، ماكنا نعرف ماهي و الحرب وشنهو المصايب والخراب التي حلت بنا وبسرعة فائقة وغريبة، اوه اوه اوه لا لاخلي اتولي الحروب خلي تولي الحرب، لان كانت هذه الايام موحشة ومدمرة لا لا لا اترك هذا الذكريات يجوز نرجعها بعديم.
- الان راح نحجي لمن كنا مناضلين في الحزب الشيوعي وطلعنه منه هاربين بطرك هدومنه وبعض الكتب بطبعة روسية وذكريات وشهداء مالهم عدد وذكريات تحطم امم مو اشخاص بسطاء مثلنا لا لا خلي تولي هاي الايام الكشرة، ذكريات تكسر الصخر وخيانات مالها عد ولاحد دخلنا بالوعة بس بيها اشوبه تنفس وبعض الفرجة اتركها احسن.
-خلينا نحجي لمن دخلنه حزب الدعوه وخرجنه منه نادمين على كل شي ومحطمين وممتلئين كراهية وحقد على كل شي حتى السموات والارضين السبع هم دخلما انا وانت بالوعة مال خراء مابيها حتى نفس واحد بيه خير …اويلي ه اخ اوه اخ توجع هاي اللحظات وبها اسرار وكذب هواي وخيانات وحروب وتصفيات واسرار ،وخاف الجماعة يزعلون علينه ،والان كلهم صاروا بالحكومة وصاروا احوال وحمايات وجاهات والي يحجي هم ينشك حلكه وحلك الي ماخذينه صدك هههههههههههه…والله العالم شنهو جاي ايصير هاي الايام بالعراق وبكل شي عراقي ووطني وانساني وحقيقي السياسية حقيرة انت كنت تقول لمن تريد تصير سياسي يعني قررت تصير قواد وطني.
-زين خليني اذكرك بفترة الحصار القذرة شربنا بيها اخيس غذاء واقذر حصار لا انساني واعفن غذاء في العالم حتى الفارة والخشب والخراء طحنوه النا صرنه مثل البزازين بالحصار كمنا ناكل خراء وطني وشعارات قومية مالها حدود ههههه تذكر ام ليص المراءة الي عدها اربع اطقال ورجلها مات بالانتفاضة كانوا ياكلون كل يوم وحدة بتيته بس وماعدم الاولاد بس قميص واحد وحذاء واحد ، وبس ابنها الكبير ليث يدوام بالمدرسة والباقي مايقدرون حتى يمشون من الجوع والعوز لا لا فترة قذرة ماريد نحجي بيها خل تولي كريم هاي الفترة حقيرة كلش وموجعة ومابيها اي ضمير والعالم كان حقير ويانه، وضاعت الانسانية من كل الدول العربية والاسلامية والغربية كلها قررت موت الشعب العراقي ودمارهم للابد، وصرنا عبارة حقول ومختبرات سياسية واقتصادية لما هو قادم.
-زين خلينا نتحدث عن زمن الانتفاضة الشعبانية الي راحوا بيه الالاف من الشباب الي قاتلوا بوطنية واخلاص زبانية الحكم البعثي وهجم الجيش بشكل بشع على الاهالي وحرق بيها الاخضر واليابس وكثير من الاصدقاء الحلوين والطيبين والمخلصين للعراق والحياة ماتوا بابشع الصور ،والباقي هرب الى رفحاء القاحلة صحراء السعودية المرعبة بنوا للشباب مخيمات في الصحراء الخالية من اي اثر للحياة حتى البعران والجمال لاتاتي اليها.
كانوا عبارة عن عوائل و شباب عراقيين في أعز واروع عمارهم أكلتهم الصحراء بدون اي سب او جريمة فعلوها، سوى انهم طالبوا بحياة كريمة لهم ولاجيالهم ،كما يحصل اليوم في العراق هي نفس الصحراء ونفس المعاناة ونفس العقائد تدمر بعضها البعض بدون اي رحمة ولاوعي ولا انسانية.
- لا لا هاي مصيبة اكبر مصيبة الانتفاضة الشعابية مصيبة مايلبس عليها ثوب لا هذه الفترة اكبر كارثة مر بيها العراق،اذكر كلش زين لمن قام الحرس الجمهوري والجيش الشعبي والمخابرات العراقية وقوات محد يعرفها كلهم لحايا واثوبا قصيرة كنا نعتقد هم اجانب بس طلعوا اخوانا العرب الوهابية ولافخر وفي هذه الاتنفاضة الموجعة تم مسح ارض وبيوت وناس الجنوب وكتبوا على البيوت والمدراس والدبابات لاشيعة بعد اليوم ، مو بس موجعه هاي الايام لكن كانت صادمة لكل انسان عراقي شريف،لا لا لا لا لا مراح نرتاح سوالف الانتفاضة تموت من الألم وبيها كثير من طائفية والألم العميق.
-دعنا نترك هذه الفترة الحقيرة مخزية هواي عيب علينا، دعنا نبحث عن حكايات اخرى، أين ذهبت الحكايات الحلوه والمفرحة.
-ها وجدتها هههههههه تذكر سيد عزرائيل الي أسمه الحقيقي سيد فرحان من بيت السيد المبرقع عندما كان يمشي من اي دربونة بالثورة كل النساء والشباب يدخلون خائفين من عنده لانه يدعوا عليهم بالموت،حتى هو يبقى يأكل ثلاث ايام في الفاتحة، ويصرخ باعلى صوته في كل يوم المغرب ،والنساء ترش الماء وتتعوذ من الشيطان ومن شر سيد فرحان، وهو يرفع صوته :- شنهو السالفة محد يموت هذا الايام مو ارح اموت من الجوع ياربي موت شياب هذه الدربونه، خوات الكحبة عمر تفكه، تريدون تأكلون عمركم وعمر غيركم، وهو ينادي الى السماءويقول:- انتظرك يالله العرب اليوم تموت الشيوخ هاي الدوربة وادعوك ياربي العظيم ان تحفظ الشباب من شسر الشياب- آمين رب العالمين ، وكل النسوان في الدربونه يصرخن ويقولن:- هذا فالك هذا فالك وينفخن تف تف تف على شيلتهن، والعجايز يقولن خاله احنه بختك سيد فرحان جنك عزائيل كشه بره بيش طالبنا بطلابه الله ياخذ عمرك ويخلصنا منك.
- ههههههههه لا لا هاي سالفة بيها موت ومو حلوه مابيها خير وحتى ماتضحك اتركها.
-أتذكر نكت وحكايات تخرب ضحك كثيرة بس انمسحت من ذهني عندما رأيتك بهذا الحال المزري.
-وجدتها هسه ياربي اذكرت حكاية مهمه، وهي التي راح تفززك من نومتك، راح اذكرك بموقف صعب ومثير وولم يغادر ذاكرتنا طول ماكنا أحياء، ودائما كنا نتذكر هذه القصة العجيبة الغريبة، ونتـألم ونبجي سويا،وفي الحكاية تفاصيل فترة مهمه في حياتنها،وموقف درامي وتراجيدي كبير ،وكل مانذكر الأصدقاء الذين غادرونا في رحلة سنين عمرنا المتعب والمضني والمخيف نجلس بصمت ،نشعل الشموع لكل الاحباب والاصدقاء والمناضلين من كل نوع وعقيدة وحزب ودين وطائفة وموقف، لان كنا انحب ونتذكر الجميع، والشموع تبقى للصبح مشتعله ونشرب بصحتهم ، بصحة المؤمنين منهم والكافرين والملحدين والصوفية والانسانيين .
-الان أتذكرت قصتك انت وجمال كم أثرت على تفكيرنا وغيرت هواي أشياء وقلبت موازين عقائدية ودينية وثقافية بحياتنا، واكيد هذه القصة هي التي تفززك من نومتك، وسترجع النا معافى مشافى بحق فاطمة الزهراء مثل ماتقول أمي.
-كريم أرجوك ضروي تكعد…. كريم أمك تتنظرك وأهلك…. وأصدقائك وأبنائك،
ضروري تستيقظ صديقي الرائع ،أستيقظ كرومي،
-هل تتذكر قصة التحاقكم القسري للخدمة العسكرية بعد خروجكم من سجن أبو غريب؟تذكر الاحداث ، وبسرعه بسرعه بسرعه فائفة خلال أسبوع أكتمل اعدادكم عسكريا في معكسر الكوت،وكانت حرب ايران في اوجها واخر اشهر بيها قبل لاتنتهي الحرب كانت قاسية ومدمرة ،والكل أيريد ينتصر على الاخر، هي حرب مفجعة حقا.
-حينها كل شي تغير ،لان الحرب تحصد كل شي، وتدمر الأرض والسماء والشجر والماء والبشر والأخلاق والأنسانية وتترك أمراض أجتماعية من الصعب محوها بسهولة.
كانت حرب العراق وايران حرب قذرة بكل معانيها، وكان الموت تائه بالطرقات يبحث عن ضحايا بدون عنوان ،وكأنه يطرق الابواب ويوزع الرعب علينا كالخبز والضحك والفزع، وكل الناس في بلدنا صار لها حصص من هذا الرزق البشع ،كل الامهات والابناء والاخوة والنساء ينتظرن ان يرجع ابنائهم و احبائهم من الحرب ، والمهم ان يرجع الجندي الى اهله اما في تابوت ملفوف بعلم العراق، او بدون اقدام اوبدون عيون او محروق او بدون يدين او مجنون او نصف بشر،اكبر أمنية ان يرجع حي وبس، كانت هاي الامنية في قلب كل أُم وحبيبة وزوجة وابناء.
-وبعدها تم نقل كل الجنود الي كانوا سجناء سياسين ومعارضين او مشكوك بولائهم للحكومة او حزب البعث او الذين لهم ماضي سياسي معارض من قبل العائلة او احد افراد العائلة، وهي محاولة قذرة من النظام البعثي في تصفيتهم على جبهات القتال في الخطوط الامامية، وتسمى الحجابات و بهذه الطريقة اللعينة يتخلصون من كل سياسي او معارض او مشكوك بولاءه للقائد الضرورة .
-وهل تتذكر كان معك في نفس المعسكر ونفس الفصيل صديقنا جمال حنون ،وهو شاب كلش وسيم وفقير ومثقف، وليس علاقة بالحروب والعنف،تذكر كان أمر نقلكم الى الجبهة جاء على وجه السرعة ،وأذكر حينها أخذوكم مباشرة بدون تدريب جيد، الى جبهة البصرة ـ جبهه الفاو، وكانت الحرب في اوجها واخبار عن نهاية الحرب ،والطرفين يريد ان يقول انه انتصر فأحرقوا الارض والسماء والماء والإنسان والنخيل والشجر وتراكمت الجثث في كل مكان ،ويوم بعد يوم الحرب تزداد قسوة وبشاعة والحياة تبدوا كئيبة جدا من كل الوجوه، الاغاني الوطنية والحربية مثل- ها اخوتي اها ها خوتي التشامه عليهم بالنشامة - ياحوم اتبع لو جرينا ….واناشيد مازلت ترن في عقولنا ومسامعنا وكانها اليوم حصلت، مثل :- هي يا أهل العمارة وهاي اجمل بشارة اليوم كلنا جنود عن الحدود نذود وعن النصر عباره وهي ياهلي ياهل الحيل يمتعبين الليل عدكم اصايل خيل …. ونشيد احنه مشينه للحرب- واحنه مشينه مشينه للحرب عاشك يدافع من اجل محبوبته محبوته هذا العراقي من يحب من يحب ٠-;---;--٠-;---;--٠-;---;--٠-;---;-- واحنه مشينه للحرب، وكلنا امتلئنا اغاني حربية واناشيد ماربحنا منها بس الموت والدمار والهلاك والامراض النفسية الي حتى مالها ذكر في معاجم الطب النفسي الحديث.
-وبعد ذلك وصلتم الى مقدمة جبهات البصرة ، ومن ثم نقلوكم الى جبهة الفاو،وهي اتعس جبهه واكثرها حصاد في الحرب،ومن مقدمة جبهة الفاو تم نقلكم مباشرة بتوصية من شعبة مخابرات الفليق السابع مشاة الى الحجابات، وهي مقدمة الجيش العراقي ،وقريب جدا من الجيش الايراني،
كنتم بوقتها فصيل كامل مال سجناء سياسين، وكان معكم ثلاث مهندسين الغام وأستخبارات عسكرية مخابرين، وأنتم جنود مشاة بأسلحة حفيفة وعتاد بسيط، وكان جمال في حينها يرتعد وخايف جدا،
-ويقول جمال:- أشعر ان هذه اخر رحلة وياك صديقي الطيب ،ومراح أنسة اشكد ساعدتني في حياتي ،وانت تبقى أقرب وأحن صديق عليه،
-وانت تقول له:-أسكت جمال صم حلكك ولاتفاول علينه جنك طوطه ،ولمن سمع عريف مهدي كلام جمال طلع طي…..زه وقال:هذا (فالكم) استر علينه ،
وقلت لجمال:- خلصنه من توقعاتك وتنجيماتك الفلكية ،لكن في الحقيقة انتشر الخوف والترقيب والانتظار عند الجميع، وكانت تصرفاتكم غريبة وصمت اغرب ،ورعب وتوجس من هذه المصير الذي علاماته واضحة .
-بقى فصيلكم في الحجاباب يوم كامل، وكان الخوف يحيط بكم من كل الجهات والليل هادئ جدا،لكنه ينذر بموت قادم وبدمار لم يتوقعه أحد في العالمين، و كانت روائح الموتى قادمة والشواء ياتي من الطرفين الايراني والعراقي على حدا سواء.
-أنتهى اليوم الاول سلامات،
-وانتهى نصف اليوم الثاتي ،والجبهة هادئة و صامته والكل يترقب بخوف شديد.
-قالوا أهل الخبرة في الحروب ،وقدماء في الجيش العراقي، منهم رئيس عرفاء جبار شمسيه من أهل الناصرية قال:- الاحتمال الاكيد اليوم المغرب تبدأ معركة كبيرة،هاي هي توقعي لهذا الصمت الي راح يحترق بيه ابو ابونا السابع عشر وانتهى الكلام، ودخل اول المغرب وبدأت الشمس تودعكم وكأنها تقول لكم هذه أخر مرة يمكن نشاهد بعضنا، وبدأ الخيط الاسود يصعد ويمتزج مع الخيط الابيض قليلا قليلا، وحينها بدأ القصف خفيف وأنين المدافع ورائحة البارود كالعطر يلتصق بالاجساد والارض، وابتدأ صوت القذائف يخترق الهواء بالتدريج وكأنه صوت اذان المغرب والجيمع كانه يسمع صوت المؤذن… الله اكبر الله واكبر -أشهد ان لاله اله الا الله وأشهد ان محمد رسول الله وأشهد ان علينا ولي الله …حي على….. ، وبدأ الصوت يكبر والمدافع تصرخ بقوة والراجمات تزغرد بتكرار كانها صوت نوائح الامهات واصوات الازيز والهواء والريح التي تلاحق كل انفجار، وكأن الهواء يتعذب ويتلوى بقوه ، وكل شي يمطر كل شي ينزل كالمطر وينزل كاشعة الشمس والريح والهواء ،وبدأت الصواريخ تربع الامكنة تربيع كأنها مطر انتقامي من نار وحجيم، وكأنه مطر الله بدأ ينزل المطر ينزل مطر مطر مطر مطر من نار وشرار وشظايا وحلوى الموت، وجمال بدأ يصرخ بصوت عالي ليس لدينا في هذا الموقف سوى وهم الاله وهو يقول:- دخيلك ياربي دخيلك يا ابو الحسن دخيل الزهراء لابد ان نعود،
-وانت وقفت على حيلك وسط كل هذ القصف الهائل، والجنود يصرخون:- نزل راسك كريم القناصة يرصدونك ،نزل راسك السماء تمطر نار
وانت تنشد بصوت عذب و تردد مطر قصيدة السياب:ـ
مطر ..
مطر ..
أتعلمين أيَّ حُزْنٍ يبعث المطر ؟
وكيف تنشج المزاريب إِذا انهمر ؟
وكيف يشعر الوحيد فيه بالضّياع ؟
بلا انتهاء – كالدَّم المراق ، كالجياع ،
كالحبّ ، كالأطفال ، كالموتى – هو المطر !
لقد اشتد القصف أكثر ونزل المطر السيابي في البصرة الحزينة والفاو المذبوح ….مطر من نار بدأ يحرق كل شي ، وتصاعدت القصف واختلط الدخان في هواء المقاتلين وأنفاسهم المتقطعة والمترددة تحسب الموت القادم متى يصل للجسد الغريب،و الطرفين يوزعون على بعضهم القنابل كانها هدايا الموت الاخير أصبح حينها القصف اكثر واكثر، والصواريخ الثقيلة تهز الارض وتجبركم على الرقص، وتناثرت ذرات التراب والصخر والنخيل كالعاصفة في كل مكان وانعدمت الرؤيا تماما ،الجيش الايراني يقصف بقوة والجيش عراقي يرد القصف بقوة اكبر ،وانتم كنت في وسطهم، والطرفين يضربون عليكم بقوة ،بدأت طبول أنفلاقات جوية تنشتر بقوة هائلة في السماء، و تحولت الى ضوء احمر قاني كالدم مخلوط بالغبار والصراخ والهلع ورائحة شواء الاجساد الهاربة، كان الموقف هائل كأن احد ملائكة الله المقربين يبكي علينا ويطلب من السماء ان تتوقف كل شي حينها بكى عليكم الحجز والهواء والمطر والريح والرصاص وكل شي حتى الجحيم بكى عليكم.
-تذكر صديقي قلت لي:- حينها شاهدت السماء تحترق والدخان والوميض الالهي كانها القيامة الكبرى،وكل شي ينزل من السماء يحرقنا ويثقبنا بقوة وكانت قلوبنا تحترق ونشاهد كيف يحترق الزمن بسهولة وكاننا ندور على الكون الف سنة ضوئية، كل شي يحترق في الحرب كل شي ،حتى اليقين بكل شي يحترق، حتى الله يحترق .
-هل تذكر الضابط ملازم أول صفاء أذكر أسمه جيدا، كنت دائما تقول عنه ضابط غبي ،وليس لديه أي خبره في الحرب ودائما يورطنا ويبّين نفسه خبير أستراتيجي في الحروب وهو زمال ومخبل وغبي همين.وكان هذا الضابط خريج مدفعية جديد وهو المسؤول على الفصيل.
قال:- فصيل جنود تراجعوا للخلف بسرعة صرخ بقوة تراجعوا ، اول مابداء الانحساب للفصيل وقام كل جندي يجمع اغراضة بسرعة فائقة ،وفي اثناء الرجوع اول راس انقطع هو راس الضابط المسكين بانفلاق جوي،وأثناء أنسحاب الفصيل تساقط بين جريح وقتيل من فصينا المساكين والشظايا كانت مثل الحلوى على روؤسنا ،كأنه عرس من الموت والنار والدم .
-أتذكر قلت لي :-ركضتم مجموعة واحدة وكان معك جمال وأثنين من الجنود المشاة، واحد منهم كان من مدينته الثورة ،والثاني من الكاظمية اسمه اعتقد عباس نسيت أسم الاول.
-وانت ذكرت لي:- ان الشاب من اهل الثورة كان يطلب من سبع الدجيل الحماية ويصيح دخيلك ياسبع الدجيل وهو يتهف بقوه ،وفي هذه اللحظة اللحظة طلقة قناص حقيرة تخترق راسه المسكين، بس سمعت الصرخة يمه يمه يمه والولد الجندي أتمدد امامكم ،وبدا يتهز جسده كله وينزف دم مثل شلال ماء ماتوقف حتى لفظ اخر انفاسه.
وبعد ذلك اصبحتم في وسط المعركة والقصف من كل الجهات ،كان هناك منعطف في الجهة الاخرى فيه بعض الماء والطين ركضتم نحوه أنتم الثلاثة ( كريم وجمال وعباس من الناصرية) وكل واحد يشجع الأخر على السرعة في الاختفاء والركض السريع السريع السريع،
وأنتم ترددون- علي وياك علي وعلي وياك- وبسرعه بسرعة ضم راسك ،وصير سبع ،لاتطي نفسك بسهوله- اركضوا اركضوا اركضوا لحد يتوقف،
وبعدها وصلتم الى مستنقعات مائية دخلتم فيها ببط وبتخفي وبمهارة الحنود، وبدأ صوت المعركة يبتعد قليلا ،وكان المكان عبارة عن اهوار ممتدة من ماء ازرق صافي وبوسطها أكوام من تلال بيضاء ، تذوقت الماي مالح حد المرارة، يقطع قطع مالح مالح حد الموت، وكانت تسمى منطقة المملحه بمدنية الفاو، وهي مساحات من مياه الاهوار المالحة جدا جدا،وهي أمكنة تستخرج منها الاملاح، ومكان جميل ظاهرا وبشع باطنا، ومستنقعات واسعة على امتداد البصر.
-ودخلتم أنتم الثلاثه وكل أسلحتكم معكم ،وابتعدتم عن القصف قليلا، واصبحت الجبهه تختفي، وانفاسكم بدائت تتحرك بهدوء، ودقات قلوبكم تهدأ قليلا، والهلع يقل رويدا رويدا ،وبقيتم في الاهوار تمشون عكس جهة القصف حتى دخلتكم في عمق المستنقعات المائية المالحة.
-وأذكر انت قلت اليه :-أن اكوام من الملح تطوف على الماء ملح ابيض كالثلج ،الا انه تطلخت بدماء الطرفين ،وفيها بعض الجثث الممزقة من الحنود ومن كلا الطرفين، وبعض الملابس والحقائب.وبعد ذلك خففتم المشي، وظهرت صوت طائرة هليكوبتر ايرانية وبدات تتضح في السماء فوق رؤسكم وتلاحقكم وتطلق النار عليكم وتمشط كل الاهوار ،وهي تدور واطلاقات النار قوية تصوبها نحوكم وتثقب المياه وتدور حولكم بشكل رهيب كانها تعرفكم جيدا. وأنتم بدأتم في الركض، وكان الركض في هذه المياه صعبه جدا حتى المشي كان صعب لان اقدامكم تطمس في الوحل ،
وبعدها ناديت على جمال بصوت عال :- جمال غطس راسك جمال غطس راسك بالماء وطلع بس خشمك،
وغطستوا انتم الاثنين راسكم في الماء وطلع بس خشمكم بصعوبة كبيرة واختناق مرات يدخل الماء الى الانف،لكن عباس فتى الناصرية أستمر في الركض بسرعه كان الخوف قد غلب عليه ،وبعدها اشتد القصف نحوكم نيران كثيفة تتوزع في السماء كانها اسهم من ضوء ودم ونار ومن كل الأتجاهات، وانت كنت تنادي على عباس أتوقف عباس لاتركض،
-وكنت تصرخ بأعلى صوتك:- عباس أغطس بالماي ، عباس أغطس أغطس، وبعد ذلك بدأ صوت الطائرة تبتعد تبتعد قليلا قليلا ،وابتعد صوت الطائرة وهدوء نسبي ،واخرجتم رأسكم قليلا قليلا وشاهدتم بفرغ كبير وخوف وترقب، جسد عباس يطوف على الماي واللون الاحمر يتنشر حوله، والدم ينزف منه من كل جانب ،وصرخ جمال :-عباس عباس أشبيك لا لا لا مع الاسف عليك لا لا لا ركضتوا نحو جسد عباس الذي ينزف دم ،بسرعه قلبتم الجسد على وجهه، تنفس عباس بعمق و شهقق نحو السماء ،كل جسده كله مثقوب. قال عباس بصوت متقطع ونفس اخير اريد ماي، طلع جمال زمزمية الماي ،وولم يصل الماء الى فم عباس حتى فارق الحياة، اغمضنا عيناه العسلتين والوجه الاسمر الجنوبي السومري الجميل ،و انت صرخت وقلت لجمال تعال صديقي حلينا نلطم على عباس مثل نسوان الأهوار العظيمات،
-بيدي عدليت الولد وحضرته
راد الماي مالحكت شربته
حط عيني بعينه ومالت ركبته
ضاع ارباه يوليدي امك
ضاع ارباع يوليدي امك
احا احا احا احا احا ولطم حيل ….
-سحب جمال جثة عباس وساعدته انت على نقلها، وووضعتم الجسد على تل الملح وتلون كله بلوم الاحمر القاني، وقرائتم الفاتحة ووضعتم بجانبه الخوذة غطاء راسه وسلاحه، وباكيت سكائر مبلل وصورة خطيبتة (مكتوب عليها علوية سكينة) ودعاء كميل للامام علي ودفتر الخدمة العسكرية وخيط اخضر علك من الامام ،وتربه الحسين مبلله ولم يبقى منها الا قطعه صغيرة كل هذ الاشياء تركتوها بجانب راسه.
-واكملتم المسير للبحث عن الحياة في عمق الاهوار وتلال الملح الغريبه، بعدها بدأت مسيرة المشي الطويل والمخيف والتوجس المتواصل للبحث عن الارض او اي ساحل او اليابسة،وكانت عمق المياة يختلف من مساحة واخرى ومرات تصبح عميقه تصل للرقبة واكثر الاحيان تصل الى منتصف البطن،
لم تتوقفوا من المشي طول الليل، مشي بخطوات ثقيلة جدا، لكنها متواصلة في اهوار تمتد كالحلم الثقيل لثلاث ايام متواصلة ليل ونهار ،وكل شي فوق ظهروكم من الاسلحة والعتاد وبعض الاكل والماء مع استراحات قصيرة جدا، وكان الخوف والوحشة والامل والشعور بالضياع التام والتية في عمق حضارة الاهوار العميقة ترافقكم في كل خطوة.
-كنت تقول لجمال هل تذكر لمن كنا نمثل محلمة كلكامش في مسرح معهد الفنون الجميلة الله اشكد ايام حلوه حفظنا المحلمة كلها هسه نذكر ماقطع منها- دعنا الان نمثل صديقي جمال ، انت انكيدو وانا كلكامش هههه
وبدا جمال يضحك ويقول الك يمعود وين بينه حيل ههههه ولو الاهوار هذه توحي لنا بكل شي:
-حينها صعد جمال على تل الملح وهو يردد كلمات ملحمة كلمامش ويقول:-
(قالت البغي: ٠-;---;--كل خبزا يا انكيدو 
-;---;--الخبز مادة الحياة
-;---;-- اشرب خمرا إنها عادة أهل البلاد 
-;---;--فمد يده وأكل خبزا وشبع
-;---;-- وأخذ أسلحة الرعاة ليهاجم الأسد 
-;---;--فيأمن الرعاة شره، يناموا باطمئنان")1
-وانت صعدت على تل الملح المقابل له وتردد وتمثل بصوت عالي:-
"بغى وظلم، لم يترك ابنا لأبيه
-;---;-- لكنه راعي أرك، فهو راعينا
-;---;--لم يترك فتاة لحبيبها، ولا ابنة جندي
-;---;--ولا خطيبة لنبيل، بغى وظلم فضج الناس البشر"
وبعد صراع تمثيلي بينك وبين جمال في ادوار كلكامش وصديقة انكيدو قلت بصوت يحترق:-
"لقد لعنتني الإلهة العظيمة وسوف أموت بالعار
-;---;--سوف لا أموت كرجل يسقط في المعركة 
-;---;--لقد خفت السقوط لكن طوبى لمن يسقط في المعركة" 2
-كنت تقول لي بانك خائف ومرعوب على جمال من عدم تكملة المشي في الاهوار القاتلة، وكأنك تسمع صوت كلكامش يصرخ في هذه الاهوار المالحة وتسمع صوته ينادي على صديقه انكيدو.
-هل تسمعني يانكيدوا ،نحن مازلت نبحث عن سر الحياة في هذه الارض الغريبة، نحن تعلمنا من روح هذه الارض الطيبة والمخيفة أن الصداقة قيمة عليا قيمة لاتحدها حدود ،ولاتتوقف عند اي شي، هذه هي أعظم قيمة تعلمناها على أرض الرافدين العظيمة، هي قيم حفرت في قلوب وارواح ابنائها وبعمق هذه الارض التي تحمل وجدان أبيض ونقي كالملح هذا. وقال جمال وهم يمسك سترتك العسكرية:-
"جلجامش أين تهيم على وجهك
-;---;--الحياة التي تنشدها لن تجدها
-;---;--لم يسلك احد الفانين هذا الطريق
-;---;--ولن يفعل ما دامت الريح تهب على البحر"3
-وفي اثناء تواصل المشي المضني والمتعب والمصحوب بالخوف الشديد من الطائرات، او المفارز العسكرية من كلا الجانبين ،حينها ظهرت بعض ملامح التعب على جمال ،وهو يشكو الم في الرئة وصعوبة في التنفس ، كان جمال مصاب في السل قديما وقد نخر المرض رائته اثر ضيق المكان والتعذيب في السجن،وبعدها لم تفارقه التهاب الرئة الذي تحول الى ربو خطر، فعلا بدأ نفس جمال يضيق مع ظهور اصفرار وسواد شديد يظهر على فمه وحول عيونه، ولم يعد جسده يتحمل المشي في أهوار الملح والرطوبة العالية جدا، كنت انت تشجعه و تعطيه جرعات من الامل والامنيات والاحلام والصبر،وكنت تغني له أغاني جميلة.
-شي محزن حقا ماجلسنا انا وانت حتى نتذكر قصة جمال، ونشعل له شموع الحب واللقاء والعشق والوداع ،وانت تغني -أنساك- لام كلثوم،
-أنساك ده كلام أنساك ياسلام…اهو الي ده مش ممكن أبدا ولا فكر ابيه بيه ابدا ابدا،
-بدأ جمال يئن ويشكوا ويشعر بوجع كبير في التنفس والرئة، وصعوبة شديدة في المشي ،واثرالجوع والشعور بالعطش عليه واصبح لايطاق فعلا
،وتطور وضع جمال بشكل صعب جدا، وبدات انفاسه تضيق اكثر.
قال جمال :تعبت تعبت تعبت صديقي جدا ،اريد ماي، اريد اشرب ماء راح اموت من العطش.
-كان الماء مالح جدا،والحياة مالحة والموت مالح، والحب مالح في هذه الاهوار الساشعة والمالحة كالحياة، كل شي مالح ،لكن انت فتشت في كل الجهات وبعدها شفت جثة جندي طافية على الماء،ووصلت بقرب جثة جندي ابراني ملفوف بعصابه على راسه مكتوب فيها ياحسين ياكربلاء ،وبعدها فتشت حزام الجندي وجدت زمزمية بيها ماء وبعض من الحلوى، وصمونه جيش منفوخة من الماء، اعطيت الماء لجمال، وشجعته وضحكته بكم نكته وبعد ذلك غنيت له
وصدح صوتك الجنوبي الرائع.
-وانا الان ساغني بجانب رأسك الجميل نفس الأغنية التي كان يحبها جمال، أهديها الكم انتم الاثنين اروع الأصدقاء وأحبهم الى قلبي،
موسيقة وعزف هود بالفم ودندنه…….
ياريل طلعوا دغش والعشك جذابي … هودر هوائهم ولك حدر السنابل كطه
مرينه بيكم حمد… واحنه بقطار الليل…وسمعنه دك ههوة وشمينه ريحة هيل…
ياريل صيح بقهر صيحت عشك ياريل هودر هوائك ولك حدر السنابل غفه.
-تعب جمال جد وبدا يصرخ وفقد القدرة على رفع رأسه وكأنه بدأ يغمى عليه…وضعت يديه على كتفك وأسندت راسه على كتفك.
-وقلت له:- جمال يمعود اشبيك، شيل نفسك اشويه ،انت بطل ،انت اشجع واحد بيناتنه، وصلنه مابقى شي لحظات وينتهي كل شي حتى كلكامش جاي يبحث ويانه عن اليابسه والحسين ويانه يبحث عن ماء يشرب هو وعياله وكل الشرفاء ويانه شد حيلك اخويه جمال،
-وكنت تردد عليه بس لاتنام أرجوك ولا تغفه تره دمرنه النوم اصبح عدونا الاكبر الان ، النوم سلطان الحياة وسيف الموت السريع، اكثر شي خوفنا هو النوم النوم في اهوار الملح وصرخت بأعلى صوتك:- ياكلكامش ياكلمامس ايه السومريون انقذنا من هذا التيه العظيم من هذه الحروب القاتلة، انقذونا نحن نغرق في بحار الموت نحت غرباء في وطننا تموت حتى لم يشهد علينا احد.
-راح احجيلك حكايات انت تعرف معظمها لكني ساذكرك بها فقط ،تذكر عندما كنا في الشبيبة فرع بغداد الرصافة، وكان الرفاق الكبار في الحزب الشيوعي العراقي كلهم عطاء وقوة وثقافة ومناضلين من اجل حقوق العمال والكسبة والفقراء والجياع، وكنا نلتهم الكتب كأنها غذائنا الابدي، وكانت الكتب والمنشورات مطبوعة بحرف انيق في مطابع روسية جميلة جدا، وكانت الليالي لاتنتهي ،وفيها نقاشات وشرب جاي وعرك وتشريب دجاج ولبلبي وسمك مسكوف وحب وحورات سياسية واقتصادية وفكرية عن الراسمالية والطبقة العاملة وحقوق العمال ، ووحقوق النساء ،وبعدين مثل ماتعرف في زمن التّدين والتصوف تحولت اكثر نقاشتنا الى حوارات ليست بريئة وتحمل بين طايتها الشكوك غير المعلنة والمعقدة وفيها جدال فارغ وكانت اكثر ناقشنا حول الاصلاح و ثورة الامام الحسين، والفلسفة الاشراقية والتصوف،والتأريخ والحكمة المتعالية والمنطق وتقديس اللغة العربية والشعر والرسم والعرفان.
-هل تتذكر عندما كنا مراهقين ونوزع كل مساء جريدة طريق الشعب على بيوت الرفاق وفي المقاهي، ونوصل لهم التعلميات والتوصيات من القيادة المركزية في بغداد- فرع الرصافة، ولمن انتهت الجبهة توجهنا لمساعدة الهور بكل مانقدر، وكذلك قمنا بالواجب لكل الاخوه في الاحزاب الدينية والعقائدية كما فعلنا مع اي مناضل ضد الدكتاتورية البعثية.
-جمال تسمعني ،يمعود مو قلت الك ارجوك لاتنام مو وقت نوم امامنه طريق طويل جدا، أسند جسدك اكثر عليه،اشبيك جمال انت وياي لو شنهو اشبيك يمعود اصبر وشد حليك ،شد حيك وياي، أتوسل الك، مابقى شي ونوصل.
-وانا كنت اردد الان عليك نفس الاقول التي كنت توقظ بها جمال في الاهواء.
-لابد ان أشد حيلك كريم ،صديقي لاتنام ولاتموت أرجوك أرجوك لاتموت ،أمامنه درب طويل وحياة وصحبة وحب دائم لاتنام.
-فز فز فز من النوم …أرجوك كريم فز من هاي النومة الحقيرة فز،
-لم أكن أعد أشعر بوجهي، كل شي امتلئ دمع والم وقهر ،
-و كنت تقول لي جمال تعب هواي ثلاث ايام لانوم ولا اكل ولاماء ،جمال صار يتنفس بسرعه،
وقال:- كريم شيلني ماقدر امشي،
قلت له:- ساعدني جمال صعب أحمل كل هذا السلاح والعتاد ،وانت، ساعدني جمال حبيبي ساعدني،
-قال جمال:- أشبيك انت مجنون أترك كل شي ،أترك السلاح والعتاد والحقائب تره أحنه راح نموت بالطريق ، أترك كل شي، السلاح مو أهم مني أشبيك كريم اترك كل شي، بعد مابيه حيل امشي ولااقف ولا نفسي يقدر يستمر.
-قلت لجمال :-انا اشعر بالخجل عندما اترك سلاحي، جمال انت تعرف انا ماتعلمت اترك اسلاحي ،تذكر جمال رفاقنه الابطال بشمال العراق لمن قاتلوا على جبال كردستان لاخر لحظة وماتركوا اسلاحهم ،كل شاب وشابه في اروع فترات شبابهم ماتوا وبصفهم احلامهم وامنايتهم وماتركوا اسلاحهم ،وتذكر لمن رجعنه من الشمال ولم نبقى سوى ايام في بغداد ووبعدها االتحقنا باهوار الناصرية ،ولم نترك سلاحنه يوما،اشعر بالعار لمن اترك سلاحي.
قال جمال:- صديقي كريم ياسلاح يابطيخ اشبيك انت مخبل، احنه كنا اغبياء، كنا معبئين بالثوريات الزائفة والشعارات الفارغة، نحن كنا نخوض معارك خاسرة لا حقيقة لها، انها معارك من اجل الوهم والهوية ودكتاورية الحزب والتمجيد التأريخي الفارغ، احنه مجرد ارقام لثوار مغسولين الادمغة و ومدفوع ثمنهم مقدما، نحن كنا كريم عبارة عن قرابين معدة للذبح مرة بأسم الحزب ومرة بأسم المقدس ومرة بأسم الوطن ،اي سلاح اليوم تمتلكة هكذا أنظمة حقيرة،واحزاب وهمية ونفاق نضالي كبير هي أسلحة تدمر الإنسان وتعبث بالحياة.
قال جمال-السلاح اليوم من وجهه نظري أنا اسف اقول هذا الكلام هو عار على الإنسانية، وفي الحقيقة حمل وصناعة السلاح عار ونقص اخلاقي على كل كائن حي وعاقل، كافي بعد تعبنا من الموت والشهادة واللغة الفارغة من اي معنى ومنفعة،
- كريم تره ما اقدر بعد امشي كريم، اقدامي ماشعر بيها، وكل شي صار ثقيل ،وانت ماتسكت لم تترك الحديث ،وانا لم اعد اتحمل بعد تيبس فمي وجسدي وكل شي تيبس والموت يلوح في الافق كالغراب، اشعر به حط فوق راسي من أول مادخلنا جبهات الحرب.
-كان جمال يقول لك :-صديقي كريم اسندني بقوه، ولابد ان تعرف من الان واذا بقينا أحياء ومن هذا اليوم وعهد نقطعه على انفسنا، عهد دائم بأن السلاح لانه اقذر شي صنعه الانسان.
-بدأ جمال يسعل بقوة كبيرة ،وبدأ دم يخرج من فمه بشكل سريع مع السعال ،ونفسه اصبح ضيق ،صرخت انت وقلت بخوف شديد:- أشبيك جمال شنهو هذا الدم يمعود شنهو هذا نزيف.
-قال جمال:- لا لا أتخاف هذ،حلكي أشقق من الملح ،وبعدها تركت كل شي ورفعت جمال على ظهرك لمدة ثلاث ساعات تمشي، وتغني اغاني حسين نعمة ياحريمة، وكوكب حمزة المحطات ،ويا خضيري بطل نوح … وداخل حسن…. وماعرف ليس كنا انحب اغاني علاوي الاسود مال البرزخ حتى لمن صرنه متّدينين مابطلنا نسمعها، وأغاني حسين البصري تذكر اشكد اتحبها ،تذكر اول كاسيت اجاك هدية،من حبيبتك تذكرها حبيتك الكوردية، اشكد حلوه وشقراء وعيونه عسلية ايباه ايباه ايباه اشلون ايام حلوه . بمناسبة هاي الايام راح اغني الك اغنية لحسين البصري:-
-نايم المدول حلوه نومته… مسلهم اعوينه وناثر كذلته
نايم المدلول بس يأمر أمر… هيعون واياه من كضه العمر
-و نزلت دموعي وهمست في اذنك :- كريم تسمعني علينا ان نبقى أحياء، ههههههههه راح أذكرك لمن كنت اتحب تلقد صوت حمزة الصغير:ـ هسه راح اقرا اللطميه وايدك وياي يشفعك الحسين:-
جـابـر  يجابر ما دريت بكربله شصار.... من شبوا النار
والـحـرم شـاطـت لـلـمـعـاره تـريـد أهاليها
مـا تـسـاعـدنـي يـجـابر على مصاب اللي دهاني
وتـنـظـر لـسـهم الشماته شلون صك عيني وعماني
وانـظـر الگوس الـمگدر چم سـهـم مـاضي رماني
وآنـه عـلـى فراش الولم.... كل ساعه وانصاب بسهم
الله مـن صـواب الـحـرم..... مـثـل سبيتها سباني
جـابـر يجابر والدهر ما انصف وجار.....من شبوا النار
ونـار الـيـوجـرهـا الـدهـر گلـي شـيـطفيها
وحيل لطم لطم لطم لطم لطم لطم على كل شي حتى الفرح عدنه لطم
-و اها ها ها و هسه اذكرك بلطميه تموت عليها كنا نسمعها بصمت وخوف ونلطم بصمت ونعتبرها النشيد الوطني مالتنا
لطمية ياحسين بضمائرنا- الرميثي- ارفع ايدك وياي جزاك الله خير وثوابك عند ابو عبدالله الحسين وياي المستهل يقول
:- بشفاعة فاطمة الزهراء وام البنين وياي
ياحسين بضمايرنا .. صحنا بيك أمنا
لا صيحة عواطف هاي
لا دعوه ومجرد راي
هذي من مبادئنا .. صحنا بيك أمنا
، ياربي اشكد هذا الكاسيت انعدمت شباب من اجله،
-ولطم ولطم ولطم دك دك للصبح،
-وحجه للصبح مانام بعوني ملح مانام وهههههه
ومرات بنص اللطم نغني لكوكب حمزة :-يالهفت المهلوف ويدور هله مسافات، يالهفة الما شياف هله مسافات،ياروحي ياجنه هلي …،
-انت كنت تقول عن كوكب حمزه كانه قارئ لطميات حسيني ممزوج بروح السومرين…ههههههههه….
-بالمناسبة نسيت أخبرك في زيارة الاخيرة لبغداد،شفت كوكب حمزة ،واقف معنا في مظاهرة ساحة التحرير في بغداد العظيمة،وشارك مع الشباب المدني المظاهرات و يهتف بقوة وحرص كانه شباب، ومازال يحمل قلب طفل وابتسامة جميلة، وعندما تقدمت حتى اسلم عليه ،توقفت قيلا ،واذكرت كلمتك لمن كنت تقول :-كوكب حمزة مثل الارباب السومرية،كأنه رب قديم بقدم الأسطورة السومرية،وقلت صحيح الرب كل الناس تعرفه بس هو مايعرف أحد،سلمت على كوكب وقبلته، هو أبتسم مثل الرب .
-ههههههه والله عمرنه مخيف صديقي كريم ، كل الاديان والاحزاب والقوميات والهويات الفرعية والكبرى استثمرت طيبتنه وحبنه للوطن والحياة والانسانية والثقافة والخدمة بدون اي مقابل، استغلت اجمل مابينا لصالحها وهي انه احنه شرفاء ومو فاسدين ولاسراق ضحينا بكل عمرنا من اجل اوهام وبس،بعد ذاك الوقت مضى وراح والالم يزاد يوم بعد يوم وسنة بعد سنة ولحظة بعد لحظة واصبح الترقب هو الذي يحكم في كل شي، ومستقبلنا دائما غامض!! بعد
-لهذا بعد ان توقف جمال على المشي، انت قررت ان تحمله على ظهرك ،وان تكمل المسيرة والمشي في عمق الاهوار حتى تجد ساحل او ان تموت مع صديقك في هور المملحة الذي لاضفاف له كما يبدوا،
-كان جمال يئن يئن من الألم والوجع والخوف من الموت ، وكان هو صاعد على ظهرك ،ساعات وساعات ،والوقت يمضي والجسد يستهلك ، وكنت تتوقف بعض الوقت تضع جمال على تل الملح وتأخذ كم نفس جكاره ، وبعدها تتواصل ،تمشي تتوقف وتمشي وتغني وتغني مابطلت غناء وماكو مطرب عراقي ماغنيت له وصوتك يصدح بعمق هذه الاهوار المالحة كملح الحياة العراقية، وكملح الحب العراقي وكملح امهاتنا العظيمات……
-أمشي وكول أوصلت والكنطرة بعيدة ،
حدر التراجي ذهب والكنطر بعيدة
وامشي وكول اوصلت والكنطرة بعيدة…
ونكضني والله الدرب والكنطرة بعيدة…
حلمانه برد الصبح رجف خلاليه …..
ويادفوا حمل دفوا…. وياكمر ضوينه …ياذهب خيط الشمس.
-بدأ كأنه سراب الجرف يظهر، كأنه قريب كلش قريب وبعيد بنفس الوقت، وانت صرخت جمال وصلنه الجرف قريب وصلنه وصلنه حبيبي جمال صارت الكنطرة قريبة ،وعندما وصلت الجرف،وضعت جمال على الارض،وكنت ترى جمال كأنه اغمى عليه ، وانت تقول له بصوت قوي جمال ،اكعد خويه جمال.،وصلنا اكعد جمال.
-وانا الان واقف بجانب راسك الشريف اوقظك بكل ماعندي من مشاعر وحب وقوة وصداقة وافرزز بيك شجاعتك وحب للحياة افزز بيك روحك النبيلة و هسه اكعد خويه كريم، اكعد كريم
-وانت كنت بوقتها تقول :-لمن وصلتم الى اليابسة يالله هسه اكعد جمال اكعد جمال.
-وانا هسه يمك اقول اكعد كريم لاتنام .
-وانت تقول:- اكعد جمال بعد وقت وصلنه.
-وانا اقول:- لك بعد وقت كريم وصلنه لاتموت.
-وانت خليت راسك على قلب جمال ماكو اي نبض، يمعود جمال ،مجاي يتنفس جمال ماكو نفس اكعد وقمت تهز جسده بقوة وتعمل له تنفس اصطناعي.
كان في الحقيقة بوقتها جمال ميت من اول ماحملته على ظهرك، جمال مات وهو على ظهرك كريم، وانت كل الوقت كنت تتحدث وتغني وتلطم وترقص وتبجي وتقاتل وتسولف كل السوالف بس كنت تحجي ويه نفسك لان جمال مات… مات… مات…. مات من ثلاث ايام مضت.
-وبعدها انت صرخت بأعلى صوتك …مات جمال مات جمال اه اه اه اه اه اه اه ياربي مات جمال.
-وحينها رفعت راسك للسماء تصرخ مثل كلكامش بعمق الصراخ العراقي الممزوج بانيين سومري ،
وتقول:- يالله كل وقت تخوننا،ولاحد يسمعنا، يالله اسمعنا لمرة واحدة، اننا نغوص في الالم وووحل الاوجاع والحروب والموت وهذا صديقي يموت من الوجع والمرض والنضال والشرف والطيبة والانسانية ليش ليش ياربي.
-يالله كم نحتاج من مقدار الياس و انهار من الصبر حين نناديك وانت لاتسمعنا.
-لازلت لم تصدق ان جمال مات وانت تضغط على قلبة بقوة وتقول لا لا لا يابوية ….اخ اخ ياوجع قلبي يايمه،عمت عيني عليك خويه جمال ، اكعد اكعد بعدك شباب لاتموت لاتموت لاتموت لالالا.
-وانا اقول الك هسه وانت تسمعني:- ياوجع قلبي كريم خويه واحضنك بقوه، وتنفس روحك وطيبيتك وكرمك وحبك للحياة.
اعرف ان كل شي يخذلنا كل شي يدعونا ان نكون قتله ومجرميين وسراق وطائفيين بس احنه صامديين وماسكين انسانيته بقوة الحياة، والاشد وجعا عندما تتهم دائما بالخيانة والتامر لسبب بسيط لانك انسان وبس.
-اعرف انت تسمعني وراح اردد عليك صورت امهاتنا لمن واحد يصير بيه شي يمر بفاجعة وتقول امهاتنا وبقوة وبحب يمه يمه يمه كريم أسم الزهرة عليك اسم الزهره عليك سورة سلميان عليك.
-بعدها وضع كريم راس جمال على صدرك واحتضنه بقوة وضميته على قلبك وتناديه.:-خويه جمال لاتموت بعد وقت انت صديقي عمري واخوي ورفيق الدرب الطويل والمرير يالله ساعدنا،
-وانا افعل الان معك واناديك تعال اضمك على قلبي، واضع راسك على صدري :-كريم خوبه لاتموت بعد وقت،انت صديقي عمري واخوي ورفيق الدرب
-هل نتذكر كيف كانوا الرفاق والرفيقات يفتخرون بيك لمن تقراء الهم مقطع طويل من راس مال، ومقطع من نقد الاقتصاد السياسي وكنت حافظ كل قصائد مظفر ووو…. ودفاتر لينين…..وتذكرت لمن صرنه متّدينين حفظنه القران والادعية مال الصحيفة السجادية، والشي الي محد يصدقه حفظنا اقتصادنا لمحمد باقر الصدر ،ودرخنه انا وياك كل كتبه، ودرسنه كتاب منطق مظفر والالفية لابن مالك والعقائد والفقه …وكتب التأريخ المرير ماقدمت هذه الكتب اي شي النه سوى التعب والملل والكراهية والحقد على كل شي ،
-هههههههههه تذكر اكو موقف حلو كلش حلو، تذكر لمن حفظنه كتاب فلسفتنا للصدر ،وكنا نتراهن انا وياك من لفت حب عين الشمس، الي ينسى اي مقطع، وكنت انت الخسران دائما ،لاني صاحب اكبر ذاكرة ودراخ درجة اولى ههههههههههههههههههههههههه راح اموت من الضحكههههههههههه…والله ايام حلوه.. وانت اتموت من القهر لمن اشوفني اضحك هههههههههه،
- بدا ينزل راس جمال من بين ايديك اشويه اشويه ،وانت باوعت عليه وصبت دموعك ونزلت على عيون جمال، كأنه يبكي على بكائك عليه، وبدأت تنعى نواعي المعدان..
-وانا انعي على راسك هسه ـ انعي بصوت تسمعه كل ملائكة السماء والجن وارواح القدسين - نواعي امهاتنا- نواعي امهاتنا من عمق اصوات الاهوار والوحدة والفقر والعوز والفقدان والحرب، نواعي المعدان،
-وتذكر كريم لمن كنت تعشق صوت امي وهي تنعى على الموتى.
-وانت بدأت تلولي تلولي وانت تقول :- راح اتنام جمال اعرف مراح اتموت راح ألولي عليك ألولي عليك وبدا الانين من صوتك الحلو.
-تقول امهاتنا بصوتهن يحفرن في عمق الارض وهيهجن أرواح الالة السومرية وارواح الموتى والملائكة والجن والارباب والحكايات القديمة.
-وانا اقول لك لاتنام كريم النوم مرض وموت انا اعرفك كنت تستيقط في كل مرة مبكرا ،,وراح تفز من نومك هذا،
عما قريب انا متاكد انت راح اتفز، مراح تتاخر بالنوم هواي…..
راح اغني الك بصوت امي لمن تقول :-اسمع الان،
دلول الولد يمه دللول … عدوك عليل وساكن الجول،
يمه انا من كول يمه ... يموت كلبي والله يمه
يمه يمه يمه يحك الي يحك لي ... لصير دلي تره اطلك الدنيا واولي
يمه هب الهوه هب الهوه وصكت الباب… وحسبالي يمه طرشة احباب
ثاري الهوه والباب ... جذاب جذاب جذاب.
يايمه وكف عدوك يحلم يطول الولد ياسباح كلبي يمه ….وبكاء شيديد ودموع تسقط في كل مكان.
-أسم الله عليك وأسم الزهره عليك كرومي خويه، صديقي يالله يله فز فزشن بعد اخوك كريم خويه فز فز خلص نوم خلص نوم بعد اخوك.
وبعد ان صدقت ان جمال مات رفعت جسده على ظهرك مرة ثانية ومشيت الى الوحدة العسكرية بالخلفيات، وعيونك مابطلن دمع ودم ،
- وصلت انت وجمال اخيرا للوحدة العسكرية .ونزلت جمال على الارض ووجسمك أنتهى وارتميت على الارض من التعب والالم ،جاءوا الجنود يركضون عليكم ،ارادوا ان ياخذون عنك جثة جمال، وانت مسكت جسده بقوة، و ماخليتهم ياخذونه ،شربت ماء،ودخت سجائر وحده الك وحده لجمال،ولم تستطع مفارقة صديقك وذهبت مع الجثة الى بغداد تحمل جسد اعز صديق ورفيق واخ مع اروع الذكريات المواقف والحكايات، واجمل وجود على الارض واجمل انسان دخلت الى مدينتكم الكادحة، مدينة الثورة، دخلت السيارة الكوستر تحمل التابوت ملفوف بعلم العراق ،دخلت الى الدربونه مال بيت جمال وتجمعت النسوان ،والاطفال… نزلت من السيارة،شافتك ام جمال من بعيد ذبت العبائة وشهقت بقوة …..يمـــــــــــــــــــــه جمال اسم الله…يمــــــه اسم الزهرة يمه
-صرخت يمه كريم ـ جبت اخوك جمال يمه مو، م و م مو مو مو مو يوباييييييييييييييييييي ، اريد ابجي عليك وحيل مابيه عمت عيني يمه،
وبدأ صوت صراخ يعلوا في كل بيت وباب وشباكـ وكله اصيح جمال جابوه شهيد ،أم جمال تقول لكريم وحضنتها بقوة:- يوجعني قلبي يمه جمال صار يومين، يمه جمال يالحلو يمه يالمعدل يمه يامظلوم يمه عمت عليني عليكم،
وانت حضنت ام جمال وتصرخ .:-جمال مات مات مات صاحبي خاله..مات جمال مات البطل، مات الانسان ، مات الشجاع.
طلعت كل عائلة جمال الاطفال والبنات والعمام تركض على التابوت.
-أم جمال وقعت على التابوت وهي تقول اسم الله عليكم يمه أسم الزهرة على أسمك جمال يمه ، اخو زينب يحضرك يمه ،واتحزمت ام جمال ولطمت حيل على صدرها وهي تنادي على كل العائلة :-
تعالوا يمه وهي- تصيح على بناتها الخمسه - الطموا على اخوكم الوحيد ،اقتربن اخوات جمال اتحزمن احزام اهلنا وكصن كصايبهن الحلوات الي محد شايفهن ابدا ،ونثرن شعرهن الي يشبه الذهب فوق التابوت ولطم لطم احا واحا وحا واحا وحا ياخوية يابن امي ،احا ياخويه يابن امي ،
-كان صراخهن يخترق السماء وعويلهن يتناثر في الهواء والنسوان شككن اهدومهن، ولطم على الوجوه، وخرطن الخدود، واطشر الدم من اخدودهن الوردية الحلوه على جسد جمال عندما فتح التابوت وظخر جمال كانه نائم نائم واخزاته ينزل دمعهم م دم خدوهن الورديات على جسد جمال،
وكل العائلة اتمددت مع التابوت، والتراب يهيل فوق الرؤس ويطشر الحزن بالتساوي والدموع والدم تسكب فوق التابوت كانه مطر مطر من الم ودم وحزن وموت ومطر,
-(بطلن لاتنكطن كحل فوق الدم جرح اصوحبي بعطابة مايلتم)
-ولطمن النساء لطم سومري… لطم معدان يوجع الضمير والحيل والانسان والاخلاق في كل العالم ،وكل الناس… تصرخ … وتبجي ،وكانت أم جمال تلقي القصائد والكولات ومقاطع شعرية ارتجالية،
يمه جمال عشت بطل… ومتت بطل ، سبع يمه يمه جمال ماخفت يوم ولا جبنت ،وماخنت صوحبك ،ولا خنت وطنك ،ولا ظلمت الوادم ،كل عمرك شريف شريف يمه يمه يمه اسم الزهرة على الشباب -عمت عيني عليكم يمه،
-ولطمت ام جمال والنسوان وياه
اريد الطم عليهم حيل مابيه
اشلون شباب جو الكاع مخفيه
-يابو السيارة هذا الجايبه منين
عمامة من التفك كلهم نياشين
-ابو السيارة هذا الجايبة منين
وبعد شاربك عدمن مخليني…احا احا احا احا احا احا ولطم مال نسوان الجنوب بنغمة واحدة وايقاع واحد يقوده الالم والوجع وفراق الاحبة.
-وانا نزعت قميصي هسه و يمك بالمستشفى، ووقفت يم راسك وصحت:- كريم تسمعني خويه،
-وانا اثغب حيل اصرخ حيل ،مثل امهاتنه الجنوبيات مثل ام جمال وحيل اضرب على صدري، وشكيت هدومي عليك ،بس ماعندي شعر انفشه كل شي اكله الدهر ولطمت حيل واقول:
-يا أبوا الاسعاف هذ الجايبه منين،
رفاقه من التفك كلهم نياشين، يا أبو الاسعاف هذا الجايبه منين ،وانا الطم بقوة حيل حيل اضرب صدري.
-رفعوا رجال المنطقة وشبابها واولاد عمومته تابوت جمال وشدوه على السيارة ( الكوستر) ذاهبين به الى وادي السلام مدينة النجف الأشرف مدنية الامام علي ،هوسات وصراخ وهلاهل ،والنسوان وشابات المنطقة يطشن جكليت وورود على تابوت جمال، ويصرخت ويهلهن وينشدن:- عريس وربعه يزفونه، عريس وربعه يزوفه، وهلال ممزجة بصراح الوجع ،كان وادع مهيب لإنسان قضى كل عمرة يناضل من اجل المبادئ والارض والإنسانية والوطن والحب وخدمة الاخرين بدون اي مقابل.
-وانا تعبت من البكاء الان وانظر اليك كريم بصمت ،وانت الان بين الحياة والموت في غرفة لانعاش ـوالامل بدأ يتضائل في رجوعك للحياة مرة اخرى,
-كانت السيارة التي تحمل جثمان صديقك جمال تبتعد، وانت تلوح تلوحية الوداع، والنساء والاطفال وغبار السيارة يتطاير ورأهم كانهم عصافير مرعوبة ،اصوات الهوسات والعراضه ، يختفي ويختفي كل شي بلمح البصر.
-وانا صعدت على الكرسي بجانب سريرك في المستشفى،
-وقمت اهتف يصوا عالي اسمع صديقي كريم لابد ان تستقيط أناديك ،بأسم ابوي الي نقتل غدر برصاصات الاخوة المناضلين اليوم من الاسلامين السياسين.
-بأسم صوت جمال صديقنه الابدي ،بأسم صوت النواعي واغاني الجنوب العراقي العظيم، بأسم رفاق الدرب والانسانية ،بأسم صوت الاهوار واغاني ابو اذية ، وبأسم صوت السجناء والمظلوميين والصوفية وكل انسان يحب الحقيقة والحياة والحرية.
-واخيرا بأسم اصوات الاصدقاء الذين دفنوا وهم احياء وبصوت كل عشاق الحياة.
،وبصوت كل شاب فقد عمره ولم يعرف لماذا؟
-فجاءة رأيت عيون صديقي كريم بدأت تتحرك ويرمش فتح اعيونه ، فتح اعيونه كريم نزلت من الكرسي اركض عليه ،كريم خويه…علي وياك،
-اول كلمة قالها كريم :-اشبيك مو ثبرتي ثبر،ماتخلي واحد نايم ،يعني دمرتني وكل حجيك اغلاط باللغة العربية ،اشكد تحجي، وسوالفك كلها حزن وموت ولطم وقهر، من خرب ضميرك،دمرتني.
-انطيني ماي متت من العطش، ركضت اجيب الماي ولم اتمالك نفسي
هلهلت كلولوشششششش بعلو صوتي، وما اريد اطول السالفة عليكم ولا أريد اي واحد بيكم ينقهر.
( أسم الزهره عليكم ).
الحياة جميلة تونسوا بيها وأستمتعوا بكل شي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أهدي هذه القصة القصيرة لصديقي المرحوم الفنان والمخرج المسرحي كريم جثير.
-------------
-1,2,3 نصوص مقتبسة من ملحمة كلكامش
* هناك بعض الاغاني وبعض القصائد من اللطميات الحسينية معروفة في الثقافة العراقية.

#وليد_عبدالله_حسن (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات