أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نمر سعدي - كانَ صديقاً للفراشاتِ (عن أميرِ القصيدةِ التونسيَّة أولاد أحمد)














المزيد.....

كانَ صديقاً للفراشاتِ (عن أميرِ القصيدةِ التونسيَّة أولاد أحمد)


نمر سعدي

الحوار المتمدن-العدد: 5152 - 2016 / 5 / 4 - 19:34
المحور: الادب والفن
    



لم يكن شاعرُ تونس الكبير الصغيَّر أولاد أحمد ذلك الشاعر العادي بل كانَ الصوتَ الإنسانيَّ الساكن في قلوبِ مريديهِ سكونَ الموجةِ في مَحارةِ الأبد.. لم يكن قانعاً بما توفِّرهُ لهُ حياةٌ نقصت وروداً كثيرةً بل بما يمنحهُ له حبُّ الناسِ من أسبابٍ جميلةٍ لمواصلة السيرِ في دربِ القصيدةِ المرصوفِ بالجمرِ والعذابات المضيئة.. منذ معرفتي الافتراضية بهِ والتي قاربت أربع سنوات ونيِّف كانَ دائبَ الحركةِ والبحث عن التغييرِ.. كان يؤمنُ بتفردهِ شاعراً وإنساناً يحلمُ بالثورةِ التي تحقِّقُ العدالة في ظلِّ حياةٍ ظالمة وفي الشِعرِ الحديثِ المتوثِّبِ إلى الحريَّةِ.
هل كانَ الشاعر أولاد أحمد رمبوياً (نسبة للشاعرِ الفرنسي أرتور رمبو) بالمعنى الحقيقي للكلمة.. أعتقد نعم.. فالذي يتتبَّع مسيرة نضالهِ ووقوفهِ المبكِّر مع بسطاءِ شعبهِ وفلَّاحيهِ في وجهِ السلطاتِ القامعةِ بالحديدِ والنارِ لكلِّ تحرُّكٍ شعبيٍّ يدركُ كم كانَ قريباً من النبضِ الجماهيري الذي آمن بأنَّ الشِعرَ ليسَ سوى صدىً لهذهِ الرغباتِ التي تتحرَّكُ في صدور الفقراء والكادحين من أبناءِ شعبهِ. ولا ننسى أنه تنبأ بالثورةِ التونسيَّةِ قبل اندلاعها بسنوات عديدة.
ولكن الأمرَ الذي أصابني بالخيبةِ والمرارةِ بعدَ رحيلِ هذا الشاعر الاستثنائي شعراً وحياةً ونضالاً هو مقدارُ هذهِ السذاجةِ الفجَّةِ التي يتصفُ بها أحيانا بعضُ كتَّابنا فتجعلهم أضحوكةً أمامَ غيرهم خاصَّةً عندَ رحيلِ شاعرٍ أو كاتبٍ كانَ ملءَ الأسماعِ والأبصارِ والأفئدةِ.. وإلا فما معنى أن ينقضَّ روائيٌّ تونسيٌّ على رهبةِ رحيلِ شاعرٍ بحجمِ محمد الصغيَّر أولاد أحمد متهماً إياه بسرقةِ إحدى قصائد شاعرٍ تونسي آخر وإعادةِ صياغتها في إحدى أجملِ قصائدهِ.. أقصدُ قصيدة أولاد أحمد الشهيرة (نحبُّ البلادَ كما لا يحبُّ البلادَ أحد)؟ في رأيي المتواضع أن القصيدةَ التي يدِّعي ذلك الكاتب الروائيُّ أن أولاد أحمد قامَ بانتحالها ركيكة ومفكَّكة ومضطربة الإيقاع.. حتى أنها تفتقرُ اليه.. وإلى ماءِ الشِعرِ وبريقهِ أيضاً.. وتنقصها مقوِّماتُ كثيرة.. صياغيَّة وأسلوبية لتصلَ إلى مستوى الشِعرِ الجيِّد.. ما جعلني أشكُّ بأنَّها لذلك الشاعر التونسي الراحل عام 2000 لأنَّ نفسَهُ الشعريَّ في قصائده الأخرى يبدو متماسكاً أكثرَ مع إضفاء فنيَّة عالية المستوى على نصوصهِ الشعريَّة الناضجة التي ضمَّها ديوانهُ الوحيد.
ولكن لمَ هذه الضجةُ الآن.. ولمَ الاصطيادُ في الماءِ العكر.. ما دامَ أولاد أحمد كتبَ قصيدته عام 1987 أي قبل ما يقربُ من ثلاثينَ عاماً؟ هل لأننا شعبٌ لم يتحرَّر بعدُ من نزعةِ النبش ولعنةِ التضليل؟ أولاد أحمد وفق قراءتي لمنجزه الشعري شاعرٌ كبيرٌ ولا يحتاجُ لأفكارٍ من أحد كي يكتبَ قصائدهُ ولكن لا حقَّ لأحد أيضاً أن يمنع أيَّ شاعرٍ من التأثرِ بفكرةٍ ما وصياغتها بطريقةٍ مغايرةٍ.. معبِّرةٍ وقريبةٍ أكثر.. أولاد أحمد لم يفعل شيئاً يستحقُ من أجلهِ هذه التهمةَ الباطلةَ.. هو فقط التقطَ وردةً مهملةً مرميَّةً على الأرضِ وجعلَ منها حمامةً حمراء.. أو تناولَ قطعةَ صفيحٍ ليبدعَ منها فراشةً أو وردةً.. ما جرى في نظري هو إعادةُ خلق غنيَّة لذاك النص المهلهل الفقير.. أو كتابةٌ مبهرةٌ على كتابةٍ رديئةٍ.. أو خلقُ أيقونةِ شِعرٍ أزليَّة من مجرَّد حجرٍ مطروحٍ على قارعةِ اللغةِ والنسيان.
يبقى أولاد أحمد شاعرَ الوجعِ التونسيِّ وحادي القافلة.. يبقى شاعرَ النبضِ الشعبيِّ ومحرِّكَ ماءَ البحيراتِ الراكدة. والفارسَ الذي أهدى تونسَ خضرةَ قلبهِ وقصائدهِ.
ماتَ أولاد أحمد في عنفوانِ القصيدةِ وهو يقاتلُ الغبارَ والمرض.. اللعنة على هكذا مرض.. كيفَ تجرأَ على الاقترابِ من قامةِ هذا الفارسِ المهيبِ ولم يحترق بهالةِ الكبرياءِ والغضب؟
قبلَ رحيلهِ بيومٍ واحدٍ فقط هنأته بعيد ميلاده الحادي والستين.. لم يرَ التهنئة.. أو رآها متأخراً قبلَ الرحيلِ بساعات قليلة.
رحلَ أولاد أحمد في أوجِ الربيعِ.. كما وُلدَ في أوجهِ وتقافزَ مع فراشاتهِ كما يقول:
بكَّرتُ للدّنيا صبيحة َ يومِ سَبْتْ.
كان الفرنجةُ يرحلونَ
ملوِّحينَ بشارةٍ منْقُوصةٍ من نصْرِها...
وأنا أنُطُّ مع الفراشةِ في حقولِ الأقحوان
بعْدي، بعامٍ،
إستقلّتْ تونسُ.. الخضراءُ: من جهةِ الشمالْ
هي أمُّ من؟
وأنا أخُوها في الرضاعةِ والمنامةِ والحداثةِ
والتّلكّؤِ.. والسّؤال؟
في حواراتنا الأخيرة كان يطمئنني ويقول لي أنا بخير.. لا بأس..في البيت أرتاحُ وأعالجُ علاجا خفيفاً.. مع أنني كنت أراه يذوي شيئاً فشيئاً ولكن بغيرِ انحناء.
الشاعر الذي أحبَّ فلسطين ودعاني لتونس ولم أذهب لعدم جاهزيتي فقالَ لي عندما تكون جاهزاً كلِّمني.. سأمدُّكَ بقصائد لي لنشرها في فلسطين الحبيبة.. وسأنشر قصائدك في تونس.. (يا شاعري الحبيب هل أستحقُّ أنا كلَّ هذا الحبِّ منكَ؟)
الشاعر الذي تتسعُّ كلُّ القصائدِ لاسمهِ الآن.. تبكي عليهِ فلسطينُ كلها ويبكي الشِعرُ وقلبي.
ولكنني لن أقولَ وداعاً ولكن أقولُ إلى الملتقى.



#نمر_سعدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هواجس على طريقِ القصيدة
- تلويحةٌ لحارسِ الذاكرة
- وردةٌ من دخان(مجموعة قصائد جديدة)
- مرايا نثرية 3
- سبايا الملح/ مجموعة قصائد جديدة
- بورتريهاتٌ ليليَّة بفحمٍ أبيض
- قلبُهُ طائرٌ للحنين(في رثاء جهاد هديب)
- نقوشٌ على حجرِ الورد
- الكتابة غواية محفوفة بالمكر
- إيماءاتُ خريفِ المعنى
- سِفرُ المراثي
- تقاسيم على غيتارة الحنين
- إيقاعات 1
- مرايا نثرية 1
- مرايا نثرية 2
- تقاسيم على نايٍ أندلسي وقصيدةٌ إلى خليل حاوي
- فيسبوكيات
- قصيدة بثلاث لغات
- أغاني تروبادور مجهول
- تحديقٌ بمرايا الذاكرة


المزيد.....




- الملتقى الإذاعي والتلفزيوني في الاتحاد يحتفي بالفنان غالب جو ...
- “هتموت من الضحك ” سعرها 150 جنية في السينما .. فيلم سيكو عص ...
- جوائز الدورة الـ 11 من مهرجان -أفلام السعودية-.. القائمة الك ...
- ما الذي نعرفه عن العقيدة الكاثوليكية؟
- روسيا ترفع مستوى التمثيل الدبلوماسي لأفغانستان لدى موسكو
- فيلم Conclave يحقق فقزة هائلة بنسب المشاهدة بعد وفاة البابا ...
- -تسنيم-: السبت تنطلق المفاوضات الفنية على مستوى الخبراء تليه ...
- مصر.. الحكم على نجل فنان شهير بالحبس في واقعة قتل ومخدرات
- -فخّ الهويّات-.. حسن أوريد يحذّر من تحول الهويات لسلاح إقصاء ...
- -هيئة الأدب- تدشن جناح مدينة الرياض بمعرض بوينس آيرس الدولي ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نمر سعدي - كانَ صديقاً للفراشاتِ (عن أميرِ القصيدةِ التونسيَّة أولاد أحمد)