|
خداع السيسي للمثقفين
سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي
الحوار المتمدن-العدد: 5139 - 2016 / 4 / 21 - 12:16
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
على مر عامين من حكم الرئيس المصري ظل يردد دعاوى تجديد الخطاب الديني، بل وبلغة تشبه لغة المفكرين، مما شجع الأقلام الحرة لدعمه، وأخرى على التوجس منه خيفة أن يصبح يوما كالحبيب بورقيبة أو كمال أتاتورك، وفئة ثالثة تسمع وتشاهد دون تعليق..لكن كلها أمل أن يكون السيسي على هواهم..
بهذا المدخل نجح السيسي في خلق قاعدة شعبية له في مصر لم تحدث منذ سنوات عبدالناصر، حتى شبهه البعض بالزعيم المصري الذي تواصل مع كل فئات الشعب من عمال وفلاحين ومهنيين ومثقفين وعسكريين..إلخ..وهو عين ما قدمه السيسي في الأشهر الأولى من حكمه، حتى ظهر الرجل كأيقونة في الشارع المصري اكتسبت شعبيتها من كراهية الإخوان والجماعات له..
لكن في خضم ذلك لم يسأل أحد نفسه..
إذا كان السيسي بالفعل رجل مثقف ومتنور ما الذي يمنعه أن يأخذ قرارات حاسمة لصالح التنوير؟..الرجل رئيس جمهورية وهي أعلى سلطة في البلاد، وخصوصية الرجل أنه تابع للمؤسسة العسكرية الأعمق في وجدان الشعب، أي أن قراراته لن تجد معارضة في أروقة الدولة ومؤسساتها، فضلا عن قبولها لدى الشعب في هذا التوقيت بحجة الحرب على الإرهاب..
الامتناع عن هذا السؤال كان خشية أن تصبح الإجابة سلبية من فرط تودد السيسي للأزهر وشيوخه، خصوصا وأنه في إحدى خطاباته انتقد الوسيلة الشائعة في مصر وقتها لتجديد الدين..وهي ظاهرة إسلام بحيري، وقال نصا أنه لم يقصد التجديد بهذه الطريقة..عرفنا وقتها أنه يرى تنويرا غير الذي نراه..لكن لم نتأكد لحين دعم ذلك بالوثائق والأدلة..وبعد مرور الشهور ودعمه للأزهر يزيد حتى أعطاه الثقة المطلقة وبخطابات مكررة عاطفية..وكأن التجديد مجرد مشروع اقتصادي بحاجة لقرار أزهري يدخل فورا للمشروع دون مقايسات..!
السيسي لم ينتبه أن مشكلة مصر السياسية- والتي أنتجت الإخوان والجماعات الإرهابية -هي مجرد عَرَض من أعراض أزمة حضارية كبرى أصابت المنطقة بالكامل ومصر بالتبعية، أي أن المشكلة إقليمية وثقافية قبل أن تكون خاصة بشعب دون آخر، وهذا يعني ضرورة مناقشة هذه الأزمة على مستوى دول الجوار بالعموم..والثقافات الغازية للمجتمع المصري بالخصوص، أي لابد قبل مناقشة التجديد ضرورة البحث عن إيقاف الهجمة أولا وتحديد مصدرها بوضوح..فهل بحث السيسي عن مصدر الأزمة؟..كلا..بل ذهب للتحالف مع هذا المصدر وتعظيمه بحجة مساعدة مصر وإخراجها من كبوتها..
كذلك لم ينتبه إلى أن النظام السياسي في مصر هو.."بيروقراطي أمني"..منذ 60 عاما ..وهي النسخة المحدثة بعد سقوط الأسرة العلوية، نسخة صنعها جمال عبدالناصر بعد ثورة يوليو، والتنوير أو التجديد يعني في الأخير حرية رأي تسمح بإظهار العيوب..وهذه الحرية خطرة على النظام الأمني، لذلك قبل أن يشرع في طلبه التجديد كان يجب عليه أن يعالج الجانب الإقصائي والأمني من نظامه، وهو لم يفعل ذلك..بل تمادى في تطوير وتوسيع منظومته الأمنية ببناء السجون وتشريع القوانين المضادة للحريات كقانون التظاهر ، فكيف يطلب تجديد من شخص مقيد ومهدد في أمنه ورزقه؟!
هنا ارتكب السيسي ثلاثة أخطاء كشفت خداعه للمثقفين:
الأول: تمكينه للأزهر من كل مفاصل الدعوة الدينية مما ساهم في إعادة إحياء التراث القديم ونشره بصورة أخلاقية وليست تنويرية، والفارق أن الصورة الأخلاقية هي انتقائية تأخذ من التراث الحسن وتترك القبيح..أي أنها مجرد مسكن للألم وليست علاج فعال، بينما الصورة التنويرية التي لفظها الشيوخ هي النقد والبحث الحر في ذلك التراث..وهي العلاج الفعال لأمراض المجتمع، والسيسي لم يشجع هذه الصورة النقدية التنويرية بل تعامل معها بجفاء بالغ..مما ساهم في الاعتقاد بأن الرجل يؤيد منهج الأزهر وانتقائيته..
الثاني: عدم اتخاذه أي قرار لصالح التنوير طوال عامين، مما ساعد في تنويم كل القوى الثقافية -المحبة له والمتعشمة فيه -تنويما مغناطيسيا، بحيث كلما أرادوا الضغط والانتقاد تذكروا فورا أن الرجل هو الرئيس الوحيد الذي دعم التنوير بذلك الوضوح..ومع مرور الوقت لم ينتبهوا للخديعة التي وقعوا فيها عن عمد أو بجهلٍ منهم بوسائل وأدوات التغيير..
الثالث: تحالفه الاستراتيجي مع أكثر الدول والمجتمعات رجعية في العالم وهي السعودية ، بل وتقديمهم بصورة مميزة لها صفات العطاء والكرم والشهامة، وهي صفات يعشقها العربي ويتأثر بأصحابها إلى أن يصبحوا قدوة، بما يعني تقديم هذه الرجعية كمنبر ديني وثقافي يوجه المصريين إلى خير الدنيا والدين..!
فطبيعي بعد ذلك أن نرى الرجل يظهر على حقيقته ويذهب للعدوان على الشعب اليمني ، ويعادي الشعب اللبناني بوقف قنواته الفضائية ، ويقدم الأزهر على استعداء أهم مكون اجتماعي وعسكري في العراق وهو الحشد الشعبي، ثم يتمادى في غيه ويصدر بيانات ضد إيران وكأنه يتحرش بها استجابة لطلب حليفه الاستراتيجي الرجعي، والمؤلم لي شخصيا من كل هذه السلوكيات المتعجرفة أنها تحدث باسم الشعب المصري وجيشه ، بما يساهم في تشويه صورة مصر عربيا..التي في تقديري وصلت الآن إلى أوج سقوطها منذ اتفاقية كامب ديفيد..
#سامح_عسكر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مظاهرات جمعة الأرض جرس إنذار
-
حوار بين الأزهر وداعش (8)
-
حوار بين الأزهر وداعش (7)
-
حوار بين الأزهر وداعش (6)
-
حوار بين الأزهر وداعش (5)
-
حوار بين الأزهر وداعش (4)
-
حوار بين الأزهر وداعش (3)
-
حوار بين الأزهر وداعش (2)
-
حوار بين الأزهر وداعش
-
لماذا أعارض السيسي؟
-
السعودية تستغفل سنة العرب
-
هل ستقرر سوريا الانسحاب من الجامعة العربية؟
-
السعادة وعلاقتها بالسياسة
-
أيها اللبنانيون..كونوا كرماء
-
رسالة من حضرموت
-
تنظيم القاعدة يسيطر على 80% من جنوب اليمن
-
الغطرسة السعودية وحرب فيتنام
-
المشهد اليمني (حوار مع الأصدقاء على الفيس بوك)
-
تحديات العلاقات العربية الإيرانية
-
الوضع الميداني في اليمن
المزيد.....
-
كيف يستعد الجنود من المتحولين جنسيًا لمواجهة ترامب بإعادة تش
...
-
الصين تحتفل ببداية عام الأفعى وسط طقوس تقليدية وأجواء احتفال
...
-
توجيه إسرائيلي لمعلمي التاريخ بشأن حرب أكتوبر مع مصر
-
الجزائر تسلم الرباط 29 شابا مغربيا كانوا محتجزين لديها
-
تنصيب أحمد الشرع رئيسا انتقاليا لسـوريا
-
منتقدا الاحتياطي الفيدرالي ورئيسه.. ترامب يطلق العنان لمبادر
...
-
أمريكا.. السجن 11 عاما للسيناتور السابق مينينديز جراء إدانته
...
-
الرئيس السوري أحمد الشرع يطلب من روسيا تسليم الأسد
-
إصابة 24 شخصا بغارتين إسرائيليتين على النبطية.. -لم يستطيعوا
...
-
إعلام: المراحل المقبلة من وقف إطلاق النار في غزة تواجه عقبات
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|