رغد علي
الحوار المتمدن-العدد: 1390 - 2005 / 12 / 5 - 11:34
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
تبرز الشخصية القيادية أحيانا من خلال التعلم والممارسة , وقد تكون موهبة فطرية يولد بها الآخرون, لكن اجتماع الموهبة مع التعلم والممارسة, إضافة للظروف المساعدة تخلق إنسانا قياديا من الطراز الأول , كأنه مخلوق للقيادة لا لأمر أخر وفي العراق سيدة من هذا الطراز .
هي سيدة عراقية وناشطة سياسية متميزة , تجدها بكل مجال , وتحاورك بكل أمر , القلق علي مصير بلدها يؤرقها , تحمل هموم معاناة شعبها , رايتها مرة بالجمعية الوطنية , تربت علي كتف سيدة كبيرة بالعمر تبكي سوء حالها , وتقدم ملفا لقضيتها و ترجو أي احد أن يوصله لعضو بالجمعية , لم تستطع هذه العراقية المميزة أن تواصل سيرها وهي تسمع شكوى تلك السيدة , فتوقفت وانحنت نحوها وأخذت الملف منها ووعدت صاحبته بأنها شخصيا ستتابع أمرها , وسمعتها إذني وهي توصي احدهم علي الملف.
هذه الناشطة صاحبة مبدأ صلب لأنها ترفض أن تبيع مبادئها في سبيل أي منصب , لذا كان لها موقفا حادا من وزارة الخارجية , وطالبت بدعم الشرفاء وأولاد الشهداء , خصوصا ممن يملكون كفاءات ليكونوا بالخارجية , بدلا من البعثتين المجرمين , الذين يعيثون بالأرض فسادا , ويملئون السفارات العراقية بالعالم , لسانها بالحق قاطعا , هي ابعد ما تكون عن قبول المساومات أو التنازلات عن اى حق , لذا بعضهم يحسب لها حسابا فعلا .
لأنها ابنة شهيد تشعر بمعاناة ذوي الشهداء , دوما تطالب بحقهم ودورهم , لأنها تؤمن أنهم الأكثر وفاء للعراق من غيرهم , فابن الشهيد دفع دما وعمرا ونضالا وتاريخا , لا يمكن أن يساوم أو يقايض بالقضية , والقضية عندها العراق الواحد الموحد .
لأنها ابنة شيوخ لقبيلة عربية لها وزنها , فهي تحافظ علي أعرافها وقيمها , تجدها تجلس مع شيوخ العشائر تحاروهم وتستطلع وجهات نظرهم , تحترم تقاليدهم , لان الغربة الطويلة التي قضتها خارج وطنها لم تغير شيئا من عراقتها واصلها حتى قال لها احد الشيوخ: تصورناك غير عنا بعاداتك, وإذا بك ابنتنا ومنا , كأنك نشأت بيننا . لم يأتي هذا من هباء إنما لجهد من رباها وعلمها بالغربة إنها ابنة شيخ القبيلة , فهل يعرف احد كم مدي صعوبة أن تربي أبناءك بالغربة علي قيم اهلك وعاداتك ودينك ؟؟ .
بإمكانك أن تجدها بين القيادات السياسية علي مختلف أطيافها, وألوانها تناقشهم, ولا تختار إلا الهوية العراقية هوية لها , بلي لسانها كالسيف بالحق ناطقا قاطعا , مسترسلة متواصلة بكلامها , تعبر بملامحها , لا تسيء لأحد بحديثها , وان اختلفت معك بالرؤى فلها وجهة نظرها , ليس من طبعها أن تطعن من الخلف , هذا ليس أسلوبها , لأنها تصارحك بما تراه هي بوجهك لا من وراء ظهرك , جريئة واضحة بأطروحاتها .
تجدها بين الدبلوماسيين العرب والأجانب , واسعة جدا علاقاتها , كلهم يحترمونها ويقدرونها , تؤمن أن السياسة تعني الدبلوماسية بالحوار, تحاول سماع الأطراف قبل أن تأخذ القرار, فرضت وجودها بالاحترام, والعمل الذكي المخلص الطموح لبناء العراق , ليس للمنصب والجاه , لأن مجرد وجودها مع الآخرين في أي قضية نجاح لتلك القضية , ولها جاه حقيقي لمن يبحث في تاريخها واصلها .
بإمكانك أن تجدها بكل المجالس , فسبحانه وهبها قابلية مذهلة للحوار والإقناع ,تجدها بلقاءات مع مختلف أطياف الشعب , فأول ما وصلت للعراق بحثت عن أفراد وفروع قبيلتها, المنتشرة بانحاء العراق, لأنها ابنتهم , ومن حقها أن تسمعهم وتعيش معاناتهم ,لكي تساعدهم , وكم نزلت منها عبرات لأنها لم تكن تعرف لاى درجة يعانى شعبها وأهلها وناسها , كانت تسمع بحالهم , لكنها لم تتصور مدى مرارة الحقيقة حتى رأتها بعينيها , ولمستها بأحاسيسها, وشعرت بمدي حاجة هذا البلد للعمل الدؤوب المخلص .
اسألوا عنها أبي غريب وأهلها, اسألوا البصرة والحلة والكاظمية وغيرها من مناطق العراق سيرد عليكم أهلها هناك , فهي جمعتهم منذ اللحظةالاولي التي وصلت فيها للعراق في عام 2003, التقت الشيوخ والشباب والنساء , لم يكن لها غاية وهدف, سوي أنها تريد مساعدة أبناء شعبها باى شكل , لان بداخلها تعطش وحنين حقيقي لكل ما هو عراقي ,تعطش لان تلمس جذورها حتي تقويها , خرجت لكل مدن العراق , والتقت بمختلف الأطياف , سمعت منهم وسمعوها .
ساعدت الكثير ممن دق بابها , حسب إمكانياتها وطاقاتها , بل دعمت وجوها معروفة علي الساحة اليوم ,فهي تؤمن تماما أن من يريد بناء العراق , ممكن أن يعمل من موقعة , حيث كان , لذا هي لا تبالي كثيرا بالعناويين إنما تبحث دوما عن الأفعال والانجازات .
تلاحقها وسائل الإعلام أينما حلت , وفي مرة قال لها احد الاعلامين الأجانب بان له الأولوية بالحوار معها , فاذا بردة فعلها حاضرة فأجابته : و لماذا لك الأولوية ؟ إن الأولوية هنا للعراقيين ,ولم يكن هذا الرد الا من قناعة حقيقية بداخلها , ألف احد الكتاب الأجانب كتابا عن حياتها وتاريخها , وترجم لعدة لغات منها الألمانية والفرنسية والاسبانية , هاتفها لايكف عن الرنين , فذا يطلب مساعدتها , وذاك يأخذ رأيها , وآخرون يبحثون عن أخبارها وتحركاتها , وبعضهم يتمنون انضمامها لهم لأنها مكسب حقيقي .
بعضهم ينتقدها, لان لهجتها ليست عراقية, متناسين ضريبة الغربة , فماذا تفعل الطفلة ذات الثلاث سنوات وهي تترك بلدها لتعيش غربة طويلة؟ , لابد أن تتأثر بمحيطها كانت محرومة من لقاء أقاربها , وممنوعة من زيارة أهلها , فوالدها مناضل معروف له تاريخه السياسي, اغتاله النظام البائد , وهي ترعرعت بهذا الجو المشبع بالسياسة من كل الاتجاهات , لان والدتها من عائلة عريقة من الجنوب اللبناني , عائلة لها أيضا تاريخها بالسياسة اللبنانية , ولها أثرها بالأدب والفكر والشعر العربي , فمن أي صوب تلفتت تلك الطفلة وجدت السياسة والفكر أمامها, هكذا نشأت بجو الثراء الفكري والوطني , لتكون بالبداية حاملة لأسرار عمل أبيها السياسي , ومن ثم خطت لنفسها طريقا خاصا لتتابع المسيرة , فلم تبرز هذه السيدة من دون عناء ومشقة , ولم يكن دربها محفوفا بالورود , ولم تكن حياتها خالية من المخاطر , ولم تكن ظروفها المادية دوما ميسرة , ذاقت أمورا كثيرة , وعرفت طعم الالم والظلم , والتقت بطريقها بأشكال متنوعة من البشر , ورغم صغر سنها , صنعت لنفسها خبرة متواضعة بالحياة , لان التجارب هي التي تصنع الإنسان .
هي كانت وما زالت سيدة لكل المواقف , ترتبط بعلاقات طيبة مع كل الأطراف, حتى التي تختلف معها فكريا تربط بهم بعلاقات صداقة وود واحترام, جميعهم يسالون عنها ويفتقدونها أن غابت , وهذا بحد ذاته امر لا ينجح كثيرين بتحقيقه .
لا تنتمي لأي حزب كان , ولا تمثل فئة معينة , لأنها تؤمن حقيقية أن العراق لكل العراقيين ,وان أرادت العمل للوطن ستعمل للجميع ليس لفئة او لصالح حزب .
بعض أخر ينتقدها لأنها تكثر من ذكر والدها , ويتناسون أمرا إنسانيا طبيعيا , ألا وهو الوفاء , لأنها حين وصلت للعراق بكت بحرقة قلب , وتذكرت نضال أبيها , تذكرت كل من عرفتهم وغابوا ظلما وطغيانا , تذكرت الطريق الطويل الذي سارته , وتذكرت الأصدقاء الذين ساروا معها بنفس الدرب وسقطوا بظلم وغدر , كانت تتمني ان يكون والدها ضمن العائدين للوطن ,لانه كان رفيقها وسندها في رحلة النضال والغربة , لكنه ودعها بحلمها والبسها عباءته , إنها قدمت دما للعراق , وهي مثل أي ابن لشهيد لا يمكن أن تنسي جرحها الذي يمثل جراح كل العراقيين المظلومين , من لا يقدم الوفاء لأهله لن يقدمه لأحد من عشيرته , ولن يقدمه لأحد من أبناء وطنه .
إنها مؤمنة بسيادة القانون , فكان موقفها أن تلجا للقانون لتأخذ حقها , باسترداد أملاك والدها , فلم تطرد من يسكنون بأرضها ودارها , لم تهدد احد , ولم توجه اللوم والتعنيف لمن استولي علي حقها وحق أخواتها , لم تصنع لنفسها ميلييشياتا , وهي ابنة شيوخ القبيلة لو أرادت كانوا طوع رأيها ,لا تؤمن هي بلغة الميليشيات لأنها تريد الحق بالقانون , أنها اليوم لاتملك بيتا خاصا بها غير ما قدمته الدولة لها , ولم تدير أي أعمال خاصة بها بالعراق , وزوجها الوزير السابق لوزارة حقوق الإنسان السيد بخيار أمين يكفيه نبلا ونزاهة أن يعيد من ميزانية الوزارة نسبة عالية لميزانية الدولة .
بلي انها سيدة عراقية من الطراز القيادي الاول ,فلا تتكبر ولا تتصنع القيادة , لانها بدمها وبطبعها , نقلت للآخرين صورة نفسها الحقيقية , حين نطقت بحلمها البسيط أمام مجموعة من الطلبة والشباب , حلمهما الذي يلخص فكرها كله ووطنيتها فقالت " احلم أن يدرس أبناء العراق بمدرسة راقية جدا كالتي درست فيها بمدينة رمانا بلبنان " , كانت عيناها تلمع وهي تتحدث وكانها تري تحقيق الحلم هذا امامها , حملت كلماتها البسيطة الكثير من المعاني المدفونة , ولو لم تكن كلماتها البسيطة صادقة فعلا لما وجدت طريقا للقلوب .
أنها السيدة صفية الشيخ طالب السهيل و هذا الشبل من ذاك الأسد , رحم الله ابيك يا صفيه , فما مات من له ابنة مثلك .
#رغد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟