|
دين الرحمة
حسين سميسم
الحوار المتمدن-العدد: 5135 - 2016 / 4 / 17 - 00:52
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
( ليس هذا هو الاسلام ) ( ليس هذا ديننا ) ( الاسلام دين السلام والرحمة )وتتكرر عبارات اخرى شبيهة بتلك تصدر عن طيبة البعض ممن هالهم مايرون من جرائم ومفاسد ترتكب بإسم دينهم ، وتلك اقوال قصدها التعبير عن عدم ايمانهم وانتسابهم الى دين عنفي تطرفي ، فهم يؤمنون بشئ اخر غير هذا ، واشاركهم طبعا هذه الاقوال واتفق معهم في استنكار ماوقع وما سيوقع من اعمال القتل والتدمير التي يجيزها دين التطرف الفاقد للرحمة والانسانية والاخلاق ، هذا الدين الذي انتقل في خلال حقبة قصيرة من فكر التكفير الى فكر التدمير واصبح عامة الناس من اهدافة واعداءه . لكن اصحاب تلك الاقوال لم يستطيعوا ان يبرهنوا بشواهد حسية على مايقولون ، وليس لديهم الا النية الطيبة للتبرؤ من اعمال العنف ومن دين يعتمد القهر في تعامله مع الناس ، فهم يعبدون الله فقط وليس لديهم مصلحة دنيوية او حقد ديني على احد ولا يتقاطعون مع دين الاخر وهم في الواقع اغلبية الناس . لكن دفاعهم عن انفسهم وعن مايقولون ضعيف لان بضاعتهم شحيحة لا تتعدى مجموعة من الاحاديث النبوية التي لاتصمد امام حجج المتطرفين ونصوص من ايات مكية مقطوعة من سياقها ومنسوخة حسب ما يقول علماء التطرف . ان جميع من استنكر اعمال العنف الديني بالحقيقة ينحاز الى شكل ديني خالٍ منه ، لكن هذا الانحياز لم يتأصل عقائديا ولا فقهيا بعد ان عرقلت السلطات الحاكمة ظهور اتجاه فكري وديني يتعارض مع منهجها وعاقبت مريديه بالقتل منذ اوائل المعتزلة الى اعدام الداعية محمود محمد طه عام 1985 على يد النميري ومازال الحبل على الجرار . لقد منعت السلطات المتعاقبة تفسير الدين خلافا لتفسيرها الرسمي ، وادعت واحدية الحق الموجود في النصوص التي اعتمدتها وفسرتها حسب مصلحتها ولا اجتهاد في مورد النص ، وافتت بان الحرام واحد لا يتغير وحلال محمد واحد لايتغير الى يوم القيامة ، فكيف نتخلص من عنف شرعت له السلطة منذ انطلاقتها فى المدينة ؟ وبأية طريقة نقيد العنف بزمنه وحيثياته التي اختفت منذ قرون ؟ وكيف ننسخ ما القاه الوحي في المدينة ؟ . انها مشكلة كبيرة تجبرنا على التفكير بعمليات جراحية - لو اردنا تخليص الدين من العنف - لبتر الاجزاء التي قيدت من الشريعة بزمنها وماتت لكنها مازالت تسبب آلاما مبرحة غير قابلة للتعايش معها وتهدد جسم الدين بالانهيار والموت . ان من يذهب الى تاريخ الدين الاسلامي يلاحظ وجود خط واضح يفصل بين ما هو ديني عن ماهو عنفي مقيد ، بين ماهو ديني مطلق يصح في كل زمان ومكان وبين ماهو مقيد بسبب ٍ ودلالةٍ وزمان ومكان ، وستبرز للمقدمة مهمة اولى هي تحديد المطلق والعام وفصله عن المقيد والخاص بعد اعادة قراءة النص على اسس جديدة خالية من العنف ، ومنه نستطيع معرفة الثابت من النص وفصله عن المتحول والمتغير منه ، خاصة وان السور المكية التي تزيد على ثلاثة ارباع القرآن لم تذكر في جميع نصوصها اية عقوبات دنيوية كقتل المخالف واستعباد الاخر وقطع اليد والرجل من خلاف ، ويعطينا ذلك فكرة بأن تلك التشريعات متغيرة ( طارئة على النص الاصلي ) لم تشر اليها نصوص مكة لا من قريب ولا من بعيد ، ان السر في ظهور كل تلك التشريعات في المدينة هو حاجة السلطة - التي طرأت على الدين - لتشريعات تستند اليها ولم تشرع من اجل الدين وان صدرت من مصدر ديني ، فلم تكن عنصرا أساسيا منه او من مكوناته رغم مايقال ويكتب لان قضية تحديد الاصل او الفرع قضية عقلية اجتهادية بشرية ، فقد عمد فقهاء الدولة على مزج المكي بالمديني وكتبوا القران متداخلا ليس على اساس تاريخ النزول -المكي اولا ثم المديني - بل كتب معظمه على العكس حيث تقدمته ايات التشريع المدينية ، ويلعب ذلك دورا نفسيا كبيرا عند المسلمين ، كما لعب عامل آخر في هذا التمازج هو قصر الفترة بين قران مكة والمدينة وظهور سورهما على يد شخص واحد هو الرسول الاكرم ، كما ان استمرار الدولة الاسلامية ادى الى تعسر ولادة دين منفصل عن تشريع الدولة ، وفشلت مبكرا محاولة الامام علي في كتابة القران على اساس تاريخ النزول ، ولم يتبناها الشيعة في كل مراحلهم وفرقهم . ان الاصل هو ما شرع في مكة من نصوص تدعو للتسامح والعدل والاحسان والبر والرحمة والاخلاق الحميدة وهو المطلق الموجود في كل الاديان الذي لايمكن نسخه والصالح لكل زمان ومكان ، وهو ما اقتبسه المسلمون العاديون الذين يؤمنون بأن المسلم ليس صاحب السيف المسلط عليهم وانما من سلم الناس من يده ولسانه ، ومن ذلك الاصل نستطيع التفريع ونجعل السلطة التي اقيمت في المدينة مقيدة بزمنها ورجالها وظروفها . ولكي نساند اصحاب النيات الحسنة من المؤمنين المسلمين ونوفر لهم حججا دينية تبني ايمانهم على اسس من المحبة والرحمة والانسانية والخلق الحميد لابد من تحديد وفصل ماهو ديني عن ما هو حادث من متطلبات السلطة التي تجنح للعنف الذي يضمن بقاءها ، ولكي تكون الفكرة واضحة علينا تعميق الخط الفاصل بين المكي والمديني ونعتبر الاول اصلا والثاني فرعا عكس ما هو حاصل في الوقت الحاضر فقد قلبت الآية حيث نسخ قران المدينة معظم قران مكة ونسخت ايات السيف والعنف جميع ايات التسامح والرأفة واصبح قران المدينة هو كل الاسلام الحالي تقريبا ، واصبحت مشكلة فرز واخراج احزاب العنف والتطرف والقاعدة وداعش من الدين معضلة لم يقرها لا الازهر ولا اي مجمع علمي معروف ، فشهادة لا اله الا الله وان محمدا رسول الله عصمت المجرمين وان زنوا وان سرقوا وان قتلوا لكنها لم تعصم الاخر ممن فقد امكانية مواجهة السيف بالسيف والغدر بالغدر . لقد دعت هذه المشكلة ضرورة مراجعة المتبنيات الفكرية التي تعتمدها المجامع الدينية لان ادواتهم قاصرة وهم من نفس العائلة وان لم ينتموا ، فداعش هي وليد شرعي لمتبنيات ايات السيف وفقه السلطة ، وطالما لم تتم مراجعة قرآن المدينة وتقييده بسلطة الرسول الذي لا نبي بعده فقد تتوالد هذه الظاهرة بشكل فوضوي لا سلاح لدينا فكري لمجابهتها ولا لمحاججتها ، فما دام المسلمون يعترفون بصلاحية ايات السيف والعنف والسلطة فليس لهم الا الاقرار بأعمال داعش ومثيلاتها ، ومن يتمكن منهم من الاخر المختلف الذي سبق الاختلاف معه وتكفيره لايتوانى لحظة في تطبيق نفس العنف عليه لانه وحسب متبنياته تكليف شرعي . ان محاولات تقييد النص هي محاولات قديمة فقد بدأ من زمن مبكر تفسير القرآن على اساس اسباب النزول وتلك محاولة لتقييد النص بالحدث لكن فقهاء الاسلام قاموا بتجاوز هذا التقييد والالتفاف عليه وتعطيله ، والتجأوا للاجماع وسيرة السلف وسيرة اهل المدينة والصحابة للابتعاد عن روح النص وتلاعبوا بعمليات الاطلاق والتقييد ، كما قاموا بالتخيير في عمليات نسخ الايات القرآنية حسب متبيناتهم ومسبوقاتهم الفكرية والمصلحة التي يدافعون عنها ، صحيح ان القران المدني ذكر قابلية النسخ والمحو والانساء لكنه لم يحدد الايات المنسوخة ، فقام الفقهاء بدل الله ورسوله بتحديدها وقد اتبعوا في ذلك منهجا يرفضوه وهو المنهج التاريخي فالآيات اللاحقة يمكنها نسخ الايات السابقة بعد تحقق التعارض بينهما ، وقام عمر بن الخطاب بنسخ بعض الآيات التي لم تتعارض مع آيات اخرى بل تعارضت مع الواقع وتجاوزها التاريخ كحصة المؤلفة قلوبهم وملكية اراضي الفتح معتمدا على العقل وليس على النص في نسخها ، واستمر دور العلماء في تحديد الناسخ والمنسوخ على اساس عقلي بشري وعلى اساس تاريخ نزول الاية وليس على اساس الفرع والاصل فسبب ذلك للمسلمين مشكلة يعانون منها وهو نسخ شريعة السلطة لدين الناس الذين ادهشتهم مفاجأة اعمال العنف الداعشية واستنكروا اعمال القتل والعنف والفساد ويريدون باستنكارهم ان تكون وجهة الدين انسانية ومشكلة العنف بالتالي ليست مشكلة وحيانية ربانية بل مشكلة بشرية . لقد سبب قيام علماء الدين بتحديد المطلق والمقيد والثابت والمتحرك والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ على اسس دخلتها المصلحة السياسية والاقتصادية بالمساهمة المباشرة وغير المباشرة في ظهور تيارات التطرف ، واشرفت السلطات المتعاقبة على صياغتها ولم يفلت من ذلك الا بعض الاتجاهات الصوفية والدينية التي لم تكن وجهتها الدينية مزاولة السلطة ، حيث تناست تلك الاتجاهات ايات السيف والتكفير وايات السلطة وكأنها غير موجودة لكنها لم تقف ازاءها ولم تقم بنسخها وفصلها عن عقائدها ولم تعطلها فظل ذلك الجزء من الشريعة كامنا وسينبت العنف لامحالة فيها عندما تتساقط عليها امطار السياسة وتوفر له الظروف المناسبة للتحول ، وبذلك فان كل المذاهب الاسلامية معرضة لنفس المشكلة لو اخترقتها الاحزاب السياسية الاسلامية التي تهدف الى الاستيلاء على السلطة وسرق دين الفقراء ، ولو تحقق لها ذلك فإنها ستمارس قوانين السلطة عليهم بغطاء ديني . ان المهمة الانية التي تقع على المثقفين المسلمين - ممن يرفضون توظيف الدين من اجل السلطة ويؤمنون بأن الدين ممارسة عبادية فردية هدفها نقاء النفس البشرية وسموها وشيوع الاخلاق الحميدة - هو تخليص الدين من الاهداف السياسية ، وصياغة فقه انساني خالص يخلص الانسان من توظيف دينه في اهداف اقتصادية او سياسية عن طريق فصل ماهو ديني ( ما قبل السياسة - مكي ) عن ماهو سياسي ( مديني) ، والاجتهاد في تقييد ايات الساسة والعنف ونسخها بعد تعارضها مع اصل القران وهو القران المكي . يتبع
#حسين_سميسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تنقيط القرآن تنزيل أم اجتهاد
-
فضائيات الفقراء
-
حرائر تونس يحملن مشاعل التنوير
-
من يتذكر ابكار السقاف
-
جذور التطرف الديني
-
رشيد الخيون والتطرف المسالم
-
الشخصية المحمدية بين العقل والنقل
المزيد.....
-
السويد ترحل رجل دين ايراني دون تقديم توضيحات
-
10 أشخاص من الطائفة العلوية ضحايا مجزرة ارهابية وسط سوريا
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر تتسلم الاسير الاسرائيلي كيث سيغا
...
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الثاني
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الاسرائي
...
-
إطلاق نار على قوات إسرائيلية في سوريا وجبهة المقاومة الإسلام
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد بجودة HD على جميع الأقمار الصناع
...
-
بدء احتفالات الذكرى الـ46 لانتصار الثورة الاسلامية في ايران
...
-
40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
40 ألفاً يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|