أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح راهي العبود - غلبت أصالح في روحي.















المزيد.....

غلبت أصالح في روحي.


صباح راهي العبود

الحوار المتمدن-العدد: 5125 - 2016 / 4 / 6 - 19:10
المحور: الادب والفن
    


عندما يعشق الشاعر فان عشقه هذا يوقد في قلبه شعلته الملتهبة الحارقة ,ويؤجج عواطفه التي تطلق العنان لنفسها لاسيما وإنه شاعرمرهف الإحساس ,فيفيض بكل مافي قلبه من عواطف لمن أحب سراً وجهراً. وهكذا أصبح أحمد رامي وهو شاعر الشباب أسير هوى كوكب الشرق أم كلثوم ومنذ اللقاء الأول بها,إذ أدرك إنها ملهمته الأولى ,فأحبها حباً نظيفاً يحمل كل معاني الطهر والعفاف وبلا مصالح ولا أهداف تفسده .وبالرغم من مرورخمسة عقود عاشها عاشقاً لم يثنه عن حبها على الإطلاق أي عائق ,ولم توقفه حواجز ولا أسوار ,ظل خلال تلكم السنين الطوال يناجيها شعراً, ويحدثها شعراً,ويراضيها شعراً إن هي زعلت عليه.وهكذا أضحت أم كلثوم مبعثاً لإلهامه ومفجراً لطاقاته وإبداعاته الشعرية .قدم لها القصائد والأشعار مجاناً وبلا ثمن لأنه كان يكتب لأجلها ,فالعاشق لايمنح شعره لمعشوقته مقابل ثمن على الإطلاق, هو شعر الحرمان والخضوع والترجي والرومانسية بأعلى مراحلها.
عزة جمالك فين من غيردليل يهواك
وتجيب خضوعي لمين ولوعتي في هواك
وكذلك .... ياللي قضيت العمر معاك .. أرضى جفاك .. وأتمنى رضاك.
وفي قصيدة أخرى..
فضلت أقول الزمان غيٌر على البعد حالك.... والا الرضا بالهوان كثر عليٌ دلالك.
ظل شعر رامي لأم كلثوم حلقات متلاحقة متلاصقة تحكي قصة حبه وتعلقه بها.وعلى الرغم من كل هذه العواطف الجياشة المتبادلة بينهما, فقد ظلت أم كلثوم ترفض عروض الزواج من قبل رامي لأنها تعتقد أن الزواج يقتل الحب ويطفئ جذوته ,فهي تريده معذباً في هواها ,مؤجج العواطف ,متوهج المشاعر,يكتب لها شعراً بأعذب الكلمات وبأرق العواطف .وبذلك أضاعته زوجاً لكنها ربحته شاعراً عاشقاً رقيقاً مرهفاً .
شربوا الهوى وفاتولي الكاس ... من غير نديم أشرب وياه .
بعد زواجه بفترة طويلة, والذي سعت له أم كلثوم نفسها وباركته وأحيت حفله,كتب رامي قصيدته الرائعة ( جددت حبك ليه) والتي لحنها الموسيقار الرائع رياض السنباطي .وعندما غنتها أم كلثوم في حفل حضره رامي كالعادة وبصحبة زوجته , شعرت زوجة رامي بحرج قاتل وهي تتصور زوجها يخاطب أم كلثوم وبحضورها مؤكداً لها حبه ,لا بل ويجدده بشعر أثار عواطف جميع من حضر الحفل ,والذي زاده روعة أن أم كلثوم كانت قد ذابت طرباً وهي تتمايل منسجمة مع لحن السنباطي, تطلق الآهات وتعيد الجمل بأنماط متنوعة. كل هذا كان سبباً في إحداث مشكلة بين رامي وزوجته التي تفاجئت بهذه القصيدة.
جددت حبك ليه بعد الفؤاد مارتاح
حرام عليك خليه غافل عن اللي راح
ده الهجر وإنت قريب مني ,كان فيه أمل لوصالك يوم
لكن بعادك ده عني ,خلى الفؤاد منك محروم
ياهل ترى قلبك مشتاق ,يحس لوعة قلبي عليك ؟...
ظلت أم كلثوم تطوع أحمد رامي وتعذبه لأنها تدرك تماماً أنه يبدع في الحرمان والجفاء والهجر ,لذا فهي تتعمد مخاصمته بين فترة وأخرى على الرغم مما جمع بين قلبيهما من حب ووجد ,وبعد كل خصام تفتعله أم كلثوم يكتب لها رامي قصيدة ( يضع السنباطي لحنها في الغالب ) لتغنيها أم كلثوم في الخميس الأول من كل شهرفي حدائق الأزبكية,فيطرب لها عشاق صوتها على إمتداد الوطن العربي ,لتعود بعدها المياه الى مجاريها بينهما. وفي إحدى المرات إمتد الخصام لشهرين قاتلين قرر بعدها رامي أن يكتب لها قصيدته الرائعة (غلبت أصالح في روحي) , فكانت بمثابة نداء عاشق يصف لوعته في غياب محبوبته ,ويشكو لها عذاب الفراق والهجر. ومن طرفه فإن رياض السنباطي زاد في جمالها بلحن جميل لتغنيها أم كلثوم فكانت ملحمة فنية قل نظيرها.كان ذلك عام 1946, وكان رامي حاضراً كعادته في الصف الأول يستمع لها بخشوع وهو مسترخ مطرق مغمض العينين تارة ,ورافعاً رأسه تارة أخرى ينظر اليها مردداً ( الله ... ألله ... ) . بعد إنتهاء الوصلة الغنائية طلبت أم كلثوم حضور رامي في الكواليس ,وما أن مد يده ليصافحها حتى فوجئ الحضور بإنحنائها لتقبيل يد رامي ثم خاطبته .........
يارامي إني أشعر بالندم لما سببته لك جراء الخصام, لقد كتبت شعراً بالغ الرقة والرومانسية ,وصفت فيه كل ما حل بك في فترة البعاد والزعل,. إني أشعر بالندم والأسف على كل ذلك,فما كان من رامي إلا أن يعبر عن حبه لها بالبكاء.
غلبت أصالح في روحي ..عشان ما ترضى عليك
من بعد سهدي ونوحي .. ولوعتي بين إيديك
صعبان عليٌ اللي قاسيته في الحب من طول الهجران
ماعرفش أيه اللي جنيته من بعد مارضيت بالحرمان
فضلت أقول الزمان غيُر على البعد حالك
وإلا الرضا بالهوان كثر عليُ دلالك
وأنا اللي أخلصت في ودي وفضلت طول العمر أمين
ياخذ الزمان مني ويدي وقلبك إنت عليُ ضنين
كنت أشتكيلك أيامي ,أشكي لمين ظلمك ليُ ؟
وكان رضاك نور أحلامي لما الزمان يقسى عليُ
صبحت أشكي منك لروحي ,وفضلت أخبي عنك جروحي
وبعدت عنك والفكر كان دايماً وياك
والقلب منك غضبان في دنيا الحب معاك
مجروح وضامم جناحه على الجراح اللي فيه
الليل يردد نواحه طول ما أليفه مجافيه
لما الزمان اللي غدر به بعدك وكنت نديم شكواه
رماك وجه السهم في قلبه ,عطف عليك والوجد ضناه
حتى الزمان اللي كان عطفك يعينُي عليه
خلاني أرضي الهوان وأسلم الروح إليه
وأسأل عنك,والقلب كان غضبان منك
وأحمل همك, وأنا اللي طول بعدي ماهمك
وأبات أصالح في روحي ,عشان ما ترضى عليك
وأنسى سهادي ونوحي ولوعتي بين إيديك
لم تكن روعة هذه الأغنية ونجاحها تتجلى فقط بالأداء الرائع الذي قدمته أم كلثوم ,وماحملته كلمات القصيدة المغناة من رومانسية وتعابير تصف لوعة الحب حسب, بل يضاف الى ذلك ما كان يمتلكه السنباطي من عبقرية وقدرة في إختيار اللحن الذي إتسم بروح شرقية أصيلة ترتكز على الأصول الموسيقية الراقية وحداثة الجمل الموسيقية التي تدفع الكثير من عشاق تلكم الألحان الى حفظها عن ظهر قلب. وعندما يكون اللحن موضوعاً لشعر رائع مثل شعر رامي يمتلك الرومانسية ورقة المشاعر وتغنيه أم كلثوم بصوتها الجميل ,فإن ذلك يعني التكامل الفني بكل روعته ومتطلباته,فألحان السنباطي تثير الشجن في النفس ,وتهيج العواطف,وتًبرزجمال الشعر وسحره.ولقد إختار السنباطي لهذه القصيدة مقام النهاوند لما يمتلكه هذا المقام من طربية تناسب الألحان العاطفية ذات الوقع الحزين والتي تضفي على السامع خشوعاً ورهبانية ,الى جانب ما يمتلكه من رقة وحنان , فمقام النهاوند يصلح للقصائد التي فيها توسل وخشوع وحزن وحرمان. ولهذا السبب يًلاحظ أنه يرافق قراءة الأدعية والتلاوات القرآنية عادة خاصة تلك التي تذاع بعد الإفطار في شهر رمضان.
لاتحتاج أم كلثوم لبذل جهد كبير لإنتاج الصوت الملائم لأي لحن موسيقي أو لتأدية المقامات , و لاتتكلف في أثناء الغناء ,فأوتارها الصوتية تهتز بالكيفية التي تريدها وتطلبها من حنجرتها,فهي متمكنة من التجوال والإنتقال بصوتها من ضخامة الى حدة وبالعكس ,ومن بطء الى سرعة وبالعكس ,وتستطيع التحكم بكمية الهواء الذي تخرجه من حنجرتها على وفق ما تشتهي وتريد. وهي مبدعة متمكنة من تأدية الإنتقالات في طبقاتها الصوتية. ولقد كان رياض السنباطي يدرك مساحة صوتها و, ويعرف ماتريد وما لاتريد ,وهذا سر نجاحه معها .
توفيت أم كلثوم عام 1975,فحزن عليها أحمد رامي حزناً قسى على قلبه ,وأخذ من صحته الكثير . رثاها بقصيدة مبكية, ثم ترك الشعر للأبد وإنزوى في بيته حزيناً مكتئباً حتى وفاته عام 1981.



#صباح_راهي_العبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السيد الحبوبي وبعض من شعره المُغنى .
- الفنان التشكيلي محمد حسين جودي ......... مطربة الحي التي لات ...
- ما خنت هواك ولا خطرت ..... سلوى بالقلب تبرده
- أعزاء القوم .... والإذلال الجائر
- الدود الأبيض والدود الأسود
- مائدة نزهت ... وأغانيها السياسية
- الكم والنوع وإنتفاضة العراقيين.
- التلفون ..... وذكريات خمسينية.
- وزارة مقترحة بعد إنتفاضة المضطهدين.
- بمناسبة الذكرى الستين لإنتفاضة أهل الكوفة عام 1956.
- إنتفاضة أهل الكوفة عام 1956 ..........بمناسبة ذكراها الستين.
- إبن عمها أكبر منها سناً وحجماً.
- عصابات بأنماط متنوعة.
- تقديرعمر الآثار
- تراث غنائي عراقي.............حضيري أبو عزيز
- محسن جبرالكوفي ...مطرب عاشق مات مسلولاً
- ذكريات مدرس في مدرسة مسائية
- نوري .....وبصمة الجسد
- سلاماً نساء العالم.. ...عشية اليوم العالمي للمرأة
- القفز من فوق السياج


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح راهي العبود - غلبت أصالح في روحي.