|
هواجس على طريقِ القصيدة
نمر سعدي
الحوار المتمدن-العدد: 5133 - 2016 / 4 / 14 - 12:06
المحور:
الادب والفن
هواجس على طريقِ القصيدة
نمر سعدي/ فلسطين
طلبَ مني أحدُ الأصدقاء الشعراء ذات حديث عن الشعرِ والحداثة أن أقرأ كتاب الناقدِ الأمريكي أرشيبالد ماكليش وأن أطلع على خصوصية نظريته حول الشعر والحداثة.. بعدما قلتُ له أنني قرأت كتبا كثيرة في هذا المجال ومنها كتاب اللغة العليا لجون كوين ولكن تطبيق النظريات على النصِّ أثناء الكتابة عملٌ صعبٌ وغالبا ما يحرفك عن معنى الإبداعِ وطريقهِ الصحيحة. كانَ صديقي يطلبُ مني بعبارات أخرى أن أفهم جوهر النظرية الحديثة في الكتابة الشعرية لا أن أقرأ ماكليش من دون أن أعي تلك التغيرات الكبيرة التي تغلغلت في القصيدة الحديثة. كلام ذلك الصديق جعلني أعتقد أن التمسك مثلا بالبلاغة والجزالة شيءٌ في طريقه للانحسار.. لديَّ أصدقاء وشعراء ونقَّادٌ كثر.. هناك دائما حوارات ونقاشات بيننا تنتهي إلى أن الشعر السائد اليوم هو ما يحمل روح الشعر العصري.. الشعر المشغوف بالنثر وتجلَّياتهِ وغوصه المدهش على أعماقِ النفسِ البشريَّة ورصد انكاساراتها وخيباتها وأوجاعها وتمزُّقاتها الروحية في عالمٍ أقلُّ ما يقُالُ فيهِ أنه ماديٌّ ولا شعري. انتهى ذلك الزمن الذهبي الذي كانت فيه اللغة الشعرية تقتاتُ على فتاتِ الغنائية.. علينا أن نعي أن السيَّاب ودرويش وسعدي يوسف والبياتي ونزار قباني وغيرهم كتبوا تجاربهم وتركوا أصواتهم العظيمة التي تشظَّت فينا ولكن علينا نحن أيضا كجيل شاب أن نبحث عن فضاءات أخرى.. هموم شعريَّة جديدة.. تجارب شعريَّة شابَّة من أنحاء العالم.. هناك أصوات تدعو للانبهار في تجارب الشعر الأمريكي المعاصر.. أو الشعر البريطاني أو حتى الياباني. خميرةُ الشِعرِ تغيَّرت.. أسلوب الكتابة.. طرُق التعبير.. شعراءُ الفيسبوك قلبوا الموازين لا لأنهم أحدثوا ثورة قربَّت القصيدة من ذائقة العامة بل لأنهم تغلبَّوا على شعراء قصيدتي العمود والتفعيلة وانتصروا عليهم ذلك الانتصار الساحق المدوِّي بعبارة(عصركم انتهى).. سيقولُ قائلٌ هذا ليس معياراً أو مقياساً لجودةِ النصِّ أو رداءته وأن العلاقات السطحية الكاذبة المبنية على النفاق والرياء والمجاملات في أساسها هي التي تحكم هذا التفاعل الفيسبوكي الافتراضي.. هذا صحيح ولكن مفهوم الشعر تغيَّر وهناك أزمة تلقِّ حقيقيَّة مع الجمهور. صادفني أحدُ الأكادميين الكبار في حيفا ذات صباحٍ ربيعيٍّ وشكرني على عدَّةِ دواوين بعثتها اليهِ مستطرداً أخشى يا صديقي على هذا الحلمِ أو الوهمِ الجميل الشِعرِ.. أصبح عدد الشعراء في الأمسياتِ الشعريَّةِ أكثر من عددِ الحضورِ.. أظنُّ أن الشعرَ في العالمِ في طريقهِ الى انحسارٍ غريبٍ ما لم يتجدَّد أو ينقلب على نفسهِ وعلى أساليبهِ.. كيفَ تستطيع التعبير عن قلقٍ حديث وأنت تعيشُ في مدينةٍ حديثة بقصيدة كلاسيكية.. بعباراتها وبأخيلتها وبتأويلاتها؟ ما نحتاجهُ هو التعبير بطاقة اللغة وليس بشعريَّة الكلامِ العادي أو الأوَّل على حد تعبير أدونيس.. ليسَ لأنَّ الفكرة النمطية عن القصيدة العموديَّة تربطها دائما بطبيعةِ الخيامِ والإبل.. بل لأشياء أخرى في صميم الحياة منها مثلاً وصفُ فتاةٍ عشرينيَّةٍ موشومةٍ بوشمٍ طائرٍ غريبٍ تركبُ درَّاجةً ناريَّة وتعبرُ حذوكَ في أحدِ شوارعِ المدنِ المكتظَّةِ.. كيفَ تصفها؟! بقصيدةٍ عموديَّةٍ جزلةِ الألفاظِ فخمةِ التراكيبِ أم بما يشبهُ أشعار تشارلز بوكوفسكي المحمومة؟ قلتُ ذاتَ مرَّة ما معناهُ أن القصيدة المستقبليَّة ستكون عصية أو لا تكون.. هذا النثر المرتبك أو المنظوم المبثوث على صفحات مواقع التواصل لا يعبِّر عمَّا وصل إليه جوهر الشعرُ العربي.. الفضاء الشعري المفتوح مستقبلاً هو لقصيدة تمزجُ كل أشكال الشعر ببوتقة واحدة.. أو أنه لا يهمُّها هذا الصراع الأبدي على الشكل ما دامت تقيم ذلك التوازن الخفي بين الشعريِّ واللاشعريِّ.. بينَ المرئيِّ والمخفيِّ من اللغةِ والأشياء.. تأخذ من قصيدة النثر عفويتها وعمقها وتركيزها ومن التفعيلة موسيقى مارشها العسكري وإيقاعها الراقص ولغتها المنتقاة بعناية. كنتُ أتأرجحُ بينَ الصوابِ والخطأ ولا أعرفُ إن كانَ هذا الرأي ما زالَ ينطبقُ على قناعاتي حولَ الشعريَّة الآن.. عندما أقرأ اليوم بعض ما يُنشر على مواقع الشعر والتواصل الاجتماعي يصدمني مقدارُ النظم النمطيِّ الخفيِّ في النصوص.. حتى في النثر الذي يسمونه اعتباطا شعراً هناك لدائن نظم منفِّرة تضرب الذائقة.. لم أكره شيئاً في الكتابةِ كما كرهتُ النظم.. كلمة نظم الشعر بحد ذاتها كلمة منفِّرة وغير مرغوب بها عندي.. وكثيرا ما كان أحد الأصدقاء يغيظني وهو يقول لي بما يشبه المزاح اللدود..( بعدَك تنظم شِعر؟). برأيي حاولَ الشاعرُ الفذُّ محمود درويش مقاربة سماوات الشعر الصافي الذي يطمحُ اليه كل شاعر عربي حقيقي ولكن بنظري المتواضع أن أغلب معجبي هذا الشاعر يقصِّرون تقصيرا كبيرا عن فهم عبقريَّته الشعريَّة أو لا يفهمون معنى شِعرِهِ العميق.. ليس لخلل ما في أذنهم الموسيقية التي تعجز عن تفكيك قاموسه الموسيقي العجيب ولكن لأسباب أخرى.. منها الكثافة التعبيرية والمجازية وتفجير طاقة اللغة. أحيانا أظن أن أفضل قصيدة كتبتها هي (كأني سواي) وما كتبته بعدَها من شعر كانَ تنويعاً عليها.. مع أني كتبت دواوين كثيرة بعد هذه القصيدة المحبَّبة والقريبة من النفس.. ربما اندماجها بروح الروايات اللاتينية الكثيرة التي قرأتها في فترة كتابتي لقصيدتي في غضون حوالي ثلاثة أشهر من صيف عام 2008 هو ما يعزِّز كلامي.. ولكني في الحقيقة أجهل سببَ شغفي بها. أحيانا أقولُ العلاقات الانسانية هي ملحُ الشعرِ وخميرتهُ النائمة في رماد النار.. من يدري.. من الممكن أن في قصيدتي تلك بعض طيوف العلاقات الإنسانية.. أو رغبة قويَّة بهجر العزلة الروحيَّة التي يحتاجها كلُّ كاتبٍ للإبداع والتأمُّل.
#نمر_سعدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تلويحةٌ لحارسِ الذاكرة
-
وردةٌ من دخان(مجموعة قصائد جديدة)
-
مرايا نثرية 3
-
سبايا الملح/ مجموعة قصائد جديدة
-
بورتريهاتٌ ليليَّة بفحمٍ أبيض
-
قلبُهُ طائرٌ للحنين(في رثاء جهاد هديب)
-
نقوشٌ على حجرِ الورد
-
الكتابة غواية محفوفة بالمكر
-
إيماءاتُ خريفِ المعنى
-
سِفرُ المراثي
-
تقاسيم على غيتارة الحنين
-
إيقاعات 1
-
مرايا نثرية 1
-
مرايا نثرية 2
-
تقاسيم على نايٍ أندلسي وقصيدةٌ إلى خليل حاوي
-
فيسبوكيات
-
قصيدة بثلاث لغات
-
أغاني تروبادور مجهول
-
تحديقٌ بمرايا الذاكرة
-
أجنحةُ الشاعر ومقصُّ الرقابة
المزيد.....
-
أسلوب الحكيم.. دراسة في بلاغة القدماء والمحدثين
-
الممثل السعودي إبراهيم الحجاج بمسلسل -يوميات رجل عانس- في رم
...
-
التشدد في ليبيا.. قمع موسيقى الراب والمهرجانات والرقص!
-
التلاعب بالرأي العام - مسرحية ترامبية كلاسيكية
-
بيت المدى يؤبن شيخ المخرجين السينمائيين العراقيين محمد شكري
...
-
مصر.. الحكم بحبس مخرج شهير شهرين
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي بتهم -الاعتداء والسب-
-
مصر.. حكم بحبس المخرج محمد سامي شهرين لهذا السبب
-
الكويت توزع جوائز الدولة وتحتفي باختيارها عاصمة للثقافة العر
...
-
حتى المواطنون يفشلون فيها.. اختبارات اللغة الفرنسية تهدد 60
...
المزيد.....
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
المزيد.....
|