|
هل سيظل العراق.. قابعا في أسر الماضي؟!
محمد المحسن
كاتب
الحوار المتمدن-العدد: 5131 - 2016 / 4 / 12 - 12:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
على هامش اللذكرى الثالثة عشر لإحتلال العراق
هل سيظل العراق.. قابعا في أسر الماضي؟!
علمني زمن بالعراق.. أن الدماء هي الآخرة . (مظفر النواب)
.. لا شك في أن سقوط العراق بيد قوات الاحتلال الأمريكي ـالبريطاني هو زلزال كبير بكل المقاييس،لا بمقياس ريختر وحده.وحسبنا أن نقول إنه زلزل فينا أكثر مسلماتنا،وخلق لدينا احباطا لا نعتقد أننا سنتخلص من ترسباته في المدي المنظور،ذلك أن بغداد،بوجه خاص،تمثل في نظرنا تاريخا كاملا من الحضارة والثقافة والتراث كما أن لها مكانة أسطورية في الذاكرة الجماعية للعرب،ولها عمق تاريخي وحضاري لا يضاهي بين مدن العالم أجمع. لكن لا بد من أن نستفيد من ذلك السقوط المريع دروسا هامة تعيننا علي تجاوز المحنة. وأول هذه الدروس أن مسؤولية ما حدث لا تتعلق حكما ـ بالمبادئ الأساسية التي تربت عليها أجيالنا،وإنما تقع هذه المسؤولية في الدرجة الأولي علي أدعياء تطبيقها.أعرف مسبقا أن هذا الكلام لحن قديم مستهلك وأن قطاعات كبيرة مما يسمي بالصحافة الثقافية انقضت بكل ثقلها علي كل تلك المبادئ،رابطة ربطا محكما بين العروبة والأنظمة العربية،وبين الإشتراكية وكبت الحريات،وبين التأميم والفساد. والسؤال: ترى ماذا لو اتبعنا منطق هذه الصحافة،فربطنا ربطا لا فكاك منه ما بين الديمقراطية والإحتلال الأمريكي، وما بين الليبرالية وافقار الشعوب،وما بين الحرية والإستغلال؟ إن مسؤولية المثقفين هي العناية بما سماه الراحل ادوارد سعيد وغيره سياسة التفاصيل،إذ لا يجوز أن نحكم علي مبادئ نهضتنا الأساسية بالفشل،بل يجب أن نبحث أين فشلت هذه المبادئ علي مستوى التطبيق، وكيف نطور مبادئنا لنتفادي اختلالات التطبيق،كيلا يطاح بكل وجودنا،فنغدو أذلاء أمام الادارة الأمريكية،أيتاما علي مائدة اللئام العرب الجدد،أدعياء الديمقراطية والليبرالية والحرية. ماذا أردت أن أقول؟ أردت القول إن سقوط بغداد ذو أسباب أعمق من أن تلخص بإشكالية الدكتاتورية أو غياب الديمقراطية على ما حاول الكثير تفسير سبب الهزيمة العسكرية بالإستناد إليهما.فقد حسب هؤلاء أن رفض الدكتاتورية أو الدفاع عن الديمقراطية يحتاجان إلي تقديم تأويلات مبالغ فيها،وغير دقيقة،عند تقويم تجربة هزيمة في حرب،وقد تسني لهم ذلك الإيحاء بأن قيام الديمقراطية أو امتلاك المواطن لحريته السياسية يؤديان تلقائيا إلي صمود الشعب في حرب غير متكافئة،أو إلي التمسك بسيادة الدولة واستقلالها وعزة الوطن. ولكن بعض الحقائق تثبت عكس ذلك:فعلي سبيل المثال لم تستطع الديمقراطيات في أوروبا أن تصمد في وجه الغزو النازي،الذي راح يكتسحها الواحدة تلو الأخري،حتي احتل الأراضي المنخفضة وفرنسا متوقفا عند شواطئ بحر المانش.بل ان بعض تلك الديمقراطيات فتح لذلك الغزو الأبواب من خلال الانتخابات (كما حدث في النمسا مثلا).وبعضها تهاوي قبل أن تدخل قوات هتلر الحدود (كتشيكوسلوفاكيا وبولندا مثلا). واليوم نرى مجموعة من الديمقراطيات الحديثة في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية حولت نفسها إلي ما يشبه القوات المرتزقة للعدوانية الأمريكية..وكل ذلك لا يعطي أمثلة تؤكد أن الديمقراطية تؤدي تلقائيا إلى الإستمساك بالوطن أو استقلاله وعزته.غير أن هذا كله لا يعني انقاصا من أهمية الديمقراطية،وإنما يعد دحضا لتحميلها ما لا تحتمل،وتجنبا للتبسيطية في قراءة تجارب الحروب.ومن جهة ثانية ليس من الصحيح اعتبار كل نظام شمولي،أو قيادة تتسم بالفردية أو الدكتاتورية أو حزب متفرد بالسلطة،عاجزا أو عاجزة عن الدفاع عن الوطن واستقلاله. فعلى سبيل المثال خاضت الشعوب السوفييتية أكبر حرب وطنية وكسبتها تحت قيادة ستالين ـ وستالين دكتاتور بامتياز ـوهناك أمثلة مشابهة من الصين وفيتنام وكوبا. إن التبسيطية بالقول ان الدكتاتورية (بحزبها الشمولي) لا يمكنها القتال أو الصمود تشكل الوجه الآخر للعملة التي تعزو الهزيمة إلي غياب الديمقراطية.فرفض الدكتاتورية،حتي ولو انتصرت في حرب وطنية كبري،يجب أن يبقي ثابتا علي الرغم من ذلك الإنتصار. ولهذا يتوجب البحث عن أسباب أعمق لحالات الإنتصار في الحرب،وأبعد من اشكاليتي الدكتاتورية و الديموقراطية ومن هذه الأسباب ايمان الشعب بالقضية التي يقاتل من أجلها،ونوع التعبئة الايديولوجية والسياسية والقيمية والأخلاقية،وتوفير حد من العدالة الاجتماعية أو الوعد بتوفيرها،والإقتناع بقوة المقاومة وبإمكانية انتزاع الإنتصار بالصبر والصمود والمثابرة والقتال.وهنا يلعب التحليل السياسي وتقدير الموقف دورا هاما في اظهار نقاط ضعف العدو ونقاط القوة في جبهة المقاومة.ثم هنالك مزايا ينبغي أن تتوفر في القيادة بما يتعدي سماتِ الدكتاتورية والفردية أو الجماعية والديمقراطية،مثل: الشجاعة،والتصميم،والإستعداد للتضحية،وحسن ادارة الصراع،والذكاء، واعطاء الثقة للناس بحكمة القيادة وثباتها علي المبدأ والصمود حتي النهاية. و من هنا عندما تفتقر القيادة،سواء أكانت دكتاتورية أم ديمقراطية،إلي أغلب هذه المزايا وتتسم إضافة إلي ذلك بالفساد والتردد أو الإنحلال والتبعية،يحدث الإنهيار أمام الضغط الخارجي..بحرب أو من دون حرب! واذن؟ إذا كان الهدف من مناقشة تجربة العراق هو كيف نهيئ بلادنا لإمتلاك القدرة والمنعة،وكيف نحمي استقلالها وأرضها من العدوان علي الرغم من اختلال ميزان القوي العسكرية،فلا بد من السعي إلي توفير الأسباب أو أغلبها.وعندئذ يمكن الحديث عن الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ضمن ذلك السياق وفي خدمته،ولا ينبغي أن ننسي التشديد علي الجانب الأخلاقي والتقشفي واحساس الجماهير بأن قادتها وعائلاتهم يتقدمونهم في التضحية والإبتلاء. وخلاصة القول إن الذين يريدون أن يدافعوا عن الديمقراطية لن يخدموها إن جعلوها الدواء لكل داء أو اعتيروها هي الحل،ولكن يجب أن يضعوها في حدودها وضمن معطيات وخصوصيات معينة،لا أن يحولوها الي ايديولوجية وهمية لا تستطيع الرد علي الحجج المقابلة. والذين يريدون الهجوم علي الدكتاتورية ليسوا بحاجة الي دعم دعواهم بإتخاذ ـ النظام العراقي السابق ـ نموذجا. ما العمل؟ لقد بات لزاما علينا تجاوز مرحلة ما قبل 9 نيسان (أبريل) 2003،بعد أن بسط العدوان الأمريكي ـ البريطاني احتلاله علي العراق وأنجز جزءا هاما من أهدافه الحقيقية.فالمرحلة الراهنة تفترض أن تواصل ـ الجبهات ـرفضها للإحتلال ومقاومته،والحيلولة دون تمكينه من الأرض،لا سيما وقد تجرّع مرارة الهزيمة ببلاد الرافدين. ولهذا من الخطأ البقاء في أسر الماضي،أو الاستمرار في ـ اجترار ـ ما حدث في 7 و8 و9 نيسان (أبريل) 2003،أو ترك ما حدث في النفوس من صدمة وخيبة أمل يقعدنا عن مواجهة التحديات الراهنة،أي تلك التي تواجه العراق في هذه المرحلة الحاسمة،وتواجه سورية ولبنان وفلسطين..وتهدد سائر الدول العربية..
محمد المحسن -كاتب صحفي وعضو في إتحاد الكتاب التونسيين-
#محمد_المحسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل بإمكاننا بناء سوق عربية مشتركة.. في ظل ما يسمى بّ- لربيع
...
-
لا حرية للوطن..ولا تقدّم للمجتمع بغير الديمقراطية
-
العرب..في مواجهة الإختراق الثقاقي الكوني
-
على هامش الحرب الأمريكية المفتوحة على –الإرهاب-كيف تستقيم ال
...
المزيد.....
-
-مشهد مخيف هناك-: مراسل CNN يصف ما سببه تحطم الطائرة بمركز ت
...
-
حافلات تقل 50 جريحا ومريضا فلسطينيا تصل معبر رفح في طريقها إ
...
-
بينهم 18محكوما بالمؤبد.. دفعة جديدة من السجناء الفلسطينيين ا
...
-
تساؤلات.. صحة ومهظر مقاتلي حماس والرهائن الإسرائيليين بعد عا
...
-
شاهد لحظة إطلاق حماس سراح المواطن الإسرائيلي الأمريكي كيث سي
...
-
تسليم الأسير عوفر كالدرون إلى الصليب الأحمر في خان يونس
-
يعود إلى إسرائيل دون زوجته وطفليه.. الإفراج عن ياردين بيباس
...
-
ماذا نعرف عن تحطم الطائرات في الولايات المتحدة؟
-
مأساة في سماء فيلادلفيا: انفجار طائرة إسعاف طبية بعد إقلاعها
...
-
لحظة إفراج -القسام- عن الأسير الإسرائيلي الأمريكي كيث سيغال
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|