|
الحلقة الرابعة /سمات بنية القصيدة عندالشاعر حبيب البصايغ
ذياب فهد الطائي
الحوار المتمدن-العدد: 5133 - 2016 / 4 / 15 - 21:33
المحور:
الادب والفن
سمات بنية القصيدة عند الشاعر حبيب الصائغ ذياب فهد الطائي 4/4
رابعا- سلاسة اللغة وغنائية النص
التركيب اللغوي في قصائد حبيب الصايغ متفرد بسلاسة اقرب الى العفوية وايقاع غنائي ،قريب من القلب ، ونجدهذه الخاصية حتى في قصائده التي تتحدث عن الموت. ويذكر الباحث عبد اللطيف الوراري في حديثه عن الغنائية في الشعر العربي الحديث، ((أنْ تأتي القصيدة في العموم قصيرةً وموجزةً وبالغة الكثافة، لكنّها قد تزيد على ذلك إذا رأى الشاعر فيه بلورةً لصوته الإنشادي وموقفه الغنائي داخل القصيدة ومعماريّتها العامة. و أنْ تعبّر عن "الأنا ـ الأصل" للشاعر الّذي يتكلّم بقدرما يُفصح عن تجربته الداخلية، صوته الداخلي، عالمه الداخلي بكلّ ما يفضّ عنه من روح جيّاشة في التعبير. وـ أنّ تتحرّك في سياق نوعيّ ومتنوِّع من التيمات والرؤى المنتجة للمعنى الشعري، التي تستدرجها أنا الشاعر(الحبّ، الرثاء، الإشراق الصوفي، سخاء الطبيعة، مجالس اللّذة والشراب،إلخ.) و أن تنقل مجمل القيم الخاصّة بإنتاج "كوْنٍ دلاليٍّ" يفتح الأنا الغنائي على الأشياء والعالم، فلا تُقيم فصلاً بين الداخل والخارج، الذّات والآخر، المحسوس والمجرَّد في مزيجٍ خلّاقٍ يخلق وحدة الموضوع، ووحدة البناء، ووحدة الانطباع المتأتّاة من ذلك جميعاً. و أن تكون شفّافةً وعالية التركيز في تدبير نسقها الدّاخلي، لأنّ القصيدة الغنائية تبقى قريبة من الغناء، ومن شفافيّة الغناء بالنّظر إلى نوعيّة بنائها المعماري ككلّ. و أن يأخذ فيها الإيقاع وضع "الدالّ الأكبر"، لأنّه ينظّم معنى الذّات في خطابها، ويُنْقذ البناء النصّي من التبعثُر والتفكُّك عبر آليّات التكرار والتقفية والتوازي والهندسة الصوتية وتذويت الدّلالة. و أن تتخفّف من "الملفوظ التمثيلي"، ومن السّردي الّذي قد يُشيع الروح الدراميّة داخل النصّ، وإن كان ذلك لا يمنع أن تهجر نقاءَها الأنواعي، فتستثمر "الملحمي" في علاقتها بالتاريخ والأسطورة والرمز. ولقد رأينا قصائد كثيرة حملت دلالاتٍ وأبعادٍ غنائيّة جديدة ضمن سياق النص الشعري العربي الحديث وثقافته الجديدة)) ففي قصيدة (اسم الردى ولدي ) ،(ج1 ص 129 ) المفعمة بالحزن والموشحة بالحكمة والتي تدخل في عمق لغز الموت بقوة بصيرة مستطلعة ، يظل الايقاع الحزين غنائيا أجيئك والعمر ينهي مكيدته حيث يبدي وحيث المنايا معلقة في حوانيت وجدي .. وحبيبي يغني معي وحين يجوع أناوله أضلعي .. أحاول أن أعلن الحرب وحدي فلا فرق، سوف أدوس على القلب، ..ومستقبلي يا صديقي في حريقة صدري والسراج المعلق في سقف قبري .. أمي وأجدادي النائمين على حافة البحر وفي موضع آخر يهزنا المعنى: ويكفيك ما فيك فانهض لعلك تقوى على الموت وهنا نلحظ أيضا الصراع الأبدي بين الإنسان والموت (الفناء) ..أعلن الحرب وحدي ...والسراج المعلق فوق سقف قبري ...وأخيرا الخاتمة القوية فانهض لعلك تقوى على الموت ، هنا يكشف الصايغ عن تمسكه بالحياة ويتشبث بالأمل والرجاء ،وكأن الصايغ يكشف عن عالمه الداخلي ورغبته في التغيير وعن الموسيقى والايقاع والغنائية في هذه القصيدة ، يقول ابراهيم فؤاد عباس ((أسمي الردى ولدي»: القالب الشعري الأساس للقصيدة، تمامًا مثلما هي الجملة الموسيقية الأساس في السيمفونية أو الكونشرتو، فهي تظل تتردد عبر القصيدة، راسمة فضاءً جماليًا وفلسفيًا في رحلة الإبداع الحالم التي حملتنا إليها تلك القصيدة عبر موسيقى شعرية تبدو هادئة تارة، وصاخبة تارة أخرى) والقصيدة تمثل في عنوانها والعديد من ابياتها الشعرية نوعا من التضاد ، والتضاد هنا في دلالته وإيحائه، يحمل معنى التناقض والاختلاف بين حالتين على طرفي نقيض، لا تلتقيان. فالتضادُّ بمضمونه واستخدامه كما في العنوان (أسمّي الردى ولدي) و(وأسمي الحجارة فلذة كبدي ) والتضاد في هذه القصيدة ليس في معاني المفردات ولكن تضاد في الرؤيا التي يعيها الشاعر وكأنها لاتنتهي أعيد الحطاية من مطلع الشمس حتى انهمار الظلام على خاتم العرس في آخر الليل في آخر العرس ويطرح الشاعر جملة من النيات المتضادة في نسق متسلسل ولكنه يقف ليقول: حملت سؤالي القديم على كاهلي وعذبني فأن السؤال النهاية ولكنه سرعان ما يشعر بالاسى فيطلق سخرية سوداء فالجيش عاد من حربه دون الف شهيد... يريدون ان يكتبوا من جديد مواضيع إنشائهم حول سوق الخضار من يكتب التاريخ ...؟ يجيب الشاعر انهم الجند العائدون من الانكسار ومن الهزيمة ليؤرخوا لسوق الخضار !!! والتضاد في الرؤيا يكشف لنا شعور الشاعر بعمق المأساة التي يعيشها مجتمعنا العربي عبر التقابل في الصورة المموهة والحقيقية ، وعبر هذا التضاد الذي يسود القصيدة الطويلة كلها ، يظل المتلقي عرضة للشعور بالتوتر من جهة ويمنحه الفرصة لاكتشاف شعرية النص وايحاءاته وفي قصيدة مطر الوقت يرتفع صوت الايقاع الموسيقى الراقص لو لك الليل لما أغفيت أو غافلك الليل وأغفى ايها المكتوب في بيت من الاغصان والمعنى المؤجل ايها الناسك في ناسك لو لك الليل لأسرعت الى بهجت أعراسك واذ أكتفي بهذا القدر من الحديث عن سمات القصيدة عند الشاعر المبدع حبيب الصايغ فلأني سأتناول العديد من جوانبها في سياق الفصول القادمة
خامسا /شكل القصيدة في منجز حبيب الصايغ مما لاشك فيه إن الصايغ يفضل قصيدة التفعيلة في شكلها الحديث الذي طوره منجز السياب والملائكة، من قصيدة الشطر الواحد الى قصيدة الوحدة الكلية المنسجمة، وشعر التفعيلة هو الذي لا صدر له ولا عجز إنما هو أسطر من التفعيلة يأتي فيها الروي في كل سطر بغير استواء في عدد التفعيلات بين كل روي وآخر، يقول السياب في كل قطرة من المطر
حمراء أو صفراء من أجنة الزهر
وكل دمعة من الجياع والعراة
وكل قطرة تراق من دم العبيد
فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد
أو حلمة توردت على فم الوليد
في عالم الغد الفتي واهب الحياة
مطر.....
مطر.....
مطر......
سيعشب العراق بالمطر ويقول الصايغ في قصيدة (هجائية ) مساء الخير مساء البحر وسحقا للضجيج العذب للأمل العذاب وموجة ماتت ولم تقتل وسحقا للسواحل حين تنشر حزنها في لون أعيننا ولا ترحل وقصائد التفعيلة عند الصايغ معنية بخلق تناسب ايقاعي بين التشكيل البصري والوزن ،بما يرسخ القيمة الجمالية للصورة الشعرية وينتقل الصايغ الى لون آخر ..الى قصيدة النثر ..فيقول في قصيدة طويلة بعنوان (الأول ) ، (ج2 ص 69 ) عندما أمطرت السماء من جهة الجنوب كانت العصافير المسائية الرمادية تتهيأ لدورها في الذبح الفخاخ ممتدة على مدى الروح والبنادق متعبة من الملل والانتظار أية فكرة ،بل أية دمعة ؟
وليؤكد قدرته على الأمساك بناصية الشعر فقد كتب الصايغ في الشعر العمودي ولكنه أصر على الاحتفاظ بغنائية الوزن وحلاوة القافية ،عاكسا ذائقته الفنية المترفة والضاجة بعنفوان رومانسي ، ومن ابرز قصائده هنا (الجواهري ) ، (ج1 ص 481) عمري وعمرك بغداد وعشتار أي النبيذين من أسمائه النار؟ مالي من الصحو بدّ كي أقول دمي دمي، شرابي، وبعض الصخر أنهار وبيننا الشعر مهدور ومنتهك كأن أحلامنا السوداء أشعار مصفدان ولا قيد سوى يدنا وميتان ولا قبر وحفار ومستحيلان لم نولد وقد يبست منا عروف وأنواء وأمطار
هذا ولابد من الإشارة الى قيام الشاعر بتغيير شكل القصيدة في داخل بنيتها من التفعيلة الى الشعر العمودي ،كما في قصيدة (كواليس )،(ج2 ص 254 ) مدائن ماكرة تسكن المنتهى بلاد من الكهنوت فم ندم ، ياله من فم دم سلس سلسبيل يجوس خلال الدم يردد أنشودة المأتم ********* إذا نزل الغيث القديم تماثلت لعيني عينا موطن لا أناله تبرأ من عيني وأثقل ماءها بأنجمه حتى تحول حاله هو اليوم عيني لا أقول عيونه ففيهن لا نجم يرى أو خياله
#ذياب_فهد_الطائي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحلقة الثالثة /سمات بنية القصيدة عند الشاعرحبيب الصايغ
-
سمات القصيدة عند الشاعر حبيب الصايغ 1/4
-
الحلقة الثانية عشرة/أسئلة الرواية الاماراتية
-
الحلقة الحادية عشر /أسئلة الرواية الاماراتية
-
الحلقة العاشرة /أسئلة الرواية الاماراتية
-
الحلقة التاسعة /أسئلة الرواية الاماراتية
-
الحلقة الثامنة /أسئلة الرواية الاماراتية
-
الحلقة السابعة /أسئلة الرواية الاماراتية
-
الحلقة السادسة /أسئلة الرواية الاماراتية
-
الخامسة /أسئلة الرواية الاماراتية
-
الحلقة الرابعة /اسئلة الرواية الامارتية
-
الحلقة الثالثة ....أسئلة الرواية الاماراتية
-
الحلقة الثانية //أسئلة الرواية الاماراتية
-
أسئلة الرواية الاماراتية
-
دراسة اولية لرواية (كاباريهت ) لحازم كمال الدين
-
واقع العلاقات العربية الهولندية
-
نقد فلسفي
المزيد.....
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|