|
نصيحة عاشقة
صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 1387 - 2005 / 11 / 23 - 10:14
المحور:
العلاقات الجنسية والاسرية
يختلف عالم الشرق عن العوالم الأخرى في المعمورة بكونه مهد الحضارات القديمة والديانات السماوية والأعراف والتقاليد العشائرية، إنه أسير كل تلك المكونات التي تشكل جزءً من ثقافته في اللاوعي وغالباً يتعارض سلوكه وممارساته مع ما يحمله من أفكار وآراء معاصرة. الإنسان الشرقي (رجل أو امرأة) يعاني من حالة الانفصال الثقافي بين الماضي والحاضر، يرفض الماضي كله لصالح الحاضر لكنه بذات الوقت ينهل من الماضي ممارساته اليومية. إنه جسداً يعيش الحاضر ويتفاعل معه، لكنه ينهل من الماضي ممارساته وادعاءاته الفكرية المعاصرة. إن أزمة الماضي والحاضر الراسخة في اللاوعي تعكس صراعاً ذاتياً في التوجه والممارسة، أبسطها حرية التعبير عن المشاعر والأحاسيس التي تصطدم بالواقع الاجتماعي الأسيرة لكل مكونات الدين والتقاليد والأعراف التي تنخر ذات المجتمع وتجعله يحدد مساحة حرية التعبير عن المشاعر والأحاسيس بل في كثير من الأحيان يفرض نهجاً قمعياً على المصرحين بها. عالم الشرق، هو عالم الشيء ونقيضه...عالم العفة الظاهرة والرذيلة المستورة.....عالم الحرام المعلن والحلال المبطن. فكل الرذائل مسموح ارتكابها في السر لكنها حين تخرج إلى العلن يُرجم أصحابها بحجارة الدين والأعراف والقيم الاجتماعية وأول الراجمين هم الذين يمارسوها في السر بدعوة الحرام في العلن!. مسموحاً تتحدث عن الحب والعشق في المجالس الخاصة دون حدود، في حين أن التصريح العلني بهما جريمة اجتماعية لاتغتفر!. تنصح ((زينات نصار)) صديقها بعدم إعلانه لحبها قائلةً:"لاتعلن حبك يا صديقي، لاتُجاهر بدعوتك إليه، فالعاشق يُرجم في بلادي والعاشقة تُقتل. والعشق ليس إلا رواية تُحكى على أرصفة المقاهي وفي مخيلات الكُتاب، وفي هذيان الشعراء". تنهل التربية الاجتماعية المتوارثة من الموروث والأعراف والقيم الاجتماعية والدينية توجهاتها، وتضع العاشق أو العاشقة في قفص الاتهام. يُتهم بشتى التهم ليس أقلها تهمة الزنى التي تستحق الرجم بالحجارة، فإن كانت الأحجار تستخدم لبناء المعابد والمواخير معا فإنها تستخدم أيضاً في رجم الشياطين الخارجين عن حدود المجتمع. العاشق مصاب بمس شيطاني، يجلب الرذيلة للمجتمع. والشيطان يسكن في جسد العاشق ولايغادره إلا برجم هذا الجسد المسكون لطرده منه. إن الحب من خاصة منظومة القلب مركز العاطفة والأحاسيس وتلك من خاصة اللاوعي، أحد مكونات العالم الكوني التي تستقر فيه أرواح البشر، والأرواح تلتقي مع بعضها هناك قبل أن تتقابل الأجساد في العالم الأرضي. فما ذنب الجسد الذي يعاقب بالرجم حين تأسره الروح بالعشق؟ فالعوالم الكونية من خاصة الأرواح المقدسة وليست مسكناً للشياطين. والحب والعشق أبناء الروح في جسد العاشق، فهل يجوز رجم الروح المقدسة؟ إن من يرجم الأرواح هم الشياطين فقط لاغير!. تقول ((زينات نصار))"الحب في بلادي يا صديقي، جريمة. وأنت متهم حتى لو ثبت براءتك! يُرجم العاشق وتُقتل العاشقة ويُتهم الحب بالزنى في بلادي. يكتب الناس تاريخ حب الناس، يلونونه، يزينونه، يحفظونه، ويلقنونه لأولادهم كجزء من دروس التربية والنهي عن المنكر. في بلادي تُجرد كلمات الحب من قدسيتها، تُعرى من حنانها، وتُسلط سيوف الاتهام على كل من ينطق بها". إن العاشق وما يمسه من داء الجنون يفقده التحكم بتصرفاته المتعارضة مع حدود المجتمع، لكنه غير معني بها. إنها توجهات الروح التي تفرض نهجها على العاشق فيتصرف وفقاً لمساراتها دون وعي. يصيب داء العشق منظومة التحكم عند العاشق، فتختل محطات العمر ليصبح مراهقاً تنازعه السلوكيات والتصرفات المتعارضة مع مسار العمر التائه في محطة العمر الآنية. فقطار العشق يسير بعكس تجاه العمر ويذهب بعيداً إلى محطة المراهقة. في تلك المحطة المتقاطعة مع العمر الآني ينهل العاشق توجهاته وسلوكه، إنها الروح التي تغادر محطات العمر، والجسد تأسره المحطات الآنية. فما ذنب الجسد حين تغادره الروح إلى محطات أخرى دون أن يغادرها؟. تعتقد ((رجاء نعمة))"أن كل واحد في الحب مراهق، وكل عاشق مُستلب وكل عشق يفقدك الأمر والنهي ليس هناك حباً لاتضطرب له حياتك". إن روح العاشق في الشرق أسيرة هواجس وأساطير وأعراف اجتماعية وقيم دينية ضاربة جذورها في التاريخ، تتصارع ذاتياً بين مكونات لاهوتية واجتماعية. إنها روح تأسرها براكين كامنة، تتفجر دون إنذار سابق، تدمر ما تشاء من المشاعر والأحاسيس وتقتل أجساداً تأسرها الأرواح المقدسة الحاملة لكل أسرار المكونات السماوية التي يُصعب فك طلاسمها ورموزها في العوالم الأرضية. هناك صراع ضاري بين عوالم سماوية وأرضية، تتخذ من مساحة الجسد ساحة للمعارك الدائرة بينها تارة باسم العشق والحب المتعارضة مع مسارات المجتمع وتارة أخرى باسم الملائكة والشياطين الساكنين في مساحات الروح والجسد.
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحب والخيبة
-
ثورة امرأة
-
تساؤلات امرأة في الزواج
-
آراء نسوية في الرجال
-
الإسلام والمرأة المعاصرة
-
اعترافات امرأة
-
خلافات وأزمات علاقة الحب
-
صراع منظومة القلب والعقل
-
لغة العقل والعاطفة بين الرجل والمرأة
-
المرأة وعلم النفس
-
مشاعر وأحاسيس الرجل والمرأة في علم النفس
-
مفهوم الحب في الغرب
-
الحب والعشق في الشعر الحديث 3-3
-
(الحب والعشق في الشعر الحديث (2-3
-
الحب والعشق في الشعر الحديث 1-3
-
(الحب والعشق في الشعر القديم (4-4
-
(الحب والعشق في الشعر القديم (3- 4
-
(الحب والعشق في الشعر القديم (2-4
-
(الحب والعشق في الشعر القديم (1-4
-
النظرة الدونية للمرأة عند توفيق الحكيم
المزيد.....
-
الحياة الواقعية تحت وطأة الصراعات.. المرأة اليمنية في أدب وج
...
-
سن التقاعد للنساء في الجزائر 2024 الجريدة الرسمية بعد أخر ال
...
-
المجلس الوطني يدين جرائم الاحتلال ضد المرأة الفلسطينية ويطال
...
-
وزارة المالية : تعديل سن التقاعد للنساء في الجزائر 2024.. تع
...
-
المرأة السعودية في سوق العمل.. تطور كبير ولكن
-
#لا_عذر: كيف يبدو وضع المرأة العربية في اليوم العالمي للقضاء
...
-
المؤتمر الختامي لمكاتب مساندة المرأة الجديدة “فرص وتحديات تف
...
-
جز رؤوس واغتصاب وتعذيب.. خبير أممي يتهم سلطات ميانمار باقترا
...
-
في ظل حادثة مروعة.. مئات الجمعيات بفرنسا تدعو للتظاهر ضد تعن
...
-
الوكالة الوطنية بالجزائر توضح شروط منحة المرأة الماكثة في ال
...
المزيد.....
-
الجندر والجنسانية - جوديث بتلر
/ حسين القطان
-
بول ريكور: الجنس والمقدّس
/ فتحي المسكيني
-
المسألة الجنسية بالوطن العربي: محاولة للفهم
/ رشيد جرموني
-
الحب والزواج..
/ ايما جولدمان
-
جدلية الجنس - (الفصل الأوّل)
/ شولاميث فايرستون
-
حول الاجهاض
/ منصور حكمت
-
حول المعتقدات والسلوكيات الجنسية
/ صفاء طميش
-
ملوك الدعارة
/ إدريس ولد القابلة
-
الجنس الحضاري
/ المنصور جعفر
المزيد.....
|