سهيل علي عبد
الحوار المتمدن-العدد: 5152 - 2016 / 5 / 4 - 01:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الجدل الجيو سياسي حول الاستراتيجية الامريكية
الباحث العراقي:سهيل المجمعي
ان النظرة الجيو سياسية التي تهيمن على فكر الإدارة الأمريكية تجاه العالم , والتي تنبع من الرغبة في بسط الهيمنة العالمية , لا تقتصر فقط على الاحتفاظ بقواعد عسكرية حول العالم في اي وقت تريده , ولكنها ايضا ترى ضرورة التحكم في مختلف مصادر الموارد الطبيعية المؤكدة والمحتملة , والتي يأتي على رأسها النفط , وخاصة نفط الخليج .
فأن ما يشهده العالم حالياً هو جزء من خطة واسعة يمكن ان ندعوها – صناعة أمريكية – لتقسيم وتشتيت شعوب العالم , بشكل عام , والعالم العربي – الإسلامي , بشكل خاص, فأن مئات الالاف من المسلمين قتلوا عندما قررت الولايات المتحدة تغيير الانظمة العربية مثلا.
وعند الحديث عن الاستراتيجية الأمريكية ثمة ملاحظتان أساسيتان تسترعيان الانتباه :-
الاولى : هي ان الجدل الاستراتيجي الذي صيغت في ضوئه الاستراتيجية الامريكية وبالتالي عقيدتها العسكرية ابان الحرب الباردة والمتأثرة بالكم الهائل لترسانة الأسلحة النووية , وما تمتعت به من خصائص تقنية وما قادت اليه من استراتيجيات رادعة هذا النمط من الجدل الاستراتيجي العسكري الامريكي وفي ضوء الكتابات والتحليلات الامريكية يبدو اليوم انه مهتم كثيراً بفرضه بالقوة من خلال حروب تستخدم فيها الاسلحة النووية بقدر ما اخذ الاهتمام يتركز على انماط من الحروب تدار بأسلحة تقليدية تنطوي على قدر عال من الكفاءة التكنومعلوماتية .
وهذا التحول في نمط التفكير الذي كان سائداً في فترة الحرب الباردة مرده تراجع جدلية الحرب النووية وذلك بفعل تراجع فاعلية التغير الايديولوحي بعد غياب الاتحاد السوفيتي كقوة عظمى لها من القدرة ما يؤهلها لان تفرض تحديات نووية على قدر عال من الوثوق والمصداقية .
وعليه فبزوال الاتحاد السوفيتي تراجعت أهم أداة في مواجهته وهي الأداة النووية وحتى البعض من القوى الدولية التي كانت تعد وهي مرحلة تاريخية معينة خصما عقائديا للولايات المتحدة كالصين مثلاً فإنها أخذت تكيف مضامين عقيدتها السياسية وتوجيهاتها الايديولوجية بما يتوافق مع حقائق مرحلة ما بعد الحرب الباردة .
الملاحظة الثانية : وهي ان الاستراتيجية الامريكية ورغم تغير توازنات القوى في البنية الهيكلية للنظام الدولي وبالشكل الذي يضمن للولايات المتحدة انفراداً متميزاً فان هذه الاستراتيجية كانت وما تزال تبدي ميلاً واضحا ونزوعاً قويا الى تبني اسلوب ردع فعال يظهر قدرة الولايات المتحدة وتصميمها على استخدام قوتها العسكرية اذا ما تعرضت مصالحها الحيوية الى الخطر .
اي ان السمة المميزة لمنهج التفكير الاستراتيجي الامريكي تجمع بين التهديد باستخدام القوة العسكرية او استخدامها فعلاً اذا ما تحول التهديد الى اسلوب عمل او طريقة في التعامل لانزال العقاب في حال المساس بالمصالح الحيوية او عند تعرضها لتهديدات جدية .
وتكشف لنا الخبرة التاريخية ان هذا الاسلوب المنطوي على قدر واضح من التعنيف رافق الاستراتيجية الامريكية منذ النصف الثاني من القرن العشرين اذ تكاد لا تخلو اية ادارة من الادارات الامريكية التي تعاقبت على رئاسة الولايات المتحدة لهامش التصعيد او التهديد باستخدام القوة المسلحة .
ففي عهد ( تورمان ) تبنت الادارة الامريكية استراتيجية الاحتواء وفي عهد الرئيس ( ايزنهاور) تبنت الادارة الامريكية استراتيجية الانتقام الشامل وفي عهد ( كندي ) كانت هناك استراتيجية الاستجابة المرنة وفي عهد ( جونسن ) تبنت الادارة الامريكية استراتيجية التدمير المؤكد اما في عهد ( نلسون ) كانت هناك استراتيجية العامودين او الحرب بالوكالة وتبنى ( كارتر) بعد ذلك استراتيجية التدخل المباشر والانتشار السريع وفي عهد ( ريغان) تبنت الولايات المتحدة استراتيجية حرب النجوم والدرع الفضائي .
وعندما تولى ( بوش الاب ) رئاسة الولايات المتحدة رفع شعار النظام الدولي الجديد واستراتيجية تكيف بقية الدول الكبرى والاقليمية مع الواقع الدولي الجديد وفي عهد ( كلنتون) كانت هناك استراتيجية الاحتواء المزدوج لبعض الانظمة التي ترى فيها الولايات المتحدة ما يهدد مصالحها .
وفي عهد ( بوش الابن ) تبنت الادارة الامريكية استراتيجية الضربة وراء الوقائية او الدفاع الوقائي ومحاربة الارهاب وربما يكون الدافع وراء تبني مثل هذه الانماط من الاستراتيجيات هو طبيعة الواقع الدولي والاقليمي سواء كان اثناء الحرب الباردة او بعد انتهائها بعد زوال الاتحاد السوفيتي وبقاء الولايات المتحدة كقوة قائدة في النظام الدولي وما رافق ذلك من اتساع الحيز الجغرافي لمفهوم الحيوية مما يفرض على الولايات المتحدة تبني استراتيجيات مختلفة لمجابهة انماط متعددة من التحديات .
وفي الحقيقة ان مفهوم المصالح الحيوية الامريكية يرتبط وثيقا بالرؤية الامريكية لمسألة الامن القومي الامريكي وبالتالي فهو يرتبط بالعقيدة الامنية للولايات المتحدة , وعلى الرغم من الصعوبة الواضحة في تحديد ماهية المصالح الحيوية الامريكية المرتبطة بالامن القومي الامريكي الا اذا كانت هذه المصالح الحيوية الامريكية تنطوي على امتدادات عالمية .
وفي الواقع فان غياب الاتحاد السوفيتي ومحدودية الروادع النووية الولية ( كالصين وروسيا الاتحادية ) اصبح من الضروري بالنسبة للكثير من منظري سياسة الامن القومي الامريكي من احل اعادة التفكير فيما يتعرض له الامن القومي الامريكي من مخاطر . ومن الناحية الفكرية التنظيمية يمكن ترتيب المخاطر التي يتعرض لها الامن القومي الامريكي الى ثلاثة مستويات مرتبة ترتيباً تنازلياً من اكثرها خطورة الى اقلها خطرا:
المستوى الاول: يشمل المخاطر التي تهدد وجود الولايات المتحدة والتي كانت متمثلة بالاتحاد السوفيتي والقوى المرشحة كبدائل له كالصين وروسيا الاتحادية .
اما المستوى الثاني: يشمل المخاطر التي تهدد المصالح الامريكية وهو المستوى الاكثر احتمالا وفق المنظور الاستراتيجي الامريكي وميدانها العملياتي والحالات الرئيسية التي تمثل هذه المخاطر هي الصين ,روسيا الاتحادية , شبه الجزيرة الكورية , منطقة اسيا الوسطى , منطقة الشرق الاوسط وفي مقدمتها منطقة الخليج العربي .
اما المستوى الثالث فيشمل مناطق لا تهدد الوجود الامريكي تهديداً مباشراً ولكن لابد من عمل حساب له وهي ( البلقان , الصومال , السودان , راوندا , هاييتي ).
اما على المستوى السياسة الخارجية الامريكية فنقلا ً عن وزيرة الخارجية الامريكية السابقة ( كوندليزا رايس ) لبحث السياسة الخارجية الامريكية اتجاه منطقة الشرق الاوسط الموسع وهي حسب ما تقوله رايس تضم دولاً مابين دولتي المغرب وباكستان وتقول ان السياسة الخارجية الامريكية اتجاه دول تلك المنطقة قائمة على عقيدة قديمة في السياسة الخارجية الامريكية وهي تلك القائمة على المزاوجة بين حقوق الانسان وتعزيز التطور الديمقراطي , ولكن هناك استثناء في السياسة الامريكية بالشرق الاوسط تركز اكثر على الاستقرار وتشير الى ان هناك حوار بشأن الديمقراطية بدول المنطقة ولكنه ضعيف وبعيدات عن الدوائر العامة .
وتشير ايضا الى انه خلال العقود الستة الماضية ركزت الادارات الامريكية ( الديمقراطية والجمهورية ) على مساومة تقوم على الدعم الامريكي للنظام السلطوي وفي المقابل تعمل هذه الانظمة على تحقيق الاستقرار الذي تسعى اليه الولايات المتحدة لتحقيق مصالحها ولكن بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر اتضح ان تلك المعادلة لا تساعد على تحقيق الاستقرار واذا كانت تحققه فانه استقرار لا يفيد المصالح الامريكية .
حيث شهدت المنطقة زيادة نفوذ للمنظمات الاصولية لا سيما تنظيم القاعدة الذي اصبح يتبنى مفهوم العدو البعيد ( Far Enemy ) في اشارة للولايات المتحدة والدول الغربية .
وفي ظل احتدام الجدل حول السياسة الخارجية الامريكية اتجاه منطقة الشرق الاوسط تقول رايس ان مستقبل المنطقة يؤثر على المصالح الامريكية في المنطقة والتي تتنوع بين الطاقة والامن والدفاع وتدعيم الحلفاء والاصدقاء وكذلك على الصيغ الامريكية لحل النزاعات التي تموج بها منطقة الشرق الاوسط فضلاً عن مساعدة الدول الشرق اوسطية في الحرب الدولية ضد التطرف والارهاب وفي الوقت الذي تثار فيه معضلة الاختيار بين مصلحة الامين ام القيم الامريكية .
#سهيل_علي_عبد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟