صائب خليل
الحوار المتمدن-العدد: 1387 - 2005 / 11 / 23 - 10:14
المحور:
الادب والفن
سمعت امس من صديقة لنا ان عيد ميلادك يا فيروز هو اليوم, فأزحت المقالات السياسية المتكالبة في ذهني وقررت ان اكتب لك قبل كل شيء...لكن ما الذي يمكنني ان اكتبه عن فيروز فيعطيها حقها عندي؟
عندما تسمع فيروز..تتكون وتخلق لك في تلك اللحظة ذكريات...ثم تتمتع بها في نفس لحظة خلقها كأنها ذكريات قديمة معتقعة يؤطرها ضباب الزمن, فتبتسم!
انت تعلم, انك اخترعت ذكريات لا وجود لها وأبتسمت لها, وربما قلت "الله..". انت تعلم ذلك جيداً, لكنك تتجاهل وتستسلم لمتعتها اللذيذة المخدرة.. فمن يجرؤ ان لا "يتذكر" سوره الاخضر حين تشدو فيروز" ذاكر يا ترى...سورنا الاخضرا" حتى لو انك لم ترَ سوراً اخضر في حياتك!
فيروز..ورحابنتها العظام...ذلك التكامل الصاعق الجمال, الذي يأسر ذهنك قبل قلبك, بكلماته قبل لحنه, فلا تعود لكبريائك فرصة للمقاومة, فتندفع تاركاً لنفسك حرية القفز واللهو كطفل صغير...مع "جارة القمر" التي "نسيت ان تكبر" وما تزال تطيّر الطيارة "على سطح الجيران".
لكن, ويا للأسف, بينما يلهو الأولاد,... "عم يلعبوا لولاد عم يلعبوا...تحت السما الزرقا, عم يلعبوا" لامفر لهم من ان يكبروا ولا مفر لنا من ان يبعدوا .." ياولادنا العم تلعبوا بالعيد, وكل عيد بتبعدوا لبعيد"
العمق في فيروز ورحابنتها يجدد الثقة بأن الإنسان لم يستسلم للإنحطاط بعد, والبساطة كلماتها والاسترخاء في صوتها توحي بالاطمئنان فتصيبك بعدوى الشجاعة وتنخفض حمى الخوف لحين.
وكيف سيجد الخوف من يصدقه في عالم تنتشر فيه تلك البساطة الساحرة التي تقول: " أنا لحبيبي..وحبيبي إلي"
صدقوني...أحسد الاوربيين على كل شيء, إلا اني اشفق عليهم في أمر واحد: انهم لم يعرفوا فيروز!
حصلت يا فيروز مؤخراً على عمل قريب من منزلي, وسعدت به, لكن ليس تماما! لأني سأفتقد الساعة التي كنا نقضيها معاً كل صباح وبعد الظهر في سيارتي في الزحام.
احتج في داخلي ان فيروز لاتعتبر عراقية! فمن قال ان اللبنانيين يحبونها اكثر منا؟ وإن كان الحب مقياساً للحق فأتخيل الاكراد يسألون: وهل فيروز عربية ؟
فيروز...كل عام وانت بخير, فلم ينشر السعادة في هذه البقعة من الارض احد بقدر ما نشرت ورحابنتك.
نصف قرن من الفن الراقي المتكامل يملأ الاثير بفضلكم. فن تحصنت به نفوسنا امام التصلب والكراهية, بقدر ما يمكن لفن ان يحصن النفوس لتبقى رطبة لينة. فإن لم تجدي يا فيروز وجوهنا باسمة فليس الذنب ذنبك, وإن وجدت الأذى ينتشر بديلاً عن السعادة التي انتظرتها فلم يكن ذلك لنقص حلاوة اغانيك.
لكن اغنياتك, "تلك الفقاعات الصغيرة الخفيفة الدائمة الخفقان في الضوء" مازالت تحارب فينا اليأس والتعب والروح الثقيل, ولعلها تنجح يوماً بان تعلمنا كيف نصطاد السعادة, "فمن يتعلم كيف يسعد نفسه, ينسى كيف يؤذي الاخرين"*.
* نيتشة : "هكذا تكلم زرادشت"
#صائب_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟