أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مريم الحسن - من مذكرات مواطن عربي (2)














المزيد.....

من مذكرات مواطن عربي (2)


مريم الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 5136 - 2016 / 4 / 18 - 13:37
المحور: الادب والفن
    


الفشل بالعبور

لم يدرِك كم مضى عليه من الوقت و هو يتأمل يصوت الماء يجري في رأسه عابراَ إلى خلايا مكامن تأملاته و منها إلى سراديب خبابا توهماته. كان مأخوذاً بموسيقى انسياب النهر و هي تتحول إلى تموجات تراقص تموجات عزف الأسرار في موسيقى روحه. كان مستأنساً برقي جمال المشهد , يتلمس السكينة من انسجام راقصَين اتحادا معاً ليعقدا مع رتابة نبضات قلبه اتفاقية هدنة و مع الصفاء في قرارة نفسه معاهدة سلام. لطالما تساءل بذهول المفتون بالمجهول و حشرية المستَفز بالغموض عن سر هذا السحر في إيقاع حديث النهر مع صمته المصغي إلى كلام جريانه المستمر و اللا منتهي, فهو و منذ براءة أفكاره ما عرفه إلا رفيقاً مخلصاً و ثرثاراً لم يتوقف خريره يوماً عن وهب اسرار الحكمة الأزلية هدايا تسرد الكلام موسيقى تتحدث لغة الطبيعة الأولى. رفيقه النهر هذا, الذي لطالما استمع منصتاً بإصغاءٍ صاخب و اهتمامٍ صادق إلى أحاديث تأملاته في صمت ساعات تفكره, و لطالما طبطب بيد الطبيعة الحانية على كتف روحه في لحظات بوح حزنه, كان مخلصاً حقاً لصداقاته و كان وفياً حقاً مع روّاده, كان حقاً صديقاً نصوحاً لمن رافقه, أما هو فلا .. لم يكن وفياً, لا مع تاريخه و لا مع غده, و لم يكن صديقاً مخلصاً لا لنفسه و لا لرفيقه النهر, لكنه لم يدرك حقيقة خيانته إلا الساعة و إلا الآن.

كان يتفكر في سؤال النهر القديم إياه: لما لا تعبرني إلى ضفتي الاخرى؟ .. كثيراً ما سأله رفيقه النهر هذا السؤال, و كثيراً ما هز هو رأسه رافضاً التفكير حتى في جوابٍ احتياطي يحفظ به ماء وجه خيبته و يقنع به تندّمه إذا ما ساءله يوماً تماماً كما يفعل معه الآن, لكنه رفض النصيحة و رفض التأمل بأبعد من حدود موسيقى جريان تكرار النهر للسؤال. كم كان سطحياً حينها و كم كان أحمقاً لأنه لم يمتلك جرأة التأمل و التفكر في ما وراء الحكمة من طرح النهر لسؤاله مرة تلو المرة , لم يدرك قيمة جوابه المقتول إلا الساعة و إلا الآن . حتى الضفة التي حملت تواقيع أثار قدميه على مدى سنين لقاءاته مع النهر و حفظت حواراته مع حبيبها و كتمت في جوف طميها كل ثرثرات و أسرار بوحهما كانت في صف تعنت رفضه و في صف خيانته لنفسه , كانت تؤيد رفضه و تساند حماقته و تصر عليهما بشدة بشَدّ قدميه أكثر إلى طميها في كل مرة طرح النهر فيها عليه السؤال. هي خبرت حكمة حبيبها النهر زمناً طويلاً و فهمت مقاصد مراميه, كانت تعرفه و ودت قتل الجواب. و هي أدركت مآل تفردها واستئثارها و تسلطها عليه إن هو عبر بجوابه النهر و اكتشف الضفة الأخرى, كانت تعرفه و تعرف جمال اللقاء مع توأمتها المقابله فشاركت معه باغتيال الجواب. لقد كان أحمقاً بقدر ما كان يثق بها لأنه لم يعِ تآمرها عليه و على بقائها معاً إلا الساعة و إلا الآن.

إلا الساعة و إلا الآن .. ترددت العبارة في رأسه كجرس إنذار لا يتوقف عن صراخه الاحمر و لو لثانية استراحة تفكر صفراء واحدة تمنح نفق تأخر إدراكه بصيص ضوء اخضر ينقذ به حكمته من الزوال . كانت خطوات ترجيع العبارة في رأسه تسابق خطوات هروبه منها, شامتة به و بسنين حماقته التي رآها تلطم وجهها حين تجرأ على النظر إليها من خلف كتفيه. إلا الساعة و إلا الآن .. عبارة تجلت فيها كل سنين تعنته و كل غباء التصاقه بضفةٍ خانته غيرتها و استبد به تخوّف ريبتها حين وثق بها وركن إلى ظنه بمعرفته لها ركونه إلى حماقة عدم إدراكه الحكمة من تكرار النهر لطرح سؤاله مرة تلو المرة. هو الذي تملكه سحر الماء و اجتذبه عزف ترانيمه بأي شكل ظهر و بأية معجزة تجلّى, هو الذي اتقن لغة الماء حين اكتشفها أغاني تواكب سقوط المطر قُبلاً تهوي على أديم صلاة سكون الأرض, هو الذي فهمها حين سمعها همساً يُفشي بتقلبات أمواجه أسرار بحار ائتمنته منذ الأزل على حكاياها, هو الذي اتقنها حين تحدثها صمتاً يناجي إيقاعاً صاخباً يجري في عناقٍ أبدي مع حبيبةٍ احتضنته بذراعي ضفتيها.. بذراعي ضفتيها.. كذراعي حبيبة رفيقه هذا التي أجنّها خوفها, و أذهبت ريبتها عقلها, حتى ظنت ضفتها الأخرى عدوتها, و ظنت ذراعها المقابلة غريمتها, فانتحرت بوهمٍ أعمى قتل معه نجاة حكمته حين شاركها هو باغتيال الجواب. هو الذي كان نديم حكمة النهر و وارث تاريخ معارفها لم يدرك حجم فاجعته و لم يعِ فضيحة خساراته إلا الساعة و إلا الآن ..ألا الساعة و إلا الآن.




#مريم_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من مذكرات مواطن عربي
- دير ياسين يا وجع البداية و أول الحكاية
- يوم انتصر التاريخ و عاد الحارس إلى تدمر
- فجّرونا...يا معارضات ترفع راية داعش
- المملكة المتهاوية الإرهابية
- حلف الجرذان
- قنطار الذهب...ذهب إلى فلسطين ومنها عاد… ثم إليها عاد ذهب
- التحالف الإسلامي ضد الإرهاب...كذبٌ فاجر في زمنٍ عُجاب
- الشعب الفرنسي ضحية..مثله مثل الشعوب العربية
- هنا الضاحية
- إلى مُناصري ثورة العدوان الصهيوني على سوريا...كلمةٌ اخيرة في ...
- الشهيد
- الحقيقة العالقة في بئر إعلام التضليل
- سوريا يا قُرة العين
- سيدُنا
- لما العينُ تبكي لِقتلِ الحسين؟
- جواب اليقين على سؤال الغافلين ما الفائدة من انتفاضة الحجر و ...
- ثُور انتفض..خلّي حجرك يشعل نار
- يا غاصب أرضي .. أنا الفلسطيني
- الحمدُ لله الذي هدانا


المزيد.....




- -هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مريم الحسن - من مذكرات مواطن عربي (2)