أمن المعلومات الألكترونية وسيادة الدولة

نواف عبدالقادر جواد

الحوار المتمدن-العدد: 5152 - 2016 / 5 / 4 - 14:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

تغيرت مفاهيم السيادة في دول العالم بفعل التطورات التقنية والإلكترونية التي طرأت على حياة الأفراد والمجتمعات والمؤسسات والحكومات، لتوجد التطورات التكنولوجية الهائلة ساحات سيادية جديدة دفعت دول العالم لفرض رقابتها الأمنية عليها. فلم يعد الأمر مقتصراً على المحيط الجغرافي أو المائي أو حتى الجوي للدول، بل عملت وسائل الاتصال الحديثة على خلق فضاء جديد يختلج كميات كبيرة من المعلومات التي تخص الأمن القومي لدول العالم، فقد بات (أمن المعلومات الإلكترونية) يشكل جزءاً أساسياً من أي سياسة أمنية وطنية، وأصبحت الدول تنظر اليه بمثابة "سيادة الدولة" التي تواجه تحديات جديدة تنبع من الأنشطة عبر الأنترنيت، التي يمكن ممارستها وتوجيهها عبر أنحاء مختلفة من العالم بشكل غير منضبط، دون وجود اطار واضح لمساءلة الأفراد القائمين على هذه الأنشطة. شكلت الوسائل التقنية والرقمية الحديثة والتي تفاعلت مع اقتصاديات المعرفة الرقمية، حالة من الانفتاح العالمي والأممي، ليتحول العالم بأسره الى سوق واحدة، تحكمه مجوعة من الشركات العملاقة المعتمدة على وسائل التقنية الحديثة في نشر منتجاتها حول العالم، كشركات السيارات العالمية، وشركات الأجهزة الإلكترونية الكبرى، وشركات الأغذية، وشركات الحواسيب وتوابعها، وغيرها من الشركات العابرة للقارات والدول والقوميات، طغى هذا المشهد التطوري على السيادة القومية والجغرافية والسياسية للدول، ليشكل ما يعرف بـِ (سيادة الفضاء السيبيراني)، والذي ما فتئ وأن أصبح الوطن الجديد للإنسان، والدولة الحديثة للبشرية في عصرها الرقمي. يتميز هذا الوطن الالكتروني بانعدام الحدود والتراث والسيادة القومية، وتتبناه شركات الأنترنيت المنتشرة عبر أرجاء المعمورة دون حدود أو قيود، وهو شأن دفع العديد من دول العالم لوضع مفهوم محدد لأمن معلوماتها الإلكترونية والقومية، يتمثل في الخطط الاستراتيجية والأمنية الاستباقية النابعة من داخل أروقة صنع القرار السياسي، والهادفة لحماية بياناتها ومعلوماتها المنتشرة عبر الفضاء الإلكتروني والمعلوماتي. في خضم هذا الوعي التقني والمعلوماتي والإلكتروني الذي أوجدته تكنولوجيا المعلومات في عالمنا المعاصر، تحولت البشرية الى منتجة ومتلقية ومستخدمة لوسائل الاتصال الحديثة بشكل كبير، والتي عملت بدورها على احلال الأنظمة الإلكترونية الرقمية، من هواتف محمولة، وحواسيب متطورة، وشبكات تكنولوجية متصلة بالأنترنيت، وأنظمة للتشغيل ذات طاقة عالية، مكنت الأنسان من الاطلاع على عالمه الخارجي بشكل أكثر وضوحاً ونقاءً دون أي رقابة حكومية. رفعت هذه التطورات الرقمية الهائلة من شأن المعلومات في حياة المجتمعات المعاصرة، وحولتها الى مصدر للثروة البشرية اللازمة للانطلاق نحو عصر المعرفة، ساهم هذا التحول وبشكل ضخم في جعل المعلومات الإلكترونية والرقمية السارية في القنوات التكنولوجية رأس مال مهماً يفوق الأهمية التي تتحلى بها رؤوس الأموال الاقتصادية والمالية في عصرنا الحالي، مما دعا الى ضرورة التفكير في حمايتها أي (المعلومات الإلكترونية) من أي هجوم قد يتعرض سير عملها في بيئتها الرقمية والتكنولوجية المليئة بالمخاطر والتهديدات. دفعت الحاجة الى أمن المعلومات في عقدنا الحالي لإحداث طفرة واسعة في كيفية استخدام وسائل الاتصال الجماهيري الحديثة، خصوصاً تلك التي تتسم بالطابع الدولي، والتي باتت تؤثر على صنع القرارات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والأمنية للدول المعاصرة، في مشهد أتاح الفرصة للبشرية للمشاركة في صنع قرارها الأممي. يمكننا القول في ظل هذا التلاحم الانساني والرقمي، أنه بات على دول العالم حماية أمن معلوماتها الإلكترونية، والذي راح يشكل خطراً كبيراً على أمنها القومي، وبالتالي تهديد وجودها في عالم تكنولوجي ومعرفي تسوده المخاطر من كل حدب وصوب، وأن معالجة قضايا الأمن الإلكتروني تحتاج الى تعاون جماعي دولي يعمل على تحجيم التهديدات الإلكترونية المستقبلية، كما حصل في الكشف عن "وثائق ويكليكس" التي هددت أمن وأسرار الولايات المتحدة الأمريكية، مما دفع الأخيرة في نهاية 2014 الى اصدار قانون (أمن وادارة المعلومات) ، مع تشكيل فريق المهام الوطنية كجيش إلكتروني يتألف من 4900 جندي، يعمل بالتنسيق مع الجيوش الالكترونية الأجنبية للحفاظ على الأمن المعلوماتي الأمريكي من الهجمات التي تتعرض لها شبكة حواسيب المؤسسات العسكرية، كما حصل ذلك في اختراق مجموعة من الحواسيب في وزارة الدفاع الأمريكية عام 20011، من بينها جهاز حاسوب وزير الدفاع روبرت غيتس، مما أظهر ضعف البنية التحتية للأمن الإلكتروني الأمريكي أمام الهجمات الصينية، وقد أعربت وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون عن نية الحكومة الأمريكية في تخصيص 4.7 مليار دولار كنفقات للأمن الالكتروني الأمريكي عام 2014، اذاً تتطلب جل هذه المخاطر التي أوردناها سابقاً تطوير استراتيجية وطنية للأمن الالكتروني وحماية البنية التحتية الحساسة، وانشاء تعاون وطني بين الحكومة والمجتمع يبدأ بوضع سياسة للنهوض بالوعي حول قضايا الأمن الالكتروني، كذلك توفير الدعم المادي وتطوير الخبرات الفنية في هذا المجال، مع مراعاة عدم انفراد جهة واحدة بممارسة الرقابة على استخدام الوسائل الرقمية، وألا تنتهك الرقابة خصوصيات الأفراد أو تقييد خصوصيات الأفراد أو تقليد حرياتهم وحقوقهم المشروعة.

#نواف_عبدالقادر_جواد (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات