جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 5146 - 2016 / 4 / 28 - 06:43
المحور:
كتابات ساخرة
أقفلتُ بابَ السيارة ونزلت منها مبتسما, نظرت لي جارتنا من النافذة وقالت :(بسم الله الرحمان الرحيم), طبعا قالتها كتعويذة مما رأت عيناها, غريب جدا ومستهجن جدا أن تراني جارتي فرِحا ومُبتسما فقالت :(أبو علي شو مالك شايفك مبسوط شو فيه!!؟) , نظرتُ إليها وأعطيتها ابتسامة في وسط عينيها ولم أنبس ببنت شفا, فقالت: (لا حول ولا قوة إلا بالله), حوقلت وبسملت بكثرة ثم تركتها كما تركتُ باب السيارة خلفي مغلقا ومشيت عدة أمتار فصادفني ابن عمي فقال: (شو مالك شايف وجهك إمفتّح اليوم؟ خير انشالله لا يروح صاير معك إشي؟ أو لا سمح الله شارب إشي!!) واقترب بأنفه مني ليشتم رائحتي مثل الحيوانات الشمّامة فنظرتُ إليه ومن ثم مددتُ ذراعي الأيمن واحتضنته وقبلته على وجهه من اليمين ومن اليسار ولم أقل له إلا كلمة واحدة: نعمة الرب...مبسوط من نعمة الرب..فقال: هذي مصطلحات الكفار... وحين تركته صاعدا الدرجتين إلى باب منزلي تمتم خلفي بكلمات لم افهمها غير أنني سمعت جملة واحدة وهي : لا حول ولا قوة إلا بالله , وحين وصلتُ باب البيت وجدته مغلقا, ناديت على زوجتي وضربتُ جرس الباب ففتحت لي الباب ورأتني مبتسما فتفّت في عِبها كتعويذة من الشيطان الرجيم وقالت: شو مالك شو في؟, فقلت: لها: شو مالكوا كلكوا بتسألوني شو في؟؟؟!! أنا مبسوط جدا وفرح جدا...يا حُرمه: نعمة الرب زارتني الليله.., أنت تسألينني وجارتي تسأل وابن عمي يسأل!! ليش؟؟ فقالت: ( شو انشالله الجيران كمان شافوك وأنت في هذي الحاله؟) فقلت: نعم, أجل, فضربت أخماسا بأسداس وقالت: ( والله انفضاحنا على تالي الزمن) فقلت لها: اتصلي بأهلك وقولي لهم: المسخوط فات عليّ سكران....
وقلت: شو بعدكوا شفتوا والله غير أفضحكوا كل يوم, صدقوني غير كل يوم أفوت الدار وأنا هيك مبسوط, فخرجت أمي من عزلتها ومرضها وألمها وقالت: لا يروح يا ميمتي شارب إشي!!, فقلت: شربتُ من نفح السماء, فرحتُ بروح الرب, فرحان بالذي أحبني, أنا فرِح جدا بأبي الذي قبلته وقبلني وخلصني من الشرير, تألّم من أجلي وليس من أجل نفسه...حمل عني الصليب..وانتوا الحقوا حالكوا وافرحوا, القرآن لا يحب الفرحين حسب ما جاء في متنه, والإنجيل يحب أن يفرح أبناء الرب, حتى لوكنت شارب شو يعني؟: قليل من الخمر ينعش القلوب, الشُرب أفضل من الذين يفرحون بتقطيع الأوصال والرؤوس والأرزاق, أنا مسرور جدا أين الغرابة, فقالت أمي: بس يا حبيبي يا ميمتي مش مليح قدام الناس تضحك وتنبسط هيك وتظهر على الناس وأنت بهذه الحاله, فنظرتُ إليها وإلى زوجتي وقلت لهما كلمة واحدة وهي: فلاحون.
ثم دخلتُ غرفتي وفتحتُ التلفاز وبحثتُ عن أغنيات من الطرب الأصيل ومددت جسمي كله على السجلونة وعيوني شاخصة إلى رب السماء ووجهي مبتسما فدخل خلفي كل أفراد الأسرة وأنا مسرور وهم ينظرون في وجهي بكل استغراب واستهجان, شعرتُ وقتها وكأني ارتكبتُ مخالفة قانونية من قوانين الحياة العامة والمدنية وشعرتُ أنني مذنب أو كأنني تسببتُ بإيذائهم وهم ما زالوا ينظرون في وجهي وهم لا يتكلمون غير أنهم حزنوا جدا بسبب فرحي, تخيلوا أهلي وجيراني حزنون جدا بسبب فرحي وانبساطي!!.
بعد ذلك أخذتُ غفوة قليلة وأنا أمتطي السجلونه وما وعيتُ إلا وزوجتي تقول لي: قوم أبو علي اشرب قهوة, فقلت وأنا متعب ونعس جدا: اممم ما بديش اتركوني فرحان, فقالت: والله يا زلمه ما هي مليحه بحقك يشوفوك الأولاد مبسوط, والله ما هي مليحه بحق الأولاد لما أولاد الجيران يحكولهم: ابوكوا نزل من السيارة مبسوط على الآخر, قل لي: أم عسجد شافتك؟ فقلت: بدريش...لا اعلم, فقالت: اذا شافتك والله وسألتني ما راح أعرف أحكيلها السبب!! هذي رايحه تفضحني عند كل الناس, رايحه تقول: أبو علي فات داره مبسوط.
عندها طارت السكرة وجاءت الفكرة كما يقولون وأخذتُ أجهش بالبكاء, وقلت: أنا مش سكران..أنا مش خمران, صدقوني لا نهبت ولا سرقت ولا قتلت ولا بحياتي كلها اشربت حشيشه أو مخدرات ...يعني لازم أكون عاملي عمله؟ يعني شو بتفكروني قتلت قتيل؟؟؟أنا مبسوط, فقالوا لي: يا رجل شو سبب لانبساط؟ يعني اللي بشوفك وانت فايت على الدار مبسوط وبتضحك بدون سبب أكيد بده يقول إنك شارب إشي أو ماخذ يعني متعاطي شيء لا سمح الله؟؟ فقلت: دائما أبكي وأزعل وما عمره حد فيكوا سألني عن سر تعاستي, جارتي دائما تراني من النافذة مهموم وعريان وغلبان وتعبان ولا عمرها سألتني عن سبب تعاستي, أحيانا من كثرة الحزن والألم بمشي بالشارع وأنا بحكي مع نفسي, وغالبا ما بروح ما أنجن رسميا أو أموت من شدة القهر وابن عمي يعلم ويشاهد دائما أثر البؤس على وجهي ولا كمان هو عمره سألني شو عايز أو من شو متضايق, عمره ما حدى شافني مهموم وسألني: جيعان أم شبعان...تعبان أم نعسان؟؟وأخذت الدموع تتساقط من على وجهي وأنا أقول: ليش ما تسألوني عن سر تعاستي, لا يوجد حب لا توجد رومنسية لا توجد حياة عصرية, حياتنا كلها نكد ولقمة خبزنا مغموسة بالدم, وعرق جبيني ضائع على ألفاضي ونضالي وكفاحي كله مجاني, ثم عدتُ أبتسم وأضحك فقالوا: أها رجعتله الحاله لازم نوخذه على طبيب نفسي, خلينا نشوف حدى يعطيك إبرة مهدي أعصاب.. وبعد ذلك رن هاتفي, وكانت أختي تطلب مني أن أقوم بإيصالها هي وبناتها إلى محل بيع الملابس, فوافقت بسرعه وقلت لها: أنا جاي..أنا قادم, فقالت زوجتي: لا مستحيل أخليك تطلع من باب الدار وأنت على هذه الحاله, فقلت: شو يعني ليش؟ فقالت: يا زلمه هسع الناس كلهم رايحين يشوفوك بتضحك, فقلت: طيب وين الموضوع؟ فقالت أمي: كيف وين الموضوع والله غير ننفضح بالقريه كلها, فقلت: عدم المؤاخذه يلعن أبوكوا على أبو القريه, ليش ما تشعروا بالفضيحه لما تشوفوني أبكي وأتألم؟ ليش شيخ الحاره يتألم وتأخذه الشهامه والنخوة لما بشوف سيدة بسيقان عارية وأفخاذ مكشوفة ولا تأخذه النخوة لما بشوف ابنها عريان وحافي وجيعان؟؟؟ ليش إنتوا هيك؟ انتوا شو بدكوا تجلطوني؟ إنتوا دايرين على جلطي!!!..يا قوم: خلوا بيني وبينكم, فقالت ابنتي: عن جد بابا شو بدهم يحكوا عنا الناس لما رايحين يشوفوك بتضحك,؟؟؟, ورددت زوجتي: والله غير ننفضح وننحسد, يا زلمه هسع بحكي مع أختك, وطلبت أختي على الموبايل وشرحت لها الموقف وسمعت أختي تقول: الله يهديه, فقلت: ول ول ول عليكوا...ولكوا أنا شو عامل جريمه؟!!( افرحوا بالرب في كل حين).. ولكوا كما قال نزار قباني: الجنسُ كان مُسكِنا جربته لم ينهِ أحزاني ولا أزماتي. أنا الآن مبسوط مش من الجنس, أنا جربت كل شيء ولا اشي ابسطني.. أنا هيك فرحان من الله, والفرح رزق من الله مثله مثل المال والسياسة والصحة, الله اليوم أعطاني الفرح...الرب أحبني وشعرتُ بحبه يغمر قلبي, أنا مبسوط من الله وهذا رزق من الله, الله اليوم سدد احتياجي بحسب غناه في المجد, قولوا: هللويا...قولوا آمين, فقالت أمي: الزلمه إنجن رسميا....والله غير أموت بحسرتي من شوف عيني, برضاي عليك لا تطلعش على الناس وأنت بهذه الحاله, فقلت: ولِما لا يرى الناس نعمة الرب على وجهي وأسناني لعلهم يغارون ويسألوا عن السبب ويتبعوني!! ثم أغلقوا باب الدار وخبئوا المفتاح عني حتى يزول عني السرور, وفي الصباح فتحوا لي الباب وقالوا: روح على أختك بس خليك طبيعي مش مليح الناس يشوفوك وأنت على مثل تلك الحالة التي كنت عليها الأمس, امبارح لو خليناك تطلع بالسياره كان اعملت حادث لا سمح الله, فقلت: صدقوا أنني لم أكن سكران ولا خمران...فقط شعرتُ قليلا بنعمة الرب وظهر أثرها على وجهي, هذا كل ما في الأمر وخرجتُ من البيت
من البيت.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟