سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 5126 - 2016 / 4 / 7 - 19:45
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
- نحو فهم الوجود والحياة والإنسان (42) .
هى رؤى فكرية وخواطر ومواقف تدور حول الإلحاد والإيمان أردت صياغتها فى تأملات موجزة بعدة سطور بغية أن يصل مضمونها بشكل سريع ومؤثر ولتفتح المجال أمام آفاق العقل لإختبارها والإبحار فيها .. أعتذر عن دسامة المحتوى فهكذا طبيعة كتاباتى , أو قل رغبة دفينة فى تدوين كل ما يجول فى دماغى قبل إنقضاء الحياة .
تمهيد – جزء أول .
- تساءل بشجاعة عن فكرة وجود إله ولا تدفن أسئلتك , لأنه إذا كان موجود فرضاً وجدلاً فسيحترم بحثك وأسئلتك وعقلانيتك بدلا من هذا الإيمان التسليمى البغبغائى , كما من المُفترض أنه خلق لك العقل وفق تصورك لتسأل به , فليس من المنطق أن يخلقه ولا تعمل به , أما ما يقال عن إله يرفض السؤال والشك والعقل المُفكر كحال إله الكتاب المقدس." توكل على الرب بكل قلبك وعلى فهمك لا تعتمد " امثال3:5 . أو إله القرآن "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبد لكم تسؤكم " فهو ليس جدير أن تعبده حتى بإفتراض أنه موجود .
- زعزع المخاوف التي تجتاحك عندما تقترب من المقدسات والثوابت وواجه الحقيقة بقوة , فلا يوجد شئ اسمه مقدس يا عزيزى فى ذاته , فالإنسان هو من يمنح التقدير والقداسة للأشياء , كما أن الثوابت مقولة تخالف ناموس وطبيعة الحياة فلا يوجد شئ ثابت ذو ديمومة , وإعلم أن الأفكار القوية يزداد بريقها عندما تكون على المحك والإختبار , أما الأفكار الهشة فترتعد من السؤال والبحث والنقد لتحصن نفسها بالخوف والخطيئة والحرام .
- القلق الفكرى أسمى أشكال القلق لأنه تعبير عن ذهنية متقدة متفاعلة مؤثرة ومتأثرة .. عندما يعبأ ذهنك بالكثير والكثير من الغيبيات ولا تجد أى أثر لهذه الأشياء فألا تتوقف قليلا .. عندما تجد سهام النقد موجهة نحو مسلماتك ومعتقداتك لتنال منها بسهولة فألا تجعلك تقلق .. عندما تفتقد لأى حجة تدعم معتقداتك سوى أنها كده أو أنها حكمة الله فألايجعلك تقف متأملا حجية إيمانك .. ألا تقلق عندما تجد أن كل منظومتك الفكرية مع عظمة وهول إدعاءاتها لا ترتكز على دليل ثبوتى واحد يؤكدها , فكل الامور لا تزيد عن ظنون تقبل فى الاتجاه المقابل ظنون واستنتاجات أخرى .. هل تستطيع أن تنمى حس القلق فى داخلك ولا تقتله على مذبح سخافة أفكار الاخرين .. إعتقادك بشئ معين بعد مخاض قلق سيكون أسمى وأشرف لك من الانبطاح أمام فكرة تتشبث بها بدون أى سند .. هل تستطيع أن تجرب لذة وقسوة القلق .
- سر تقدم الإنسان وتطوره أن عقله لم يحظى على الأمان والسلام وكلما إرتكن للأمان فإعلم انه فى سبيله للسكون والخمول فلا يوجد شئ يهدده , لتكون النتيجة قولبة وغيبوبة ونهاية عقل .. الإنسان يتطور من قلق العقل لينتج أفكار تتصارع لتنتج فى النهاية فكرة قوية تُهدأ من نفسه ولكن ما تلبث أن تظهر فكرة أخرى تتصارع مع القديمة فهكذا هى الحياة , لذا فالمشكلة هو الركون لفكرة والإستسلام لها .
- لم أولد وأنا صاحب موقف , ولدت كصفحة بيضاء لتخط الطبيعة والبيئة والجغرافيا والتاريخ خطوطها لتتخلق مواقف وأفكار بعدد لا حصر له من الإحتمالات العشوائية .
- الأطفال يولدون ملحدين بالضرورة , فحفيدى لا يعرف الله أو الدين فهو مازال صفحة بيضاء ، فرجاء لا تصدروا لهم إضطراباتكم العصبية وعقدكم النفسية . أعترف أنى أخطأت فى حق إبنى وإبنتى عندما تركت أمهم وجدهم يتوليان حشر أدمغتهما بالخرافة والعقد النفسية , كان يكفى أن أعلمهما السؤال , وأن لا يقبلا بإجهاض أسئلتهم الصغيرة .
- نحن نؤمن أو نلحد على خلفية أداء منهجى وفكرى لطفل صغير مع إختلاف المداخل والمخارج , ففى الإيمان نكون أطفال بسطاء ودعاء غير معاندين مسامحين متسامحين أمام ما يلقى علينا من أفكار فنمررها ببراءة وبساطة كقصة أمنا الغولة , وعندما نلحد فنتبع نهج الطفل الذى يخربش ويشاكس ويتأمل ويتوقف ليسأل عن مكان أمنا الغولة .. هل يوجد أحد لم يسأل من خلق الله .. الملحد لم يوارى هذا السؤال التراب فإستمر بمشاغباته لينتج أسئلة أخرى .
- الإنسان يكون لادينياً أو ملحداً عندما يدرك أن إنسانيته ومنطقه وعقلانيته أفضل من الدين والإله .. الملحد يأمل فى تدمير الأوهام المُضرة بالإنسانية والحياة وتحرير الإنسان من الأخطاء بغية إعادة الإنسان للعقل والطبيعة .
- يخطئ من يظن أن الملحد معاند لفكرة الإله بتعسف وعلى عداء وخصومة معها , بل الإلحاد موقف وإطار تفكير , يُلاحظ منه وبه العالم ليتم فحصه بموضوعية لا تعرف الخوف , فالملحد يعادى الأوهام المُضرة بالإنسانية بلا مبرر آملا أن يرجع الإنسان لفهم الحياة والطبيعة كما هى بدون إضافات ليست منها .
- الملحد بالرغم أنه يرفض وجود أى إله لكن أتصور أنه إعتنى بتفحص فكرة الإله أكثر من المؤمن لعدة أسباب , كإحساسه انه تلمس الحقيقة الغائبة , أو إعتناءه بإزاحة فكرة شديدة التجذر , أو إشفاقاً على الإنسانية من هكذا خرافة .
- يقولون بتعسف أن الإيمان هو فطرة الإنسان فكأن الميل لفكرة الإله أو دين معين مُصاحب للطفل منذ حداثته مع جيناته , ولكنى أقول بكل ثقة وبدون أى تعسف أن الإلحاد هو الفطرة الإنسانية إذا جاز لنا إستخدام مقولة الفطرة , وهنا أعنى منهجية وفلسفة الإلحاد والشك وليس فكرة الإله فى حد ذاتها , فالإنسان لا يعتمد أى فكرة إلى بعد أن يُقلبها ويَشك فيها , ومتى قدمت مصوغاتها تم إعتمادها , فهذه هى الفطرة التى تعتمد على آلية وطبيعة الدماغ , وهذا فلسفة الإلحاد , فالعقل الإنسانى ليس بالوعة تبتلع أى أفكار بل مصفاة تمرر الفكرة بعد الشك , ولا تسألنى عن الإيمان فهو الإنتهاك الأكبر للعقل الإنسانى ليصبح العقل كالبالوعة .
- الإلحاد هو الإعتقاد بأن سبب الكون يتضمنه الكون في ذاته , وأن ثمة لا شيء وراء هذا العالم , كما توجد حزمة من المفاهيم الفلسفية والفكرية كالإعتناء بالشك أمام الإدعاءات القاطعة بلا دليل , والإهتمام بالبحث عما هو حقيقى حتى لو لم تنال راحتك من هذا البحث , فالحقيقة هى الأهم والأجدى والألذ , لذا لا ركون الى مقولات ذات شهرة وشيوع وميديا بدون أساس ومنطق فهذا لا يعنى أنها شئ جيد , كما لا تتوسم فى الأشياء لأنك تريد أن تكون حقيقة .
- على الملحد عندما يريد ان يفترض شيئا فيلزم أن يكون شئ يمكن إختباره , وأى فرضيات بدون إختبار فهى لا تمثل إلأ خيال وفنتازيا الدماغ , والخيال والفنتازيا ليستا عيباً ولكن لنفطن أنها كذلك فقط , فلا تتبع نهج المؤمن الذى سمح لخياله أن يستقل عنه ليتحرك أمامه .!
- الملحد لا يعتمد على قوى خارجية مُفترضة ليست بذات وجود لتغير شخصيته وحياته , فعليك أنت أن تغير نفسك , وإعلم أنك إذا كنت تريد لحياتك معنى فالأمر يرجع لك وفق رؤيتك وقدراتك وتصورك وعزيمتك فى إطار ظروفك الموضوعية المادية وليس لقوى خارجية ميتافزيقية مجهولة .
- الالحاد ليس دين ولا توجد معتقدات مشتركة بين كل الملحدين سوي عدم الاعتقاد بوجود آلهة . ولكن للطرافة هناك ما يقال عنه إلحاد قوى وإلحاد ضعيف على نفس قول المؤمنين بإيمان قوى وضعيف مع الفارق أنه لا يوجد ميزة تفاضلية للإلحاد القوى عن الضعيف فلن تقدم جوائز للإلحاد القوى , الإلحاد الضعيف لا يؤمن بوجود إله كحال الكثير من الملحدين الذين رفضوا الإله الإبراهيمى مثلا , بينما الإلحاد القوى يعلن بقوة ووضوح وبلا تردد بعدم وجود آلهة بل لا يمكن أن تتواجد أى آلهة بناء على فهم طبيعة الوجود والكون والحياة .
- الفرق بين المؤمن والملحد أن المؤمن ألحد بكل الآلهة وترك واحداً منهم , بينما الملحد ألحد بكل الإلهة بدون إستثناء .
- الفرق بين المؤمن والملحد هو كالفرق بين الغرور والتواضع , و بين النضج والهوى , فالأول لم يتخلص من إحساسه بمحورية وأهمية وجوده فإستسلم لوهم كيان يعطيه الإحساس بأن هناك من خلق الوجود من اجل سواد عيونه ليعتنى به ويرصده ويرزقه ويرتب له الأمور فهو من الأهمية بمكان , أما الملحد فقد أدرك أنه جزء من الطبيعة كمفردة من مفردات الحياة بدون أى ميزة إضافية عن أى وحدة وجودية فى خضوعه لقوانين المادة والطبيعة سوى أنه إمتلك وعياً متقدماً .
- بعض الجهله الأغبياء ينعتون الملحد بالغبى وكأنهم قدموا منطق وعقل لإثبات وجود إله لم يفهمها الملحد , بينما الملحد ببساطة يرفض قصص عن الذى شق البحر بعصاه حيناً وليحولها إلى حية حيناً أخرى , كذا الذى قام من الأموات , وآخر المتجول فى الفضاء الكونى على ظهر بغلته , فمن الغبى هنا ؟! .
- يفهمون الإلحاد بأنه الإنحلال الأخلاقى والبحث عن الأهواء بغية حجب قوة الفكر الإلحادى عن الحضور , ولا نريد أن نذكرهم بأننا لسنا أصحاب جنة النكاح وإعتلاء المسبيات وملك اليمين .. هذه مجرد تهم يطلقونها دون وعي ودون فهم ، فليتهم يتوقفون قليلاً للتفكير , فالأخلاق نتاج حراك وتطور مجتمعات وحاجتها لحزمة من السلوكيات لتحقق النظام والسلام والتوازن فى المجتمع , فالأخلاق ليست رسائل تُلقى من السماء لتجد أن كل الأخلاقيات تخص الإنسان فحسب , ولا علاقة لها بالآلهة المنزعجة , كما عليك أن تفطن أن هناك تناقض وازدواجية فيما يقال عنه أخلاق دينية , فالقتل والسرقة والزنا حرام حيناً وحلال مع الآخر .
- ستنقشع فكرة الإله والدين وتتبددا عندما يدرك البشر إنهم المسئولون عن أفكارهم وأخلاقهم وسلوكهم وقادرين أن يحكموا أنفسهم ويعالجوا أمورهم بشجاعة وفق محددات واقع مادى موضوعى .
- يقبح الدينيون الإلحاد بقولهم أن الملحد فوضوى عدمى بلا غاية بحكم أنه يعتقد بأن الحياة والوجود بلا غاية فى ذاتها .. يكون هذا الإتهام خطأ يحركه جهل ومشاعر ومواقف عدائية فى الأغلب .. الملحد يعلن عن عدم وجود غائية خارج الإنسان أى الغاية شئ مَوجود ومُختلق من الإنسان فقط , بينما الطبيعة فى حد ذاتها لا تنتج ولا تصدر غايات , ومن هنا فالإنسان يَختلق غاياته ويستوى هنا المؤمن والملحد بالإعتناء بشئون حياتية سياسية اقتصادية أو النجاح والتميز أو الصراع ألخ .. الملحد هو من يُقبح غايات المؤمنين عندما تكون إملاءات دينية فهى هنا تنفيذ لغايات أهل الكهنوت والسيادة وغايات القدماء والسياسيين المتوارية .
- بدون تشنج أقول أن الفرق بين المؤمن والملحد هو فى التعامل مع السببية , فالأول يعطى للكون والحياة مُسبباً بدون أن يثبت هذا الزعم , بينما الملحد يصر على إثبات ان هذا السَبب من ذاك المُسبب حصراً , ويرى أن الكون يحمل أسئلته وأجوبته ومسبباته بدون حاجة لمُسبب خارجى عن الطبيعة .
- هناك فارق جوهرى بين المؤمن والملحد ليس فى هذا الهراء الدائر حول الصدفة والنظام المُتعمد , فهذه النقطة ذات إلتباس وتشوش كبير , ولكن يبقى الفارق الجوهرى فى مفهوم الغائية , فالمؤمن يتصور أن هناك صاحب غاية بدون أن يقدم بالطبع مصوغات زعمه هذا سوى ظنه وتخيله , بينما الملحد لا يرى وجود غاية فى الحياة والوجود خارجة عن الانسان , فكل الغايات إنتاج إنسانى محض حتى فكرة الإله فهى غاية إنسانية .
- هناك فارق جوهرى آخر بين الإيمان والإلحاد لو إستطعت حسمه فهنا قد وصلت إلى أعتاب الحقيقة وحسمت موقفك , فالمؤمن مهما تواضع مستوى تفكيره فهو يصب فى أن الوعى والفكرة جاءت قبل الوجود المادى , أما الملحد حتى ولو لم يتحلى بالفلسفة المادية فيرى أن الوعى والأفكار جاءت بعد الوجود المادى بل هما نتاج تشكيل الوجود المادى .. إذا أردت نسف الإلحاد أو الإيمان فما عليك سوى التعامل مع هذه النقطة بدون أن تغرق فى قضايا أخرى , فلو أثبت أن الوعى يأتى قبل الوجود المادى فقد أثبت إمكانية وجود إله , وإذا كان الوجود المادى قبل الوعى فقد بددت فكرة وجود إله .
- أرى من الأسباب الجوهرية لإبداع الإنسان فكرة الإله لتجد حضورا حتى الآن لدى الإنسان المعاصر هو الخوف من الموت والرغبة فى تجاوزه ويمكن أن أثبت هذا فلو أحضرت مجموعة من المؤمنين مختلفى المشارب وإستطعت أن تثبت لهم بأنه لا حياة بعد الموت ولا جنات ولا نكاح بل أجساد تتحلل وتذوب فى الطبيعة وإقتنعوا بهذا فلن تجد واحد يعتنى بالإيمان بالله ولن يضيع دقيقة من وقته فى تقديم الصلوات .. الإنسان كائن برجماتى قح .
- مبدأ باسكال نموذج من الفكر البرجماتى عندما يرتدى أردية فلسفية منطقية أو قل للدقة رداء المراوغة , فلا يتخلى عن برجمايته لحظة واحدة , فهو يقول أن الإيمان بالإله لن يجلب الخسارة إذا إكتشفنا لاحقاً أن الإله غير موجود , أما الإنصراف عن الإيمان بالإله على الأرض ثم إكتشفنا أنه موجود فالخسارة ستكون فادحة .. إنه فكر نفعى انتهازى حتى الثمالة لا يعتنى بأهمية الحقيقة والمصداقية والشفافية والإقتناع .
- على شاكلة رؤيتهم النفعية من تبنى الأفكار يسألون عن الفائدة التى سيجنيها الملحد من إلحاده وكأن من المفروض أن يقدم الإلحاد إمتيازات وعروضاً تجارية لإغراء الزبائن ,فهم لا يفهمون معنى القناعات والمواقف والبحث عن الحقيقة ولكن لو حاولنا التماهى فى الجدوى والفائدة فبلاشك سنجد فوائد جمة تعود على تطور ونضج الإنسان الفكرى والمعنوى والحياتى فى تناوله لكافة تمظهرات الحياة الفكرية .
- الإلحاد يجرد الإنسان من أعباء الضغوط النفسية المصاحبة للحالة الدينية , فالمُلحد ليس مشغولاً ولا مهموماً بمصيره بعد الموت , ولا يؤرقه مسألة الحساب والعقاب , ولا يتبنى أوهام و أحلام وأمنيات الثواب , وبهذا يرفع الملحد عن كاهله الكثير من الضغط والعبأ النفسي الذي يعيش فيه المؤمن ويشغل حيزاً كبيرا من حياته النفسية .
- الإلحاد يصدر فكرة أساسية بأنها الحياة هى حياة واحدة فلا يجب أن نبددها وراء سراب ووهم وجود آخر وعلينا أن نستمتع بالحياة والعيش فيها بسلام فلا توجد فرصة أخرى .
- الإلحاد يمنح الملحد فرصةً لمعرفة ذاته , ففي غياب وجود الغاية والقيمة المفروضة من الخارج , يكون أمام الملحد فرصةٌ حقيقية لتشكيل نفسه وقناعاته ومساءلة ومراجعة غاياته في الحياة بشكل موضوعي حقيقي نافعٍ نابع من وعيه غير خاضع لتأثيرات خارجية مفروضة عليه تصب فى مصلحة الآخرين لتجبره على سلوك ليس نابعاً من إرادته ووعيه الحر .
- الإلحاد يمنح الملحد القدرة على إعادة مراجعة المنظومات الأخلاقية بحيادية حيث الأخلاق غير مرتبطة بنص أو عقيدة بل بظروف الإنسان الموضوعية , ومفهوم المنفعة والضرر , وهل الفعل المراد محاكمته أخلاقياً سصب فى الضرر أم النفع حسب المجتمع والقيم الإنسانية وبهذا يرتقي المجتمع أخلاقياً , ولنلاحظ أن الأمور تقديرية ونسبية فى النهاية .
- الإلحاد يمنح الملحد مصل المناعة ضد معظم الادعاءات الفاسدة التي تعتمد على الأجواء العاطفية في حضورها وإثبات نفسها فقول فلانٍ أوعلان أوكلام القس أو رأي الشيخ أو الأيدلوجيات والفلسفات , فكل هذا يصبح بدون قيمة إذا لم يكن صحيحاً و مدعوماً بأدلة وبراهين , وبذلك يصبح الملحد متحرراً موضوعياً قادرًا على الحكم على المواقف والأخبار فلا يقبل خبرٍ أو فكرة أو معلومة لأن هناك شخص يرتدي عمه وقفطان .
- الإلحاد يمنح الإنسان التعاطى مع البشر بشكلٍ موضوعي أكثر , فالملحد لا يعطي قيمة اجتماعيةً لمن لا يستحقها على أساسٍ هالة دينية أو إجتماعية مثلا أي لن يقدم التقدير والتبجيل والخضوع والتبعية لمن لا يستحقها ، فالشيخ والملا والبابا والكاردينال والحاخام بل العالم بالنسبة له لا يختلفون عن أي إنسانٍ آخر بل لا توجد كتابات مقدسة , ولا توجد قداسة على أى مستوى ولا حتى تبجيل لعلماء أفذاذ , وفي ذلك إقتراب أكثر من مفهوم الموضوعية والحيادية ، وإعطاء كل شئ حقّه بدون صبغة تمايزية .
- يقولون أن المؤمن أكثر راحة وسعادة من الملحد وهذا صحيح , فالمخدرات تعطى لذة لمتعاطيها لا يمكن إنكارها ولكنها مدمرة فى النهاية .
- إعطي رجل سمكة ستطعمه يوماً واحداً , اعطية إله ستجعله يموت جوعاً وهو يصلي أن ينال سمكة , إعطيه سنارة أى وعياً ستجعله يصطاد سمك كل يوم .
- إنصرف الإنسان عن عبادة الشمس عندما أدرك ظاهرة الشمس وقوانين الحرارة وأنها بمثابة موقد فقط , وسينصرف الإنسان عن عبادة الإله عندما يفهم مادية الوجود المادى .
- ذات مرة قلت سأنصرف عن الإلحاد لأشير هنا أنه لن يُوجد حينها من يُبكتنى أو يَضطهدنى لإنصرافى عن الإلحاد , فلا توجد مصالح مُتضررة أو عقائد هشة ترتبك بإنصراف البعض عنها , ولكن ليس معنى قولى بالإنصراف أننى أجد خلل فى الإلحاد وضعف فى فلسفته وحجته ومنطقه بل من منظور أن القمر أراه جميلا لأشبه حبيبتى بأنها كالقمر بينما القمر قبيح الشكل كأرض جرداء صخرية جافة , ولكن ثقافتنا وعيوننا ترى القمر جميل ومريح , كذا النجوم اللامعة ماهى إلا مواقد نووية متأججة تنفجر لتعطينى مشهد نجم لامع أراه جميلا , لأقول لنفسى دعك من حقيقة الشئ فطالما الزيف مريح فلا تشاكسه ولتعيشه كالآخرين , ولكن ما ألبث أن أحيد عن هذا المنظور المزيف المنافق بالقول فلتبحث عن جماليات خاصة ولتحتفظ بجمالياتك لنفسك على الأقل .
- هناك دعم لمروجى للايدلوجيات والأديان فى الغالب أو قد لا يتوفر دعم إعتماداً على قناعات المتحمسين , بينما الإلحاد واللادينية فهى بلا دعم دوماً مُعتمدة على قناعات الملحدين , فلا يوجد دعم كون الإلحاد واللادينية ليس هوية ولا إنتماء لمجتمع أو تمثيل لنخب أو طبقات لذا لا توجد جهة تقف وراء نشر الإلحاد واللادينية فلا عائد من وراء ذلك إلا فى خيالات مريضة لأصحاب نظرية المؤامرة أو قل هو العجز والإفلاس فى مواجهة الفكر العقلى الإلحادى بمحاولات تشويه بائسة .
- معنى الحياة ليس مفهوم مستقل عنا , فمعنى الحياة هو ما نمنحه إياها .. عندما ندرك هذا فمن السهولة إدراك كل القصص والأساطير التى إخترعناها عن الإلة والأديان فنحن من نخلق المعنى والقيمة والغاية .
- الغاية نتاج طبيعى لوعى أدرك الوجود واللحظة الماضية والمستقبلية , فإدراكنا الواعى باللحظات التى مرت بنا ويقيننا أن هناك لحظات مستقبلية سنمر بها خلق فكرة الغاية فى الداخل الإنسانى لنسبب الأسباب ونخلق المُسببات حتى ولو بتهور .. إشكالية فهمنا للوجود هو إننا نبحث عن غاية تتجاوز لحظة غموض مستقبلية , لننتج أفكار ومعتقدات وخرافات فى ظل هذه المنهجية الباحثة عن غاية خارجة عنا .
- لو أدرك الإنسان أن الحياة ليست بذات غاية فى ذاتها وأن كل الغايات هى إنتاج الإنسان ليستطيع التعايش فى وجود بلا غاية , فحينها لن يكون هناك أى داع لإله ودين .
- الفكر مثل لحن موسيقى , و حياتنا بكل صخبها ليست أكثر من نغمة تنطلق وتتبدد ذبذباتها فى الأثير فلا تبقى منها شئ .. حاولنا من البدايات أن لا ندع نغمتنا تتبدد فخلقنا الأسطورة والإله .
- مشكلة الإنسان مع الوجود أنه لا يتحدث عن الأشياء كما هي , بل كما يريدها ويتخيلها ويتوهمها , فالنجوم العملاقة مصابيح للزينة .!
- الحياة صراع ولا توجد حياة بلا صراع ليكمن الخلاف بين الفكر الدينى والإلحادى فى رؤية الصراع , فالأول جعل الصراع مقدسا ً ثابتاً لا تتغير أطرافه , بينما الملحد جعله بشرى نسبى ملك لحظته وأطرافه فيمكن نقده بقسوة وتقليل مستوياته وإخماده وتفكيكه .
- الفن التشكيلى هو الإستمتاع بمعزوفة الألوان والخطوط بدون أن تحكى قصة , والموسيقى نغمات وذبذبات متناسقة لا تحكى حدوتة فهكذا الحياة موسيقى ولوحة زيتية نفسدها عندما نبحث عن قصة لها .
- نحن لا نمتلك إلا الوجود المادى فلا يوجد وجود آخر .. فأليس من المنطق والعقل أن نبحث فيه لنكتشف ألغازه بدلا من توهم وجود آخر يصرفنا و يعفينا عن مشقة البحث .. لا يوجد إلا طريق وحيد لفهم الوجود وهو الغوص بدون إبداع إضافات وحلول إقتراضية ليست منه .
- بقدر ما الثقافة بناء فكرى لتطور الإنسان وإختزان كل التجارب الإنسانية ولكن خطورتها عندما يتم تثبيت مشاهدها وتجاربها لتكون فاعلة فى واقع مغاير فيهمل الإنسان حركة التاريخ والتطور وفعل وحراك المادة ليصل لحالة من التجمد غير قادر أن يخلق صوره الفكرية الخاصة متكئا ومعتمدا على صور إنسان قديم .
- الحياة ليست إلا لمحة خاطفة سريعة الإنقضاء مليئة بالإثارة والعجب من هذا الكون المدهش . ولكن المؤسف أن هناك من يبددون هذه اللحظة فداء التجهيز للعدم والتوسم فى عالم عدمى متخيل .
دمتم بخير وإلى جزء آخر من تأملات إلحادية فهناك المزيد ولا أستطيع الجزم متى تنتهى .
-"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟