أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - السياديني وظاهرة توظيف المقدس















المزيد.....


السياديني وظاهرة توظيف المقدس


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 5130 - 2016 / 4 / 11 - 23:27
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



السياسة والدين من أدوات التحكم البيني متعدد المستويات الفعلية داخل المجتمع البشري المنظم فقط ومنذ القدم، وبينهما وشائج الترابط أكثر من خلافات المبدأ وتناقضات المصالح أحيانا فهما يمثلان سلطة القوة وقوة التحكم الفوقي، نشأت السياسة من روح المجتمع المنتظم على قاعدة المصلحة المدنية بحكم الضرورة ولضرورات التحكم الرأسي أبتدأ من سلطة الأب داخل الأسرة وصولا لقمة الهرم الأجتماعي، كما نشأ الدين أيضا من ضمن مجموعة مشابهة لهذا النمط من التصرف الجمعي ولكنها أرتبطت بالكثير من القيم الغيبية وبمجموعة محددات منها الأخلاق المستحكمة على قاعدة الحق والباطل ومفاهيم الخير والشر والحياة والموت والخوف والقلق، أرتبطت وتشابكت وتداخلت العلاقة المستمرة بالدين والسياسة ، أو استغلت هذه المفاهيم مرة للتسويق ومرة للتبرير وفي أحيان كثيرة لبسط وجودها الأصلي وهو تسلط الأنا وسلطتها المزاحمة.
حتى على الكثير من المتخصصين تصعبت اليوم القدرة على الفرز بين الدين والسياسة برغم التجربة المرة التي عانى منها الإنسان، حين جعل الأثنين في سلة واحدة أو حين خلط بينهما دون أن يكون مختارا في أحيان كثيرة ومريدا لهذا الأختيار في أحيان أخرى، هذا الخلط سبب له أن يثبر مجموعة من الإشكالات الفكرية والمصاعب بالتوفيق بين أخلاقيات الدين وبرغماتية السياسة، ,هنا لم تعد للحدود بين البرير والتقرير مجال, ولم يعد من الممكن فصل الدين عن السياسة كون السياسي مستعد للمتاجرة بأي شيء لتحقيق هدف سياسي كلي أو جزئي .
في السياديني يتمدد المفهوم ويتحدد وفقا للمصلحة دون أن تحتفظ السياسة لبعض المفاهيم بحدود واضحة عكس الدين في مفهومه الأجتماعي الذي يعني القواعد الأخلاقية الملزمة بالرضا أو بالقهر، هذا التناقض لم يمنع السياسي من استغلال القواعد الدينية طالما يجد من بين المؤسسة الدينية من يسخر له الطبيعة الفكرية للدين كون قواعده تتداخل فيها أحيانا قواعد الإلزام بقواعد النصح والإرشاد فيستبدل هذه بتلك وتلك بغيرها حتى أصبح الدين السياسي اليوم مجموعة من الأفكار السياسية بثوب قس أو إمام أو كاهن.
لم تكن فكرة السياديني ملتصقة بالأديان الوضعية كما يتوهم الكثيرون بل هي تجربة إنسانية رافقت البشر مذ عرف الدين وعرف السياسة وحينما كانت الآلهة تتزاوج وتلد ملوك وساسة وقادة في كل الديانات القديمة، بل كانت بعض هذه الآلهة ساسة وبعض الساسة تحولوا ألهه ويكفينا أن نقرأ الأساطير القديمة من بابل وسومر مرورا بمصر إلى روما وأثنا وغيرها من عوالم الوجود القديم لنرى هذا التشارك بينهما متلاحم.
وحتى في المجتمعات الطوطمية والبدائية دوما الزعيم المتسلط هو جزء من مفهوم الرب جزء من حكاية الدين، بل أن الدين يجري في عالم السياسة الأجتماعية مجرى الفلك نحو المركز، هذا لا يعدو أن يكون أمرا طبيعيا في مجتمع مبني على الخشية من سطوة رب الدين وليس من سطوة السلطة فهو قادر على التمرد عليها بغياب الحس الديني، لذا نجح من وعى هذه الحقيقة في جعل الدين الدرع الأساسي الذي يحمي السياسة ويقود به رباط المجتمع من غير تكاليف باهظة طالما أن الرب هو من يتحمل الخطايا أخيرا.
بقيت المجتمعات تعاني من فساد الدين وفساد السياسة حتى أصبحت كل دعوة دينية لا تركن للترابط العضوي الذي صنعته حركة السياسة في فكر الدين وفي وعي الناس، مجرد فترة لا تعد من التأريخ لضآلة ما تعيشه من عمر زمني، لتتحول بفعل عوامل قوة وحدة حركة الأنا في ذات الإنسان المتسلط لتجر الدين إلى وحل الأنانية، وإخراجه مهزوما أمام قوة الثابت التاريخي المختصر في عبارة (لا سياسة قوية بدون دين ضعيف في مواجهتها (هذه الخلاصة لا بد لنا أن نربطها بمحصلة أخرى أنتجها عصر التنوير في أوربا بتراكمات إنسانية شارك فيه الديني والفلسفي، وتوصلت لنتيجة مهمة هي أن الدين )عامل عام ( واحد من أهم أسباب فشل الإنسان في التحرر من زي السلطة وتحايلها على حق الإنسان بالحرية والمشاركة والمساواة، وأن الحل يكمن بإبعاد الدين عن السياسة لتعرية الأخيرة من ثوب القداسة وبالتالي سلخ المبرر الذي تستتر به بمواجهة المجتمع .
كان شعار صيانة حرية المجتمع بتجريد السياسة الممثلة بمؤسسة السلطة من المبرر الديني الذي يمنحها التمجيد والمنعة بمواجهة أستحقاق الإنسان لحقه الطبيعي بالحرية، هو الطريق الوحيد الذي يمر من خلال عزل الدين في عنوان ضيق ومنزو ومحاط بالشبهات والشك وعنوان لمرحلة تأريخية أمتدت لهذا اليوم، تتصارع فيها فكرة الدين لله وفكرة الدين من الله دون أن تنجح أيا من الفكرتين في إعلان أنتصارها الحقيقي على أرض الواقع.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة ولا يجد على الدوام إجابة مقنعة هو ما هو سر التناقض المزعوم بين الدين والسياسة طالما أن كلاهما من أدوات الضبط الجماعي ومن وسائل الانتظام المدني ومن العلاقات الطبيعية التي تتواءم مع كونية المجتمع البشري القائم على فكرة أن المدنية قيمة أصلية فيه، وأن الإنحرافات السلوكية التي تنتج من ممارسة الدين والسياسة هي النقيض للطبيعي للتمدن؟، الحقيقة المرة أن السؤال هو جواب خفي وأن كثرة التساؤل لا تعني عدم القدرة على أنتاج إجابة محددة.
يفترض البعض أن الدين قيم وأن السياسة معالجات واقعية قد لا تكون في أحيان كثيرة صالحة لأن تمثل وتنبسط للقيم المثالية الدينية وبهذا فالواقع هو من يتحكم بالسياسة وليس القيم المثالية، في حين أن الدين يفترض عالما خياليا خالي من الغير المتوقع ويعيش في واقع هو من يصوره ويصيغ شكلياته وبالتالي فالحلول التي يطرحها الدين غالبا ما تكون حلول خيالية، لذا فلا يمكن ربط الدين بالسياسة ولا يجب للسياسة أن تنصاع للمفردة الدينية.
الواقع الذي لا ينكر أن التنظير الفكري أحيانا هو الذي يصيغ عالم مثالي ويبسط مفرداته التأملية على واقع غير حقيقي ومن هنا فليس التنظير المجرد هو من يقرر الأصلحية وعدمها ,التجربة الحسية بقوانينها المجردة هي من تملك الحق في ذلك والتجربة الحقيقية التي تجعل من الدين ضابط للسياسة في فترات معدودة عندما كان الدين معافى من التداخل البشري تثبت أن نظرية التعارض مجرد خلط وتحري وكان على دعاة الفصل بدل ذلك أن يهذبوا التعاطي السياسي بالحس الديني من خلال تقديم الأخلاقيات الإنسانية بدل فرض الواقع كمقياس للصحة , المنحرف في سيره والخاضع للتبدلات الأنانية لا يمكن أن يكون قانونا معياريا لقياس التوافق الصحيح .
الجواب المضمر في التساؤل هو أن العوامل الضابطة لحركة المجتمع والمنظمة لنشاطه بغض النظر عن مصدريتها يجب أن تتحول إلى منظومة تكامل تسعى وفق منهجية تتلمس الإصلاح الأجتماعي وتتقيد بمنطق أن المصلحة العامة والتي تتناسب مع وظيفة الإنسان في الوجود هي المقياس الذي نحتكم له في المتعارضات العملية، وليس الواقع المادي الراهن لأن الإنسان أساسا موجود بفلسفة تتمحور حول حريته في الحركة للأمام وبالتالي تقيده بالواقع ومتطلباته إنما يعني أننا نركن للانحراف ونتعبد سواء بالسياسة أو بالدين لواقع الأنا المنحازة لذاتيتها التي صنعت هذا الواقع وجسدته كوحدة معيارية .
الخطأ ليس في الدين وليس في السياسة الخطيئة في وعي الإنسان وبدورهما في الحياة وتحديد مسارات هذا الوعي وتقييده بالضوابط العقلية، الخطيئة عندما تخرق القيم بدواع المصلحة وليس بدواع الحق والخير والجمال، الإنسان مكيف ومكون على ان ينصاع لقوانين تضمن له العيش المنتظم وتضمن له حق الحرية التي تتفاعل مع وظيفته الأساسية لكنه أيضا سرعان ما يتمرد على هذه الكونية والكيفية ويحاول أن يبحث عن مبررات وهمية خارج طبيعة التكوين لأنه يعلم ويعي أنه على خطأ يلجأ لكل ما هو غير حقيقي وغير طبيعي ليستمر بمنحنى التزييف وليذهب في الأخر ضحية هذا المنهج الضال .
إن الوعي بمشكلة التعارض وفهم حقيقة الخلاف والأختلاف الناشئ من عدم جدية الإنسان في البحث عن حلول ممكنة تتراوح بين التنسيق بين الدين بأعتباره وعيا متقدما وعمليا خارج تدخل الإنسان في تغيير المراد القصدي الأساسي منه وبين السياسة كونها ترجمة لمجموعة الأفكار والرؤى التي تضبط إيقاع المجتمع بما لا يمنح للفوضى فرصة التغلغل في حقيقة تمدن المجتمع المنتظم بقانون البقاء لأجل الإصلاح والتطور والاستفادة من العامل الروحي الذي يمثله الدين في تعزيز أليات الأنتقال من الواقع اليومي إلى حالية التجدد الذي يمنح قدرا أكبر للإنسان من إشباع حاجات أساسية ورئيسية تتفرع من هرمية الحرية وتتغلغل إلى تفصيلات أدق وفق وعي شامل للحياة أنها تجربة إيجابية لا تتكرر .



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يمكننا إعادة تدوير الدين في ظل عالم فكري خاضع لفلسفة ما ب ...
- هل يمكننا إعادة تدوير الدين في ظل عالم فكري خاضع لفلسفة ما ب ...
- هل يمكننا إعادة تدوير الدين في ظل عالم فكري خاضع لفلسفة ما ب ...
- ثقافة التسليع
- شك الإيمان وظاهرة التكفير
- حق الإنسان في أختيار العقيدة منطق ديني أصلي
- تطورات الموقف العراقي في اسبوع
- بين أخلاقيات الفعل الإنساني وإنسانية الفعل
- العراق ومرحلة التغيير والإصلاح
- طريقة الدائرة الجزئية في أحتساب أصوات الفائزين في الانتخابات ...
- رسالة براءة وتنبيه
- رسائل إلى مسافر
- أيام الفردوس _ مقطع من روايتي الأخيرة
- العراق ومنعطف التغيير أو نقطة التفجير
- الواقعية وما بعد الواقعية في الخطاب السياسي العراقي
- خيارات العالم مع أنتشار وباء داعش
- الروح الدينية مفهومها ودورها عند غوستاف لوبن
- تخاريف العقل
- أنا وفنجان قهوتي وأنتظار الحلم
- إرثنا التأريخي ومشكلة العيش من خلاله


المزيد.....




- الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و ...
- عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها ...
- نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
- -ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني ...
- -200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب ...
- وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا ...
- ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط ...
- خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد ...
- ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها ...
- طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا ...


المزيد.....

- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - السياديني وظاهرة توظيف المقدس