|
أديب في الجنة (63) * لو آمنت البشرية بالمحبة الإنسانية وحدها ..!
محمود شاهين
روائي
(Mahmoud Shahin)
الحوار المتمدن-العدد: 5136 - 2016 / 4 / 18 - 03:20
المحور:
الادب والفن
أديب في الجنة (63) * لو آمنت البشرية بالمحبة الإنسانية وحدها ..! وهما يستلقيان وحدهما على أعشاب حديقة القصر الإمبراطوري ، في استراحة قصيرة دون حوارات قلقة حول الوجود والغاية منه ، ودون نساء يضفين بهجة ما على النزهة ، ودون أجواء فانتازية تجود بها مخيلة الملك لقمان لتلبيها السماء ، تساءل الإمبراطور في نفسه عما إذا كان العقل قد وجد أولا قبل المادة .. ورغم إدراكه أن هذا السؤال يحتمل اللامنطقية بل ويكاد يعرف مسبقا بماذا سيجيب الملك لقمان عنه ،إلا أنه قرر أن يسأله للملك . أجاب الملك بعد أن مال على جنبه وكوع على العشب محتضنا خده براحة يده ، وقد رفع الكلفة تماما بينه وبين الإمبراطور : - ما بك يا رجل هل ستعيدنا إلى البداية؟ أجاب الإمبراطور وقد كوع بدوره في مواجهة الملك ورفع الكلفة أيضا : - أتساءل لماذا ليس في الإمكان أن يكون العقل أولا وبه تم خلق الوجود! أجاب الملك بصوت لا يخلو من انفعال : - لأنه لا يمكن أن يوجد عقل في العدم ومن العدم ! هل ستعيدنا إلى البدء بالكلمة ليكن كذا فكان ! أي أنه كان يوجد عقل في العدم ويعرف لغة أيضا ؟! - أليس العقل طاقة ؟ - أجل! طاقة تنطوي على المادة بإدراكها لها ! أي بتكويدها فيها !! - ألكترونيا ؟ - ممكن ! - في هذه الحال تكون المادة موجودة في العقل ! - تكون موجودة بشكلها الطاقوي المتحول إلى عقل ، لأن العقل في الإساس ينتج عنها وليس العكس . - كيف ينتج ؟ - بفعل الطاقة الكونية السارية في المادة . - هل لك أن توضح لي ذلك . - لو أخذنا عقل الإنسان مثلا ، فإنه لا ينتج إلا عن جسم الإنسان كمادة وطاقة . وليس في الإمكان انتاج عقل دون جسد مادي يصدر عنه . ولو انتفى جسد الإنسان لما كان هناك عقل . - وما هو جسد المبدأ الكلي أو الخالق أو الألوهة في هذه الحال التي تنتج عقلا ؟ أدرك الملك أن الإمبراطور يدرك ذلك من الحوارات السابقة ، لكنه يريد أن يجدد معلوماته ليستوعبها على أكمل وجه ! - جسد الخالق حاليا هو الوجود كله وبكل كائناته المنظورة للبشر وغير المنظورة ! وفي البدء كان الهيولى البدئية. أخذ الإمبراطور نفسا عميقا . مسد براحة يده على العشب . انثنى العشب تحت راحة يده وعاد إلى الإنتصاب بعد مرورها عنه . تساءل وهو ما زال يمسد على العشب : - هل في الإمكان القول أنني الآن إله يداعب عشبا إلهيا ؟! - مجازا نعم كون الألوهة مجسدة في خلقها كله ، وخلقها كله مجسد فيها ، أما واقعيا فغير ممكن لأنك والعشب لستما الوجود كله . فأنتما قد لا تشكلان ذرة صغيرة في محيط الوجود الإلهي. وهنا كان خطأ المتصوفة حين كان أحدهم يرى أنه الله والله هو . تخلى الإمبراطور عن التكويع في مواجهة الملك وجلس طاويا ساقيه تحت جسده : - هل تعرف جلالتكم لماذا أعيد طرح أسئلة تتعلق بمفاهيم طرحناها ؟ تنبه الملك إلى أن الإمبراطور عاد إلى خطاب المجاملة : - لتتأكد من استيعابك وفهمك لما قلته لك ، ثم إن فهمكم للمبدأ الكلي غير مجسد. إنه أشبه بالعقل أو الطاقة السارية في الكون دون التجسد فيه ،وبهذا يفقد وجوده المادي . أو أنه له وجود ثابت يصدر عنه العقل والخلق . وهذا الفهم يتفق مع الفلسفة المثالية في عقائد كثيرة ،كما يتفق مع فلسفة أرسطو عن المحرك الأول غير المتحرك . - أين تضعون جلالتكم فكركم من وجهة نظر فلسفية ؟ ضحك الملك لهذه المبالغة في التخاطب التي عادت إلى لسان الإمبراطور . هتف بلهجة مبسطة جدا : - ما بك يا زلمه عدت إلى مخاطبتي بتهذيب فائق ، ما أنا إلا راع ابن راع كنته ذات يوم ! ضحك الإمبراطور وهو يهتف : - لو كان الرعاة والبشر بشكل عام على القدر الذي تحملونه من المعرفة والتهذيب لكان العالم بألف خير ! كلما حاولت أن أقنع نفسي أنني أخاطب صديقا لا يختلف عني ، أجد أنني على خطأ ! - لا لست على خطأ جلالتكم . حين اطلعت على معتقدكم وأنا أبحث عن فكر يغني فكري شعرت أنكم لم تتركوا لي شيئا أفكرفيه . وأمضيت بضع سنوات إلى أن تجاوزت مفاهيمه . أنا أعتبر أن فلسفتي مادية روحية، كونها لم تلغ وجود خالق بغض النظر عن كونه إلها أو خالقا ، ولم تلغ منطق العلم . - حقاً ؟ هل أغنى فكرنا فكركم ؟ - إنها الحقيقة ! وفي المجمل وكوني إنسانا ينتمي إلى كوكب الأرض شعرت أن بعض معتقدات الشرق الأقصى وأقصى جنوب آسيا تتفوق في فهمها للوجود على معتقدات الشرق الأوسط المسماة سماوية . وفي رحلتي الكونية عثرت على معتقدات لم أجد إلا أن أحترم معتنقيها ولم أتدخل في شؤونهم . لأنني وجدت أنها معتقدات في غاية الإنسانية . تحترم الإنسان وتجله ،وهذه مسألة لها غاية الأهمية في معتقدي . - أنا في غاية السعادة بالتعرف إلى جلالتكم . ولا أعرف إذا في الإمكان أن نتابع حوارنا لهذه الجلسة . - تفضل . لدينا وقت . - كيف تفهمون مسألة مثل الحساب والعقاب في بعض المعتقدات . كما تعلم في مفهومنا ليس هناك حساب وعقاب ويوم آخر وحياة آخرة بعد الموت . - بالتأكيد حسب مفهومي ومعتقدي لا يمكن لخالق أن يحاسب ويعاقب ، لأنه حسب مفهومي سيحاسب ويعاقب نفسه ولو مجازا، وهذه مسألة غير ممكنة . فالحساب والعقاب والتشريعات هي من شأن الأمم وليست من شأن الخالق ، لأن الخالق حسب فهمي هو محبة مطلقة وخير مطلق وجمال مطلق . وهو يسمو على كل ما يتناقض مع المحبة والخير والعدل والجمال . وكخالق لا يمكن إلا أن يكون كذلك . ولا أستطيع أن أتصور خالقا بهذه العظمة يقلّب جسد إنسان في نار لأي سبب مهما كان . - وماذا عن الجنة حسب بعض العقائد ؟ - ليس هناك جنة . الجنة هي وجودنا أينما كنا ، على كوكب الأرض أو على كوكب في السماء ، فإما أن نحيله إلى جنة أو إلى جحيم ، كما يحدث على كوكب الأرض اليوم ! - لماذا يحدث ذلك حسب فهمكم ؟ - المشكلة تتعلق في خطأ العقل البشري في اجتهاده المعرفي . فالإنسان حتى الآن يتخبط في معرفة الوجود والغاية منه ،ويتخبط في معرفة الخالق والغاية من الخلق ، دون أن يهتدي إلى الصواب . الوجود في أزمة معرفية. والعقل البشري في محنة . لو أن العقل البشري على كوكب الأرض آمن بالمحبة الإنسانية وحدها ،وكرس جهده لتحقيقها ، متخليا عن أسلحة الدمار ، لتحول كوكب الأرض إلى جنة حقيقية تنعم فيها البشرية بالمحبة والطمأنية والخير . ولخلصنا الوجود من أهم أزماته !! وفيما كان الإمبراطور يشكر الملك على حسن فهمه ،أقبلت الملكة نور السماء محلقة في الفضاء ، وليس في هذا الأمر ما هو مثير للإستغراب ، المثير هو قدوم الإمبراطورة محلقة معها ، لأول مرة في حياتها ، كانت تضحك بملء فيها فبدت كطفلة ، وحين بلغتا فضاء الملك والإمبراطور أبت الإمبراطورة النزول ورجت الملكة أن تبقى محلقة بها فوافقتها على طلبها لتبدو في غاية الفرح والسعادة والملكة تطيرها معها صعودا ونزولا ، في أشكال مختلفة . وبهذا يكون الوضع قد خرج من الواقع المؤلم إلى الخيال الجميل . ضحك الإمبراطور وابتسم الملك . وكان لا بد من جلسة خيالية تسمو على الواقع الواقعي. *** يتبع .
#محمود_شاهين (هاشتاغ)
Mahmoud_Shahin#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أديب في الجنة (62) * الإمبراطور يتمتع بتذوق طعم القُبل !
-
أديب في الجنة (61) * حُب وقُبل ما بعد الموت !!
-
أديب في الجنة (60) * سحر الألوهة المؤنثة لربة الجمال يتجلى ر
...
-
بين الحالمين بحور العين والحالمين بالإنسان السوبر !
-
أديب في الجنة (59) * النهود الجامحات العابثات الدانيات !
-
أديب في الجنة 58 * تجليات إعجازية للخالق والخلق !
-
أديب في الجنة . الجزء الأول.
-
أديب في الجنة (57) * في الخلق والخالق والبعث والنشور !
-
أديب في الجنة 56 * في الحقيقة والغاية !
-
أديب في الجنة (55) * في العقل ونشأة الكون!
-
أديب في الجنة (54) * الرقص في الزمن المتوقف في المكان الكوني
...
-
أديب في الجنة 53 * الدخول في الأسئلة الصعبة !
-
أديب في الجنة 52 في رحاب الخالق العظيم !!
-
أديب في الجنة 51 * ألخالق العظيم !
-
أحلام مادية طاقوية ! (1) شاهينيات 1178
-
مفهوم الألوهة الملتبس بين وجود إله أو عدمه ! شاهينيات ( 1177
...
-
في الألوهة وشرط وجودها ! شاهينيات (1176)
-
لماذا لم يبن الله مدينة واحدة على الأرض ؟ شاهينيات 1175
-
في العقل الكوني. شاهينيات 1174
-
( القصيدة الكاملة المعدلة انطلاقا من مذهب وحدة الوجود حسب فه
...
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|