|
مؤتمر القاهرة العراقي : إنجاز أمريكي ثمين بثمن بخس !
علاء اللامي
الحوار المتمدن-العدد: 1389 - 2005 / 12 / 4 - 13:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ساحر وجمهور متشائم : لا يبدو أن الصحافي العربي ،الذي وصف مُطْرِيا السيد عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية ، بعد إنجازه لمقدمات مؤتمر القاهرة التحضيري للحوار والوفاق، بالساحر ، قد توقع أن تسفر جهود الجامعة العربية وبالتالي السيد أمينها العام عن الكثير بل ربما انتظر أن تنهار المبادرة في يومها الأول .و من البديهي القول أن التشاؤم كان زاد الجميع عراقيا وعربيا وأن ما حققه الأمين العام ومساعدوه كان مهما في حجمه ولكن تساؤلا قد لا يخلو من المكر يقول : هل كان يمكن تحقيق ما تم تحقيقه لو كان لواشنطن رأيا معاكسا في المبادرة ؟ بمعنى معين ، يمكن الاستنتاج من الإشارات الأمريكية الإيجابية بل والداعمة بحماس لهذه المبادرة ، أن هناك الكثير مما ستربحه واشنطن منها ، وفي مقدمة ذلك " الكثير "كسر أو تشتيت المقاطعة في مناطق الشمال الغربي العراقية ذات الأغلبية العربية السنية والتي كانت شوكة في حلق المشروع الأمريكي في العراق حتى الآن وذلك عن طريق استدراج ممثلين ذوي مصداقية ووزن جماهيري حقيقي إلى العملية السياسية الجارية . نريد أن نمدد التساؤل الذي طرحناه قبل قليل عميقا ، ونزعم أن هذه المبادرة جاءت نعمة لا تقدر بثمن لواشنطن التي سيدخل مشروعها العراقي مرحلة جديدة . ومن المفيد التذكير بأن الحالة العراقية ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي القادم تكون قد أنهت مرحلة تاريخية خاصة ونوعية ودخلت المرحلة الثالثة وهي خاصة ونوعية بدورها . المرحلة الثالثة من الاحتلال : فإذا كانت المرحلة الأولى ،التي بدأت خلال الحصار وتدمير البنى التحتية العراقية طوال سنوات الحصار والقصف عن بعد ، وتذرونت باحتلال بغداد وإسقاط نظام الدكتاتور صدام حسين وتدمير الدولة العراقية تدميرا تاما ومبرمجا ومقصودا، ثم بدأت المرحلة الثانية التي استهدفت بناء البديل المتحالف بالاعتماد على مجموعة الأحزاب العراقية الصديقة وانتهت بكتابة الدستور و المصادقة عليه عبر الاستفتاء الأخير ، فإن المرحلة الثالثة ستبدأ مع قيام الجمعية العامة القادمة وتشكيل حكومة جديدة تتولى تنفيذ برنامج ربط العراق بسلسلة من المعاهدات الاستعمارية التي تحول العراق إلى إمارة نفطية أو جمهورية موز شرق أوسطية .غير أن تلك لن تكون عملية سهلة وسلسة وحتمية ، فهناك احتمالات كبيرة في أن يحدث انفجار اجتماعي شامل قد تذهب ريحه بكل ما بناه الاحتلال. ولا جدال في أن بواعث ومسببات انفجار اجتماعي لا تمكن السيطرة عليه موجودة بوفرة وسخاء زادهما وفرةً وسخاءً أداءُ الحكومة الانتقالية السيئ وممارسات المحلتين أنفسهم . وثمة احتمالات أخرى منها : إن البرلمان القادم ذاته قد يتحول تحت ضغط الحالة السياسية والاجتماعية إلى عقب أخيل في جسد الاحتلال ومنه قد تأتي الضربة التي تعجل بانهيار المشروع الأمريكي في العراق ، وهذا احتمال وارد جدا قد يجعله تصاعد المقاومة وشمولها لأغلب مناطق العراق وانكفاء الإرهاب التكفيري وبروز القطب الوطني السياسي الشامل أكثر من مجرد احتمال بل سيكون الخيار الوحيد التي ستؤدي إليه التطورات العامة في العراق وحوله . ويمكن التذكير بهذا الصدد أن الجمعية العامة القائمة حاليا والتي ولدت في ظروف قيصرية تماما ، وشهدت ولادة تكتل برلماني من أكثر من ثمانين نائبا يطالبون بانسحاب الاحتلال ، ومن المتوقع تماما أن الجمعية العامة القادمة ستشهد شيئا شبيها ولكن أكبر وزنا وأوسع مدى . تطور كهذا ينبغي النظر إليه كاحتمال ممكن وليس كاستراتيجية وحيدة ومتبناة من قبل مناهضي الاحتلال لحسم الصراع مع المشروع الأمريكي . إن الحملات العسكرية الراهنة ومثالها الحملة التي تحمل اسما موحيا يضاف إلى ترسانة المحافظين الجدد هو " الستار الفولاذي " ، هذه الحملات تريد تنظيف الطريق وتمهيد التربة أمام "أبطال " المرحلة الثالثة ،وسيكون لزاما على الحركة المناهضة للاحتلال وبضمنها وفي مقدمتها المقاومة الوطنية والإسلامية العراقية الباسلة والتي تعيش أصعب أوقاتها أن تراجع أجندتها وتصحح استراتيجيتها إن كان ثمة واحدة أو أنها ستنسحب من التاريخ الذي لا يحتمل ولا يطيق حالات الفراغ والقصور والعيش في الأوهام الانتصارية . إن قيام القطب الوطني المناهض للاحتلال على امتداد الجغرافية العراقية هو الباب الوحيد المفضي إلى حقبة مليئة بالوعود والآمال . الثمن البخس : كان اليوم الأول من مؤتمر القاهرة أقرب إلى المبارزات الفردية التي تسبق لقاء الجيوش في الحروب العربية الكلاسيكية . وكان متوقعا أن يحاول بعض المتحدثين " اغتنام " الفرصة لرفع سعره الانتخابي عبر التذكير بأمجاده في " مقاومة " الدكتاتورية ، متناسيا أن أول من رفع السلاح بوجهة الدكتاتورية "العارفية " ومن ثم "البعثية " التي تلتها في حكم العراق لم يكن من المدرسة السياسية أو التيار الذي يحسب المتحدث نفسه عليه .وحين نغادر المبارزات الفردية ، ونقرأ بتمعن الكلام السياسي الذي قيل ، فلن نجد ما يسر العقل والخاطر . لنضرب صفحا عن موضوعة حضور ممثلين عن حزب البعث العراقي التي قيل فيها الكثير ولم تسفر عن شيء جوهري، ولنترك الخطاب الانتصاري لرئيس وزراء الحكومة الانتقالية التي قدمت قبل أيام قليلة طلبا لتجديد فترة بقاء قوات الغزو في بلادها ولنجمل أهم العُقَد السياسية التي قوربت : يمكن اعتبار تصريح رئيس الجمهورية جلال الطالباني والذي أبدى فيه استعداده لاستقبال ممثلين عن المقاومة انطلاقا – كما قال – من مسئوليته الرئاسية في ضرورة سماع جميع العراقيين حتى لو كانوا من المجرمين والسجناء منهم . وما "بعد حتى " ليس لنا بل للرئيس ! يمكن اعتبار هذا التصريح للسيد الطالباني هو الثمن الوحيد الذي قدم لمن حضر من أطراف مناهضة أو كانت تزعم أنها مناهضة للاحتلال لقاء اشتراكها في المؤتمر ومن ثم ، فيما بعد ، اشتراكها في العملية السياسية الأمريكية وهو ثمن بخس دون أدنى ريب مقابل ما ستوفره هذه الأطراف من تمثيل سياسي وديني لقوى اجتماعية عراقية مازالت تناوئ الاحتلال ومشروعه الكبير والخطير . جدولة الانسحاب مطلب أمريكي : يمكن أيضا التوقف مليا عند تصريحات السيد أمين العام لهيئة العلماء المسلمين الشيخ الدكتور حارث الضاري ، والذي جاء بالبرنامج المعروف الذي ترفعه هذه الهيئة والتي كانت جزءا فعالا ومتقدما وجريئا من معسكر مناهضة الاحتلال طوال السنوات الماضية والقائم على ركيزة " جدولة انسحاب الاحتلال بضمانات دولية " إضافة إلى مطالب ثانوية كإطلاق سراح المعتقلين وإيقاف عمليات الدهم والقمع وتشكيل لجنة للتحقيق في العديد من الأحداث الأمنية ، وهذا كلام لا جديد فيه ، بل ثمة من يقول كلاما أقوى منه في داخل البرلمان القائم اليوم . لنعد إلى ركيزة " جدولة الانسحاب " فهذه المطالبة تعكس تفكيرا مفاده أن الأمريكان لن يرحلوا من العراق آجلا أو عاجل وأن النظام الحاكم في العراق يستمد قوته وشرعيته من هذا الوجود . الخلاصة الثانية لا يمكن التشكيك بصوابها غير أن من المهم طرح السؤال المفتاحي التالي : هل يشكل الوجود العسكري الأمريكي والذي لا يتجاوز في عديده المسلح - كما قال أحد أعضاء الكونغرس - عديد رجال شرطة نيويورك وواشنطن ، مأزقا عسكريا وإستراتيجيا لواشنطن بوصفة وجودا يراد له أن يكون وجودا دائما ؟ في الواقع ، أن ترتيبات سحب ثلث القوات الأمريكية بادية للعيان وهي لم تعد شأنا سريا ، الأهم من هذا وذاك ، أن هذا الانسحاب لا يأتي في أجواء انكفاء مشروع الاحتلال وصعود المقاومة العراقية إذا لم نتجرأ ونقول أن العكس هو الأقرب إلى الصواب . بمعنى ، أن ما يطالب به الطرف الذي يزعم تمثيل معسكر مناهضة الاحتلال ، وهو جدولة الانسحاب بات منذ الآن مطلبا أمريكا . وهو سيحدث ، ولكن بأوامر مباشرة من الرئيس بوش الذي سيقدم هذا الانسحاب بعد أن تنغمس الأطراف العراقية الجديدة في العملية السياسية الاحتلالية كإنجاز ونصر حقيقي له شخصيا في وجه خصومه الديموقراطيين "الهائجين " بسبب من تقدم مشروعه العراقي وليس لسبب آخر . وهو – لشديد الأسف – كذلك فعلا . الباعث على الأسى أن الشيخ الضاري كرر هذه المضامين ولكن بطريقة معكوسة حين قال في خطابه ( إن جدولة الانسحاب يمكن أن تعبر عن حسن نوايا من كل الأطراف" موضحاً أن هذا الانسحاب لا ينبغي أن يكون مفاجئاً "بل نحن نطالب أن يرتب الاحتلال وضعه وينسحب على دفعات ولكنها محددة بزمن".) بكلمات أخرى فما يقوله البعض من مناهضي الاحتلال بلغة التنبيه والتحذير من خطر الانجرار إلى كمين سياسي استراتيجي يقوله البعض الآخر من اللاهثين خلف المشاركة في العملية السياسية الأمريكية كأمنية أو هدية مبتغاة ! هل من بديل : يبدو أن نجاح هذه المبادرة التي أطلقتها - بداية - دولة عربية مجاورة للعراق كمحاولة للبحث عن "طائف " جديد على المقاس العراقي ، سيضع ما تبقى من قوى مناهضة الاحتلال في ظروف أكثر قسوة ووعورة مما في الماضي ويمكن القول بأن هذه القوى لن تكون قادرة اليوم ، وهي على ما هي عليه من إمكانيات وصيغ استراتيجية تحررية ، من مواجهة مضاعفات الإنجاز الأمريكي الذي هو على وشك الولادة . ضمن السياق ذاته فسيكون لبعض الدول الإقليمية المستهدفة أمريكيا وبخاصة سوريا وإيران تأثير مهم لصالح قيام القوى الوطنية العراقية المناهضة للاحتلال على صياغة بديلها الديموقراطي المقاومة للمشروع السياسي الاحتلالي كأن يتخذ شكل مؤتمر سياسي مواز لمؤتمر الجامعة العربية أو فعالية شبيهة من هذا القبيل ينهض جذرها على أساس مناهضة الاحتلال والقطع مع عمليته السياسية وتطوير المقاومة العراقية بإخراجها من الحصارين الجغرافي العسكري والانتمائي الطائفي .
#علاء_اللامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مجازر الستار الفولاذي والصمت المخجل :
-
هل عاد العراق إلى مرحلة العشرينات من القرن الماضي !؟
-
كاترينا- و - ريتا - ومفهوم أو خرافة العقاب الإلهي !
-
الحرية لمحسن الخفاجي الروائي العراقي الأسير في زنزانات الاحت
...
-
هل أصبح الجنوب العراقي جزءا من بريطانيا ؟
-
دولة ولاية الفقيه كأمر واقع في العراق ومعركة العرب السُنة مع
...
-
الزرقاوي نفذ تهديداته وقتل مئات المسلمين فهل يكفي اعتذاره ؟
-
نعم ، العراق بلد عربي ولكنه ليس جزءا من الأمة العربية !
-
المعممون وفاجعة جسر الأئمة : بين تمجيد الموت العبثي والتستر
...
-
الفروق الظاهرة والمخفية بين الدستور واللطمية !
-
إنهم يكذبون ، ويشوشون على مظاهرات الجمعة القادمة ،والكرة في
...
-
ماذا يريد التكفيريون : تحرير العراق من العراقيين أم من المحت
...
-
فيدرالية فيلق بدر - تنـزع القناع نهائيا عن حزب آل الحكيم !
-
مشاهد وشهادات من داخل مؤتمر بيروت حول - مستقبل العراق والجبه
...
-
مداخلة ممثل التيار الوطني الديموقراطي في ندوة بيروت - مستقبل
...
-
قراءة في الدستور السويسري 2 من11: لغات الدولة والمساواة ومبد
...
-
قراءة في الدستور الاتحادي السويسري1من11: خلفية تاريخية وشكل
...
-
اقتراح لفدرالية محافظات عراقية تكون فيها -كردستان -محافظة وا
...
-
الحملة المدانة لاستهداف اللاجئين الفلسطينيين في العراق : حقا
...
-
الأمريكان يجعلون أطفال العراق دروعا بشرية و التكفيري يفجرهم
...
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|