|
أديب في الجنة (67) * رؤيا الملك لقمان بالحلول في الذات الإلهية المطلقة!!
محمود شاهين
روائي
(Mahmoud Shahin)
الحوار المتمدن-العدد: 5142 - 2016 / 4 / 24 - 17:55
المحور:
الادب والفن
أديب في الجنة (67) * رؤيا الملك لقمان بالحلول في الذات الإلهية المطلقة!! انتفض جسد الملك لقمان أكثر من مرة خلال نومه العميق على صدر الملكة نور السماء . أدركت الملكة أن الملك يحلم وإلا لما انتفض جسده . ربتت على ظهره وقبلت جبينة ، فيما كان الإمبراطور والإمبراطورة ومئات الآلاف من المحتفين يمتعون أنظارهم بالعوالم الساحرة وتحليق الكائنات في أعماق المحيط ،ومئات الآلاف يشاركونها التحليق والسباحة دون أن ينتهي نهار أو ينقضي ليل ، ولم يعد أحد يعرف إن كان في نهار أم في ليل ،كما لم يعد أحد يشعر بمرور الزمن ،وكأن قوانين الطبيعة قد اخترقت للمرة الثانية في هذه المسألة أيضا . رفع الملك جفنيه ببطء عن عينيه على أثر انتفاضة صغيرة من جسده. لم يعد إلى كامل وعيه بعد . لم يعرف أين هو . عبق أنفه بالعطر المتفوح من صدر الملكة . رفع يده قليلا وحركها في الماء ليدرك أنه ما زال في أعماق المحيط . تنبهت الملكة إلى استيقاظه . قبلت وجنته . - هل استيقظت يا حبيبي ؟ همس : - أجل . - هل كنت تحلم ؟ - أجل ! - كان جسدك ينتفض بين فترة وأخرى . - كنت أحلم بما لا يتصوره عقل على الإطلاق ! - بماذا يا حبيبي ؟ - حلمت أنني حللت في المطلق الأبدي! - الله ؟ - الله . الألوهة . الخالق . المطلق ! قبلت الملكة جبينه . وهمست : - هذه رؤيا رائعة ! - كلمة رائعة وكل مفردات اللغة لا تكفي للتعبير عنها ! - ألا يمكنك أن تخبرني شيئا عما رأيته وكنته ؟ - إنه فوق قدرة العقل على التصور! - كيف ؟ - يمكن القول أنني رأيت نفسي في كل مكان وخارج حدود أي مكان ! أتمنى أن ألقى خالقي بالشكل الذي رأيته فيه في هذه الرؤيا . - يا ألله يا حبيبي ! قص علي الرؤيا من بدايتها ! - كنت جالسا في ظل صخرة كبيرة في سهل فسيح صحراوي تنتصب فيه مئات الصخور العملاقة، التي بدت كمنحوتات هائلة فائقة الجمال،أتأمل في الوجود الإلهي . وكنتم تجلسون على شرفة المركبة على مسافة عشرات الأمتار مني ، دون أن يجرؤ أحد على الإقتراب مني أو اقتحام خلوتي وقطع تأملاتي ، حتى أنت لم يكن مسموحا لك أن تقتربي مني ! كان قد مر على عزلتي بضعة أيام لم آكل فيها ولم أشرب ،وقد قررت أن أحيا في زهد وتقشف إلى أن أصل إلى الله أو أموت دون ذلك ، بعد أن فشلت في تحقيق العالم الذي أطمح أن أعيش فيه ، وبعد أن تبين لي أنه لم يتحقق شيء مما كنت أظن أنه تحقق. كان كل شيء مجرد أحلام وأوهام وتخيلات . - حبيبي ! كنت تهرعين نحوي بين فترة وأخرى ،فأشير بيدي إليك أن لا تقتربي مني ، فتتوقفين وتشرعين في البكاء والتوسل إلي أن أكف عما وضعت نفسي فيه ، ويهرع خلفك الملك شمنهور ونسمة وعناة وأستير وربة الجمال وآخرون ويشرعون في البكاء والتوسل بدورهم ، دون جدوى مني . شرعت الملكة في ضم جسد الملك بشيء من الشدة وكأنها تريد أن تدخل جسده في جسدها،وهي تهمس " حبيبي " فيما هو يتابع : كنت أجلس إلى جوار الصخرة بصمت مطبق مرتديا ثوبا أبيض طويلا وكوفية بيضاء،أمضي نهاري مستندا إليها وأمضي ليلي مستلقيا أو نائما إلى جوارها. لم أشعر بعد ثلاثة أيام من اعتزالي بحاجتي إلى قضاء الحاجة ، كما لم أشعر بحاجتي إلى الطعام والماء ، فلم أجع ولم أعطش ولم أبرد ولم يتغير شيء في . أدركت أن هذا الخرق لقوانين الجسد لم يحدث إلا من قبل واضع القوانين نفسه ، وأنه معي ويدرك ما أطمح إليه . أنتم من تغيرت أحوالكم بسببي فلم تعودوا قادرين على حياة البذخ والترف وأنتم ترون الزهد الذي قررت أن أعيش فيه . في اليوم السابع من اعتزالي ظهرلي فجأة شخص يشبهني . كان يجلس أمامي في جلال مهيب . سألته " من أنت " قال " أنا الله يا لقمان " لم أصدق أن أرى نفسي أمام نفسي بعد مليارات السنين الضوئية التي قطعتها بحثا عن الله . فلو عرفت أن المسألة بسيطة إلى هذا الحد لكنت وفرت على نفسي كل هذا العناء . قلت للرجل شبيهي " أنت لست الله ولن تكونه " قال بعد صمت " أجل أيها الحبيب لقمان ، أنا لست الله ، فوجودي حسب فهمك موجود في كل شيئ وكل شيئ موجود في وجودي ، فكيف أكون أنا أنت وتكون أنت أنا ؟ كل ما في الأمر أنني قررت التجسد في انسان لمخاطبتك ، وفضلت أن يكون الإنسان يشبهك كي لا أدعك تذهب بعيدا في انطباعات مختلفة . لم أتمكن من ذلك بسهولة خاصة وأنك أول إنسان أتمكن من التجسد في مثيل له منذ أن وجد الإنسان " بدأت أقتنع بكلام الرجل بل وصدقت أنني أمام تجسد للذات الإلهية وإن لم يكن الذات الإلهية نفسها أو كلها . لم أعرف ماذا يتوجب علي أن أفعل هل أعانقه ؟ وهل سأشعر أنني أعانق الله ولا أعانق نفسي ؟ ودون أن أخرج من حيرتي مددت يدي وأشرعت حضني ليلقي الله نفسه عليه . احتضنته واحتضنني ، لنشرع في البكاء على كتفينا . نبكي فرحا بلقائنا وحزنا على عدم تحقيق طموحاتنا . فقد بدا الله حزينا لأنه لم بستطع بعد أربعة عشر مليار عام من عملية الخلق أن يحقق الوجود الكامل والإنسان الكامل ،وأنا بدوري فشلت في أن أهدي إنسانا إلى إيماني . جففنا دموعنا ونحن نعود إلى جلوسنا ، أحدنا في مقابل الآخر . سألت الله : - لماذا كلفت نفسك وتجسدت في صورتي لتظهر لي يا إلهي ؟ قال : - لأنني في حاجة إليك لأن تكون معي على كوكب الأرض وليس في الكون كله ! - أنت بعظمتك في حاجة إلي أنا الإنسان الضعيف ؟ - أجل يا لقمان . وأدعوك لأن تكون مع فكرك . لأن فكرك هو فكري . ألست القائل بتكامل عملية الخلق بين الخالق والمخلوق . ألست القائل بأن الغاية من خلق الإنسان هي أن يشارك في عملية الخلق وأن يبني الحضارة الإنسانية ويحقق قيم الخير والحق والعدل والجمال . هل تراني كنت قادرا على تحقيق ذلك ولم أفعل ؟! - لكني فشلت يا إلهي ولم أمنع حتى قتل عصفور ! ولم أنجح في جعل إنسان يحب إنسانا آخر . - ينبغي عليك أن تصبر كما صبرت أنا . وأنت تدرك كم طال صبري إلى أن تمكنت من خلق الإنسان والوصول إلى ما وصلت إليه . - يا إلهي لن يكون لدي هذا الصبر كإنسان . لن يكون إلا إذا كنت معك وفيك !! خاصة وأن عمري قصير جدا إذا ما قورن بعمرك. وأطرق الله للحظات يا حبيبتي قبل أن يتساءل : - هل هذا قرارك الأخير أيها الحبيب ؟ قلت: أجل يا إلهي . فطمعي في محبتك لا يضاهيه طمع . وحلمي بأن أكون معك وفيك لا يرقى إليه حلم . قال: - حسنا أيها الحبيب لقمان . سيكون لك ما أردت . وستكون دون البشرأول إنسان يتحد مع وجودي ويحل فيه وهوحي ودون أن يموت. أتمنى لك وجودا جميلا في وجودي . وسأجعل من اتحادك بي وحلولك في آية وعبرة ومعجزة للبشرية كلها .. لتسير في اليوم القريب على خطاك . ولنحقق ما لم نحققه معا من قبل ، ليرقى الخلق بالحضارة الإنسانية إلى أسمى معانيها ولتسود المحبة العالم . ومد الله يديه ووضعهما على كتفي قبل أن يعانقني مودعا . قال . - أنت بعد اليوم لن تكون أنت . وصورتي هذه لن تكون ثانية . أودعك أيها الحبيب. وعانقني الله مودعا يا حبيبتي . وعانقته وأنا أبكي فرحا وأشكره . ارتفع بضعة أمتار عن الأرض ليختفي بعد ذلك وكأنه لم يكن . لم تمر سوى لحظات على إختفاء الله في وجوده المطلق . حتى أحسست بقوة تدفعني نحو الفضاء لأرتفع كما أنا في جلستي . أدركت أن وعد الله لي سيتحقق . ضممت أصابع يدي إلى شفتي وأرسلت لك ولطاقم المركبة بضع قبلات عبر الأثير.. وما حدث بعد ذلك لا يمكن لعقل بشري أن يتصوره . فأول ما حدث هو أن جميع المنحوتات الصخرية بما فيها الصخرة التي كنت أجلس إليها طوال سبعة أيام قد نهضت خلفي في أسراب منتظمة . تقدمتها الصخرة التي كنت أجلس إليها . لا أعرف كيف سأستطيع أن أكمل لك هذه الرؤيا يا حبيبتي وأن أصفها بدقة ، فهي كما أشرت أكبر من أن توصف . ضمت الملكة الملك إليها . وعانقته . طالبة إليه أن يأخذ راحة ليكمل لها الرؤيا فيما بعد ، حسب ما يمكن للغة أن تعبر عنه . **** يتبع .
#محمود_شاهين (هاشتاغ)
Mahmoud_Shahin#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أديب في الجنة (66) ليلة حلبية مغمسة بدموع الملك لقمان !
-
أديب في الجنة (65) * اختلاط الجن بالإنس !
-
وجود خالق مشروط بوجود خلق ! شاهينيات 1179
-
أديب في الجنة (64) * حوريات عربيات يسبحن في أعماق محيط في ال
...
-
أديب في الجنة (63) * لو آمنت البشرية بالمحبة الإنسانية وحدها
...
-
أديب في الجنة (62) * الإمبراطور يتمتع بتذوق طعم القُبل !
-
أديب في الجنة (61) * حُب وقُبل ما بعد الموت !!
-
أديب في الجنة (60) * سحر الألوهة المؤنثة لربة الجمال يتجلى ر
...
-
بين الحالمين بحور العين والحالمين بالإنسان السوبر !
-
أديب في الجنة (59) * النهود الجامحات العابثات الدانيات !
-
أديب في الجنة 58 * تجليات إعجازية للخالق والخلق !
-
أديب في الجنة . الجزء الأول.
-
أديب في الجنة (57) * في الخلق والخالق والبعث والنشور !
-
أديب في الجنة 56 * في الحقيقة والغاية !
-
أديب في الجنة (55) * في العقل ونشأة الكون!
-
أديب في الجنة (54) * الرقص في الزمن المتوقف في المكان الكوني
...
-
أديب في الجنة 53 * الدخول في الأسئلة الصعبة !
-
أديب في الجنة 52 في رحاب الخالق العظيم !!
-
أديب في الجنة 51 * ألخالق العظيم !
-
أحلام مادية طاقوية ! (1) شاهينيات 1178
المزيد.....
-
القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
-
فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف
...
-
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
-
*محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا
...
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
-
-الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|