|
التغيير الشامل سبيل الإنقاذ الوحيد
صادق الازرقي
الحوار المتمدن-العدد: 5149 - 2016 / 5 / 1 - 22:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يحصد العراقيون من العملية السياسية البائسة التي بنيت على أسس مغلوطة ارتهنت بالتدخل الدولي لإسقاط النظام الدكتاتوري السابق، والتداعيات الإقليمية المقترنة بذلك، لم يحصدوا سوى الخيبة والمذلة والخسران؛ تلك العملية التي ابتدأت باستيلاء الأحزاب المتنفذة على أملاك الدولة والأملاك العامة ولم تنته بنهب الأموال المستحصلة طيلة الثلاثة عشرة سنة الماضية. ملفات شائكة ومرهقة ظل الناس يدورون في دوامتها منذ اليوم الأول لإسقاط النظام المباد فملف المظلومية و السجناء السياسيين استغل بصورة سيئة و كارثية، أعطي كثير من غير المستحقين حقوقاً لا يستأهلونها وأهمل مناضلون حقيقيون فلم يعيدونهم الى وظائفهم ولم يأخذوا حقوقاً، ومنذ اليوم الأول للتغيير سعى السياسيون الى إقامة نظام متخلف يقوم على الامتياز الطائفي والاثني وليست اعتبارات الاختصاص والمهنية التي يحتاج اليها الشعب، ففصّل نظام الانتخابات على مقاس القوى المتنفذة ليلبي مصالحها الضيقة وليست مصلحة عامة الناس فتدارسوا في أمر النظم الانتخابية ليقر رأيهم على النظام الحالي الأعرج. و لربما كانت اميركا التي أسقطت نظام صدام وجلبت معظم السياسيين الحاليين تمني النفس في إفساح الفرصة لإنشاء قوتين او حزبين كبيرين على النمط الاميركي "الجمهوري والديمقراطي". لقد أنتجت ألأوضاع العراقية الجديدة طبقة ثرية شرهة وشرسة امتلكت جميع أموال البلد طيلة السنوات المنصرمة في حين ازداد الآخرون أي أغلبية الشعب فقراً الى الحد الذي دفع نواباً من الصنف الأول المترف الى السخرية من عامة الناس وتعيير الشعب بفقره وبؤسه. لم ينتج الوضع الجديد مصانعاً برغم الأموال الهائلة التي وصلت الى الخزينة بسبب ارتفاع أسعار النفط و اختفت ميزة بلد النهرين بصفته بلدا زراعيا بعدما جرى التخلي كليا عن طبقة الفلاحين ودعم الزراعة الوطنية وصار البلد نهبا للإنتاج الزراعي المستورد في سابقة خطيرة ندر ان يشهدها بلد. ألغيت تعيينات الخريجين والشباب فلم يحصل أي شخص على وظيفة الا بوساطة او لقاء دفع المال رشى للمافيات الجديدة التي افترست الناس. انعدمت الخدمات بصورة تامة لا ماء نظيف ولا كهرباء الى الحد الذي أدى بدوائر الخدمة البلدية الى التغاضي عن رفع القمامة من المناطق والشوارع فتراكمت بصورة مفزعة، وزاد الوضع الجديد خراب الروح العراقية خراباً وكرس معالم القسوة والكراهية، فتصاعدت معدلات القتل والجريمة والسرقة والاختطاف وازدادت نسب الانتحار وتفاقمت العشوائيات ولاسيما مع إخفاق الدولة في توفير السكن للناس؛ غابت البسمة وانعدمت معالم الفرح وتعززت مظاهر الاكتئاب والتشاؤم والإحساس بالضياع. ابتدأت الاحتجاجات ضد الفساد منذ 2011 في الوقت الذي كان برميل النفط 140 وكانت الأموال تذهب هدراً ولم يلتفت احد الى مطالب المتظاهرين برغم منطقتيها وواقعيتها التي تتمحور حول ضرورة محاربة الفساد والمفسدين وتوفير العمل والخدمات والسكن وتحسين مستوى معيشة الناس. أما التظاهرات التي تصاعدت منذ صيف العام الماضي على خلفية أزمة الكهرباء فطرحت الأهداف ذاتها التي اختصرها سياسيو الصدفة والمنطقة الخضراء بتغيير وزاري يتيم وحتى هذا التغيير دأبوا على إبقائه في دوامة المحاصصة والمشاركة في الغنائم والتوافق عليها فلم ترض الكتل بوزراء مهنيين مستقلين بل انهم دأبوا على التهرب من الجلسات حتى لا يكتمل النصاب ويبقى وزراء المحاصصة في مناصبهم الأمر الذي فاقم نقمة جماهير الشعب بشتى توجهاتهم ودفعهم الى اقتحام المنطقة الخضراء التي ظلت خضراء برغم نهارات وليالي الشعب الدامية المشبعة بالفقر و الألم، فلطالما مثلت الخضراء استفزازاً لجماهير الشعب. لقد مكنت الطبقة السياسية بسياستها الخرقاء باسم المحاصصة تنظيم "داعش" الإرهابي من احتلال أجزاء واسعة من العراق، على خلفية صراع قياداتها على المصالح. لم يفهمِ السياسيون والنواب والمسؤولون من سقط المتاع مع احترامي للخيرين منهم؛ لم يفهموا ولن يفهموا ان القضية تتعلق بالاقتصاد بالدرجة الأولى و ان تلبية مطالب الناس في العيش الكريم والسكن اللائق هي المحك وهي الفيصل. ولماذا لم يفهموا ذلك؟! لأنهم أدمنوا سرقتنا باسم الدين فالدين الحالي ليس الدين قبل 1500 سنة عندما انبثق ليعالج مشكلات تكونت في أوانها اما الدين الحالي فانه عكازة يستند عليها الفاشلون بعد ان نفدت بضاعتهم. على المستوى الشخصي لم انتخب هؤلاء الفاشلين فلقد صوتت لغيرهم او لم اذهب الى التصويت اصلاً، اما على الصعيد الجمعي فلقد انتخبوهم ونكبوا بهم بل نكبنا جميعاً. خدعوا بهم بعد ان هيئوهم باسم الطائفة والقومية فأهملوا الاقتصاد ونسوا قوانين الحياة فكانت الطامة الكبرى، التي لم نزل ندفع تبعاتها التي تبقى لصيقة بنا حتى نكتشف ذواتنا ومهاميز انكسارنا. لدينا في العراق كان ربح اللصوص مضاعفا فهم لم ينشئوا المعامل ليقبضوا منها على فائض القيمة "التي شخصها طيب الذكر كارل ماركس" بل انهم احتازوا القيمة كلها فمنذ اليوم الأول لاسقاط صدام حسين من قبل القوات الأميركية استولى هؤلاء على الأملاك العامة برمتها وبعد ان كانوا ينتقدون صدام لتعدد قصوره اصبحوا هم من استولى على تلك القصور وانشئوا كثيرا غيرها في داخل العراق وخارجه من أموال الشعب المنهوبة ولاسيما بعد ان كان سعر برميل النفط يتجاوز الـ 130 دولاراً.
اود هنا ان الفت القاريء الكريم الى مقالة سابقة لي كتبتها في عام 2013 تجدونها على الرابط : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=361146 عنوانها ((العراق .. مقبرة للأحياء .. و بلد في طريق الهلاك)) قلت في جانب منها "بتنا نرى فئات واسعة من الشعب ، بدأت بالتشاؤم، كما ان افواجا من الشباب بدأت تفكر بترك البلد والهجرة وأخذ كثير منهم ينفذ ذلك بالفعل بعد ان ساقتهم العملية السياسية الى مصير مرعب ومستقبل أكثر رعبا، كما ان نذر الوضع الاقليمي المتأزم تلمح الى الكارثة المقبلة. اننا نرى في كل يوم ان الوطن يتحول يوما بعد آخر وساعة اثر ساعة الى مقبرة كبيرة للأحياء وليست للأموات فحسب، وليس الموت وحده هو من يترصدهم و يفترسهم، بل هو الفقر والبطالة وانعدام العدالة الاجتماعية، التي تمثل بدورها رصيدا كبيرا لدوامة العنف والموت المتواصلة...". لقد تسبب تمسك السياسيين بنظام المحاصصة والنظام الانتخابي الفاشل والدستور المشبع بالأخطاء الذي فصل تبعاً لأهواء السياسيين بانهيار الوضع في البلد الذي لن تنفع في حله اجتماعات الرئاسات الثلاث ومزاعم الحرص على الوحدة واللحمة و التنظير الفارغ الذي لن يغني ولن يسمن من جوع، الحل الوحيد يكمن في التغيير الشامل بإقالة جميع المسؤولين الحاليين وحل مجلس النواب وتشكيل حكومة مستقلة بعيداً عن الأحزاب والعمل على سن دستور عصري وفتح الأبواب للبناء والإعمار وإعادة البسمة والأمل للناس، وعندها يكون لكل حادث حديث.
#صادق_الازرقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما الذي ابقته الاحزاب الدينية للعراقيين.. وما الحل؟!
-
المصالحة الوطنية..الخديعة الكبرى وافقار الناس
-
المسؤولون مزدوجو الجنسية.. بلاؤنا الذي ينخر في اجسادنا
-
الانتفاضة العراقية.. جبهة واحدة لا خنادق متضادة
-
اصلاحات العبادي قطرة في بحر الفساد وعساكره المروعة
-
بنو سعد وأبناء هاغن
-
الجريمة المنظمة وضرورة مجابهتها
-
يذهبون إلى الإرهاب فيضربوه وننتظره نحن ليضربنا
-
الفساد ودور السلطات الثلاث في دحره
-
متغيرات العالم ومسؤوليتنا في قطف ثمار ايجابياته
-
حدود المسؤولية في إدارة الأعمال البلدية
-
جرائم بحق مصادر المياه
-
شفرات التسارع المعرفي ودوامة الهدم التي تغمرنا
-
الكهرباء الى أسوأ.. فما نفعها في رمضان؟
-
حزب العدالة يخلع حجابه ويحلق لحيته
-
العبودية في مظاهرها المعاصرة
-
إدارة النفايات وعكازة الازمة المالية
-
استعادة التفاؤل المفقود
-
مولدات فضائية
-
مستحقات الفلاحين بين التجارة والمالية
المزيد.....
-
السجن النافذ لمن يلقي التحية النازية.. أستراليا تقر قوانين ج
...
-
بث للمرة الأولى من كاميرتي مراقبة.. فيديو متداول في لبنان يظ
...
-
بعثة ليبيا الأممية تشكل لجنة استشارية
-
المدعية العامة الأمريكية الجديدة تحل مجموعة نشطت في ملاحقة ا
...
-
الأزهر يرفض تهجير الفلسطينيين: خدع القرن الماضي لن تتكرر
-
مدعون عامون من 12 ولاية أمريكية يطالبون بتقييد وصول وزارة إي
...
-
النيجر .. الجيش يعلن مقتل 10 جنود على الأقل في كمين
-
-نافذة من دمشق- تتناول تداعيات كشف -قيصر- عن هويته
-
تحرير عنصرين من القوات السورية خُطفا خلال حملة أمنية قرب الح
...
-
أمريكا تصادر طائرة ثانية لرئيس فنزويلا.. ومسؤول: كنز من المع
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|